احفاد الجارحي 5_الفصل الحادي عشر

2.5K 167 12
                                    

#أحفـاد_الجـارحـي5..(#ترويـض_الشـرس!!.)
               #الفصل_الحادي_عشر.
(إهداء الفصل للقارئة الجميلة"روان مكي" ، شكرًا جزيلًا على دعمك المتواصل لي، وبتمنى أكون دائمًا عند حسن ظنك يا جميلة...قراءة ممتعة 💙)

تعاونت الفتيات بجمع الأطباق، ومنهن من قامت بتنظيف المكان جيدًا، ومن جمعت الأطباق المغلفة ثم قمن بإلقائها بسلة المهملات، انتهت حملة نظافتهم على أكمل وجه، وجلسوا يرتشفون المياه الغازية بعد تناولهم لتلك الحموضة، ضحكاتهن الطائفة من قلوبهم تغزو قلب من يراقبهن منذ فترةٍ، يترقب فور انتهائهن من تلك الوليمة الغير محببة إليه، لذا اختار الجلوس بالداخل واكتفى بمراقبتهن من أعلى التراس، وما أن انتهت جلستهن حتى استعدن للدخول للقصر، فحملت الفتيات الأغراض واتجهوا، انقطع طريقهم بذهولٍ حينما وجدوا الاضاءة تسري بالقاعة الرئيسية، فنادت "آية" أحد الخدم وهي تساءله بدهشةٍ:
_في حد من الاولاد رجع؟
هز رأسه وهو يوضح لها:
_لا يا هانم.. ده الباشا اللي رجع من نص ساعة.
فغرت فاهها صدمةٍ تشاركت بها مع من حولها، وخاصة حينما ظهر "ياسين" من أمامهم، اتجه بصمتٍ عجيب للمقعد الجانبي للصالون، وجلس يراقب نظرات توترهم باستمتاعٍ، لم تمتلك أحدهن القدرة على اختيار كلمات تخفف عنهن حدة هذا الموقف، تأملهم بهدوءٍ وروية وهو يباغتهن بصوته الثاقب:
_حفلتكم خلصت ولا لسه؟
ابتلعت "آية" ريقها بتوترٍ، بينما هزت "ملك" رأسها عدة مرات تؤكد له ذلك، فهز رأسه بتمهلٍ وهو يردد بحبورٍ:
_عظيم.
وجذب الجريدة الموضوعة من أمامه يتفحصها ببطءٍ تحت أنظارهن المراقبة لكل ردود أفعاله، فقال وهو يقلب بين أوراقها:
_هتفضلوا بصينلي كده.. لو حابين تقعدوا ونقلبها جلسة نقاش معنديش مشكلة.
فور نطقه لتلك الكلمات تفرقنا سريعًا من أمامه، فهرولت الفتيات لغرفهن، بينما تبقت هي تراقبه بغيظٍ يموج داخلها حد الانفجار، وكأنها تتحدى كل ذرة برود يمتلكها، وقد ربح هو كعادته فظل يتابع قراءته للجريدة بسكينة جعلتها تتمرد عن صمتها حينما دنت لتجلس قبالته وهي تردد باستغرابٍ:
_غريبة انك متضايقتش يعني!
أغلق الجريدة بنظامٍ، ثم وضعها لجواره وجذب كوب القهوة يرتشفها على مهلٍ:
_هتضايق من حاجة بتسعدك ليه؟
رفعت احد حاجبيها بدهشةٍ، لحقت بسؤالها:
_بتفرحني بس بتضايقك!
ابتسم أمام وجهها المحبب إليه بكل تعابيره، وقال:
_اللي يضايقني أقدر أتقبله من بعيد عشانك!
ضحكت وهي تخبره على استحياءٍ:
_مش عارفة إنت أيه اللي حصلك اليومين دول.. قلبت على قيس مرة واحدة.. قولي بس فين ياسين الجارحي بجبروته!
