الفصل الاول

321 11 1
                                    

الفصل الأول
ياحبيبي كل شيء بقضـاء
مـا بأيدينـا خلقنـا تعسـاء
ربمـا تجمعـنـا أقـدارنـا
ذات يوم بعد ما عز اللقـاء
كلمات الشاعر ابراهيم ناجي
*******************
كانت تجلس خلف مكتبها المتواضع وضفيرتها تعلو قمة رأسها تكتب وصفة الدواء للسيدة الجالسة أمامها وتنصحها بكيفية استعماله عندما علت أصوات سيارات الأسعاف تدخل باحة المستشفى منذرةً بِحدث جلل وماهي إلاثواني حتى علا النّداء بإسمها وبإسم غيرها من الأطباء لتوجهِ لعيادة الطّوارئ ومن طريقة النّداء عرفت أن ماستراه لن يكون بِهّين  ولاحظت تَراكض الممّرضين والأطباء باتجاه العيادات الخاصة بالطؤارى عندما سمعت أحد الممرضين يقول أنّ انفجاراً إرهابيّا قد حَدث داخل إحدى الثّكنات العسّكَرية وراح ضحيته الكثير من أفرادالقوات المسلحة  المتواجدين بالثّكنة.
فاعتذرت من السيدة اللّتي كانت تعالجها  وهي تَخرجُ مسرعة باتجاه غرفة الطوارئ، ودعوات تلك السيدة لها بالسّتر والراحة ودعائها لكافة الشباب  بالحماية ترافقها.
وماأنّ وصْلت حتى سَمعت صوتاً يُنادي بإسمها الطّبيبَة كاترين جورج الرّجاء التوجه للسرير رقم ستة ، فلقد كان هناك طَبيب للطوارئ متخصص يُوزع الأِصابات على الأطْباء حَسب التّخصصات وقد هالها عددّ المُصابين وكمّية الدماء اللّتي امتلئت بها أرْضيات الغّرفة فغرفة الطوارئ قد امتلأت بالعساكر  والمدنيين الجرحى ،ممن كانوا في المعسكر  في لحظة الهجوم الغاشم على المعسكر وتوجّهت من فورها إلى السرير الذي تْمّ استدعاؤها له ، رَجفة اعترتها وانْقبض قلبها لم تعرف تفسيراً لها ،وما أن  وصلت طَرف سرير ورأْت كَمّية الدّماء النّازفة عرفت أنْ الإصابة جللّ و ما أنْ رأْتها الممّرضة حتّى نادت  بِصوت مُرْتعب :
- كاترين  انجديني جرحه لايقف يبدو أنه يَنّزفُ بشّده لم أرى مثل  كمّية  الدّماء اللّتي خَرجتْ من هذا الرجّل في حياتي.
قالتها تالا  أختها بصوت مستنجد
وضْعت الكّمامة على وجهها واقْتَربتْ تَتفحص ساق الرجل قبل أن ترى وَجههُ مُهدّئةً من روعِ تلْك اللّتي تقْف بِجانبها :
- لاتَخافي تالا إرفَعي يدكِ أُريدُ فَحصْ السّاق
وما أنّ قامت بفحصها بخبرتها اللّتي اكتسبتها حتى  قالت بهدوء اكتسبتُه من الزّمن :
- سيكون بخير وما أنّ  رأْت مَوضع الجَرح النّازف  ربمّا وَجَب علينا قَطَعَ هذة السّاق ولكني سَأحاول أنّ لايتم قَطْعها رُغم أنّ صاحبها سَيعاني كثيراً فهي سَتكون اشبه بالفرع الميّت ،ولكن أفْضل من قَطعها
وهنا رفعت رأسها كي ترى وجه صاحب الأصابة الذي كان مغْشيّا عليه، فأُصيب قلبها بالصّدمة واهتّز قوامها بِرجفَة قويّة وتَسارعت أمام عيّنيها ملامحة الضّاحكة وذِكريات مازالت تحفر قلبها  وتستوطن عقلها أنه هو ، وبعد كل هذه السنوات ، عشرة  أعوام قد مرت منذ افتراقهم هو حب عمرها ،عَرفت الآن سبب انقباض قلبها نعم هو اقتربت لترى تلك العلامة المميزة التى تركتها إحدى الجروح على يديه  عندما وقع أثناء لعبهم ، انه هو........ هو النور الضائع  نبضات القلب اللّتي كادت أن تجف من حياتها،طالعت تالا صائحة بصوت يعلوه الرعب والخوف :
- ما اسمه ما اسم هذا الشاب ؟
تالا بصوت مرتجف ويداها ممتلئة بالدماء تمسك بورقة المعلومات اللّتي تعلق على عادة طرف سرير  المرضى :
- إنه مدني ممن كانوا في المعسكر يدعى  عيسى يوسف جرجس
وانهمرت دموعها بغزارة واقتربت منه وهي تقبل رأسه ويداها تتحس وجنتيّه فتخضبتا من  الدّماء اللّتي علت يداها من جرحه النّازف ، أَبعد كل هذة السنوات ؟أبعد كل الفراق ؟
تطالع وجهه المغْشي من الألم مردفةً:
- ستغدو بخير لن نفترق..... لن نتفرق مرة أخرى يازوجي الحبيب ، نعم فبمجرد أن تشفى سنتزوج .
تالا وهي تنظر إليها ومحاولة مُواساتها  وناظرة مستغربة من كلماتها اللّتي تتفوه بها  :
- هل أنت متأكدة من أنه هو ؟ 
اهتزاز رأسها ودموعها المنهمرة أكدت الخبر
- أذن فلنسرع بنقله نحوغرفة العمليات
وتم  نقله على الفور ، وأشرفت هي على عمليته وقد انهكتها جدا كانت تريد الخروج بأقل الخسائر ،عند انتهاء العملية حرصت على البقاء بجانبه ونقله  إلى غرفة تم تخصصيها له من قِبلها  بِصفتها طبيبة  وبصفه أنه أحد أقاربها ،أشْرَفت على الأجهزة الموصولةِ بِجسده وعند خروج الجميع من الغرفة ،أقتربت ووضعت رأسها فوق صدره العاري ومن  بين شهقات بكائها :
-  ستشفى وسنترك كل النّدوبِ والجُروح خلفنا وسنتزوج كما وعدتني ، أعرف تمام المعرفة أن ماحصل سيترك أثرأ كبير في نفسك لكني سَأحرصُ تمام الحرص على أن تشفى حتى جروح نفسك ،ورفعت رأسها عن صدره ولثمت جَبينَه  بِقُبلة خفيفة وغادرت الغرفة واتجهت خارجا  ووقفت أمام الزجاج الفاصل تراقبه ومعها اختها تالا .
وبِمجرد أن وقفت خارجا  حتى هطلت دموعها كثيفة على وجنتيها كَزخ المطر وتناولت هاتفها واتصلت  به : وما أن فُتح الهاتف على الجانب الأخر حتى تهادى له صوتُها الباكي :
- شِهاب أنا بحاجتك .
**********************
في المشتل الخاص به وقد أَغلق الخط مع صديقه المقرب  أو كما يلقبه العمدة  يفكر بطلب صديقه رؤيته بِأقربش فرصة وعلى وجه السّرعة  بالتأكيد هناك ماحدث؟
عندما علا رنين الهاتف فَحدّث نفسه أنه ربما كان صديقه مرةً أُخرى وهناك ما قد نسي أخباره عنه  .
فرفع هاتفه مرةً أخرى بين يديه فرأى اسم كاتي يعلوه ، أخواته الحبيبات  كُلاً منهن تَحتَل قِطعه من قلبه ربما لم يكن أخواته بالدم لكنهن اخواته بالرضاعة وحبيبات قلبه و بناته هذا مايشعر به نحوهن .
أجابَ بصوتهِ الحاني ضاحكاً كعادته :
- جَميلة الجميلات كاتي  قالها بتحبب
لم يفهم من صوت بكائها سوى أنها تحتاجه فتناول مفاتيح سيارته على عَجل وهَرع للخارج ، فاصِطدم بطريقه خارجاً ، بابن خالته بدر القادم كي يراه فاخبره أنه مُستعجل ومن تلهفه أدرك ذاك الآخر ان الأمر يَخُص أحدى الفتيات فَفضل صُحبته.
أمسك بهاتفه وطلب رقماً وسمع رنين هاتف...... ثم رنينه مرة أُخرى وبعدها  وسمع صوتها هتف بصوته القلق:
- تالا هل أنت مع كاتي ؟
أجابته بهدوء:
-  نعم أنا معاها وهي منهارة،  استعجل أرجوك
قالتها تالا تستحثُه على الوصول.
وبصوته القلق متسائلا  :
- مالذي حدث لما هي منهارة  هل مات أَحدهم تحت يديها ؟
- لقد وَجدتهُ !!! لقد وجدت عيسى ضمن ضحايا العَمليّة الإرهابية ،إنه بَين الحياة والموت أنها تَجلسُ قِبالة غُرفته  بُكائها قَطع نِياط قلبي أنني خائفة عليها
- لاتخافي توتو حبيبتي مَسافة الطريق سَأكون معكم قالها شِهاب مُطمئنا لها
*******************
وصلا إليها مجتازان مَمرات المشفى باتجاه موقعها الذي أخبَرته عنه تالا فرأها تقف أمام الغرفة تطالعه من خلف الزجاج الفاصل ومن حركة جسدها عرف أنها تبكي وهي ملتصقة بذاك الزجاج، فَجزع قلبه لمرآها بهذا الشكل .
اقترب منها بهدوء عكس ضربات قلبه  المُتسارعة وافكاره اللّتي تتسابق في سباق ماراثوني مناديا باسمها
- كاتي يا قطتي
التفت إليه ورمت  بنفسها عليه  فاهتز ثبات أقدامه ، من إلقاءها بجسدها عليه واصطدم بالحائط خلفه وشعر بأقدامها ترتخيان وشهقاتها تعلو فاضطر إلى الجلوس بها أرضا مرتكزا على الحائط خلفه .
-  سيموت ..... سيموت بعد أن وجدته........أنت تعرف كم أحبه – ياالله يا الله  ،لا تدعه يموت ــــ، كانت تشدد من قبضاتها على قميصه وتدفن رأسها بين ضلوعه .
**************
واقف إلى جانب أخته اللّتي يبدو عليها الإِعياء والإرهاق يطالعان معا بكاء كاترين الحزينة على كتفيّ شِهاب ، فجذبها إليه مطببا على ظهرها فَشعر بارتجافها هي الأخرى فقربها منه أكثر   هامسا في أُذنيّها:
- لا تخافي نحن معكما الآن، إهدئي يا حبيبتي والتقطي أنْفاسك وأخبرني  بهدوء  ما الذي يحدث هنا ؟ مالذي حدث مع عيسى ؟ ومتى عاد؟
استكانت تالا بين يدي شقيقها  حامدة الله على وجوده هو وشِهاب في حياتها شاكرة لنعمة الأمان اللّتي تمثلت  بأخيها شِهاب واخوها بدر، اللذين كانا كالأب والأخ لها  ، تطالع شِهاب أخيها الآخر بالرضاعة بنظرات حزينة  فهي تدرك كما يعاني من أجلهن وأن عليه مسؤولية كبيرة تخص سبع فتيات معلقات بعنقه كلاً منها لها مشاكلها وحياتها ومصائبها ومتاعبها ، وقد نسي نفسه مَعهن وبهن ،حَزينة هي على ما أصاب  كاتي ،حزينة على شِهاب ومسؤولية جَديدة تقع على كاهله .
