الفصل الخامس

10 1 0
                                    

"ليث"

عدنا للتحقيق مجدداً مع نادية و زياد .
نادية التي انهارت بعد اعتراف زياد لتهتف في جنون وقتها أنه ليس من قتل عمرو بل هي .
ابتسمت بسخرية و أنا أتذكر كيف يحاول المجرمون عادة التهرب من الجرائم ، لكن هذه القضية فريدة كل من فيها يورط نفسه !
لكن ما حدث أثبت لي شيئاً أشك فيه منذ البداية .
قال سمير الذي يسير جواري :
_ الأمر الذي كنت أشك فيه قد تحقق .
نظرت إليه قائلاً بثقة :
_ أن الاثنان شريكان في الجريمة ، صحيح ؟
نظر إليَ مبتسماً ثم أومأ برأسه لأتنهد أنا قائلاً :
_ نفس شكي .
أكملت سيري لندخل غرفة التحقيق التي جلست فيها نادية .
نظرت إلينا نادية بقلق ثم نهضت قائلة بخوف بالغ :
_ سمعت صوت رصاص منذ ساعة ، هل زياد بخير ؟، حاولت أن أطلب منهم إخباري بما حدث لكن لم يجبني أحد ، ماذا حدث لابني ؟!
قلت مطمئناً :
_ زياد بخير، لا تقلقي سيدتي .
تنفست الصعداء في حين أكمل سمير كلامي :
_ و سنكون نحن أيضاً بخير لو علمنا منك ما حدث و اعترفت سيدة نادية .
نظرت إلينا بقلق امتزج بالتردد لأجلس أمامها فنظرت هي في عيني لأول مرة منذ بداية تحقيقاتنا..آمل أن تكون هذه بادرة تشير لأنها لن تكذب مرة أخرى .
قلت محاولاً مساعدتها لالتقاط طرف الخيط :
_ هل تعلمين ماذا يقصد زياد باعترافه ؟، فلنبدأ بسؤال محدد: كيف كانت علاقته بعمرو ؟
_ بشعة .
قاطعت بها كلامي ...حسنا يجب أن أعترف أني لم اتوقع هذا .
أردفت هي بضيق أكبر :
_ علاقة عمرو بزيادة سيئة ..علاقة عمرو بي سيئة ..علاقة عمرو بزوجته الأولى و أبنائه منها سيئة و أي كلام غير هذا قد سمعته فهو كذب .
نظرت إليها انا و سمير باهتمام قبل أن أقول :
_ الناس كانت تشهد أن علاقته بك و بزياد كانت .
قاطعتني قائلة ببعض الانفعال و هي تلوح بكفها في الهواء:
_ الناس، الناس، الناس، حسنًا، هذا ما يراه الناس ، الواجهة الأنيقة التي يحتفظ بها لنفسه ، أعماله الخيرية و مساعدته للجميع و شركاته الضخمة لكن ماذا يعرف الناس عن الوجه الآخر لعمرو ؟!، ماذا يعرفون عن زوجته الأولى ؟، ماذا يعرفون عن علاقته بمازن و بابنته، ماذا يعرفون عن ما فعله بي و بزياد ؟!
أطرقت برأسها بعد كلماتها لتصمت للحظات تلتقط فيها أنفاسها قبل أن تقول بشرود :
_ منذ عام كامل و أنا اخطط لقتله ، أتحين الفرصة المناسبة لأنهي حياته بيدي هاتين .
قالتها لتسكت بعدها لوهلة قبل أن تردف :
_ حياتنا مع عمرو هي أسوأ لعنة حلت علينا ، قبل ثلاثين عاماً كنت أعيش هانئة في أسرة لرجل أعمال معروف كعمرو الآن ، حتى بدأت الديون تحيط بأبي من كل اتجاه ..و بدأت الشركة في الحجز على بعض ممتلكاتنا و بدأت التنازلات واحداً تلو الآخر إلى أن توصل أبي للحل ... شراكة بينه و بين عمرو لكن عمرو اشترط أن يتزوجني ليوافق على هذه الشراكة ، اعتقد انه قد رآني مرة أو أكثر مع أبي ...كان فارق السن بيننا كبيراً و لم أكن أريد هذه الزيجة لكن أبي أراد إنقاذ ما يمكن إنقاذه ...و تمت الزيجة رغماً عني .
ألم أخبرك أن البشر هم أمهر الممثلين مرتدين أكثر الأقنعة خداعاً ..ها هو وجه جديد لعمرو يظهر للعيان من وراء الأقنعة .
نظرت لنادية مجدداً حين أردفت :
_ ثم بعد سنوات قليلة رزقت بزياد ظننت أن اللعنة التي خلت علينا قد انتهيت و يجب أن أنسى و استمتع بكوني زوجة رجل ثري ..لكن عمرو أبى أن يعطيني فرصة كهذه ...كان يحرمني من أخذ المال دون إذنه ، لم يكن يمر يوم دون أن يتشاجر معي و لكني تحملت كل هذه السنوات رغم وصول الحرمان لزياد أيضاً ..الكثير من القيود ، الكثير من الشروط ، و الكثير جداً من الشجارات .. إلى أن أتى ذاك اليوم .
صمتت للحظات و كأنها تتذكر شيئاً قبل أن تقول بخفوت :
_ يوم أتاني زياد يخبرني أن والده يريد أن يزوجه لابنة أحد رجال الأعمال ليستطيع استغلال نفوذ ذاك الرجل ...عندها علمت أننا نعيد ذات القصة و أنني و زياد ما نحن إلا وجهان لعملة واحدة ..أخبرني وقتها زياد عن حبه لزميلته في الجامعة و عن رغبته في الزواج منها و طلب مني بأمل مساعدته كي يتخلص من أوامر عمرو اللعينة ...لكن ما كان بيدي حيلة .
أخذت نفساً عميقاً قبل أن تردف:
_ و بعدها بفترة حدث ما حدث .
_ ما الذي حدث ؟
قلتها مستفهماً لتطرق برأسها هامسة:
_ علمت الأمر من زياد فيما بعد ..لقد اتفق مع صديقه المقرب نور على الهرب و السفر لأي مكان يبعده عن عمرو ، اكتشف زياد أن الطريقة الوحيدة للتخلص من طغيان عمرو هي الهروب لكن أثناء محاولة هروبهما اصطدمت سيارتهما بسيارة أخرى على الطريق الصحراوي ليصاب زياد و ...يموت نور .
نظرت إليها بصدمة و خاطر شنيع يدور بخلدي الآن في حين طلب منها سمير أن تستطرد كلامها فقالت هي بحقد دفين :
_ قال الجميع أنه حادث عابر لكننا كنا نعلم أن الحادثة مدبرة و أن عمرو أراد إرسال رسالته لنا ...إما الخضوع أو الموت .
لا أنكر توقعت هذا لكن..كيف خاطر بخطوة كهذه و ابنه في السيارة ؟!...توقعت أن يكون عمرو سيئاً لكن ليس لهذه الدرجة .
أخذت نادية رشفة من كوب الماء أمامها ثم قالت منهية القصة :
_ بعد تلك الحادثة اتفقت أنا و زياد على قتل عمرو و قبل مدة قصيرة حين علمنا بشأن الحفل وجدناه فرصة رائعة ..الكثير من الناس حولنا و الكثير من الشكوك ...اتفقنا على أن يقوم هو بالذهاب لمكتب عمرو و بحوزته مسدس في حين أسرق أنا شريط تسجيل الكاميرا..لكني لا أعلم هل قام بقتله أم لا فقد رفض إخباري..هذه الحقيقة كاملة .
أومأت برأسي و قد بدت لي الآن الصورة أكثر وضوحاً من السابق فقلت و انا أشبك أصابعي على الطاولة أمامي :
_ سيدة نادية ، قلت أنك قد هددت السيد حسن بمسدس أخرجته من حقيبتك ...أليس كذلك ؟
اومأت برأسها لأردف بشك :
_ لكن حين دخلت مكتب عمرو لم يكن معك أي حقائب .
رفعت رأسها قائلة بيأس :
_ لم ادخل بحقيبة لغرفة عمرو حتى لا أثير الشكوك ...لهذا وضعتها في الحمام المخصص للنساء قبل موعد الحفل ثم بعد ذلك ذهبت لأخذها و هددت حسن و وضعتها في الحمام مجدداً .
وصلنا إذن ، يمكننا تفتيش المكان و إيجاد طرف الخيط اخيراً .
يا فرج الله، القضية على وشك أن تنتهي !
وجهت كلامي لنادية قائلاً :
_ شكرًا لك سيدة نادية بهذا أنهينا التحقيق معك .
نظرت لسمير الواقف ثم نهضت قائلاً :
_ فلنذهب .
**
بعد ساعات ..
عدت للبيت لأضع المفاتيح على الطاولة قبل أن اتجه للأريكة لأجلس عليها أنظر للسقف بشرود.
سمعت ضوضاء في المطبخ فعلمت أن زهرة تتشاجر مع الأطباق التي تحتاج للغسيل كعادتها.
نظرت للغداء الموضوع على الطاولة بملل ثن نهضت لأخرج الشرفة أتنفس هواء الشتاء البارد .
تذكرت من باب تمضية الوقت ما حدث أول أمس.
ذلك الاتصال الذي تلقيته من مازن ..الحقيقة أني لم أكن مذهولاً حين أتى للقسم لأنني باختصار كنت أعلم أنه قادم .
