الجمرة الأولى

3.5K 74 16
                                    

المقدمة

ياابنة أعز القوم ترفقي بقلب عبدٍ خرّ مصفدًا في ميادين عشقكم، كان أعز الناس يمشي مرفوع الهامة ولكنه في هواكم خسر العزة وجنى الكمد، أعلم أن الله لا يضع ثمارًا على غصن لا يستطيع حملها ولكن أغصان قلبي بحبكم قد انحنت من الصبابة ياسيدة القلوب ألم يأنِ لقلبينا بالوصلِ؟ جسّار اسمي استمد قوته من روحكم أيا روحًا تسكن روحي، بالهوى بتّ كمدًا مسهدًا متدثرًا بغطاءٍ نُسج من عشقٍ نخر جنبات روحي، أيا ابنة أعز القوم ترفقي بقلب عبدٍ في هواكم خرّ صريعًا بلا زاد ولا سيف..

جسّار..

الفصل الأول

امرأة بنكهة القهوة أحب المشروبات لقلبه، مرة لكنها ساحرة، تجذبك لعوالم الراحة بمجرد إستنشاق رائحتها، أصبحت عادته اليومية كما عادته في مراقبتها من شرفة غرفته والتشبع بملامحها وهو يضم فنجان قهوته السوداء بين راحتيه الكبيرتين، زوى بين حاجبيه مع إرتفاع دقات قلبه بتلقائية حينما رآها تتجه لذاك الميدان الواسع الذي ينتصف منزلهم المصمم على الطراز الشاميّ، وينتصفه نافورة مياه يحيطها دائرة ورود ملونة كما صاحبتها عاشقة الأصفر، ارتشف رشفة من كوبه الذي تتصاعد منه الأبخرة في بدايات الشتاء البارد وهو يركز حدقتيه الزيتونيتين عليها وهي تتجه لذلك التجمع النسائي، افترشت الأرض بجانب تلك السيدة التي تجدعت ملامحها بفعل بصمات الزمان عليها وهي تضحك برقة وتضع يدها على ثغرها وبشرتها القمحية تلمع بلمعة تأسر دقاته، أسنانها اللولية وحدقتيها السوداويتين كليلٍ مظلم غاب فيه سيد السماء عن عرشه، أهدابها الكثيفة السوداء تصطف على جفنيها وكأن الليل قد نام بجفنيها، تنهد بعمق وهو يشعر بحضورها الطاغي على قلبه بل على كل جوارحه يشل قوته الطاغية وجبروته الذي لطالما عُرف بهما بين أهل قريته، رزقه الله نصيب الأسد من اسمه فأضحى رجل تجتمع فيه الهيبة والوقار مع شجاعته في مزيج أخرج شخصية جسّار الحسيني عمدة إحدى القرى الصعيدية، انتهى من قهوته تزامنًا مع إنتهاء تلك الحنانة من رسم الحنة على يديها، فسار كالمسحور وقدميه تقودانه بخطوات واثقة تجاه ذاك الميدان، وقف أمامهن بهالته الرجولية الطاغية فخفتت الأصوات وشهقت النسوة بفزع تزامنًا مع رفعهن لأوشحتهن على وجوههن، تعلقت عينيه بها في غموض يربكها ويجعلها تقع أسيرة غاباته الزيتونية وتتيه بها، رفعت يدها المخضبة وأمسكت وشاحها ووضعته على وجهها إلا من عينيها، وضع يديه في جيبي بنطاله الأسود كما حال ملابسه السوداء دائمًا وقبض عليهما بعنف حتى ابيضت مفاصله وهو يطالع قمريها السجينيْن داخل جفونها فيشكلان مع وجهها لوحة أبدع الخالق في تصويرها، لوزيتان نجلاوتان وكأنهما بحر لجي يغرق أعظم السباحين قادرتيْن على إغراقه حتى أذنيه بها، تحمحم ليجلي صوته قائلاً بقوة تليق به:
_صوتكم عالي ليه ياحريم إكده على الصبح، اتحشمي ياحرمة منك ليها.

رواية "على جمر الهوى" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن