الفصل السّابع: قناع المكيدة

Start from the beginning
                                    

:« استغفر الله، يا رحمن، نجنا يا رحمن! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أن غادر واترك المكان الموقر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»
نطق بها بأعلى صوتٍ يملكه، فصدح صوته أرجاء القاعة الخاوية وصدى صوته تردد في المكان حتى بعد مغادرته.

صرف الآخران نظرهما نحو الحاجب أثناء ذلك، مما جعل صالح يتمتم تمتمة لا يسمعها سواه:
« لا بد  أنه يستشعر وجود غريمي، لابد أنه لا يراه لكنه علم بوجوده! لا أعلم هل أفرح أم أحزن لهذا!»

أخرجه من شروده عليّ مستفسرّا:« هل أنت بخير يا باشا؟».
لوّح بكفه وقال:« أي خير! أي خير هذا! أقول لك غادر واربح راحتك واتركني أجابه همّي ونكبتي.»
سريعاً ما تسائل علي باهتمام ، ينتظر من الباشا أن يفصح ولو القليل عما يدور حوله خلال هذه الفترة :« أي هم يا باشا؟ أخبرني لعلي أمدك بالعون واساعدك على إزاحة ثقله بما أملك».

وجد صالح نفسه يصرخ بعصبية، وقلة حيلة، وخوف ولأول مرة رآه علي في عيناه :« ما عساك تفعل؟ هل ستطرد الأشباح ؟ لا أحد يشعر به سواي، ولن يتضرر منه سواي أيضاً، لذلك لا مُساعدة تُقدم!»

خرجت كلماته الأخير بنبرة أعلى من سابقاتها.

لم ينطق علي بحرف، فعينا صالح أخبرته أن الجنون الذي داخلهما سيضره إن أصرّ على البقاء؛ لذلك غادر الآخر من الباب الخلفي الذي يضفي إلى مكاتب المحكمة الداخلية، وعندما وجد نفسه داخل الممر وقف هناك وأغلق الباب خلفه لكنه ترك شقًا صغيرًا ليراقب به الباشا.

يرى الباشا ينظر إلى اللاشيء، ولكن ينظر اليه بحدة بالغة، وكأنه ينظر إلى أكثر شخص قد كرهه يوماً، ولكن علي لا يرى أحد، وكذلك لم يسمع أي شيء ، فقط صالح من سمع همساً ، همساً كان عالياً بداخل اذنه ، يسمعه رغم أن شبح القاضي امامه لم يُحرك شفتيه ولو قليلاً :« مصرٌّ أنت على موقفك؟ أراك تظلم المُحاسب وهو لا ذنب له»

ابتسم صالحٌ ابتسامة جانبية متكلفة وهسهس قائلًا: « ذنبه أنه كلبٌ يطارد الأموال، أتظنه بريئًا، كلّا! إذا دققت لوجدته يختلس من هنا وهناك، يدس يديه في جيوب سيده، وقد قبل بالتهمة لأن ما ينتظره خلاف ذلك أسوء بأضعاف، أنا رؤوف بحاله، لذلك سوف أمنحه عقابًا خفيفًا، قطع يده كفيل بتذكيره بدرسه، ما رأيُك ..؟ هل هذا كافٍ؟»

شعر صالح بهواء ساخن عند أذنه مندفع، أثر زفير العِفريت ، الذي مازال واقفاً بنفس طريقته ولم يتحرك، قشعر جلد صالح بفعلته، والتفت الى يساره راغباً في فهم كيف يشعر ويسمع الشبح بينما هو واقف أمامه، وقد كانت الاجابة أكثر رعباً من السؤال.

لقد كان يقف بجانبه بالفعل، قريب جداً من اذنه ، ولم يكاد صالح يلتفت ليرى النسخة الاخرى منه، حتى سمع همسه يصبح أكثر بروداً بجانب أذنه : « التاجر أحق بالعقاب، ليس عدلاً أن تُعاقب أحدهما وتخلي سبيل الآخر».

رخُّ البرديWhere stories live. Discover now