"ليلتها سمعت رنين هاتفي فرفعته لأرى ذاك الرقم الغريب الذي اتصل بي .
فتحت الاتصال لأضع الهاتف على أذني :
_ مرحباً ، من معي ؟
صمت طويل عن بعدها فنظرت للهاتف بتوجس فقد يكون الإتصال قد انتهى دون أن أنتبه مثلاً.
سمعت صوتاً خافتاً من الطرف الآخر:
_ سيدي .. أنا مازن ابن عمرو ...اتصل بك من مكان عام كي لا يصلوا لي ... أنت الرائد ليث ، صحيح ؟
قلت بهدوء :
_ نعم ، أنا ليث.
صمت مجدداً لأنظر للهاتف بملل قبل أن أضعه على أذني منتظراً كلماته .
ربما لو كنت أنا من اتصلت به لكنت أغلقت الاتصال بعد لحظات لكنه هو من اتصل على أي حال و ستكون دقائق هذه المكالمة على حسابه لا حسابي..ترى كم يدفع حسابًا لمكالماته في الشهر لو كان يقضي وقته صامتًا هكذا ؟
قاطع مازن أفكاري البلهاء قائلاً بتردد :
_ سيد ليث يجب أن أتحدث معك في أمر مهم لا أستطيع التحدث الآن ، هل يمكن أن أزورك في القسم غداً ؟"
قاطع صوت المطر الذي بدأ ينهمر بغزارة ذكريات تلك الليلة لأبدأ بتذكر حركات مازن و هو يتحدث معي أنا و سمير في القسم قبل أن يُصاب .
كان يبدو متوتراً قلقاً و كأنه...و كأنه كان يعلم أن هناك من سيحاول قتله !
تذكرت أيضاً ما وجدنا عند البحث عن حقيبة نادية .
لقد وجدنا الحقيبة بالفعل في المكان الذي أخبرتنا به لكن الأغرب .. أننا وجدنا زهرات صغيرة ممزقة من البنفسج هناك !
غريب أليس كذلك ؟
كيف وصلت تلك الأزهار لهناك ؟
شعرت بشيء ناعم يتمسح في قدمي فنظرت للأرض لأرى لوز ...ذاك القط الابيض الصغير .
ابتسمت و أنا أنحني لأمسكه قائلاً :
_ كيف حالك يا أستاذ لوز في هذا الجو الجميل ؟
لم يجبني طبعاً فأنزلته لأبدأ ملاعبته  محاولاً تناسي ما يشغل بالي حين سمعت صوت زهرة على باب الشرفة تقول باستنكار:
_ تقف في الشرفة في هذا البرد يا ليث و لم تتناول غدائك أيضاً .
رفعت رأسها إليها لتردف هي بلهع بمجرد رؤية لوز بين يدي :
_ ألم أقل لك سابقاً أنه لا يجب أن يخرج لوز للشرفة أبداً خاصة في هذا الجو ، هل نسيت حين سقط في شرفة الجيران في الاسفل و قضينا اليوم كله في البحث عنه ؟!
انتشلت لوز من بين يدي بسرعة لتأخذه للداخل في حين ذهلت أنا .
هل مشكلتها الكبرى في كون لوز في الشرفة ؟
أخذت لوز و تركتني أنا هكذا ؟!، من زوجك يا زهرة أنا أم السيد لوز ؟!
خرجت من الشرفة لأغلق الباب بإحكام قبل أن أنظر إليهما بسخط .
رأيتها و هي تجلس لتطعم لوز طعامه لأتخيل أن لوز ينظر إليَ شامتاً .
نظرت إليهما بسخط أكبر ثم جلست على الأريكة محاولاً التشاغل بهاتفي لتقول هي بتساؤل :
_ هل أنت متعب ؟
اومأت برأسي بالنفي لتبتسم هي قائلة :
_ إذن انهض و تناول طعامك معي .
نظرت لهاتفي لعل سمير يتصل يخبرني بأي جديد لكن يبدو أنه لن يفعل .
حسناً لا بأس ببعض الراحة إذن .
نهضت لأجلس على كرسي مجاور لها قبل أن أبدأ تناول طعامي .
قلت و أنا انظ أنظرر إليها :
_ كيف كان يومك ؟
_ لطيف ، قرأت كتاباً و لعبت مع لوز و .
قالتها باسمة قبل أن يقطع صوتها رنين هاتفي فنظرت إليها معتذراً في حين نظرت هي إليَ بتفهم.
أجبت على اتصال سمير قائلاً :
_ مرحباً سمير ، هل حدث شيء ؟
سمعت صوته من الطرف الآخر قائلاً :
_ مازن أفاق.
