اليتيم

52 9 2
                                    

روشان عازفة الكمان

( الفصل الأول )

  سأبدأ بالتعريف عن نفسي أنا لوسيفر أبن العشرين عام هكذا يتم الحكم على عمري من ملامح وجهي ،  يتيم أقضي حياتي في منزل لعائلة كفلتني منذ كنت صغيراً لا أعلم شيء عن عائلتي القديمة فعلى ما يقولون أن عائلتي قد ماتت في حادث سير و لا يعلم أحد عن أصل عائلتي شيء ، وأني فقدت الذاكرة على إثر الحادث ، أعيش حياتي روتينية إلى أقصى الحدود فليس هناك شيء جديد كل يوم يشبه الذي قبله ، فأول شيء أقوم به الارتجال و النهوض من السرير بعد ساعات من الحوار مع نفسي هل أنهض الأن أم بعد دقائق فإني لا أعلم ما الذي سأقوم به ، وهل هو شيء مهم يستحق عناء النهوض من السرير و النزول على الكرسي المتحرك ، فأنا مسلوب القوة لا أستطيع السير أيضاً بسبب الحادث .

أعدت هذه الحياة البائسة بين أربع جدران ، و شرفة ليست كبيرة ، ما يقارب اثنان و خمسين  فصل من فصول السنة قد مرت و أنا في ذات المناخ لا يختلف كثيراً الصيف عن الشتاء أو عن الخريف و الربيع .

 حتى أن تلك الشرفة التي كنت أرى العالم منها العالم و هي همزة الوصل الوحيدة بين حياتي المغلقة و العالم الخارجي صرت لا أحبها فمنها أرى كيف يتعامل الناس مع بعضهم البعض بخبث و أنانية ، كيف قسموا بعضهم إلى أغنياء و فقراء ، بيض و سود ، ذكوراً و أناثاً ، و حسب أصولهم المختلفة ، فأصبحت الزم البقاء في الداخل ، هل هذه هي حال العالم منذ الأزل أم في عصرنا هذا في ثمانينات القرن العشرين ، أكاد أموت من الملل لكن يبقى أفضل من الصبر على المناظر التي تكاد تفجر مرارتي ، ما إن تنظر لي تجدني نائماً أو أحدق بشيء ولو كان غير ملفت للنظر و يكون خيالي شارداً به مثل ذبابة أو بقعة غريبة على الحائط  .


 في أحدا الأيام كنت مستلقياً في سريري سمعت صوت موسيقى هادئة ترخي الأعصاب ، أغمضت عيني و صرت أتأمل تلك الموسيقى العذبة صارت أفكاري تتراقص معها ، و كأنني كنت عجوزاً عاد لي شبابي ، شعرت بدم الطفولة يجري في عروقي ، أود أن أطير أرقص بين الغيوم أو أصل النجوم و أسرق نورها ، أريد أذهب إلى غابات البلوط أتدحرج فيدخل ورقها في شعري أو يتسخ خدي بطينها أعود للبيت مشقوق الثياب رغم كل هذه الذنوب أعود ضاحكاً تنظري لي أمي بغضب لكن يغلب عليها الفرح فتنفجر ضحكتها ، تكاد تنفجر من شدة الضحك ، تعانقني يلامس خدي خدها اشتم رائحتها تداعب شعري البني الطويل و تعض أنفي الصغير و تقرص خدي و تشد أذني و تتغزل برموشي و تغني لعيوني العسلية ، لكن أين أمي و كيف أراها تداعبني و تحضنني وهي قد صارت تراباً أو في مكان لا أعلم أين هو بالتحديد ، و كيف اللهو و اللعب و أنا مشلول و أجلس مع بؤسي هنا ، على كل حال كانت لحظات سعيدة ،   أستمر ذلك الصوت لبرهة من الزمن ثم انقطع شعرت و كأن نهر السعادة المتدفق مع هذه النوتات السحرية ، و يبقى التساؤل العظيم و المحير ما هو سر السعادة التي شعرت بها ، أحسست و كأن قلبي يقفز طرباً من الذي سمعته أذني ، و لو كنت قادر على رؤية العازف لأخبرته كم أنا ممتن له لزرع هذه السعادة في داخلي ، أمضيت  ذلك اليوم أفكر من ذاك الذي كان يعزف بهذا الجمال في الشارع المشؤوم بين الناس سود القلوب ، أعتقد أنه شخص قلبه أبيض كالثلج و ينبض بالحب ، فلا أظن أن أنسان عديم المشاعر قاسي القلب يستطيع أن يعزف الحان تملأ القلب سعادتاً .

روشان عازفة الكمان Where stories live. Discover now