المشهد 40

5.6K 231 6
                                    

....نفض ابراهيم يدي صلاح عن كتفيه واسرع بخروجه من البيت تاركا وراءه تلك المتسمرة بمكانها وكفها الصغير مازال موضوعا فوق وجنتها الملتهبة ..وقف صلاح عند الباب وهو ينتقل بعينيه بين ايمان التي تبكي بصمت وبين باب شقته الذي صفقه هذا الغاضب بقوة اهتزت لها الجدران .. فصاح بصوت عال ضاربا جانبي ارجله بيديه..
.."..مافيش كلمة اسمها صبر في قاموس حياتكم انتو الاتنين يااغبيا .."..
..تحرك صلاح ووقف امام ايمان وهو يقول معاتبا بقوة وهو يعد على اصابعه..
.."..أما انتي بقى فامفيش ولا كلمة صبر ولا عقل ولا تفاهم او أي حاجة خالص....."..
..لم تدري ايمان بنفسها الا وهي ترتمي بصدر صلاح وصوت نحيبها اخترق اذان من حولها ..
..تنهد صلاح بيأس ونظر للسقف وهو يقول بغيظ من بين اسنانه ..
.."..دلوقتي بتعيطي ..في واحدة محترمة تهين جوزها بالطريقة دي ..دا لولا انه عنده شوية عقل ..انا بقول شوية..كان كسر دماغك .."..
..تجعد قماش قميص صلاح من شدة قبضة اصابع تلك الباكية والتي تعالى صوت بكائها بصوت اشد قوة..
..فصاحت العجوز بغضب وهي تقول ..
.."..بس ياواد انت متنقرزهاش بالكلام ..كفاية القلم السخن اللي اكلته ..تعالي ياحبيبة امك في حضن ستك هنية تعالي .."..
..وبهوادة دفع صلاح بكتفي ايمان ناحية الفراش لتغمس نفسها بحضن العجوز وبكائها يشتد قوة ..
..فمسدت العجوز فوق ظهرها وقالت بصوت هادئ..
.."..بس يابنتي كفاية عياط..هو صحيح انتي تستاهلي بدل القلم قلمين ..بس معلش ..طب انتي عارفة.. دا حقك تفرحي ياهبلة انه طلع صاغ سليم ..مش بتقولي البت حامل منه .."..
..زاد نحيب ايمان اكثر فاسرع صلاح بقوله وهو واقفا متخصرا امامهما ..
.."..لا يأمي ولا حامل ولا حاجة ..دا فيلم واتلعب على ايمان ..وهي هبلة وصدقته .."..
..رفعت ايمان وجهها الغارق بالدموع بسرعة وهبت واقفة بقبالته وهي تصرخ بوجه خالها ..
.."..لا ياخالي لا..انا شوفتها بعيني بتمسح على بطنها وبتقوله سامحتك عشان ابننا وباسته ياخالي .."..
..فهدر صلاح بغضب وغيظ ..
.."..دا كلامها هي ..لكن سمعتيه هو ..وقفتي لغاية ماشوفتي حصل ايه ..ولا هربتي بسرعة عشان تأكدي لنفسك ظنونك انه فعلا ندل وانه مستحيل يحب واحدة زيك .."..
..اهتزت حدقتي ايمان وهي تنظر بعيني خالها الغاضبة ..وقالت بصوت خافت ..
.."..مش فاهمة ..يعني ايه اللي بتقوله دا .."..
..امسك بكتفيها وهزها بقوة وقال بصة حاد ..
.."..لا انتي فاهمة كويس ..قلة ثقتك في نفسك وفي نفس الوقت حبك لابراهيم ..خلاكي تفكري غلط وانك ماصدقتي تلاقي غلطة تبرري بيها لنفسك وتقولي ..ايوة انا صح ..مش معقول واحد زيه يحب ميكانيكي زيي ..انا لازم اسيبه ..انا لازم اهرب ..مش كدة يابنت اختي .."..
..دفنت وجهها بين كفيها لتواصل نحيبها بصورة تألم لها قلب صلاح ووالدته العجوز ..
..زفر صلاح بضيق وحاوطها بذراعيه وهو يقول ..
.."..لازم ياايمان تقعدي مع نفسك قاعدة كبيرة ..تحاسبيها وتفهميها انك غااالية اوي ..وانك مش قليلة ابدا ابدا ..لازم تثقي في نفسك اكتر من كدة ياحبيبتي..ويكون في علمك وانا اللي بأكدلك ..جوزك بريئ ..وطرد مرات عمك وقريبتها دي من الشركة بعد اللي حصل ..هو حكالي كل حاجة وبالتفصيل و احنا جايين في العربية .."..