- سأخبرك بكل شيء ولكن علي مهاتفة الفتيات ،تطالع نظرات أخاها المطالبة بتفسير قالتها بهدوء .
على هواتفهن الخلوية  وصلت رسالة جماعية إليهن ، كاتي منهارة ، قد  عاد عيسى  وهو على فراش الموت ، يصارع من أجل البقاء حيّا ، لقد كان ضمن ضحايا التفجير الإرهابي ،سأوافيكن بالأخبار تبعاً ،دعواتكم  فقط لراحة قلب كاتي وهدؤها.
*********************************
كان يجلس على كرسيه الهزاز مرتديا منامته المخططة وعلى عيناه تقبع تلك النظارة  اللّتي لا تفارقه أثناء صحوته وقد وضعها على رأسه  فوق عينيه الأشيب يطالع الجريدة والتلفاز كم هو سعيد بعودته لأرض الوطن بعد سنوات من الاغتراب ، عشرة أعوام ، وكم حمد الرب كثيرا على عودته ، منذ يومين وقد شده الحنين كي يرى أهله وأصدقائه ورؤية ابنه الذي سبقهم منذ عامين بحثا عن حبه الذي تاه ، ولكن ابنه ما أن وطئ أرض الوطن وعرف بزواج حبيبته قرر افتتاح شركة لأنظمة المراقبة وقد فاز بعقد تركيب أنظمة مراقبة وحماية  لإحدى ثكنات الجيش وهو منذ أيام في تلك الثكنة وسيحضر اليوم بعد ان ينهي عمله هناك .
عندها لفت انتباه ورود خبر عاجل  على  محطة التلفاز ، أعلنت  المحطة  عن هجوم إرهابي في معسكر للجيش ، إنه نفس المعسكر الذي يوجد به ابنه ، فتوسعت حدقاته من الخوف وبصوت مهزوز ، نادى زوجته اللّتي تقف في المطبخ  تحضر الطعام من الصباح لابنها .
كانت تعد له  مايشتهيه فقد حرم من الطعام البيتي لمدة عامين 
- يا زيزيت تعالي بسرعة زيزيت .
تضع على الموقد إناء فيه  طبخة ابنها المفضلة ورق العنب على النار،  وبنفس الوقت تسند هاتفها على  طاولة المطبخ ، تتواصل هي وابنتها عبر  احدى التطبيقات الذكية المرئية  فوصل إليها صوت سوما متسائلة:
- وهل تأكدتم من خبر زواجها  يا أمي ؟
فأجابتها بإشارة نفي من رأسها :
- أنا لست متأكدة ؟ ولكن أخاك يصر أنه عندما عاد وذهب لزيارة الحي القديم كي يراهها رآها من بعيد تحمل طفلة صغيرة على يدها ،وركبت سيارة مع شاب كان يمسك بيدها الأخرى وهم يضحكان ،هذا ماقاله لي ولكني سأعرف كافة الأخبار غدا بعد زيارتي أنا و والدك لحينا القديم .
سمعت صوت زوجها ينادي ومن لهفة صوته  عرفت أن هناك  خطب ما ؟
فانهت مكالمتها مع ابنتها طالبه منها تقبيل أطفالها وأن توصل سلامها الخاص لنسيبها  خالد الذي تعده مثل ابنها عيسى .
انقباضه قلبها اللّتي رافقتها  مُنذ الصباح،  ولم تفصح عنها لأحد جعلتها تسرع بخطواتها باتجاه زوجها الذي ينادي بصوت مُرتعب هلع .
لقد أحست  كأم  أن الأمر يخص ابنها أتت بجسمها الممتلئ ، بخطوات مترددة تلبس ثوبا  بيتيا وحول رقبتها تتهادى قلادتها اللّتي تحمل الصليب وقفت بجانب زوجها الجالس على كرسيه،  تطالع التلفاز و ما يبثه وهي تتضرع للرب  كي يحمي ابنها و قلبها المنقبض الذي ينبأها بحدوث شيء وعادة مايصيب قلبها  ،تفطر قلبها كمدا وحزنا على فلذة كبدها وثاني أبنائها بعد وحيدتها سوما  ، وهي تسمع الأنباء اللّتي تتوالى والمشاهد  المروعة اللّتي يَبثها التلفاز من منطقة  التفجير
لكنها بقراره قلبها عرفت أن البكاء والعويل لن يزيد الأمر غير سوءا فبحكمتها وهدؤها المعتادين اللذان زادا مع ازدياد عمرها ، وجهت الحديث لزوجها الذي رأت مدى ألمهُ وانقباض نفسه ومحاولته لأخذ جرعات من الهواء ، واقتربت منه تدلك له  صدره فهي تعلم أن  أَزمة التّنفس اللّتي عادة ماتصيبه قد لاحت بالأفق ، مطمئنة له رغم دموعها اللّتي تنساب بغزارة على وجهها
- سيغدو بخير سيحمي الرب ابني وسيكون بجانبه  وسوف يحميه  فلنذهب  للمستشفى  فإياك والجزع
سنكون نحن وهو بخير ، هو بحاجتك  التًقط أنفاسك بهدوء   فابننا يحتاج  لنا  .
تحت نظرات زوجته استعاد قليلا من ثباته مُحتضنا كفها فوق صدره .ملتقطاً جُرعات من الهواء متتاليه.
وقبل أن تكمل كلامها علا رنين الهاتف فانتفض عن مقعده جزعاً يطلعها والعبرات تسيل على الوجه والخوف يملئ القلوب قائلا بصوت مُرتعب حزين :
- ربما يكون أحد من أصدقائه.
كانت تراقبه وهي يجيب على الهاتف  ودموعة تحفر أخاديداً فوق وجهه وهو يومئ برأسه مردداً اسمه :
- نعم سنحضر من فورنا .
أغلق الهاتف ثم نظر لها
- أنه أحد أفراد المعسكر يخبرهم أنه بالمستشفى، وهو مصاب فهرعا فارتدا ملابسها ويغادرا منزلهما مسرعين باتجاه المشفى، بعد أن  انقلب يومهما .
******************
غادر بدر وتالا بعد انتهت مناوبتها وتحت إصرار شِهاب لعودتها مع بدر ،  مؤكد على بقائه مع كاترين في المشفى جالسا معها بعد هدأت تماما ، وهو يراقبها  تدعو له بالشفاء  مستغرباً وجوده في الثكنة العسكرية ، دون أن يأتي صديقه الحميم لزيارتهم  .
وجهت الكلام له بصوت منكسر :
- أتعرف لقد كنت بدأت انزع فكرة وجوده من قلبي قبل عقلي؟  وحتى الدّمية اللّتي أهداني إياها  في أحد أعيادنا ، قد أخفيتها في احدى الصناديق تحت سريري ، منذ أسبوعين فقط ، لم أكن أعرف إنني سألقاه بعد هذه المدة  ، اذكر أخر لقاء  بيني وبينه يوم سفرهم في مدخل العمارة عندما قال لي
- سأرجع بعد سنوات لأتزوجك .
فقلت له يومها بصوتيَّ الضاحك :
- وماذا لو كنت متزوجة ؟
ابتسم لي قائلا :
- سأقتله واتزوجتك كان عمري يومها ستة عشر عاما ، أما  هو فيكبرني بثلاثة أعوام وبقيت مراهقتي  كلها ، احلم به وشبابي لم أكن اسمح لأي رجل بالاقتراب مني ، احتفظ بنفسي له ولا يشغل قلبي سواه.
بصوته الهادئ وه يربت على كفها مطمئنا لها :
- أذكر حبيبتي تلك الحادثة،  وكيف  بكيت كثيرا يومها عند سفره ؟!!!،
- اذكر تماما ، كيف ودعني صديقي موصيا عليك:
- أعرف أنها أختك ولكنها أمانة لديك حتى أعود واستردها منك ، كل هذا اذكره ، لكني ما زِلتُ مستغربا بما انه هنا ويعمل مع الجيش ،
- لَمَ لمْ يظهر نفسه لنا مسبقا؟ لَمَ لمْ يأتي كي يستعيد أمانته ؟  لَمَ لمْ يأتي كي يرانا ؟كاتي  أنا اسف لما سأقوله،ولكن ترفقي بقلبك يا حبيبتي فربما قد تغير ونسينا  ولا تبني أملا كبيرة ،  وربما قد تزوج لديه عائلة ، أنت تعرفين مدى حبي لك ولا أريد لأي شيء كان أن يجرح قلبك ولا أريد أن تصدمي بشيء.، أو يتصدع قلبك الرقيق بما يؤذيه .
طالعته باستغراب وعدم استيعاب وهنا أدركت حقيقة وحيدة ، انه ربما قد أزالها من قلبه وعقله أنه  قد نَسيها ، ومئات الأفكار دارت في خلدها وهو يقف إلى جانبها يطالع قسمات وجهها المُتغير عندما سمعا خطوات هَرولة شخصين باتجاههما
بصوت يشوبه القلق  وجه تساؤله للفتاة بصفتها ترتدي زيا طبياً :
- أيتها الطبيبة أين أجد غرفة عيسى جرجس قد أحضروه ضمن الضحايا ؟ وقالوا أنه في هذا الطابق.
-  عمي يوسف وخاللّتي زيزيت أهلا بكما لم تتغيرا كثير قالها شِهاب
كانت تطالع قسماتها ببلادةً أصابتها بتأثير كلام شِهاب لها عندما وكزها  بكوعه حتى تستيقظ من شرودها
عندها سمعت صوت الخالة زيزيت الهادئ  لكن بنبرة مَلهوفة:
- هل أنت من أصدقاء عيسى ، طمئني عليه  أرجوك  ؟
- أَلمْ تعرفيني يا خالة قال محاولا تلطيف الجو؟ إلا تذكرين صواني المعكرونة اللّتي كنت أكلها عندكم ؟
- هنا طالعته بلهفة واقتربت منه كي تحضنه وهي تبكي  ،  هل أنت شِهاب الدين لقد كبرت يا فتى كم أصبحت وسيماً ؟ ماتفعل هنا ؟ وكيف عرفت ؟ومن بين بكائها قالت هل رأيت ماحصل هل عرفت به؟
- خرج شِهاب الدين من حضنها مقتربا من العم يوسف محتضنا له   مقبلا لأعلى رأسه وبنبرة هادئة مطمئنة :- 
- هو بخير .... هو بخير  لا تخافوا كانا مستغربين لوجود شِهاب الدين ، وطمئنته لهما.
كانت ماتزال متصلبة أمامها تطالع  وجههما  أمامها كأنها تشاهد ، أحد عروض التلفاز وكأن ما يحدث قد ورد في أحد الروايات اللّتي تسمع عنها من أخواتها .
عندما تعلقت عينا زيزيت  بها وتسائلت :
- هل أنتِ طبيبة اللّتي تشرف على حالة ابني؟
خرجت من شرودها هذه المرة لتقول:
- نعم يا خاللّتي أنا من يشرف عليها ، هو بخير لكنه لم يستيقظ  بعد من أثر العملية  ،قالتها بهدوء يعاكس اضطِرام النيران في جوفها إثر كلام شِهاب لها .
