الكابوس الأول| إجازة إسبوعية سعيدة.

129 21 62
                                    


تربعت سعاد علي الكرسي المهترئ و بيدها رواية رديئة، بينما أخذت تتسلي بحفنة من (اللب) قاذفة قشوره بإتقان داخل السلة التي بجانبها علي الأرض. شعرت فجأة بلفحة هواء بارد لتعتدل بسرعة إذ دلف رجل عجوز في أواخر الستينات إلي (السوبرماركت) كما يحب تسميته صاحب المحل. أما بالنسبة للرجل العجوز فهو بالتأكيد محل بقالة قديم إن لم يكن أسوء.

سعاد لا تعتبره (سوبرماركت) فهو أقذر من أن يكون كذلك ولكنه كذلك أنظف من الدكاكين لذا هي تصمت ولاتجادل صاحب المحل في تسميته لمحله بسوبرماركت.

الرجل العجوز يبدو بالتأكيد من النوع الذي كان يذهب في شبابه إلي الحج عطية -نعم أكيد هو حج عطية كل بائعي البقالة في الخمسينات كانوا حج عطية- ليشتري أي شيء يريده من أكياس المكرونة إلي علب التبغ. فهو يخرج أي شيء تطلبه من حيث لا تدري و لا أدري و لا يدري أحد سوي الله. يبدو أنه لم ينفك عن هذه العادة. كانت هذه هي الفكرة الراسخة في عقل سعاد عن أي رجل عجوز يدلف إلي المحل في الفجر.

لم تعره إهتماماً وأكملت ما تفعله، هي تمقت الوردية التي تنالها في الفجر علي أية حال، فهي ممله كبيت عمتها حسنات ولكن ليس بيدها حيلة فلو لم تفعل ذلك لما حصلت علي إجازتها الإسبوعية: جمعة وسبت وأحد فلولا تلك الوردية لكانت إجازتها يومين فحسب و لكنها لا تبالي كثيرًا فهي كما قالت لها زميلتها في العمل "ياسمين" تلك المثقفة الثرثارة مرة أنها مصابة بالأرق.

حينها ردت عليها بإقتضاب: "لكنني أنام عند أمي كالدببة في موسم البيات الشتوي وأستيقظ متاخراً."

فهمست الأخري و قد ضيقت عيناها في ذكاء: "إذن لا بد من أن بُعدك عن أمك و مُحافظَتِك هو السبب في ذلك الأرق."

فتومئ وقد نال منها التقزز من بلاهتها.

نظرت في الساعة المحطمة علي الحائط. ساعة واحدة وترحل، ساعة واحدة وينتهي عذاب الملل ويبدأ عذاب المواصلات؛ فهي ترحل كل أسبوع بعد هذه الوردية إلي قِنا لتبقي مع والدتها في تلك الإجازة.

ربما تلك اللعينة ياسمين معها حق فسعاد لا تستطيع ترك والدتها لحظات. لولا أنها لم تجد عملاً وكان عليها أن تعمل لتنفق علي والدتها و نفسها لبقيت تحت قدماها، لكنها أقدار.

تذكرت لوهلة أنها لم تمارس لذتها الصغيرة البريئة منذ فترة. وهي قذف القشور علي قفا الزبائن المزعجين الذى يدخل أحدهم ليقف نصف ساعة ليختار هذا وذاك ثم يترك كل شئ في النهاية ويرحل وتتلقي هي اللوم.

كانت قد اعتادت أن تقذفهم بتصويبها الممتاز علي قفاهم فينظر هذا أو هذه إليها ليجدها متابعة ما تفعله ببراءة غير قابلة للمناقشة أو التشكيك، فيظن أنه صبي من صبية الشارع قذفه و أسرع مختبأً، كما تري لذة بسيطة بريئة. أما اللذات الكبيرة فتحتاج وقتاً و تخطيطاً و مجهوداً لذا فهي تحب أن تبقيها في الإجازة عندما تذهب إلي منزلها في قِنا فعلي أية حال أليست محافظتها أولي بها؟

Sepulchral | سْبَالْكرَال Where stories live. Discover now