**
"مازن"

لا أدري ماذا حدث بالضبط ..لقد فتحت عيني بتعب لأرى حولي الجدران البيضاء و أشم رائحة الأدوية و الادوات المعقمة .
بدأت أتذكر ببطء ما حدث .
اتصالي بليث و اتصالي بتيا و أخيراً تلك الرصاصة بالأمس.
أمس ؟!
هل كان كل هذا بالأمس ؟
بدأت أشعر بألم في صدري فتأوهت بضعف .
لم أتوقع أن أبقى حياً بعد تلك الإصابة لأني أعلم أن الذين أرسلوا القاتل يعرفون جيداً ما يفعلونه و أن هدفهم بالتأكيد لم يكن اللعب معي ...بل قتلي !
فُتح باب الشركة لأرى ضابطي الشركة .
ليث و سمير .
دخل الاثنان الغرفة مع الطبيب الذي رأيته قبل قليل حين أفقت.
تحدث ليث مع الطبيب قليلاً عما إذا كانا حالتي تسمح بالتحدث معي .
و بعد لحظات جلس ليث على الكرسي المجاور لسريري بعد أن تأكد من الطبيب أني أستطيع التحدث قائلاً بابتسامة صغيرة:
_ حمدالله على سلامتك .
لم أقل شيئاً و أنا أنظر للرائد الآخر الذي جلس على كرسي بعيد قائلاً :
_ نتمنى أن تكون بخير ، هل تتذكر ما حدث في القسم ؟
اومأت برأسي إيجاباً ليقول ليث :
_ عظيم ، كنا نريد معرفة إذا ما كان عندك أي فكرة عن الذي حاول قتلك ، فمادام حراً هكذا فنحن لا نضمن سلامتك ...هل تستطيع مساعدتنا بأي معلومة ؟
اومأت برأسي إيجاباً ببطء مرة أخرى قبل أن أنظر حولي بقلق ليقول ليث مطمئناً:
_ لا تقلق ، لقد تعمدنا اختيار حجرة آمنة لك ، كي لا يحاول قتلك مرة أخرى كما أن الشرطة تحيط بالمشفى ، لا تقلق فقط قل ما لديك .
ترددت للحظة قبل أن أقول بصعوبة :
_ انا أعرف جيداً...من الذي حاول قتلي .
نظر إليَ الاثنان باهتمام لأردف أنا :
_ الذي حاولوا قتلي هم نفسهم الذي أشك أنهم قتلوا عمرو .
**
"سمير"

أحاول تخيل ما يشعر به مازن الآن و هو بدلاً من فوق كلمة "أبي" يقول "عمرو"... أستطيع تخيل شعوره بدقة كيف لا و قد شعرت به قبلاً .
على كلٍ هذا يثبت أن استنتاجي السابق كان صائباً...عمرو كان و مازال حتى هذه اللحظة لعنة على كل من حوله .
لكن بعيداً عن كل هذه التحليلات و المشاعر الظريفة...قال بأن الذي قتلوا عمرو هم أنفسهم من حاولوا قتله ...من هم أصلاً و لماذا هم ؟
هل يعقل بأن قتل عمرو كان خطة جماعية ؟
استحث ليث مازن ليكمل بعد برهة بين أنفاسه التي يأخذها بصعوبة :
_ منذ فترة ...راودتني الكثير من الشكوك فرغم أن شركاته الكبيرة صارت سبب شهرته لكن ... أنا كنت واثقاً أنه ليس متفوقاً لهذه الدرجة و كنت أشعر أن تلك الشركات ما هي إلا...مجرد ستار لعمل آخر أكثر أهمية .
عقدت حاجبي بتوجس ليكمل مازن و هو ينظر لليث :
_ تزايدت شكوكي بشكل كبير في الآونة الأخيرة و كانت نتيجة بحثي في الأمر هي أنه...يدير عصابة عمل غير قانوني .
كما توقعت تلك الثروة كانت من وراء عمل مشبوه إذن.
قال ليث بتساؤل :
_ و كيف عرفت كل هذا .
أطرق برأسه للحظات طويلة حتى بدى و كأنه لن ينطق أبداً لكنه قطع الصمت الذي حل علينا ضيفاً ثقيلاً هامساً :
_ تأكدت حين اتصلوا هم بي .
بدأت أفكر في النهوض و استكمال حديثنا لاحقاً فهو لا يبدو على ما يرام الآن لكن ليث بادره بسؤال اخر :
_ من هم ؟
_ رجل اتصل بي يخبرني أنه و رئيسه يديرون عصابة للإتجار في المخدرات و أن أبي قد بدأ يخرج عن طوعهم و يريدونني ...ان أساعدهم في التخلص منه .
نظرت إليه بدهشة قبل أن يقطع كلامنا صوت فتح الباب .

قبل أن تضغط الزناد Where stories live. Discover now