الفصل الخامس: تنقيب منتصف الليل

Zacznij od początku
                                    

وعندما فرغ الشيخ ومسح وجهه بكفيه وران للصمت، أطرق صالحٌ يتابع النواح قائلًا: « فعلت كل ما طلبته لكنه لا يزال يحوم حولي» بدأ بلطم فخديه براحتيه والانفعال ظاهر على صوته، تلوت تقاسيمه والحسرة تعبث بملامح وجهه.

« لكنه لم يقربك، أوليس كذلك؟ منذ أن حصنت مكتبك بالملح والنباتات الجافة التي كتبتها لك لم يطأه ولا مرة واحدة، أصحيح ذلك؟»

أومأ صالح إيجابًا وقال: « نعم، هذا صحيح، طاف أرجاء المنزل كلها فيما عدا المكتب، يطل على صحن الدار ويهرع محطّمًا الأصص الخزفية والأواني ولكنه لم يدخل المكتب قط». 

أصلح الشيخ ياقة عباءته، سرّح مقدمة شعره بيده الخشنة السمراء التي وضع الزمن بصمته عليها وقال وعلامات الفخر تعتلي سحنته:« مما يعني بأن التحصين قد أدى وظيفته».

اعتدل صالح في جلسته وقال:« لكن ما أريده هو اختفائه من الوجود، كيف أحصن ذاتي من بطشه وأنا أسير في الشارع؟ أخبرني ما أنا بفاعلٍ إزاء ألاعيبه في المحكمة؟».

فرد كفيه وشخصت عيناه، عروق وجهه نتأت نتيجة الدماء التي تضخ داخلها باندفاعٍ وتزاحم، خرجت كلماته متابعة بارتفاع في نبرة صوته واقترابه من الصراخ للمرة الثانية على وجه الشيخ:« هل أتجول وحقيبة من الملح تتدلى من على ملابسي؟ أأسكب الملح في كل مكان أزوره؟».

« بالطبع...لا...».

قاطعه صالحٌ وانفعاله قد بلغ ذروته:« ما أنا بقائلٍ عندما يسألني أحدهم عن السبب الذي يجعلني أتصرف هكذا؟ أخبره بأن شبح القاضي السابق يلاحقني؟ أن روح حماي الراحل ترغب في هلاكي؟ ما الذي سيظنه بي؟ سيقول أن الجنون قد أكل عقلي! كفاحي وما كدحت في سبيله دهرًا سينهار»

حمل الوسادة ذات جلد الصوف ولبٍ من الخرق الممزقة والتي كانت تمنح ظهره سندًا مريحًا وأرسلها لتصطدم بالجدار وأكمل:« منصب القاضي الذي ظفرت به بعد عناء... كلّا! بل وحتى لقب الباشا سينتزع مني!»

أمسك براحتيه رأسه كمن باغته الصداع فجأة.

« لن أسمح له بذلك» قال الشيخ وهو يرنو ليد صالح حتى أمسكها وثم بدأ بتدليكها محاولًا بث الطمأنينة في قلبه المشتت.

« إذًا أخبرني ما هو الحل؟» قال والتوسل ظاهرٌ في نبرة صوته، ملامحه تطلب عطف الشيخ وتفهمه، يداه يرتجفان بانهيار عصبي ، لا يستطيع التحكم حتى بحركتهما .

« ابحث عن قبره» تأتَّى الشيخ ونفض عبائته، اتجه نحو باب في أقصى الغرفة وهو يدلف منحني الظهر، الدلهمة تغطي محتويات الغرفة ولا تظهر منها شيئًا، ترقب صالح ظهور الشيخ وهو جالس في مكانه يتململ.

عاد الشيخ بعد هنيئة يحمل قنينة من المعدن بين راحتيه، بخطواتٍ متأنية عاد إلى مكانه وصالحٌ يراقبه بترقب.

رخُّ البرديOpowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz