الرشفة الخامسة: مسك الروم

ابدأ من البداية
                                    

تشتّت لرؤية تلك اللطخات المتفرّقة لآثار طحين و صلصة طماطم وشت بما تعرّضت له هذه البلوزة طيلة يوم كامل من العمل الشّاق... لطخات أعماه غضبه عن التفطّن لها بالأسفل عندما كان يستقبلها بوحشيّته الجديدة التي تتفجّر من داخله عندما يتعلّق الموضوع بها هي دونا عن سواها... هي القادرة على أن تثير بداخله في الثانية الواحدة ألف رغبة بقتلها... ثمّ تفعل في الثانية التالية شيئا... فتثير فيه ألف رغبة أخرى... و من النّوع الذي لا تحمد عقباه!

"- تعبثين بالنار... مِس كاستيل!"

هدر بهسيسه الحارّ فوق بلوزتها الملطّخة بآثار طيبتها... تلك الطّيبة التي استشفّها من عينيها ذات يوم في حديقة منزلها و هي تبتسم له و تخبره باسم قطّتها... تلك الطّيبة التي يريد سحقها و قتلها و مسحها عن الوجود حتّى يتسنّى له تمزيق قلب روميلي روز دون أن يئنّ ضميره محتجّا!

"- ليس من المفترض أن أشعر تجاهك بهذا!"

ليس من المفترض أن يشعر تجاهها بال... عطف؟! أجل... هو عطف و شفقة إضافة للكثير من الخزي الذي تفرضه عليه رجولته المجبولة منذ الأزل على احترام و مراعاة رقّة الجنس اللطيف... ناهيك عن ترهيب احداهنّ و معاملتها معاملة السّبية!

اهتزّت حدقتاه فوق بلوزتها تزامنا مع اهتزاز اقتناعه بما كان يمليه عليه عقله من حجج واهية سخيفة يعلم في قرارة نفسه أنها لا تكفي لتبرير اهتمامه بمشاعر امرأة لا تستحقّ... لا تكفي أبدا!

اتّقّد كيانه النّاقم فانكمشت قبضته الغليظة مجدّدا على بلوزتها التي نفث فوقها أنفاسه الحارّة المحتدمة باختلاجات متباينة حدّ الألم! و لم يكن يدري... أنّه سيكبو بذلك العنف على أعتاب قماش صوفيّ أزرق كان منسدلا قبل لحظات على جسد خمريّ نحيل!

خبيثة مثلها... تلك الرائحة!
أغمض عينيه يستنشق عبق البلوزة الذي تناثر من بين مسامات قماشها المتسّخ يتحدّى روائح العجين و الصلصة و يخترق أنفه الذي تهاوت حصونه فاتحة المجال لغزو مستقبلاته الحسيّة... غزو عطر فطريّ هشّ... واهن...

"- مِسك الروم..."

غمغم مغيّبا و هو يتذوّق عطر خلايا جسدها بأنفه و يسبر تركيبته الرّقيقة النّاطقة بنعومة مكنونة... نعومة كفيلة باستفزاز كل روح رجوليّة خشنة متعطّشة للهوى و الحميمـ...

"- تبا..."

هدر شاتما بهلع حقيقي و هو ينتفض من غيبوبته كالملسوع قاذفا بالبلوزة بعيدا... و عندما توقّفت أصوات المياه... ارتجّ فوق كرسيه متخبّطا داخل حميم خواطره الجامحة... و ما لبث أن استدار منسحبا من المواجهة باستسلام مؤقت... لكنّه لم ينس رشق باب حمامها الذي سيُفتح في أية لحظة بنظرة خاطفة مغتاظة برطم على اثرها بنقمة:

"- تبا لكِ!"

ــــــــــ

صباح يوم الغد...
رشّ بضعة رشات من قنينة عطره المفضل واضعا اللمسة الأخيرة على اطلالته الرياضية الأنيقة بلا تكلّف... ثمّ رفع ساعته يتحقق من الوقت فقطب ملامحه بغيظ و حاد برأسه تلقائيا نحو باب غرفته الذي لم يتم طرقه بعد!

قيثارة ديامنتس|| The Harp of Diamantisحيث تعيش القصص. اكتشف الآن