الفصل الثامن

27.3K 1.5K 125
                                    

الفصل الثامن..

تمسكت "مليكة" بيد زوج والدتها السيد "مصطفى" حيث أصر على إيصالها للمشفى بنفسه بعدما شعر بشحوب ملامحها حتى أنه جادلها في الصباح بضرورة غيابها اليوم، فجسدها بدا ضعيفًا وعيناها يغزوها الارهاق، ولكنها أبت وتمسكت بضرورة ذهابها وبالمقابل تمسك برأيه وأصر على إيصالها بنفسه.
شعرت باحتوائه يحاوطها بهالة تقدرها جيدًا في ظروفها تلك، بل وأنها كانت تتوق لأبسط اللمسات الأبوية منه بعدما كانت تبتعد عنه بقدر ما يمكنها إخفاء عينيها عنه حتى لا تبوح بما يؤرق عقلها.
وصلت سيارة الأجرة أمام المشفى وترجلت معه بعد أن أعطى السائق حسابه، انتظرت انتهائه وعودته لها مبتسمًا ببشاشة بعثت الطمأنينة في قلبها:

-لسه مُصرة على رأيك.

مدت أناملها الرقيقة تتمسك بيده وهمست بلطف ونبرة تخلو منها الحياة:

-مينفعش يا بابا لازم احضر.

رفع كفه الأخر ومسد بيه فوق ذراعها يهتف بقلق حقيقي:

-بس أنتي تعبانة حتى لو بتتجاهلي دا، أنا لا يمكن اتجاهل أبدًا.

-شوية برد عادي وهيروح.

قالتها بخفوت وهي تبعد بصرها المضطرب بعيدًا عنه، فلم يكن جسدها مريض بقدر قلبها المنكسر بفعل خيبات الحياة.
انتبهت على صوته الأبوي اللطيف:

-طيب يا حبيبتي هروح اقابل صديق ليا، ولو تعبتي وعايزة تروحي كلميني.

-حاضر.

همست بكلمة واحدة، تخفي عيناها المتأججة بدموع لا حصر لها، واستدارت بخفة نحو باب المشفى الكبير تعبر البوابة الامنية، بينما هو ظل واقفًا يعاني من صمتها المفجر للقلق في صدره كلما يراها على هذا النحو.

مسحت دموعها بحرص ورسمت ملامح البرود وبعض من الشراسة المصطنعة وهي تدخل من باب المشفى تحسبًا لرؤية ذلك الفظ برؤيته القابضة لقلبها وكما توقعت رأته يهرول نحو الباب بخطوات سريعة للغاية يركز ببصره على هدفٍ ما وفمه يرسل الأحاديث الغاضبة عبر هاتفه.

توقفت في زاوية ما بعيدًا عنه تجنبًا لتقابلهما ولم تمنع فضولها من التفافة بسيطة للخلف تراه وهو يصعد لسيارته ثم غادر وكأن هناك كارثة، علت إمارات الكره الممزوج بالشراسة فوق تقاسيم وجهها الجميل وهمست لنفسها:

-كارثة تاخده وتخلصني منه.

أجفلت بذعر على يد "كوثر" المبتسمة بسعادة كأن راتبها زاد الضعف:

-في إيه يا كوثر؟

سألتها بصوت مضطرب، فردت الاخرى بابتسامة عميقة:

-معلش يا ست البنات، خضيتك.

بللت طرف شفتيها قبل أن تجيب بهدوء بعدما استعادت البعض منه عندما تأكدت أنها لم تسمع أي شيء قالته:

 رواية منكَ وإليكَ اِهتديتُWhere stories live. Discover now