الجمرة السادسة عشرة

493 27 6
                                    

الفصل السادس عشر

هل يستأذن الحب قلب أصحابه قبل أن يتلبسهم؟ ما كان الحب يومًا زائرًا أو ضيفًا ليستأذن ولكنه كما مس الشياطين يتلبسنا دونما دراية، نكتشفه فقط حينما يتوغل داخلنا كالمرض...

أحبكَ كمعجزة خارقة لكل أشيائي العادية يا أجمل زلات قلبي...
أحبكَ كطفلة تحتمي في سلام أحضان والدها من حروب العالم...
أحبكَ بجنون يجعلني قاب قوسين أو أدنى من التسليم للغرق في بحارك المتلاطمة...
أحبكَ، فحبكَ لعَمري عُمرًا فوق العُمر أحياني...

_هارون اصبر، اسمعني

_ششش الليلة مفيش كلام حد هيمشي غير كلامي
قال هذا وهو يسحبها خلفه بعدما ترجل من بوابة الفيلا للحديقة الأمامية، رمق من ينتظرهما قائلاً:
_حمزة...

ألقى له المدعوّ حمزة مفتاح ما واعتدل في وقفته بعدما كان متكئًا على دراجة نارية قائلاً:
_عاوزك تمسح من دماغك واحد اسمه حمزة، اقطع علاقتك بيّ يا هارون، أنتَ وزيدان..

قال هذا وانصرف فابتسم هارون بيأس ومدّ يده بخوذة سوداء لريحانة التي رمقته بعينين لامعتين وابتسامتها تشق وجهها، التقطتها منه بحماس ومالت بعفوية طابعة قبلة على وجنته فتشنج جسده للمفاجأة وفتحت هي عينيها بصدمة فرمقها هو بنظرة غير مفسرة، أبعدت نظراتها عنه وارتدت خوذتها ووقفت منتظرة أي فعل منه وهو مازال يراقبها بصمت، ارتدى خوذته واستقلّ الدراجة النارية وصعدت هي خلفه وانطلق بها مسرعًا متخذًا إحدى الطرق الصحراوية، مدت يدها وتشبثت بجسده والأخرى خلعت بها خوذتها وأسلمت للهواء مهمة إطفاء حرائق قلبها التي أشعلتها فعلته ونظرته، داعبتها رغبة في إحاطة خصره بيديها والاستناد على ظهره لكي يكتمل شعورها به، أطاعت قلبها وفعلت ما يمليه عليها وتشبثت به، أحاطتهما هالة حملت روحيهما على بساط من السحر
حينما يصيبنا احتلال الحب نحب الصمت أكثر من الكلام، فحديث القلوب أصدق وأبلغ من همسات الشفاه..
توقف هارون على قمة جبل من خلاله تستطيع رؤية مساحة كبيرة من مصر ليلاً، نسمة هواء ونجوم الليل وعيناه جعلت لوحتها لأول مرة مكتملة، جلست مستندة برأسها على كتفه حتى نهضت ومدّت لها يده فالتقطها بحنان وقربها منه فاستندت برأسها على موضع قلبه وأخذت تتمايل بهدوء، دندن هارون بخفوت فابتسمت ورفعت رأسها ونظرت له فابتسم لها مما جعلها ترفع نفسها وتطبع قبلة مطوّلة على لحيته، رفعت نفسها قليلاً فدعمها بذراعه وقلبه يرتجف من هول ما يشعر به فطبعت أخرى على جبينه ودفنت وجهها في عنقه وذراعيها متعلقان به، ضمها له حتى شعرت بالألم من شدة ضمته وأنفاسهما مختنقة في صدورهما، قلبيهما يوشكان على الانفجار
أنفاسكَ تهبّ عطرًا على قلبي فتنعشه..
ضحكاتكَ تطرب أذني وتجعل روحي ترقص على لحنها..
عيناكَ لذة النظر إليهما تنسيني من أنا...
صوتكَ شفاء أسقامي..
رائحة ثيابكَ عالقة في أعمق نقاطي..
وخطوط يدكَ خرائطي في بحار هواكَ
ووجودكَ عالمٌ وحياة تهبني حياة..
لو قالوا أن الحب علةٌ فأنا معلولة بكَ
ولو قالوا أن الحب نار فأنا محترقة بكَ
ولو قالوا أن الحب حرب فأنا لا أريد سلامًا
فعليكَ السلام مني وإني لا أريد الشفاء منكَ إلى أبد الأبدين...

رواية "على جمر الهوى" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن