8"الغالي"

845 87 104
                                    


"في الصميم"

.
.
.

"ليَسلم ذاكَ الودُّ بيني وبينكَ
فلستُ على شيءٍ سِواهُ أُبالي.."

كانت من أقسى الليالي التي تمر عليه رغم قسوتها جميعاً، إلا أنها الآن كانت مختلفة..

كسجين يعدّ ساعاته المتبقية قبل تنفيذ حكم إعدامه، كسجين خلف قضبان سميكة، لا هو قادر على الهرب منها، و لا هو يُريد ذلك من الأساس ..

كل ما يريده هو الحصول على رأفة سجّانه، كسب ودّه فقط، و التمتع بقربه الدافئ في لحظاته الأخيرة من الحياة ..

نهض عن سريره الوثير، ليقف أمام مرآته الفاخرة، هالات سوداء أسفل عينيه حطّت رحالها هناك بعد ليلة مُضنية مُرهقة، خصلات شعره البنية القصيرة، تبدو فوضوية بعض الشيء مع ذقنه الغير حليقة،

هيئته ذابلة، و كأن كآبة الأرض جميعها حلّت عليه، ابتسم لنفسه بحسرة، يأس فظيع تخلّل بين عظامه حتى كاد يكسرها قهراً و تعباً ..

وسط صمت تام، و بحركات شاردة تائهة أنهى روتينه اليومي مُرتدياً ملابس سوداء غامقة أنيقة، ليسير بعدها خارجاً من الغرفة ينزل درجات السلم الفاخر، عيونه التائهة تنتقل حوله في كافة الأرجاء،
و كأنه يرى زوايا هذه الفيلا للمرة الأولى،
يستمع لضحكات طفلين صغيرين، أصوات اللعب و الصراخ العالية،
صور قديمة تتقافز أمام عينيه، و أصوات كثيرة تتداخل برأسه حتى انتهى السلم به ليقف في آخر درجاته يتكئ على حافته بشرود واضح ..

رفع رأسه أخيراً لتحطّ عيناه على تلك الأريكة، حيث يجلس هذه المرة مهيمن يحتسي كوب النسكافيه خاصته يقلب في هاتفه بتركيز، وقف يتأمل للحظات هادئة وسط يكون تام ..

كل شيء بدا هادئاً اليوم، كذاك الهدوء الغريب من قبل انفجار مُدمّر، كتلك السكينة قبل عاصفة هائلة، كذلك هدوئهم الآن حتى الأصوات من حوله كانت هادئة هامسة بالكاد تُسمع ..

أخذ نفساً مُضطرباً وابتسم هاتفاً من خلفه: صباح الخير ..

ارتفع رأسه الآخر عن هاتفه، ينقل عيناه باتجاهه ليبتسم زيد مُحدقاً بعيونه الواسعة و التي لطالما غاص في أعماقها مستمدّاً الأمان ..

اقترب منه بخفة يميل رأسه ناظراً لكوبه: معملتليش معاك ليه !؟

مهيمن: كنت نايم..

زيد: و دلوقتي صحيت، يلا قوم أعملي و تعالا نقعد ..

تركه يسير باتجاه المطبخ المفتوح، انتقى إحدى المقاعد العالية أمام تلك الرخامة اللّامعة ليجلس عليها من الجهة الخارجية للمطبخ و استدار برأسه نحوه يحثه على النهوض ..

أغلق مهيمن هاتفه، يُعيده لجيب سترته الداخلي، نهض حاملاً كوبه يضعه فوق الرخامة، و استدار يدخل المطلخ أمام عيون زيد التي تُلاحقه بخفة وهو يُعدِ الكوب الخاص به،

"في الصميم" بقلميfaroha.....حيث تعيش القصص. اكتشف الآن