بصوته المتعب المترقب كان العم يوسف  يطالعهما:
- شِهاب هل هي أحد أخواتك يا شِهاب ؟
- عمو سيوف أنا تلك الفتاة اللّتي كانت دوما تنطق  اسمك بالخطأ أردفت تقول
طالعها بعين  تضييق :
- أنت كاترين ابنة حنا العجان ، واقتربت منها كي تحضنهما هي الآخرى باكية ، بكاء شديدا فَفَزع قلبهما ، وأحسا أنها تخفي عنهما شيئا عن حالته بصفتها طبيبته .
زيزيت بصوتها الباكي:
-هل حالته خَطرة جدا لهذه الدرجة ؟
لم يكونا يعرفان أنها تبكي قلبها الآن ؟ تبكي تساؤلات تدور في خلدها الآن؟ تبكي حبا قد نسي من قبله ؟ وقلبا بات مُعلقا بشعره رفيعة من أمل بدأ يخبو .
**************************
تجلسن مجتمعات  على سطح العمارة في المكان الذي زيّنهن بأيديهن وكل منهن تركت بصمتها الجميلة  عليه فهو مكان التقائهن اليومي،  أوكما يدعونه النادي السري لهن ، جالسات تحت مظلة من سَقيفة خشبية صنعت من الأرابيسك تتدلى منها ستائر من التل المخرمة بلون الفُستقي  ، وتلك المقاعد اللّتي صنعت  من خشب الخيزران  تكسوها قطع من الإسفنج الموشاة بغطاء أخضر فيه زركشات على شكل الورد وطاولة صغيرة بواجهة زجاجية عليها غطاء يزينها ، وأصاصيص مختلفة من الورد وأشجار الزينة ، و أرجوحة تقبع في أحدى الزوايا مصنوعة من القش على شكل قفص صغير وسجادة تقبع تحت الأرائك تتوسط الغرفة ، وأحدى الزوايا بها مكتبه تحمل مجموعة من الكتب المختلفة .، وجهاز تسجيلات صوتية في ركن آخر  وركن للشواء و زواية أخرى تشبه ركناً للمطبخ مجهزة بكل مايستطعن استعماله كي يتناولن احدى المشروبات أو الشطائر السريعة توافدن على السطح تباعا .
في عادة درجن عليها  منذ سنوات يجتمعن يوميا هنا هن وشِهاب لمناقشة كل ما يحدث في يومهن ، و لإراحَه أنفسهن  من ضغوط الحياة .
سمراء وهي تنهي مكالمة هاتفية  :
- تالا بطريقها إلينا ، لقد وصلت المنزل ستغير ثيابها وتصعد إلينا بعد أن تصلي الصلاة العشاء .
عزة بتساؤل :
- هل وصلت شيماء من العمل ؟ أرجو ان تأتي تالا قبل ان تستقيظ شمس وتناديني أمي كالعادة .
شيماء وهي تدخل إليهن :
- هاقد وصلت ، ياله من يوم متعب قالتها بإرهاق ،مُتبِعَةً لهن السبب فالشركة على قدم وساق منذ اندمجها مع شركات المحمودي،  وغدا سيأتي المدير العام الجديد لذا تأخرت اليوم ،
- والآن وافني بأخر الأخبار يا محطة رويتر كانت تطالع أصغرهن سنا  مريم وهي تتكلم؟
مريم بصوت مُستهجن  وهي تنظر إليها شزراً :
- وهل أنا مذيعة نشرات إخباريه  ، لأوافيك بنشرة أخبار ؟
علت صوت ضحكاتهن عندما قالت الاء:
- بل أنت الإذاعة نفسها  يا حبيبتي ؟
تالا بصوتها الذي تحاول أن تكسوه بعض الجدية :
- لالالا أنها ليست محطة أخبار يا شيماء ، والأخبار معي اليوم ولكنها أفضل من تصنع الشاي في العالم ،
وانا بانتظاره من تحت يديها وعلت ضحكاتهن أكثر كانت تتملقها من أجل كوب من الشاي .
***********
دخل بكل هبيته ووقاره المعروفان وبطلته البهية للشركة اللّتي أصبح شريكا بها ، يرتدي حلة باللون البني الغامق تناسب تماما ولون قدحي القهوة في عينيه وبشرته الحنطية متجها إلى المصاعد ، حتى وصل  طابق الادارة في مقر عمله الجديد ، دخل  إلى مكتب السكرتاريا    ،الذي يؤدي لغرفة المدير العام   ،بخطوات لا تكاد تسمع فجذبته  رائحة الليمون الذي يملئ المكان رائحة منعشه قوية ،  فرأى  أحدى الفتيات منكبة على آلة التصوير تقوم بتصوير أوراق ما ، لكن  أكثر ما لفت اتنباه هو لون ثوبها الذي يماثل تماما لون ثيابه ويزين خصرها حزام باللون السكري  وحذاء وغطاء شعر من نفس اللون الفاتح ،ومن صوت حركة يديها عرف أنها ترتدي الكثير من الأساور ، تساؤل دار في خلده كيف ستبدو اذا كانت  بهذا الكمال وهي  تدير له ظهرها ، هناك شيئ ما يعبث بعقله ، ربما كانت رائحة الليمون ، استدارت عندما أحست أن هناك من يراقبها من الخلف ، فوجدته يناظرها من أسفل قدميها صعودا على قدها المميز إلى وجهها حتى توقفت عيناه مقابل عيناها اللّتي تحملان لون الزيتون بخطوط من الذهب تلمع بهما
فخرج صوتها ناعما رقيقا ترافقه ابتسامة تزين ثغرها وقد تضرج وجهها بلون  الخجل :
- على مايبدو أنك السيد عزيز المحمودي المدير العام ،أنا شيماء الخولي السكرتيرة الخاصة كان صوتها واثقا  ، رغم ضربات قلبها المتسارعة لمعرفتها  أنه يقيمها بنظراته من أسفلها لأعلى رأسها
بكلمات مقتضبة عرفها على نفسه ورحب بها هو الآخر
- تفضل معي سأرشدك لمكتبك .
