الفصل الرابع

Start from the beginning
                                    

و تذكرت كرستي شعورها و كأن حياتها فارقتها، و تذكرت بأنها جلست على أقرب كرسي كي لا تقع على الأرض، عندها اقترب منها أليك على كرسيه و سألها :
«كرستي، ما بكِ ؟»

«لا شيء» .

و ابتسمت في محاولة لإخفاء دموعها لكنها فوجئت بأليك يقول لها :
«أنا أعرف بأنكِ تكذبين، لأني على علم بكل ما يحدث في المزرعة كما أعلم بأنكِ تقابلين نيل كل يوم منذ أربعة أسابيع» .

دهشت كرستي و قالت :
«كيف عرفت ؟»

«صحيح بأني لا أستطيع التنقل، و لكني أعرف كل ما يجري في هذه المزرعة» .
قال أليك بنعومة .

و حاولت كرستي استدراجه لمعرفة الشخص الذي نقل إليه الخبر و سألته :
«هل أخبرك هاميش ؟»

«لا، فلسوء الحظ لا يخبرني هاميش إلا بعض الأمور المتعلقة بالعمل، و لكني أعرف بأنك كنتِ تزورين نيل بعد ظهر كل يوم، كنت أراكِ تتسلقين التلة و تدخلين الكوخ حيث تبقين هناك طويلاً و أحياناً كنتِ تمضين الليل معه» .

احمرت وجنتا كرستي خجلاً و استدارت لتخفي وجهها عنه، فلاحظت تیلیسکوب موجه نحو تلة کارین رود .

و لم تعد تحتمل وضعها فصرخت بوجهه قائلة :
«كنت تتجسس عليّ يا أليك ؟»
و قامت من مكانها .

لكنه أجابها بهدوء أزعجها :
«لم أكن أتجسس يا عزيزتي، و لأني أحضرتكِ إلى هنا، أجد نفسي مسؤولاً عنكِ» .

هز التيليسكوب و تابع يقول :
«حاولت تحذيركِ عدة مرات ثم فكرت بأنكِ لن تستمعي إلى نصيحتي، فالفتيات الصغيرات يتمتعون بحساسية كبيرة هذه الأيام و لا يمكن ارضائهم بسهولة» .

عادت كرستي و جلست في مكانها و سألته :
«لماذا تريد تحذيري ؟»

«كنت أريد تحذيركِ من نيل، فهو شاب وسیم، مجتهد و طموحه كبير وعدت والده بأن أهتم به و بتعليمه جيداً كي يشغل منصباً محترماً، فقد تقدم جيداً و لديه الفرصة بأن يكون أفضل و لا ألومه لإستغنامه هذه الفرصة، و لا أنكر تشجيعي له للإستفادة منها» .

سكت أليك للحظات ثم تابع قوله :
«لقد عرفت نيل منذ وقت طويل و هـو يشبه ... يشبه والده، و حينما يجد فتاة جميلة مثلكِ يستغلها و ....»
سكت فجأة و بدا على وجهه الإحراج .

«يعبث معها» .
أكملت كرستي ما كان يحاول قوله بصوت هاديء .

«نعم، هذا صحيح» .
هز رأسه موافقاً .

«كنت أعلم بأنه كذلك» .
قالت كرستي بصوت غير مبالي .

«كيف تشعرين الآن ؟»
سألها أليك و قد بدت الحشرية على وجهه .

«لقد انتهت فترة المرح، و أنا مرتاحة لإنتهائها، و الآن أستطيع التركيز أكثر و مساعدتك في انهاء الملاحظات حول الكتاب قبل عودتي إلى الجامعة» .

لقد عنت ما قالته لأليك في ذلك اليوم و تذكرت بأن ما قالته حول سعادتها لرحيل نيل أصبح سراباً الآن لأنه عاد و حرك معه المشاعر و أيقظ رغباتها الدفينة .