رفع حاجبه وأخفض الآخر وبنبرة اخشوشنت في حدتها قال:
_تحبي استدعهولك؟
أشارت نافية:
_لأ... لأ... كده مرتاحين مع بعض أكتر.
ارتخت معالمه ببسمة تحررت لتخبرها بصدق مشاعره:
_متقلقيش قدر بعد السنين الطويلة دي يتعلم ازاي يصرفه عنك انتِ بس!
أشرق وجهها المجعد ببسمةٍ جعلتها في غاية سعادتها، فنهض عن مقعده وهم بالصعود وهو يشير لها:
_كفايا سهر.. اطلعي الجناح وأنا شوية وجي.
واتجه للمصعد بعد صعوده الدرج الصغير الجانبي، متجهًا للطابق العلوي، وبالأخص غرفة أغلى من يمتلك معزة خاصة بقلبه!
                        ******
توقفت السيارات تباعًا أمام باحة القصر الخارجية، هبطوا جميعًا وكادوا بالاتجاه للداخل، فاستوقفهم صوت تأوهاتٍ خافتة تأتي من صندوقٍ أحد السيارات، كبت "معتز" ضحكة كادت بالانفلات منه، فقال برجاءٍ:
_ما تفكه يا أحمد خلينا نتفض!
جذب "أحمد" حقيبة حاسوبه من السيارة، وهو يصيح به:
_أي حد هيفكر يفكه هيتعلق مكانه.. الواد ده اتمادى ولازم يتربى.
اقترب منه جاسم محاولًا استمالته:
_معلش يا ابو حميد قلبك أبيض طول عمرك.
تساءل بدهشةٍ وهو يوزع نظراته بين الجميع بحيرةٍ:
_ده خلى عمر يقطع شهادته!
ارتسمت بسمة شبه ساخرة على وجه ياسين الذي يستند بجسده على السيارة ويتابع ما يحدث بتسليةٍ:
_خلاص يا أحمد هو عمر يعني ماشي يلف على المستشفيات الحكومية بيدور على شغل ومش لاقي يأكل!  ده عنده مستشفي باسمه يا حبيبي هيطالبوه هناك بالشهادة في ملكه!!!
خرج "عمر" من السيارة، واتجه اليهما ليفصل بذلك الحوار الذي يتسبب له بالضيق قبل أن يمسهم:
_فكه يا أحمد.. أنا كده اخدت رزقي منه يا عالم الدور على مين فيكم؟
تسلل لوجوههم ارتباكٍ ينجح ذاك الأبله بخلقه بين دائرة جمعهم، فجذب معتز جاكيته الأسود واتجه للأعلى  ، لحق به جاسم وهو يحذره:
_اوعى تفكه يا أحمد.. سيبه في شنطة العربية للاسبوع الجاي يكون عقل كفايا.
ربت ياسين على كتف أحمد وهو يغمز له بمشاكسةٍ:
_القرار يخصك لوحدك، مينفعش نتدخل بين الأخ وأخوه.. تصبح على خير.
مشط المكان من حوله بنظرةٍ يحومها الاستهزاء، فحانت منه نظرة خاطفة لرائد الأخير بهبوطه للسيارة، اتجه "أحمد"إليه وهو يتمعن به بنظرةٍ حائرة، ختمها بسؤاله المباشر:
_مالك يا رائد من الصبح وأنت مش عاجبني.. أنت تعبان؟
أغلق باب سيارته ثم فعل القفل الالكتروني، وهو يحاول الا يتطلع إليه فينكشف غضبه الذي يحاول اخفائه، واكتفى بتلك الكلمات المقتصرة:
_مفيش حاجة يا أحمد.. أنا بس راجع مصدع شوية ومحتاج ارتاح.
هز رأسه بتفهمٍ، ومن ثم سأله باهتمامٍ:
_جهزت عرضك للمناقصة ولا لسه؟
استقام بوقفته من أمامه، وببسمةٍ ساخرة أجابه:
_هيفيد بأيه.. والكل متأكد إني هخسر المناقصة والغريب انهم حاطين ثقة كبيرة فيك!