رغم طولها المتوسط قد بدت قصيرة بجانبه وهي ترافقه نحو مكتبة، لكن شعوره غريب يجذبه إليها ، كما تَنجذِبُ الفراشة للضوء واللهب فقد راقت له  ، وعرف أن الأيام القادمة ستحمل له الكثير بجانب تلك الحسناء، لكنه نهر نفسه وبشدة .
في مكتبة الذي يحمل شذى الليمون جالسا خلف مكتب فخم باللون الأسود كل مكان بداخله يحمل أما اللون الأسود أو اللون المخالف له الأبيض ، فأرائك اللّتي أمامه تحمل اللون مثل مكتبه ، طاولة الاجتماعات وماحولها تَحمل اللون الأبيض ، رفع الهاتف ، فخاطبها لكي تحضر له جدول العمل لهذا اليوم ، طالبا منها تحضير اجتماع لرؤساء الإقسام كي يتعرف عليهم ،دخلت إلى المكتب تسبقها رائحة الليمون بكل تمهل تمشي الهوينا ،  وفجأة لمع  بخاطرة بيت الشعر  الذي يناسب خطواتها
مثْلُ الغَزالِ نَظْرةً وَلفْتَةً       مَنْ رآه مُقْبِلاً ولا افْتَتَنْ
أَحْسَنُ خَلْقِ اللَّه وَجْهاً وفماً    إنْ لَمْ يَكُنْ أَحقَّ بالحُسْنِ فَمَنْ
في جِسْمِه وَصُدْغِه وشَكْلِهِ   الماءُ والخُضْرَةُ والوَجْهُ الحَسَنْ
للشاعر :محمد  التلمساني ( الشاب الظريف)
فنهر نفسه ، وداخله ملتاع من جمالها  محدثا قلبه :
- أنت متزوج ،فأياك وأياك ،لم تعد مراهقا ، وهي فتية صغيرة مثل الغزال ، هل سأفكر في أخرى وزوجتي تتحضر !!!!، هل سأهين قلبها وعقلها الذي وهبتني إياه وعمرها الذي فَنتهُ معي ، أنا لست من هذا النوع فلقد اعتدت الوفاء .
************************
خلف مكتبها تَعبُث بهاتفها النقال ترسل رسالة لعزة الأقرب لقبلها ابنة عمها واختها بالرضاعة ، قائلة:
- عزة لقد وصل مديري الجديد ولأجل الصدفة هو يرتدي نفس لون ثيابي ،وسيم أنيق وطويل يشبه نجوم السينما .
عزة مع أرسالها لها  رمزا ضاحكا آخر متعجبا:
- رب صدفة خير من ألف ميعاد ، قد تجمعك صدفتكما معا
شيماء مرسلة لها رمزا غاضبا :
- لن تجمعنا صدفنا ولا أي طريق معا فالنجم الوسيم متزوج  عرفت من الحلقة اللّتي في يده أنه متزوج  ، كما أن قصص الروايات لا تؤتي ثمارها  في أرض الواقع، عندها قاطعها رنين الهاتف الداخلي لمكتبه كأنها استدعته بفكرها ، فوضعت هاتفها النقال جانبا حتى تُجيب على سؤاله أو طلبه.
****************************** 
تحمل بعض الأكياس  باتجاه منزل شِهاب بعد عودتها من المدرسة  اللّتي تدرس بها عندما وجدت نفسها تشاهد ذاك المشهد الذي يُنفرها ويقلب عليها كراهيتها وحقدها على الرجال ، يقلب بدواخلها شرورا دَفينة تحثها على الانتقام من كل رجل على هذه الخليقة
إلا ذاك الرجل الهادئ الذي تعرفه بمسمى أخاها شِهاب هو الوحيد الذي لا يثير بها هذه الرغبة بها بالإضافة لحسام وبدر  ، وضعت الأكياس جانبا واتجهت إلى ذاك الرجل الملتصق بأحد الفتيات الصغيرات ،محاولا التغزل بها رغم سني عمره المضاعفة عنها ويده تمتد كي يتحرش بتلك الفتاة  وهي تحاول  ابعاد  يداه عنها لكنه ملتصق بها كالغراء،                                                                                                                                                     فعاودتها ذكرياتها السوداء  فَتفجرت براكين غضبها فباغتته هي بعدة ضربات من فنون القتال اللّتي تعلمتها ،فاجتمع عليهم العديد الناس وتم اقتيادهما ونقلهما لأقرب قسم  شرطة  متواجد بالمنطقة ومعهما الفتاة اللّتي تم التحرش بها  .
**************
في مكتبة المتهالك بفعل الزمن  يراجع  ملف أحدى القضايا الهامة اللّتي أوكلت إليه، عندما طُرِقَ باب مكتبهِ  ، ولحظات ودخل العسكري وأخبره بوجود مشاجرة بين فتاتان ورجل وأن إحداهما قد أشبعت الرجل ضرباً وتركته بعده كدمات  على جسده ووجهه.
**************
سحبت هاتفها النقال من جيب بنطالها ، واتصلت على منقذها سريعا  وبصوتها المملوء غاضبا وقهرا:
- شِهاب أنا في قسم الشرطة في منطقة.................... تعال فورا فلابد أنني بحاجة كافلتك كما كل مرة
بصوته المحتد:
- هل فعلتها مرة أخرى آلاء ؟ ستكونين أنتِ سبب من أسباب موتي المبكر  ، هنا أنا آتٍ وأغلق الخط بوجهها
قبل أن يسمعها تجيبه بصوت حاد يشبه النعيق:
- وماذنبي أنا إذا كان كل الرّجال مُتحرشون سَفلة .
**************
يطالع كاترين اللّتي أصبحت أهدء من البارحة  وخاصة بعد أن أوصلها في وقت متأخر حتى منزلها  ، كي تنال قسطاً بسيطا من الراحة  بعد إصرار  والديّ عيسى على انصرافها حتى يبقيا هُما بجاور ابنهما . بعد اطمئنانهم على استقرار حالته .
وعاد بعد عدة ساعات لإعادتها للمستشفى هي وتالا مخبرا أيّاهن  أنه سيعاود الحضور في فترة الظهيرة، كي يطمئن على صديقة بعد أن يكون أنجز عمله  ، وما أن و صل  عند الظهيرة إليهما وقبل اطمئنانه عليه صدح هاتفه وطالعه اسم الاء المُسجل على هاتفه بالشّرسة ، فَعرف من فوره وهو يطالع كاتي أنّ هناك خطب ما فهي عكس أخواتها لاتتصل به إلا في المصائب ،  وها هو يَزفر أنْفاسُه  بعد أن أغلق الخط  معها يُطالع وجه كاتي وتالا  اللواتي نطقتا مع بعضهما البعض  :
- هل فعلتها مرة أخرى  ؟
فأخبرهم أنه سيغادر المستشفى  باتجاهها وهو  يؤمىء  برأسه:
- نعم وقد فعلتها،  ولكنه لا يذكر رقم هذه  المرة فقد تَعِب  من العد من خَلفها ، ولكنه لا يلومها فما تعرضت له في طفولتها ، كفيل بأن يصنع منها شخصية أسوء من ذلك ، ولكن بِمعاونة والدته  ومحاولتها الدائمة بتحسين  سلوكها وتقويمها ، استطاعا التخفيف من سواد نفسها وتقييم اعوجاج روحها المشتتة ، ولكن الذي لم يستطيعوا  إصلاحه هو كراهيتها الشديدة للرجال ، وانها لن تتزوج  وقد أخذت تلبس ملابس الرجال كي تخفي عنهم جمالها وتتصنع مشيتهم حتى تَحمي نفسها، وقتلت بيدها كل معالم أنوثتها حتى شعرها الطويل تُخفيه  تحت حجابها وهذا الشيء الوحيد الذي يستطيع الناس معرفه أنها أنثى منه حجابها.
أمر العسكري بإِدخالهم مكتبه فتفاجأ هو من حجم الكدمات اللّتي أصابت الرجل الذي عَبر الباب أولا فعينه اليمنى مُتورمة كمان هناك أثر لعضةً عميقة على إحدى خديه غير أصابع اليد اللّتي يبدو أثرها واضحا على  وجهه
غير جرح بأحدى شفتيه وتَمزق ملابسه  ، ومن ثم طالع تلك الفتاة الجُميلة الباكِية اللّتي لا تصل إلى السابعة عشرة بتقديره،
ومن ثم اتجهت أنظاره للفتاة اللّتي تَلبس ملابس الرّجال ولكن مع حجاب فوق رأسها، يبدو متناقضا مع مظهرها ، ولكن قسماتها تخبره بأنها فتاة جميلة وجهها مستدير ،واسفل ذقنها يقبع طابع الحسن  وعلى خدها الأيسر أعلى وجنتها خال يزيدها فتنه وعيونها واسعة ورموشها طويلة كَثيفة ، لكن أكثر ما ازعجه هو محاولتها تغطية كتفها الذي تمزق أحد أكمامه عنها فظهر  كتفها وذراعها المرمري  فإغتاظ لأن سَترُها قد كشف، تناول  سجادة صلاة كان عادة يؤدي عليها صَلواتهِ وناولها أياها   و بصوت هامس  وهو يحاول أن يغض بصره عنها و دون أن ينظر لوجهها:
- ضيعة فوق كَتفكِ وغطّي  ماانكشف منك .
ومن ثم صدح صوته قائلا:
- هل يخبرني أحدكم بما حدث ؟
فارتفعت أصواتهم بنفس الوقت كي يحاول كل منهم شرح ما حدث عندها نهرهم بصوته الجهوري ، مطالعا تلك الصبية الصغيرة ا:
- أخبرني ما حدث ياصغيرة؟ وما اسمك أولا؟
كانت تناظر جدران الغرفة اللّتي يتم التحقيق بها، جدران باهتة باللون الرمادي الذي يشابه لون حياتها، اللّتي تزيدها الأيام كآبة وكراسي خَشبيّة قَديمة  مُتهالكة ، كانت شاردة في عالمها الخاص ، لأول مرة تشعر أن هناك رجل قد يراعي ويخاف ، استغربت تَصرفه!! فهي غير معتادة على مثل هذه التصرفات فكل ما تعرفه أنها أصبحت ترتدي الكثير من الثياب اللّتي تشابه ثيابهم ، فقط كي تحمي جسدها من تطلعاتهم الشّغوفة القَذرة بجسدها الذي حباها الله إياه  جسد متكامل يثير الغرائز  عند معظم من عَرفتهم كانت غارقة في أفكارها مستغربة وجود مثل هذا الشخص .عندما سمعت صوتاً ذكوريا يصيح بها فاستيقظت  من غفلتها
كان هو من ينادي عليها :
- يا آنسة ..... يا آنسة أود أن أستمع لإفادتك اسمك ، وسنك وظيفتك وما حدث ؟
- اسمي هو الاء الوافي اعمل كمدرسة رياضة في احد المدارس الخاصة وعمري هو 25 عاما ، كان صوتها وهي تلقي بمعلوماتها محتدا غاضبا .
لكنه وجهه لها كلامه  قائلا :
- يا آنسة أرجو منك الهدوء ، نحن هنا كي نَحُل مشكلة ، ولسنا نتهم أحد و المُخطئ سَيأخذ جزاءه سواء كان رجل أو أنثى.