..ظلت مستكينة داخل صدره تسمع دون رد ..فامسك بكتفيها ليدفعها للوراء قليلا وهو يقول بهدوء ..
.."..ترتاحي كام يوم ..تكونوا انتو الاتنين هديتوا وبعديها نقعد تاني مع بعض .."..
..هزت ايمان راسها بالنفي ليتأرجح شعرها الذي يحاوط جانبي وجهها وقالت بصوت خافت ..
.."..لا ياخالي ..هي كدة خلصت ..انا وابراهيم ملناش نصيب مع بعض تاني .."..
..ربت فوق وجنتها باصابعه وهو يقول بوجه يرتسم فوق ملامحه ابتسامة مطمئنة ..
.."..بعدين...نتكلم بعدين .."..
..صاحت العجوز بعصبية وقالت ..
.."..ماتسمعي الكلمة يابت انتي ..الا قوليلي الاول ..انتي بنت مين يابت انتي .."..
..ضحك صلاح وهو ينظر لامه ...أما ايمان فحاولت ان تبتسم ولكنها فشلت فقالت وهي تمسح وجهها ..
.."..انا بنت منى ياستي .."..
****
..اخذ يضرب مقود سيارته بقوة حتى كاد ان يحطمه ..كلماتها اخذت تتردد في رأسه كالمطرقة الحديدية..كل ماجال بخاطره انها النهاية لا محال..
..ليصيح بها أمام جده بعد وصوله مباشرة ..
.."..جدي ..انا على وعدي لحضرتك بخصوص حفيدتك ...لكن لحد هنا وانتهينا ..اول ماتنتهي كل مشاكلنا ..القضية وخلافه ..هيتم الطلاق ..ودا قرار نهائي ولا رجعة فيه .."..
..كان جده يحدق به ..يرى كيف كان صدره يعلو وينخفض وانفاسه المتسارعة تصارع دقات قلبه ..رفع يده كي يتحدث ويفهم ماجرى بين حفيديه ولكنه شعر بالخيبة عندما وجد ابراهيم يخرج من الغرفة دون سماع الرد من جده..
..زفر الجد بضيق وقال لزهرة التي كانت تقف بالقرب من الباب ووجهها يملأ الحزن ملامحه..
.."..اطلبي كمال خليه يجيني حالا ومعاه الملف الازرق ..اخوكي لازم يقف عند حده ..وولاد اخوكي لازمهم تربية من اول وجديد .."..
..هزت زهرة رأسها بالايجاب بعد ان تنهدت باستسلام وقالت وهي تضع الهاتف فوق اذنها ..
.."..الو ..ايوة ياكمال ..بابا عايزك تيجي دلوقتي ومعاك الملف الازرق .."..
..اغلقت الهاتف بعد سماعها رد كمال وقالت ..
.."..ايه يابابا الملف الازرق دا .."..
..كان الجد ينظر للفراغ وقال بصوت قوي حاد ..
.."..اطلعي لابراهيم واعرفي منه حصل ايه بالظبط ..ولما كمال ييجي متخليش حد يدخل علينا..مفهوم يازهرة .."..
..امسكت زهرة بمقبض الباب بعد ما انتباتها القلق وقالت ..
.."..مفهوم يابابا .."..
****
..زفر مراد بأريحية وهو يلملم حاجياته من فوق مكتبه محدثا نفسه ..
.."..واخيرا خلص الاجتماع ..انا المفروض اجيب هدية لابراهيم انه شايل كل الشغل دا على دماغه ..بس يارب يكون نجح ورجع المجنونة بتاعته ...اروح انا بقى اشوف المجنونة بتاعتي .."..
..نزل من سيارته التي ركنها على جانب الشارع الذي يقبع به هذا المشفى الصغير والذي يسمونه الناس..بالمستوصف..الذي تو ان دلف اليه يسأل عن الطبيبة اسيا ..ليجد موظفة الاستقبال تشير له بغرفة بنهاية الرواق ..وعند اقترابه من تلك الغرفة ببابها الموارب سمع صوت اسيا يصيح بغضب ..
.."..احترم نفسك يادكتور عماد واحترم اننا في مكان عمل.....بقولك سيب ايدي.."..
..اظلمت عيني مراد وتحول لونها العسلي الى لون داكن يشع غضبا فاسرع ليمسك بمرفق عماد ويهزه وهو يقول بصوت قوي حاد ..
.."..لما واحدة تقولك احترم نفسك وسيب ايدي ..يبقى من الرجولة انك تسمع الكلام ..ولا انت مسمعتش عن حاجة اسمها رجولة قبل كدة .."..
..اتسعت عيني اسيا التي نفضت يدها من قبضة عماد الذي قال بتعجب وهو ينظر بقوة لمراد ..
.."..انت مين ..وازاي تسمح لنفسك انك تدخل اوضة الدكاترة .."..
..وقف مراد بقبالة عماد بعد ما ترك ذراعه وقال له بنبرة صوت غاضبة ..
.."..انا ادخل اي مكان ..ولو عايز تعرف انا مين ..دكتورة اسيا هتعرفك عليا بس بعدين ..المهم دلوقتي ..بحذرك ولأخر مرة انك تتعرضلها ..مفهوم يا دكتور .."..
..هدر عماد وهو ينظر لأسيا التي  اصابها الخرس  ..
.."..عشان كدة بتصديني ..فعلا شكله ابن ناس اغنيا .. طب كنتي فهميني انك ماشية مع الاستاذ .."..
..امسك مراد بطرفي بالطو عماد وهو يصرخ في وجهه ..
.."..اخرس ياكلب .."..
..سمعت اسيا همهمات الجمع الذي وقف عند الباب فاسرعت تمسك بمرفق مراد وهي تقول ..
.."..سيبه ..كفاية ارجوك ..سيبه وامشي ..هاتفضحني في مكان شغلي ..من فضلك.."..
..التفت مراد براسه ناحيتها ليجد عينيها تلتمع بدموع التوسل ..ثم انتقل بنظره ناحية من يقف عند الباب ..فترك بالطو عماد الذي كان ينظر اليه بعينين تلتمع بنظرة سخرية وتشفي ..
..تخطى اسيا واتجه ناحية الباب ليبتعد موظفي وممرضات المستوصف ..وقبل ان يخرج التفت للطبيب عماد وهو يرفع له اصبعه محذرا اياه ..
.."..حذاري انك تنسى اللي قلتلك عليه ساعتها هتعرف مين هو مراد سمير عن حق .."..
..خرج مراد من المكان تاركا وراءه ينظر للاخر بتعجب وتساؤل حتى انفض الجميع على إثر صوت عماد وهو يقول ملوحا بيده ..
..".. كل واحد يشوف شغله ..يالا .."..
..انصاع الجمع لأمر الطبيب وكان صوت الهمهمات يعلو عن صوت بكاء اسيا الخافت ..توجه اليها عماد وجلس على عقبيه ينظر لوجهها المختبئ خلف كفيها وقال..
.."..مين دا يااسيا .. وايه علاقته بيكي بالظبط .."..
..انزلت اسيا كفيها بحدة وقالت وهي تنظر له بشراسة وقالت ..
.."..اخرس ..علاقة ايه اللي بتتكلم عنها.. ابعد عني ياعماد ومالكش دعوة بيا ..فاهم ولا لا .. ابعددد عني....."..
..هبت لتقف وخلعت عنها البالطو الخاص بها واتجهت لسطح المكتب الصغير القابع بنهاية الغرفة لتحمل هاتفها وحقيبتها وبخطوات مسرعة تركت المكان متجهة لبيتها دون ان تدري بمن يراقبها ويلحق بها ...
..ابيضت سلاميات اصابعه وهي تشتد بقبضتها حول مقود السيارة وهو يتذكر هذا الغبي الذي كان يمسك برسغ اسيا ..حاول ان يتنفس بهدوء كي يفكر برزانة وهو ينظر من خلال زجاج سيارته لمدخل رواق البيت التي تسكن به من خطفت قلبه من اول نظرة كما يقولون ..وبالنهاية لم يجد غير تلك الطريقة ليحسم هذا الامر ..
..كانت تجلس فوق الاريكة تنظر للفراغ يكاد الصداع ان يفتك برأسها ..وبيدها جزرة صغيرة الحجم تغرس فيها اسنانها بغيظ كلما تذكرت ماحدث..سمعت رنين جرس الباب فتأففت وهي تنظر لاخيها الصغير الجالس بجانبها ..استقامت لتقف بتذمر..اقتربت من الباب وهي تتأفف من اخيها الصغير الذي رفض ان يترك لعبته المفضلة التي يلعبها من خلال هاتفها الذكي ..ففتحت الباب وهي تنظر لاخيها وتصيح بغضب ..
.."..سيب تليفوني ياواد انت والا هاعضك عضة تسيب فيك علامة للابد.."..
..التفتت بعد ان انهت وعيدها بالفتك بأخيها الصغير ..لتجد من ينظر اليها بأعين متسعة وضحكة ساخرة تلفظ من خلال شفتيه التي تحركت قائلة..
.."..بالراحة على الولد ..ان كان ولابد انا ممكن اكون بداله .."..
..فغر فاهها وهي تنظر اليه والصدمة ترتسم بوضوح فوق ملامح وجهها مما اتاح له الفرصة ان يتأملها من شعر راسها المشعث حتى اخمص قدميها الصغيرتين ..تقدم خطوة ناحيتها ومد يده للجزرة التي كانت بيدها ليقضم منه قطعة صغيرة وهو يقول ..
.."..مساء الخير يادكتورة..ممكن ادخل "..
..ظلت صامتة متسمرة بمكانها ولكنها انتفضت عندما صاح والدها وهو يقترب ناحيتها ويقول..
.."..مين ياأسيا ..ومالك واقفة متنحة كدة ليه .."..
..اسرع مراد بتخبئة حبة الجزر وراء ظهره ونظر للرجل وقال وهو باسم الوجه ..
.."..مساء الخير ياعمي ..انا مراد سمير ..ممكن اخد من وقتك نص ساعة بس لامر مهم جدا بالنسبالي .."..
..دفع الرجل بابنته جانبا ليفسح الطريق لمراد بان يدلف داخل شقته وهو يقول ..
.."..اتفضل يابني .."..
..هرولت اسيا سريعا ناحية غرفتها لتقف وراء بابها وهي تضع كلتا كفيها فوق فاهها وهي تشهق بصوت عال..وبخطوات سريعة وقفت أمام مرآتها لتتسع عينيها من هول ما رأت من شعر مشعث خصلاته التي هربت من تلك الكعكة المتكومة فوق رأسها وبيجامتها الواسعة باهتة الالوان ..وبلحظة ادراك ضربت رأسها تهدلت اكتافها وتفكك تشنج جسدها وتحدثت لعكس صورتها للمرآة قائلة..
.."..هو جيه ليه ..معقولة يكون عشان.......لا ....لا ....مش معقول ..هيكون جاي عشان يطلبني ..لا...لا ....بس دا جيه فعلا..وقاعد مع بابا فعلا ......"..
..شهقت بصوت عال عندما فتح الباب ودلفت والدتها وهي تقول بلهفة وتساؤل..
.."..انتي واقفة عندك بتعملي ايه...ومغيرتيش هدومك ليه ..انا اول ماسمعت الشاب الحليوة اللي قاعد برة مع ابوكي دا وهو بيقولي انه يشرفه انه يطلب ايدك ..كنت هموت من الفرحة ولولا الملامة كنت زغرطت.."..
****
..ظهر الحزن جليا بملامح وجه زهرة عندما عرفت بما حدث بين ابراهيم وايمان بعد الحاح شديد منها وتهديده بأنها لم تتحدث معه مرة اخرى اذا لم يخبرها ..وضعت زهرة يدها فوق صدرها وهي تقول بأسف..
.."..ليه كدة بس ياايمان .."..
..التفتت براسها ناحية ذاك الجالس فوق كرسيه يفرك كفيه بعصبية واضحة فاستطردت قولها بهدوء ..
.."..حبيبي متزعلش منها ..انا مش بقول انها مغلطتش ..بس التمسلها العذر ..بتحبك وبتغير عليك بطريقة اوفر شوية.. فاتكلمت من غير ماتفكر .."..
..استقام ابراهيم بوقفته وقال بصوت غاضب ..
.."..عمتي ..لو سمحتي ..الامر منتهي ..وارجوكي انا مش عايز اتكلم في الموضوع دا تاني ..ولو حد اتكلم معايا فيه انا تكون مضطر اني اسيب البيت .."..
..التوت شفتي زهرة جانبا وقالت وهي تقف ..
.."..خلاص ...بلاش نتكلم دلوقتي لانك متعصب ..لكن بعدين......"..
..صاح ابراهيم بقوة جعل عمته تنتفض بمكانها ..
.."..مااافيش بعدين ياعمتي...قلت الامر منتهي .."..
..اخفضت عمته رأسها لأسفل بعد ماشعرت به من حرج ..فسب ابراهيم نفسه وتقدم ناحيتها محاوطا اياها بذراعيه وهو يقول ..
.."..اسف ياحبيبتي انفعلت عليكي ...بس ارجوكي افهميني واعملي زي ما انا عايز .."..
..هزت عمته رأسها بالايجاب وربتت فوق ذراعه وقالت ..
.."..حاضر ياحبيبي زي مانت عايز ..بس عايزاك تكون صبور اكتر كن كدة وتمسك اعصابك كويس لو جدك فتح معاك الموضوع ..اوكي حبيبي.."..
..لم يجد اجابة عليها سوى بايماءة من رأسه والتشديد من احتضانه لها ...
..سمعا طرقا فوق سطح باب غرفته فدلفت دادة فاطمة وهي تقول ..
.."..زهرة هانم ..استاذ كمال وصل تحت ومستني حضرتك .."..
..اجابتها زهرة وهي تتقدم ناحيتها ..
.."..انا نازلة معاكي يافاطمة ..ياريت تعملي القهوة وتقدميهاله في مكتب بابا .."..
..تساءل ابراهيم قبل ان تخرج عمته ..
.."..عمي كمال تحت ..ليه ياعمتي ..هو  حصل حاجة ..في تطورات جديدة في القضية .."..
..رفعت عمته كتفيها وهي تقول ..
.."..معرفش ..جدك هو اللي طالبه.."..
..اغلقت الباب واسرعت تنزل درجات السلم حتى تقابل كمال الذي تهللت اساريره فور رؤيتها وقال ..
.."..وحشتيني يازهرتي .."..
..اتسعت عيني زهرة وهي تتقدم ناحيته بخطوات تدب الارض من تحتها بغيظ ..وهي تقول بغضب ..
.."..مية مرة اقولك بلاش زهرتي دي وبلاش الاسلوب دا في كلامك معايا.."..
..رفع كمال حاجبه ساخرا وقال بتهكم ونبرة صوت باردة ..
.."..انا حر يازهرتي اقول اللي انا عايزه وحاسه ..وبعد اذنك ادخل لعمي بدل ما يزعل اني اتاخرت عليه .."..
..دبت الارض بقدمها وقالت بغيظ وهي تنظر لظهره ..
.."..استنى عندك ياكمال.."..
..تنهد بغضب واهي ووقف ليجد من تتخطاه وتقف بقبالته وتقول بعصبية ..
.."..انا عايزة اعرف ايه حكاية الملف الازرق اللي طلبه منك بابا .."..
..كان يحدق بتلذذ ملامحها الغاضبة وتذمرها الواضح فقال عندما اقترب بوجهه من وجهها الذي تخضب بالاحمرار ورجع للوراء..
.."..مالكيش دعوة ..دا سر بيني وبين عمي ..ولو ...لو ...عايزة تعرفي..ساعتها يبقى لينا كلام واتفاق تاني يازهرتي .."..
ضاقت عينيها بغيظ واضح فصدحت ضحكات كمال عاليا وهو يتخطاها ليدخل غرفة المكتب بعد استئذانه بالدخول من عمه الذي اجابه ..
.."..ادخل ياكمال انت لسة هتستأذن.."..
..اغلق كمال الباب بعد غمزته لزهرة واتجه مسرعا ليجلس امام العجوز وهو يقول ..
.."..أمرك ياحافظ بيه ..انا جيبت معايا الملف الازرق زي ماطلبت ..أخيرا ان الاوان .."..
..وبوجه جامد قال العجوز بصوت حاد ..
.."..لما الامر يوصل لحفيدتي ياكمال يبقى مافيش مفر ...سمير ومراته اصلي فاكرين اني مقدرش احمي احفادي من مؤامرتهم الدنيئة ..مكفاهمش القضية والفضيحة ..لا ..عايزين يفرقوا بين احفادي ويبعدوهم عني .."..
..قال كمال بصوت هادئ ..
.."..اؤمر حافظ بيه .."..
..استند حافظ بذراعيه فوق سطح مكتبه وقال ..
.."..ورقة واحدة من الملف ..تتحط في ظرف ومعاها ورقة صغيرة مكتوب فيها ..ابعد عن ايمان ..ودا التحذير الاخير .. وانت عارف طبعا هتبعتها لمين.."..
..وضع كمال ذراعه فوق المكتب بدوره واقترب بجذعه وقال ..
.."..انا من رايي ياحافظ بيه نستعمل كل الورق اللي بالملف ونخلص خالص من موضوع القضية دي قبل اول جلسة وحضرتك عارف انها قربت خلاص .."..
..هز العجوز رأسه بالنفي وقال بثبات وهدوء ..
.."..انت مش فاهم ياكمال ..انا كنت واخد موضوع القضية دي حجة عشان الولاد يقربوا من بعض اكتر ..لكن من بعد اللي حصل ..كل اللي بنيناه اتهد ..لازم القضية تفضل شغالة ..لانها الخيط الوحيد اللي بيربط الولاد ببعضهم حتى لو بعدوا عن بعض ..فاهم ياكمال .."..
..تنهد كمال باستسلام واعتدل بجلسته فوق كرسيه وقال وهو يشير بكف يده ..
.."..فاهم ياعمي ..امرك ...زي ما تحب.."..
..دلفت دادة فاطمة وهي تحمل صينية القهوة بعد ان اذن لها بالدخول ..ليقول الجد ..
.."..اندهيلي زهرة يا فاطمة.."..
..وقبل ان تجيب فاطمة دخلت زهرة وهي تقول ..
.."..ايوة يابابا .."..
..نظر لها العجوز بغيظ فقد تنبه انها كانت تقف بجانب الباب ..فرمشت زهرة بتوتر لتنظر لكمال الذي تلاعبت حاجبيه لها وهو يرتشف قهوته باستمتاع واضح ..
..اشار لها العجوز بان تجلس وتروي ماحدث بين ابراهيم وايمان ..كعل ابراهيم مشتعلا كالبركان ومصمما على انهاء ما بينهما...
..وبعد برهة من الوقت وقبل ان يخرج ابراهيم من باب الفيلا اتجه للمكتب وقال فور دخوله اليهم ..
.."..ايوة ياجدي ..حضرتك طلبتني .."..
..رسم الجد بملامحه القوة وقال بصوت حاد ..
.."..تتصل بإيمان وتقولها انك هتروح تجيبها عشان تعمل التحليل اللي طلبته المحكمة ..
..زفر ابراهيم بضيق وصاح بصوت غاضب دون ان يفكر بتلك الحجج الواهية..
.."..جدي لو سمحت ..انا مش عايز اسمع ......."..
..ضرب الجد سطح المكتب بقبضته وهدر بغضب وصوت عال...
.."..انت بتعلي صوتك عليا ياابراهيم وبتعصى اوامري .. "..
..انتفضت زهرة بمكانها وتغضنت ملامح كمال وهما ينظران بأسف لابراهيم الذي حاول ان يكبح زمام غضبه فقال بعد شق الانفس لتهدئة حدة انفاسه ..
.."..العفو ياجدي ..لكن انا .."..
..قطع الجد استرسال حديث ابراهيم وقال بحدة ..
.."..من غير لكن ...انا ما بقولكش انك تصالحها ..اتفلقوا انتو الاتنين ..انا اهم حاجة عندي القضية ..تخلص وبعدين تعملوا اللي انتو عايزينه ..فاهم ولا مش فاهم ..اتصل بيها حالا دلوقتي قدامي .."..
..اصطكت اسنان ابراهيم من الغيظ فحاول ان يهرب من هذا الطلب الثقيل على كرامته فقال ..
.."..تليفونها معايا مش معاها.."..
..رفع الجد حاجبه وقال بتهكم وبصوت ساخر ..
.."..اتصل ياذكي بخالها ..يالا .."..
..انتفخت نواجذ ابراهيم وقال من بين اسنانه بغيظ وهو يلفظ الحروف بنبرة ثقيلة ..
.."..أمرك ..ياجدي..حاضررر.."..
..ضغط ابراهيم فوق شاشة هاتفه بقوة ولم يلتفت لكمال وزهرة اللذان كتما ضحكتهما بصعوبة ..فقال عندما اجابه صلاح ..
.."..الو ..ايوة ...لو سمحت يا استاذ صلاح تبلغ الهانم اللي عندك ان جدها عايزها تيجي لامر هام خاص بالقضية .."..
..مط الجد شفتيه بغضب فالتفت ابراهيم للناحية الاخرى وهو يستمع لصلاح وهو يقول ..
.."..خليك معايا لحظة واحدة .."..
..طرق صلاح باب غرفة ايمان ليدخل بعد سماعه لها بكلمة ..
.."..ادخل ياخالي .."..
..أشار لها بهاتفه وهو يقول ..
.."..ابراهيم اتصل وبيقول ان جدك عايزك في امر مهم بخصوص القضية ..خدي التليفون وكلميه .."..
..استقامت بعصبية وقالت بغضب ..
.."..مش عايزة اتكلم حد ..و ايه رايك بقى ياخالي انا بسبب اللي اسمه ابراهيم دا هقطع علاقتي بيهم كلهم والكل كليلة .."..
..تجهمت ملامح وجه صلاح ووضع الهاتف فوق اذنه ليتكلم فوجد ابراهيم يصيح بغضب ..
.."..انا اللي مش عايز اسمع صوتك فاهمة ..بس انا اللي غلطان اللي سمعت كلام جدي وكلمتك ..بس لازم تفهمي ياهانم ان في حاجة اسمها مسئولية ياعديمة المسئولية .."..
..اغمض صلاح عينيه ورفع يده وهو يحاول ان يتحدث فوجد من يغلق الهاتف بوجهه ليسب وهو ينظر للشاشة .
.."..ياولاد المجانين انتو الاتنين .."..
..ثم رفع رأسه لينظر لابنة اخته التي تكتفت بذراعيها وتهز رجلها بعصبية ليستطرد قوله بغيظ..
.."..انتي مجنونة يابت انتي ..مش تصبري لغابة ماتفهمي ..جدك هو اللي عايزك ياهبلة مش ابراهيم ..وعايزك في امر مهم كمان.."...
..انزلت ذراعيها جانبا وقالت وهي تجلس بنبرة صوت حزينة ..
.."..حقك عليا ياخالي ...وعشان خاطر جدي ..انا هروحله اصالحه بس يومين كدة ياخالي الله يخليك .."..
..في حين استدار ابراهيم بجسده ليقابل بعينيه تلك الاعذن التي ترمقه بغضب وغيظ ..فرفع الهاتف بيده وهو يقول ..
.."..مانتو لو كنتو سمعتوا قالت ايه مكنتوش تبصولي بالمنظر دا ..."..
..اتجه ناحية المكتب ومد يده لورقة بيضاء ليضعها أمام كمال وقال وهو يكتب ..
.."..انا عملت اللي عليا ..دا رقم خالها واسمه صلاح ..أما بخصوص حفيدتك المحترمة ياجدي ..فأنا اسف ..انا قلت ان الامر منتهي ..وتماما .."..
..ضرب سطح المكتب وهو يضع القلم فوقه واسرع بالخروج دون ان يسمح لاحد بان يتحدث معه ..
..استغفر الجد بصوت غاضب وقال موجها حديثه لكمال ..
.."..اتصل باللي اسمه صلاح دا ..وخليه ييجي بايمان عندي هنا باسرع مايمكن ياكمال فاهم .."..
..استقام كمال بوقفته وقال بعد ان طوى بتلك الورقة ووضعها بجيب سترته...
.."..أمرك ياحافظ بيه ..متقلقش ..هامشي انا .."..
..التفت لزهرة واستطرد قوله متفحصا اياها بعينيه ..
.."..سلام يازهرة هانم وعلى معادنا للدكتور زي ما اتفقنا .."..
..هزت زهرة براسها بالإيجاب وهي تغمغم ..
.."..ان شاء الله يا استاذ كمال .."..
..وبعد مرور يومين واتفاق كل من كمال المحامي وصلاح بأرسال ايمان للقاء بجدها ..كانت ايمان تفرك بكلتا كفيها بعصبية وتوتر وهي جالسة بالسيارة التي استعرها صلاح من صديقه عمرو ..نظر صلاح ليدها القابعة بحجرها وقال عندما عاود النظر للطريق ..
.."..قلقانة ليه كدة ..مش هو دا اللي انتي عايزاه ..خلاص اول ماابراهيم يقابلك بالفيلا قدام جدك هيطلقك .."..
..اكفهرت ملامحها بشدة ولم تجبه هي تنظر للطريق من خلال نافذتها الزجاجية ..فقد اصرت بالسفر بعد بزوغ ساعات النهار الاولى لتضمن ان ابراهيم سوف يكون بالشركة في هذا الوقت ..ستضمن ان تجلس مع جدها ليس اكثر من ساعة وتهرب مسرعة قبل ان يعرف ابراهيم بوجودها فيأتي ويطلقها كما وعدها ..
..وجدت نفسها بعد مرور القليل من الوقت امام بوابة الفيلا فنظرت لخالها صلاح الذي قال ..
.."..هعمل كام مشوار شغل ولادي عليكي بعد ساعة. ..اتفقنا .."..
..هزت راسها بالايجاب ونزلت بقدميها التي ترتعش على الارض وهي تقول بصوت خافت ..
.."..اتفقنا ياخالي .."..