اندهش من سماع ما قاله، وردد بصدمةٍ:
_أيه الهبل اللي بتقوله ده!  انت أول مرة تدخل مناقصة ولا أيه؟
منحه نظرة ثاقبة وكلمة ساخطة:
_الظاهر كده.
وتركه وهم بالصعود وهو ينهي الحديث بطريقة بدت لاحمد غريبة للغاية:
_تصبح على خير.
وتركه وصعد للاعلى بينما ظل أحمد محله جوار سيارته، على صوت"حازم" من الداخل، فرفع "أحمد" غطاء السيارة عنه، انحنى بجلسته وهو يشير له على القماشة التي تمنعه عن الحديث، فازاحها عنه بنفاذٍ صبر، ليردد الاخير بحزنٍ:
_كده يا أحمد عايز تقتل اخوك الوحيد!
لم يعبئ بما يقول فعقله شارد بما استمع اليه للتو، حل عقدة يده ثم استند بجسده على السيارة ومازال يتطلع للفراغ، وقف "حازم" جواره يتطلع له بضيقٍ، فاستمع لحواره مع رائد من البداية، لذا قال:
_رائد متهور يا أحمد.. لو خسر المناقصة دي الموضوع مش هيعدي بسلام.
رفع عينيه إليه، وكأنه كان بحاجة الحديث مع أحدٌ ولم يجد حوله سوى أخيه المشاكس، الذي قرر التنازل عن مزحه الدائم ليخبره بعقلية رجل متزن:
_اختيار عدي من البداية كان غلط، يمكن لو كان اختار ياسين بدال رائد كان أفضل، وده مش تقليل من رائد بس رائد انسان عصبي ومتهور وصعب انه يفهم إن حربك دي لصالح اسم العيلة مش لصالحك انت.
تهدلت معالمه بحزنٍ شديد، وسأله باختناقٍ:
_طب والحل.. أنا مستحيل أسيب الفجوة دي تتخلق بينا يا حازم.
ضم شفتيه معًا، وكأنه يفكر بحلٍ مثالي لتلك المعضلة، اجلى أحباله الصوتية وهو يخبره بعد لحظاتٍ من الصمتٍ:
_لو رائد مكسبش المناقصة دي يا أحمد مش لازم أنت كمان تكسبها.
رفع أحد حاجبيه بذهولٍ:
_تقصد أيه؟
أوضح له مقصده، حينما قال:
_متكشفش ورقك كله، جهز عرض بديل للمناقصة دي، لو رائد كسبها يبقى هتقدم العرض اللي هيضمن نجاحك أنت كمان، ولو منجحش يبقى مفيش قدامك أي اختيار غير انك تقدم العرض البديل ومتنجحش أنت كمان.
ابتلع ريقه بتوترٍ من سماع ما قاله، وأخبره بترددٍ:
_بس لا ياسين الجارحي ولا عدي هيقبلوا بده يا حازم، خسارتنا قدام مهاب أبو العزم هتقيم حريقة في المقر!
أبعد عنه جرفاته بنفورٍ من ارتداء تلك الحلى الغير مريحة، وردد قائلًا:
_عارف وعارف كمان أن عمي مش هيكون راضي عن اللي هيحصل بعد كده بينكم يا أحمد، ومش بعيد كمان يحط اللوم على عدي وهتكون في مشكلة جديدة!
فكر جيدًا بما قاله أخيه الأصغر، بعدما سد عليه كل فجوة كان يلجئ إليها، فوجد أن الحل الذي قدمه إليه هو الأمثل بالتأكيدٍ، انسحب من شروده وتطلع إليه بإعجاب يطفوه الدهشة بعنوانٍ لا يستدعي إخفاءه، فاستقام بوقفته عن السيارة وتساءل بتشتتٍ:
_أنت حازم أخويا بجد ولا ركبك عفريت وهيختفي بعد عشر دقايق!
رفع رأسه عاليًا وهو يجيبه بعنجهيةٍ:
_انا هو نفس الشخص.. عجبتك!
واسترسل وهو يبحث عن نظاراته بجيب سرواله، فارتداها وهو يستطرد بغرورٍ:
_أنا المفروض تشكروني على الجو اللي معيشكم فيه جوه غابة ياسين الجارحي.. وبدل ما تفرحوا باللي بعمله عشانكم بترموني في شنطة العربية!
قهقه "أحمد" عاليًا، وضم يده حول كتفيه وهو يحثه على الصعود برفقته للاعلى، وأخبره بسخطٍ:
_انت ثروة لا تقدر بتمن يابو خالد.
تهجمت تعابيره غضبًا:
_وليه بس السيرة العكرة دي ما كنت ماشي كويس!
تعالت ضحكاته فشاركه الضحك انتهازًا لتلك الفرصة التي لا تعوض فيما بينهما..
                       *******
طرقات خافتة متتالية على باب الغرفة، جعلت الصغير يعلم بكنية الطارق، فهرع تجاه بابه ليكن باستقباله بنفسه، رحب به ببسمةٍ كادت بأن تصل للأذن:
_جدو!
ضمه إليه بمحبةٍ لا تسع كون لوصفها، ودخل به حتى جلسوا معًا على الأريكة التي تنحدر بكراتٍ صغيرة زرقاء تناسب أجواء الغرفة تخص الصبي، رفع ياسين يده على خد الصغير بحنانٍ بالغٍ:
_طمني عليك يا بطل؟
ابتسم الصغير وهو يخبره:
_انا بخير وبقيت أفضل لما حضرتك رجعت، كنت خايف انك تفضل بعيد عن القصر أكتر من كده.. بس الحمد لله إن بابا قرر يرجع حضرتك.
رفع أحد حاجبيه بشكٍ راوده لما استمع اليه:
_أفهم من كده انك اتعمدت متحذرنيش إنه عرف مكاني!
تطلع له بربكةٍ جعلته يردف بشجاعة تحلى بها:
_بصراحة آه لاني كان نفسي أشوف حضرتك.
رفع كفيه يحتضن خده بمحبةٍ، فحانت منه نظرة جانبية لمكتبه، فقال متلهفًا:
_أيه أخر انجازات الفنان بتاعنا؟
ركض مسرعًا تجاه مكتبه، وجذب أحد لوحاته ثم عاد بها إليه، فقلب ياسين بين محتويات ما رسمه بحرافيةٍ، والبسمة لا تفارق شفتيه لجمال ما رآه، استوقفه عدة صور تخص ظباط الشرطة وأغلبها رسومات لشتى أنواع الاسلحة، جذب انتباه صورة أخيرة قريبة حدًا ما لعدي ابنه، وعلى ما يبدو بأن ذاك الصغير الذي يرتدي ملابس الشرطة ويقف لجواره تخص حفيده المهوس بكل ما يخص الشرطة، وعلى ما يبدو بأنه يختار نفس الدرب الذي سلكه ابنه من قبل، وبذل كل ما بوسعه ليمنعه من ذلك، والآن سيقف مكتوف الأيدى من جديدٍ، لاح على وجهه ابتسامة عابثة، ابنه الشرس لا يتناحى عن تحديه ويظن بأن ابنه لا يود أن يكون مثله هو بل مثل جده، ليته يعلم حقيقة مشاعره.
أغلق "ياسين" اللوحة الضخمة من أمامه، وراقب قلق الصغير الذي يتراقص بحدقتيه، فربت بحنان على معصمه وهو يخبره:
_اللي أنت عايزه هتحققه بنفسك ومحدش هيقف في طريق ولا هيعارض اختيارك.. اطمن أنا في صفك مش ضدك.
لمعت الفرحة بعينيه وارتمى بأحضانه يتعلق به بأمانٍ يرغب دومًا بالشعور به في حضرته!
                       *******
مشاعره الثمينة يقدرها ويقدر ما يحتاج إليه، لذا فضل البقاء بمفرده،وعدم العودة بصحبة الشباب للقصر، فإتجه لأكثر مكانًا قد يريحه، ولم يجد راحته سوى بالجلوس أمام المياه التي يتردد صداها بحافة الصخور التي تلامسها بعناقٍ طويل، اشمر "عدي" عن بنطاله،ثم طوى  قميصه حتى كشف عن ذراعيه وحرر أول أزراره حتى مقدمة صدره، وجلس فوق الصخور القريبة من المياه، لا يعلم كم ظل على تلك الحالة الساكنة، يتأمل المياه بصمتٍ عجيب، أزعج جلسة سكونه صوت رنين هاتفه، فجذبه من جواره وهو يتأمل اسم المتصل على مضضٍ، فضغط على زر الاجابة وتركه لجواره وهو يجيب بتأففٍ:
_عايز أيه يا مزعج؟
تردد صوته المرتبك إليه، فنجح بزرع التوتر بداخله لمعرفة ما به:
_عدي.. إبعد عن طريق مهاب أبو العزم الراجل ده خطير.
نزع عنه سماعته وجذب الهاتف لأذنيه وهو يسأله بقلقٍ:
_في أيه يا مازن؟
رد عليه مسرعًا:
_الراجل ده مش سهل يا عدي.. مخيف ولازم تاخد حذرك منه.
بنفاذ صبر صاح:
_ما تنجز وتقول في أيـه؟!
أوضح له ما حدث:
_الشاب اللي استدرجته وعرفت منه المعلومات اللي بلغتهالك من يومين اتقتل بطريقة غامضة ومحدش لاقي تفسير لموته.. بس طبعًا أكيد اتفهم سبب موته!
أبعد خصلات شعره الذي بدى يزعجه بطوله عن عينيه وهو يخبره:
_مازن أنت لازم ترجع مصر بسرعة.. أكيد هيهاجمك في أقرب فرصة.
طمنه حينما قال:
_لا معتقدش إنه هيعرف يوصلي.. لإني مدتش للشاب ده أي معلومه توصله بيا.. اطمن أنا لو حسيت بالخطر هنرجع فورًا.
حذره مجددًا:
_خد بالك من نفسك.. وسبلي أنا مهاب ده.
أغلق هاتفه وعقله ينجرف خلف عدة طرق كلاهم لا يتفق بمقابلة الآخر، ولكنها تتحدان لتأيد نقطة واحدة، بأن عليه أن يواجهه وجهًا للأخر!
                        ******
شاشة ضخمة تحتل منتصف ردهة يملأها عدد مهول من الحرس الخاص، المكلف بحماية رجل من حيتان رجال أعمال الشرق الأوسط، وبمنتصفها مقعد ضخم يحده اثنين من تماثيل النمور الجامحة، يعتليه "مهاب أبو العزم" وهو يتأمل صورة عدوه الجديد الذي انضم لقائمة تخص "عدي الجارحي"  ، وذراعه الأيمن يقف لجواره وهو يتابع الصور من أمامه، فعبث أحد الرجال بالريموت الالكتروني من على بعدٍ ليقلب باقي الصور، فخرج "مهاب" عن دائرة صمته المخيف حينما سأل من يقف على يمينه:
_مين ده؟
أجابه بثقةٍ تجعله مثير للشكوك، وكأنه يعرف أفراد  آل "الجارحي":
_ده" مازن أحمد الباز" صديق عدي المقرب وزميله.. يعني مش أول مرة يساعده وينقله معلومات عنك يا باشا.. ده متعود يكون الكلب اللي بينبح ورا صاحبه.. وزي ما قدر يسحب المعلومات دي من الحيوان اللي قتلاناه يقدر يعمل أكتر من كده لانه ظابط وده جزء من شغله.
واسترسل بفحيحٍ شيطاني:
_وجوده بدبي خطير علينا كلنا يا باشا.