كانت تطالعه باستغراب لاتعرف لما ذكرها بأخاها شِهاب
- أراك سيدي المحقق قد جاوزت الصواب وها أنت تسمح لهما بالتّكلم قبلي ، رغم أنني أنا من تم الاعتداء عليه بالضّرب ، فلما تقف معها، ولِمَ لَمْ تبدأ معي؟
قالها ذاك الرجل الحقير بشكل استفزه.
- فل تصمت أنت  قالها له ناهرا إياه بصوت محتد وغاضب سنعيطك فرصتك للكلام ولكن بعد الآنسات  فمن كَلام الصغيرة على مايبدو ، أنك ستبقى لدينا فترة طويلة .
وعندها بدأت تشرح ماحدث عندما قاطعت كلامها طرقات على باب المكتب ، وعندها دخل العسكري مرة أخرى ،كي يخبره أن بالخارج محامي ومعه شخصآخر  يودان مقابلته بشأن الآنسة الاء .
ما أن سمح لهما بالدخول حتى ارتمت في حضن شِهاب ، فصدره الرحب وحضنه الدافئ هو مَلاذ أخواته الآمن ، وتساقطت دَمِعتُها الصامته فَربت عليها مهدئاً لها ، كل هذا تحت مرآى من ذاك الواقف يطالعهم وقد أصابه شعور بالضيق كانت نظراته كالصقر يراقب عن كثب كل حركة في الأرجاء.
- المحامي رافع الحايك حاضر مع الآنسة الآء الوافي ، أود أن أعرف لم تم إيقافها قالها، بحزم وهو يمد يده كي يصافح الضابط .
- وأنا النقيب شاهين المنصور ، الآنسة قامت بالاعتداء على هذا الرجل ، وانا ما زلت أحقق معها . تستطيع  حضور التحقيق بصفتك محاميها .وغيرك ينتظر خارجا .
هنا طالع شِهاب الدين النقيب قائلا بهدوء أعصاب:
- يا حضرة الضابط أود حضور التحقيق مع أختي أتمنى أن توافق .
ناظره بهدوء وهو يحتوي أخته بين يديه قائلا :
إجلس جانبا كي نكمل وقد شعر براحة وللمرة الثانية لم يعرف سر ما أصابه من ضيق أو راحة.
***************************
يدخل المنزل بهدوء  فوجد ابنه وابنته التوأم ضياء وسناء جالسان أمام التلفاز يشاهدان أحدى البرامج على تلك الأرائك الوثيرة ، رغم بلوغهما سن الخامسة عشرة إلا أنه مازال يراهما طفلين صغيرين يحبوان أمامه ، وما أن طالعهما مُحيا والدهما حتى قفزا من مكانها يتسابقان أي منهم سيصل إليه أولا . فاحتضنهما معا مقبلا رأسيهما معا ، لقد نضج أولاده قبل أوانهم لقد نضجا ، ولكم يزعجه مايحدث ، ولكن ظروف مرض والدتهما جعلتهما أكبر من سنهما .
أحباب قلبي ماهي أخباركما اليوم ، وكيف دراستكما؟ كان يوجه الكلام لهما بنبرة حانية طيبة .
:- الحمد لله يا أبي نحن بخير ، ولقد أنجزنا فروضنا المدرسية وها نحن نشاهد التلفاز ، حتى عودتك كي نتناول طعامنا معا أجابته سناء ذات البسمة الرقيقة.
- أبي لقد حصلت على علامة كاملة في امتحان اليوم ، وأريد مكافئة قالها ضياء الدين وهو يتغامز بعينه بخفه دم ظاهرة
:- أطلب وتمنى ماتريد ،ولكن أجيباني قبلا، كيف أمكما اليوم ؟ كان يسألهما
طالعته سناء بهدوء ودمعة فرت من عينيها:
- متعبة جدا أكثر من كل يوم قالتها وعاودت  بعض الدموع الفرار من عينيها
فعاود احتضنها وتقريبها  إليه وبقلبه غصة كبيرة على رفيقة دربه   وحزن أولاده يُؤلمه فأردف :
-  ستشفى بأذن الله يا حبيبتي فالأمل دائما موجود
قالها وهو يعرف أنه كاذب وأنها مسألة وقت فقط، فزوجته تتحضر بمراحلها الأخيرة 
*************************
تجلس  في غرفتها تطالع أحدى مواقع التواصل الاجتماعي  عندما وصلها إشعار برسالة عبر البريد الألكتروني الخاص بها ، وعندما فتحتها أخذت تتقافز فرحة وبسرعة كالبرق خرجت من غرفتها ، وهي تنادي
- ماما كريمة ، ماما كريمة وكان صوتها يدل على مدى سعادتها .
خرجت من المطبخ مستجيبة لندائها  تُطالع سمراء القافزة في أرض الغرفة والسعادة تبدو على محياها :
- لقد وصلتني الرسالة يا أمي ،
فطالعتها كريمة باستغراب:
- أيّ رسالة يا ابنتي؟!!!!!!
-  أعني تلك اللّتي أرسلتها لشركة الأزياء، وغدا ستكون المقابلة في موقعهم ، لقد أعجبتهم تصميماتي قالتها بفرحة غامرة وهي تحتضن أمها كريمة ، اللّتي أرضعتها بطفولتها وربتها كإبنة لها بعد وفاة والديها .
:- حمد لله يا حبيبتي ألم أقل لك هي مسألة وقت فقط وسيرى أحدهم تصميماتك وسيرى الإبداع بها  كانت تداري دموع تريد الانزلاق من عينيها فرحة لها سعيدة ، فها هي واحدة أخرى من بناتها ستشق طريقها بالحياة ، واحدة أخرى من بنات قلبها السبعة ستضاء حياتها بعد ركود

أنا وهنَّ ( قطع القلب)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن