{لُـعبة -نبـضٌ قديـم.}

Start from the beginning
                                    

إن جمال وسلام المكتبة الأنتيكية التي تبرقُ بالذهب والمرمرِ الأبيض بهتَ في وجود الإيرل، تتساءلُ ما أن كان هذا ما يفعله لكُلّ الأشياء حوله.. وهذا ما جعل عقلها يرفض فكرة التواجد بقربه، كما لو أن جسدها أيضًا بطريقةٍ غريبة.. يوخزها في أطرافها ليخبرها بأن ترفض.

كانَ يقِفُ هوَ ببرودٍ كشجرةٍ شتائية صمدت في الصقيع وسط باحةٍ ثلجية تدفِنُ فيها الأشجار الأُخرى، وفي عينيه رمادٌ احترق مرارًا حتى أصبح لا ينافسه شيءٍ في الاسوداد. تلك التعابير الصامتة في وجهه لا تمنحك دليلًا لما يُفكر فيه، ولكنه بكل تأكيد ينظُر في الآنسة التي احتاجت لدقيقةٍ قبل أن تُقدم إجابتها إليه. حين تنظُر في ذلك الرجل فإن أول شيءٍ تفكر فيه هو.. لم ذلك الوجه يبدو كمنحوتةٍ لنحّاتٍ وضع كل الفراغ فيها؟ كما لو أنه لم يخطط لبثِّ الحياة في عمله الصامت هذا.

كانت عدستاه مختبئتين خلفَ خصلاتٍ غُرابية تتجرأ بعض خيوطها الحالكة لتلتصق في رموشه الباردة، فتعكسان صورة إيميليا التي تٌحدق في دفترها القديم أمامها، وفي عينيها صورةٌ لطرفِ بتلةٍ متيبسة لوردةٍ نبيذية تخرجُ من طرفِ الأوراق النائمة، وحينها فقط.. استطاع سماع إجابتها التي انطلقت هادئة وحذرة منها..

[شكرًا لعرضك أيها الإيرل، ولكني سأكون مشغولة في الأيام القادمة.]

إنها تعلم أنها ترفضُ بذلك فرصةً ما مختبئة، ولكنها تملك مخططًا أيضًا عليها باتِّباعه، ولهذا بدت كلماتها حازمة وباردة بشكلٍ لم تتوقعه. لا تعلم ما إن كان هذا سيزعجه ويُراكم غضبه منها، ولهذا لم ترغب بأن تنظُر فيه تمامًا بعد هذا. راحت تعبث بقلمها ذو الشريط الأحمر بين أصابعها وكأنها تتوقع أن تسمع إجابة لن تُرضيها كذلك، فهي لا تظن أنه سيكبح كلماته القاسية.

في ذلك الوقت لم يبدو أن الإيرل جونغكوك منزعج، فقد حافظَ ذلك الوجه على وعده لاعتناقِ الصمت، ولكنها لم تستطِع رؤية مدى البرودِ في تعابيره وكأنه لم يسمع إجابة مفاجئة من شخصٍ يرفض له شيئًا للتو، بل في الواقع قامَ بلمسِ الكتاب الثقيل بهدوءٍ بين أصابعه، وتمتم إلى النسماتِ بشيءٍ لم تتوقّع سماعه..

[مؤسف.. اعتدتِ أن تُحبّي الألعاب الصغيرة.]

تجمّد القلم في أصابعها، وشعرت وكأنّ كلّ شيءٍ فيها توقف للحظة، جسدها وأنفاسها.. حتى أفكارها وبؤبؤها الحالك الذي تسمّرَ مُسهبًا نحو دفترها. رُبما بدت الكلمات بذلك الصوت الشتائي عادية.. ولكن ليس عندما جعلتها تشعر وكأن معدتها ابتلعت قلبها.

ما الذي قاله للتو؟ كيف.. يعلم ذلك؟

كانت لحظةً واحدة فقط حين التفتت برأسها على غفلةٍ نحوه من جديد، فيظهر وجهها من خلف خصلاتها الطويلة المنزلقة على قماشِ فستانها، حيثُ حاجبيها المعقودين بخفةٍ وكأن تعابيرها تصادمت حتى لم تعُد تعرف ما ترتديه أمامه. رأت ذلك الرجل يقِف بهدوءٍ في مكانه وكأنه شجرةٌ عتيقة بذنيك الساقين المثبتتين، وعينيه الغرابيتين تنظران ببساطةٍ في الكتاب الذي يحمله كما لو أنه يتفحصه لمرةٍ أخيرة، كما لو أنه.. قال شيئًا عاديًا للتو.

صـــه || HUSHWhere stories live. Discover now