أمره دون سماع المزيد:
_اخلص منه.
ارتسمت السعادة الغامضة على وجه هذا الأرعن الذي انضم إليه لينتقم لنفسه، وكأن كل اعداء عدي اجتمعوا ليعلنوا حربًا شيطانية لعينة، عاد الرجل ليقلب بالريموت عدة صور التقطها لمازن بعد مراقبته لثامنيةٍ وأربعون ساعه، حتى أتت قبالتهم احدى الصور، فأمره "مهاب" سريعًا بالتوقف، انحنى بجسده للأمام وهو يتأمل تلك الصورة المعروضة، واصبعه يشير لمن يراقبه بتكبيرها، وبعد لحظات خرج سؤاله مسحور خلفها:
_مين دي؟
أجابه ذراعه الأيمن باستغرابٍ مما يحدث إليه:
_ مروج بنت عم عدي وتبقى مرات مازن!
شروده بصورتها كان بمثابةٍ انذار بخطرٍ مهيبٍ، فنهض عن مقعده واتجه إلى الشاشة بخطواتٍ بطيئة، مرعبة، حتى باتت يده تمسد على وجهها برغبةٍ دنيئة، فهمس بشرٍ عظيم:
_مفيش مانع تكون وسيلة تساعدنا في الانتقام من الحقير ده هو واللي وراه.
وببسمةٍ ماكرة، ردد:
_بس يا ترى هقدر أقنعها بالوش ده بعد عملية التجميل!
أسرع من خلفه وهو يردد بضحكة لا تخص سوى شياطين الانس:
_انت تعجب الباشا يا باشا.. وبعدين العملية دي هي سر نجاتك.. ومستحيل عدي يقدر يوصلك.. ولا هيعرف عمره كله يوصل لعدوه اللي بيضربه من تحت لتحت حتى لو شافك وش لوش!
شاركه الضحك لينقطع عنه فجأة، ليتابع بقسمٍ لعين:
_كل اللي عمله فيا جواه السجن عقابه هيكون عسير أوي.
واستدار تجاهه وهو يأمره:
_احجزلنا تذكرتين على بكره بليل، هحضر المناقصة دي بنفسي وهشوف اذا كان هيعرفني بالوش ده ولا لا.
واستكمل بتحذير قاطع:
_بس خد بالك.. ظهورك لعدي هيكشفنا.. مش لازم يشوفك لا هو ولا أي حد.. سامع.
أومأ برأسه عدة مرات وهو يؤكد له:
_متقلقش يا باشا.. أنا مش تلميذ!
وعاد ليتطلع تجاه الصورة المعروضة، فوزع نظراته بينها وبين من يراقبها بانبهارٍ وجراءة، فغمز له بمكرٍ:
_بس قولي انت ناوي على أيه؟
عاد ليلامس الصورة من جديدٍ:
_ النية مش بتحقق المراد!
                        ********
ودع القمر لقائه الغرمي واستقبلت الشمس بداية اليوم بترحابٍ غامر، ومع بداية اشرقتها غمر آذان الفجر الاجواء، وهو ينادي "الصلاة خيرًا من النوم" 
أغلق "عدي" عينيه بتأثرًا، فنهض عن الصخور وإتجه لأقرب مسجدًا إليه، شرع بالوضوء ومن ثم التحق بصفوف المصلين، وأدى فريضته بخشوعٍ تام اعتاد عليه بفضل توجيهات والدته، فلم يترك يومًا فردًا، حتى عمر ومليكة نشأوا على تلك التريبة التي احتدت بالحزم تجاه ما يخص الله عز وجل، فلم تتهاون آية يومًا مع أحدًا حتى وإن كانت رقيقة طيبة القلب، انتهى "عدى" من صلاته، ثم جلس على سجادته يترقب المسجد من حوله بنظرةٍ متفحصة، فاسند ظهره على احد الاعمدة، ولا يعلم كيف غفى واستسلم للنوم سريعًا..

اسياد العشقWhere stories live. Discover now