الفصل التاسع

24.5K 1.5K 116
                                    

الفصل التاسع..

بعد مرور يومين..

وضع "السيد مصطفى" أطباق الجبن المختلفة فوق طاولة صغيرة في المطبخ وبدأ في اعداد وجبة الافطار لـ "مليكة" كعادته دومًا والبسمة لا تفارق وجهه انتظارًا لرأيها الثمين في طعامه متلذذًا برؤيتها التي لم ينقطع عنها البراءة رغم أنها أصبحت أكثر نضج إلا أن نظرة السعادة ذاتها تُلقيها نحوه بكل امتنان وحب لتقديره الدائم لها، ورغم أن تلك الأيام يشعر بقلق ما يحوم حولها حيث بدت عيناها غائمة بشكل يخيفه عليها ولكنه لا زال يتمسك بمساحتها الشخصية منتظرًا إياها حين تُقدم عليه كطفلة صغيرة تفيض بما يسبب لها الأرق.
ارتفع رنين هاتفه فخرج من عمق تفكيره الغارق بها وبتصرفاتها الغريبة مؤخرًا والتفت نحوه يجذبه تزامنًا مع تنهيدة صغيرة كانت تحاول الانفلات من صدره إلا أنها سجنت بين ضلوعه حين رأى أسمها يتلألأ ويزين شاشته لأول مرة منذ سنين.
أسبل أهدابه مفكرًا للحظات في ظل خضم مشاعره وشعوره بالسعادة لمجرد سماع صوتها مرة أخرى، لذا اقتنص بعض ذرات الهواء قبل أن يجيب بنبرة ظاهريًا كانت هادئة:

-الو، ازيك يا نادية؟

علت ضربات قلبه وكأنه شاب في العشرينات وغزت الحيوية ملامحه مستمعًا لصوتها الأنثوي ذي البحة المميزة التي لم تتغير بمرور الزمن:

-مصطفى اللي بتعمله مينفعش وميصحش.

قالتها بحزم قاس لم يعير له أي اهتمام طالما نبرتها تغزو خلايا قلبه المظلم لتعيد فيه الحياة من جديد، استمر في حالة التيه تلك تاركًا ثرثرتها حول العادات والأصول ولم يأبى لنبرة الحدة الملازمة لها إلا حين نادته عدة مرات قائلة:

-مصطفى أنت معايا، لو سمحت رد عليا، مينفعش تيجي عند بيتي تاني.

كان يريد الاعتذار ولكن لسانه أعلن العصيان وتمرد بعنفوان ناطقًا بكلمة خرجت من معقل مشاعره المتأججة:

-وحشتيني يا نادية.

نطقها وترك جلد الذات جانبًا، لقد أراد التلذذ بحلاوة لحظة ربما لن تتكر ثانيًا، ومع استمرار الصمت بينهما حول الهاتف أمامه للتأكد من جودة الاتصال فوجدها قد أغلقت الاتصال محتفظة برد فعلها لنفسها، وبقي هو كعاداته يتلوى بنيران الفراق والوجع منذ أن تعلم قلبه قراءة سطور العشق والغرام.

تمالك أعصابه حين نادته "مليكة" من خلفه بنبرة متعجبة:

-بابا...بابا مصطفى.

التفت بنصف جسده والهاتف لا زال يمسكه بقوة وكأن تلك اللحظة الفريدة يخشى أن تكون من أوهام هاجمت واقعه بين حين وآخر.

-أيوا يا مليكة، في حاجة يا حبيبتي؟

-أنت كويس؟

سألته والقلق يسيطر على صوتها الرقيق، فأجاب بهمس هادئ:

 رواية منكَ وإليكَ اِهتديتُWhere stories live. Discover now