فعودته فتحت الجرح من جديد و بما أنها خبرت الحياة أکثر فلم تتوقع أن يزداد اشتياقها له و أملها بأن يكتب لها و يوضح سبب رحيله المفاجيء، تمنت أن يكتب إليها و يحدثها عن حبه، و شوقه لرؤيتها و طمأنتها بعودته إلى اسكتلندا ليتزوجها، كما تمنت أن يكتب إليها و يطلب منها أن تلحق به إلى نيويورك بعد تخرجها .

و بعد شهر على رحيله عن بالمور تركت بدورها المكان بعد أن وعدت أليك بعودتها في الصيف المقبل للعمل لديه في المزرعة، و لم تأتها أي رسالة من نيل عندها عرفت كرستي بأن علاقة حبها انتهت .

و هذه العلاقة خلقت لديها عقدة جعلتها ترفض تصديق أي رجل يحاول التقرب منها، فانتبهت إلى دراستها و نالت درجة عظيمة .

و بعد تخرجها عادت إلى بالمور حيث عرض عليها أليك عملاً سخياً كوكيلة لمزرعته و نادراً ما يوكل هذا المركز إلى امرأة، و بعد فترة و جيزة مضت على استلامها للوظيفة و بعد أن علم بزواج نيل من باربرا غوو المليونيرة الأمريكية، طلبها أليك للزواج و قبلت حيث جرت المراسم بهدوء في كنيسة بالفيج .

بعد مرور ساعة على تركها بالمور، وجدت كرستي نفسها في منتصف الطريق المؤدية إلى كارين رود، کانت تشعر بالحر و جبينها يتصبب منه العرق، فخلعت الكنزة و ربطتها على خصرها ثم فكت أزرار قميصها واستمرت بالمشي حتى رأت کوخ نيل أمامها .

و اقتربت أكثر لترى إذا ما كان موجوداً كي توصل دعوة حسين له و مشت في ممر ضيق و هي تشعر بالشمس تحرق جلدها .

و عندما وصلت إلى باب الكوخ وقفت لتلتقط أنفاسها، و من الباب المفتوح، وجدت نيل جالساً على كرسي قديم و وضع أمامه أوراق كان يكتب أو يرسم عليها .

و فجأة أحس بأن أحداً يراقبه فرفع عينيه عن الأوراق و نظر باتجاه الباب حيث وجدهـا تنتظر، فرفع حاجبه استغراباً، فارتبكت كرستي كثيراً و وضعت يديها في جيبيّ سروالها و قالت :
«صباح الخير يا نيل» .

رفع نظره إلى الشمس ثم نقل نظره إليها و قال :
«لقد أصبح الوقت ظهراً، كنت في انتظار زيارة منكِ» .

قال هذا و وقف على قدميه لكن كرستي ردت عليه قائلة :
«تأكد من أنني أتيت لسبب وجيه، إني أحمل لك دعوة من الشيخ حسين الذي يريدك أن تشاركه شرب الشاي في بالمور بعد ظهر غد» .

«هذه الدعوة لي فقط ؟»

«لا، فقد دعى كل من يعيش و يعمل في المزرعة» .
أجابت كرستي .

«لماذا ؟»
سأل نیل .

«لأنه يريد مقابلة الكل» .

«و هل هذه فكرتكِ ؟»

«لا، فهو يريد التوصل إلى الشخص الذي ساعد الدخلاء على الهرب» .
قالت كرستي موضحة .

«حقاً ؟ ألا يعرف الفاعل ؟ ألم تخبريه أنتِ ؟»
سأل بسخرية .

«كيف أخبره ؟ فأنا لم أرى الفاعل» .
أجابت كرستي .

«أتيتِ إلى هنا كي توصلي دعوته لي ؟»
سألها .

«نعم» .
قالت باقتضاب .

«لماذا لم ترسلي هاميش ؟»
اقترح عليها بسخريته المعهودة .

«هاميش مشغول بإيصال الدعوات إلى باقي الضيوف و كنت أتفقد الأشجار هنا، و قررت اعلامك بالأمر» .

«أنتِ تهتمين جيداً بعملكِ هنا و قد أحسن أليك الإختيار حين وظفكِ عنده» .
قال نيل .

عودة الحبيب الضال // روايات عبير الجديدةWhere stories live. Discover now