الفصل الرابع و العشرون

Start from the beginning
                                    

خطفة كخطفة الموت أصابتها .. توقف فى التنفس .. إنقباضه مؤلمة لقلبها و كأن قبضة قوية تعتصره .. و إرتفعا حاجبيها حتى كادا أن يلامسا طرف حجابها .. مع إنعقاده بسيطة بجبهتها .. و قد ضاقت عيناها قليلا و كأنها تسمع بهما ...
هل ما سمعته أذنيها صحيحا ...
أم ما إلتقطته عيناها و خرج من بين شفتيه صحيحا ...
أم نظراته الشغوفة و التى تهيم على صفحة وجهها هى صحيحة ...
أم تلك اللمسة الناعمة الدافئة و التى على آثرها إرتجف جسدها كله و كأنها وصلت بعمود الإنارة الرئيسى و ستصرخ الآن كما المجانين من الفرحة ...
و أخيرا إنقبض فكها و إبتلعت ريقها بتوتر تجلى به حلقها الجاف .. ربما يخرج صوتها ..
ربت أحمد على كفها بكفة و هو يسألها مجددا بقلق من صمتها و ملامحها الغير مفهومة بتوجس :
- دنيا أنا معجب بيكى .. و حاسس إنك حتة منى و لازم طول الوقت أحوط عليكى و أهزر معاكى و برضه ما بحسش بالدفا غير جنبك .. تتجوزينى يا دنيتى .
ردت بسرعة كأنها تخشى أن يكون ما تمر به حلم و هى تسترسل كلماتها المعقودة ببعضهما :
- موافقة طبعا .. أنا فرحانة قوى .
إبتسمت غزل بسخرية و قالت بسخرية هزلية :
- طب كنتى إتقلى عليه شوية على طول ريحتيه .
طالعها أحمد شرزا و قال بغضب :
- إتقى الله يا غزل .. ده ثوانى اللى سكتتهم و كان قلبى هيقف .
وضعت غزل ساقا فوق الأخرى و قالت بإستعلاء و تكبر رافعة ذقنها بإيباء و قالت بتهكم مازح :
- إحنا ماعندناش بنات بناخد رأيهم .. إدينا فرصة كام شهر كده نفكر و نسأل عليك و بعدها ممكن نرد عليك بهنوافق و لا ﻷ .
تعالت ضحكات ميناس و هى تصفق كالأطفال و قالت بسعادة :
- عندنا عروسة .. ده إحنا هنعمل بلاوى و هنجهز لكل تفصيلة .. أنا ماحستش لا بفرح ليال و لا غزل .
فسألها أحمد مسرعا بتلقائية :
- طب و فرحك إنتى حسيتى بيه و لا كنتى سرحانة .
خبتت إبتسامتها و عقدت كفيها ببعضهما و وضعتهما أمامها على الطاولة و سحبت نفسا طويلا و أخرجته على مهل و قالت بهدوء :
- أنا ما عملتش فرح .. و لا لبست فستان أبيض .. بس كتب كتاب و حضرت شنطتى و مشيت معاه .
ثم إفترت شفتاها بإبتسامة حالمة و قالت بتنهيدة خفيفة :
- بس وقتها كنت أسعد واحدة .. مافيش عروسة كانت فرحانة زيى فى الدنيا دى كلها .
رسمت البهجة على ملامحها المحطمة كروحها و تابعت حديثها و هى تقول بحماس و ذراعيها يشاركانها حماسها :
- خلينا دلوقتى فيكم ... أنا مبسوطة قوى .. و أكيد هنتمم كل حاجة لما نرجع صح يا غزل .
أومأت غزل برأسها و قالت بتأكيد حازم :
- أيوة طبعا .. لازم الكلام كله يبقى مع عمى صبرى و .. و العوو .
قطب أحمد جبينه بتعجب و سألها بفضول :
- العوو .. قصدك مين .
أجابته ميناس و هى تكتم ضحكاتها خوفا من غزل قائلة بمزاح :
- العوو ده إسم الشهرة بتاع فارس جوز غزل .. بس هى علشان زعلانة منه مش بتقول إسمه .
طالعتها غزل بطرف عينها بنظات تحذيرية قاسية .. فتنحنحت ميناس و أشاحت بوجهها و هى تصفر بلامبالاة .. بينما إبتسم أحمد بخفوت و قال بتوجس :
- يعنى الأستاذ فارس رجل الأعمال صاحب المستشفى الإستثمارى الكبير .. صاحب النظرات القاتلة و العبوس الدائم و العضلات المفرطة .. إسمه .. العوو .
حدحته غزل بإزدراء و قالت بتهديد شرس :
- عندك مانع يا ملون إنت .
كتم ضحكته بصعوبة و قال بهدوء متزن :
- ﻷ طبعا .. أنا بستفسر بس .
وقفت ليال بعدما ضجرت من حديثهم الغير مجدى بالنسبة إليها و قالت بضيق :
- هقوم أتمشى شوية .. بعد إذنكم .
أوقفتها غزل قائلة بقلق :
- أقوم أتمشى معاكى .