..ارتسمت على وجهها شبح ابتسامة وهي تنغمس بحضن فاطمة فور دخولها للفيلا ..والتي هللت بصوت عال ..
.."..حبيبتي وحشتيني ..الفيلا وحشة اوي من غيرك ياست ايمان .."..
..نزعت ايمان نفسها من حضن فاطمة لتعاتبها قائلة ..
.."..تاني ست ايمان ياست فاطمة ..عايزاني ازعل منك .."..
..ربتت فاطمة فوق وجنة ايمان وهي تقول بصوت حنون..
.."..نورتي بيتك يابنتي ....تعالي تعالي دا جدك هايتجنن عليكي ...ولو عمتك تعرف انك جاية مكنتش خرجت وراحت النادي ..انا هبلغها ..."..
..اسرعت ايمان بقولها بتوتر ..
.."..لا ..لا ..ياست فاطمة ..متقوليلهاش حاجة ..انا شوية وماشية .."..
..تعجبت فاطمة فاسرعت ايمان ناحية باب غرفة مكتب جدها دون الرد على التساؤلات التي قرأتها بعيني فاطمة..
..جثت فوق ركبتيها لتمسك بكفي جدها تقبلهما وهي تقول بنبرة صوت  يشوبها الكثير من الحزن ..
.."..حبيبي ياجدي ..متزعلش مني ..انا مقدرش استغني عنك ابدا ..واديني اهو جتلك اشوفك واسلم عليك .."..
..حاوط الجد وجنتيها بكفيه وهو يقول معاتبا اياها..
.."..قدرتي واستغنيتي عن جدك العجوز اهو يابنت احمد..يومين  بحالهم غايبة عن بيتك وكل دا عشان ايه ..اوهام زرعتها في راسك مرات عمك الخبيثة..وانتي هبلة وصدقتيها .."..
..رمشت ايمان بعينيها عدة مرات واخفضت راسها لاسفل وهي تقول بصوت خافت ..
.."..عندك حق ياجدي في كل اللي بتقوله ..و عشان كدة مقدرتش اوريكم وشي ..بس وحشتوني اوي اعمل ايه ..واديني جتلك اهو زي ماطلبتني ..سامحني ياجدي .."..
..شعرت بمن يمسك بذقنها فرفعت راسها لاعلى لتجد من يربت فوق وجنتها بحنو ويقول ..
.."..حبيبة جدك انا مسامحك دايما ..لكن اظن ان اللي لازم تطلبي منه انه يسامحك هو ابراهيم ..جوزك ..اللي دوختيه وراكي من اول ساعة جواز وفي الاخر هربتي منه وطلبتي الطلاق بطريقة تخلي اي راجل يكسر نافوخك عشانها..ولا انتي ايه رايك.."..
..ذمت ايمان شفتيها ومطتها للأمام وبعينين ملتمعتين هزت رأسها بالايجاب وقبل ان تنطق سمعت صوت ابراهيم العال بالخارج وهو ينادي لدادة فاطمة ..شهقت بصوت عال وهبت لتقف ثم دارت حول نفسها وهي تقول مرتعبة ..
.."..احيييه ياجدي دا جيه ...خبيني..خبيني.."..
..قطب الجد جبينه وهو ينظر بتعجب لحفيدته الحائرة بأي مكان تختبي فقال ..
.."..اخبيكي ايه يابنت ..اعقلي ..اقعدي هنا قدامي ..ومتخافيش مش هيقدر يعملك حاجة طول مانا موجود.."..
..اتجهت ايمان ناحية المكتب واستدارت حوله وهي تقول لجدها ملوحة له بيدها ..
.."..ياجدي انت مش فاهم ..انا مش عايزاه يشوفني هنا وخصوصا معاك انت .."..
..اسرع الجد بقوله وهو يتجه ناحية المكتب بكرسيه المتحرك..
.."..ليه ..ما تتكلمي يابنت وتفهميني في ايه.."..
..نزلت ايمان تحت سطح المكتب لتختبئ وقالت بصوت خافت قوي وهي ترفع برأسها ..
.."..بعدين ياجدي بعدين..بس وحياة ابوك ياجدع ماتقوله اني هنا ..فاهم ياجدي.. اوعى ياجدي ..وحياة ابوك.."..
..رفع الجد حاجبه وهو يردد بيأس وذهول ضاربا بكلتا كفيه..
.."..هي وصلت ل وحياة ابويا .. "..........

عروستي ميكانيكيWhere stories live. Discover now