هزت ليال رأسها بنفى و قالت بإيجاز حازم :
- ﻷ .
و تركتهم و إبتعدت و هى تضع يديها بجيبى فستانها البنى .. تطلعوا إليها بضيق و إشفاق .. فمهما حاولت الإبتسام و إيهامهم أنها لا تبالى ... لكنهم يعلمون مدى شوقها لحبيبها .. و مدى الألم التى تكابده .. بمفردها ..
لم تكن تتطلع حولها لهذا الجمال المحيط بها .. فأى جمال مهما كان بعده لا يسمى جمالا .. شوقها بات يخنقها و يعذبها .. فحملتها قدميها حتى وقفت أمام الإستقبال .. طلبت من الموظف أن تستخدم الهاتف و سمح لها ..
هاتفت رامى و قد تزايدت نوبة توترها .. و إرتعاشة جسدها و تهدج أنفاسها ..
بعد ثوانى أتاها صوت رامى قائلا بنبرة حزينة و عميقة :
- ألو .
إنتفض قلبها و زادت سرعة أنفاسها التى تحولت لعاصفة إنتقلت عبر أسلاك الهاتف و لفحت وجه رامى .. الذى يعلم تلك الأنفاس جيدا .. وقف ببطء شديد و قد إتسعت عيناها و جف حلقه بالكامل و قال بأمل :
- مين معايا ؟!!
إبتسمت شفتيها و إنهمرت دموعها و هى تسحب نفسا طويلا و شعور بالراحة و الإطمئنان يغزوها ..
تأكد أنها هى فقال بلهفة قوية و نبرة صوته تستجديها :
- حبيبتى .. وحشتينى قوى يا عسلية .
وضعت يدها على فمها من صدمتها .. فأردف قائلا بقوة :
- و حياتى عندك سمعينى صوتك .. حرام عليكى أنا بموت من غيرك .
- بعد الشر عليك .
قالتها ليال بتلقائية و تسرع .. و بعدها لعنت غبائها و تسرعها و هى تسمعه يقول بهيستيرية :
- عمرى .. سامحينى علشان خاطرى .. قوليلى إنتى فين و أنا هجيلك فورا .
ردت عليه و هى تكفف دموعها.. و تنظم أنفاسها علها تمنحها القوة و الصلابة :
- محتاجة وقت كمان يا رامى .. مش هقدر أرجعلك دلوقتى .. أنا لسه مش جاهزة .. رغم إنك وحشتنى قوى .. مش عارفة أعيش و لا أنام من غيرك يا حبيبى .
أغمض عينيه و قال بزمجرة خفيفة نابعة من شدة غضبه :
- و أنا كمان خلاص صبرى نفذ .. أيامى صعبة من غيرك .. عاوز أعوضك عن اللى عملته معاكى .
إستندت بيدها على السطح الرخامى و الذى عليه الهاتف و قالت بخفوت مرهق :
- أنا اللى هداوى نفسى يا رامى .. سامحنى يا حبيبى أرجوك .
لم يستطع ضبط نبرته المتشنجة و هو يصيح عاليا و يضرب سطح المكتب بيده :
- محتاجة وقت ليه مش فاهم .. إنتى مراتى و اللى بتعمليه ده غلط و مش هسمحلك تبعدى عنى أكتر من كده فا إرجعى علشان لو لقيتك أنا هحاسبك حساب الملايكة .
ضحكت ليال ضحكة عالية ساخرة .. حزينة .. مضطربة .. تحمل كل الأسى .. و قالت بهدوء غريب عليه :
- أنا إتغيرت كتير يا رامى .. ما باقتش ليال الضعيفة اللى إنت عملتها .
صمتت قليلا و تابعت بصرامة :
- أنا بقيت نفسى .. و على فكرة هاخد كورسات كمبيوتر و هطور نفسى .. و بشهادتى هشتغل مع غزل و هيبقى ليا حياتى .. مش هبقى تابعة ليك تانى .. فوق بقا .. و يا تقبلنى كده يا هنطلق .. فكر و هبقى أتصل بيك تانى .. سلام .
و أغلقت الهاتف و دموعها تنهمر بغزارة .. إلتفتت خلفها فوجدت غزل تقف ورائها و على ثغرها إبتسامة متسعة .. تطلعت إليها بفخر و قالت بقوة :
- إنتى دلوقتى على الطريق الصح .. برافو عليكى .
إرتمت ليال بحضنها و بكت بوهن .. ربتت غزل على ضهرها و قالت بحنو :
- دلوقتى حبيبة خالتو زعلانة علشان إنتى زعلانة يرضيكى .
إبتعدت ليال عن غزل وكففت دموعها و قالت بحزم :
- مش هسمح لحد و لا لنفسى إنه يزعلها .. ربنا يخليكى ليا يا غزل .
ملست غزل على ذراعها و قالت بإبتسامة تنم عن راحتها و هدوئها :
- و يخليكى ليا يا حبيبة قلبى .. يالا نرجع علشان هيقلقوا علينا.
تنفست ليال مطولا و قالت براحة :
- يالا بينا .

تمرد أسيرة القصر (كاملـــــــــة) Where stories live. Discover now