الجمرة السادسة

693 41 15
                                    

الفصل السادس
كل جريح يمكن مداوته إلا جريح القلب قد احتار في مداوته الأطباء، هكذا كان يشعر مُدَّثر وهو يقف أسفل الدرج وينتظر تلك التي تُزف له، تلك البذة التي يرتديها يشعر كما لو أنها نيران قد وُضع بداخلها، ورابطة عنقه التي يكرهها كطوق من جمر الجحيم تلتف حول عنقه لتكبل روحه في غيابات الحزن، زفر أنفاسه العالقة بصدره وابتلع غصته بصعوبة وهو يحاول أن يتماسك، فأصعب شعور يمكن أن يشعر به شخصًا هو أن يكون قلبه مع شخص وباقيه مع شخص آخر، رفعت روناء بصرها فوقع على هارون يرتدي عمامته وعباءته ويقف بوقار يليق له، عقدت حاجبيها ودقات قلبها قد ارتفعت فجأة وهي تشعر بوجود شيء خاطئ، انتهت درجات السلم ووجدت والدها يقف أمام شخص آخر ويوصيه عليها، انفصل قلبها عن العالم من حولها وانزوى في ركن من أركان روحها عندما أدرك الحقيقة المرة، لقد أصبحت زوجة أخيه، غامت عيناها بدمع لا تعرف كنهه أهو حزن أم اختناق أم ماذا هي لاتعرف، كل ما تعرفه أنها وُضعت على نيران ستحرقها حية، حبها وزوجها وهي التي تكره الخيانة، قبضت على يدها وشهقت بقوة عندما اختنقت أنفاسها التي كانت تكتمها داخل صدرها علّها تجد الخلاص فربت والدها على ظهرها برفق ووضع يدها بيد زوجها..
زوجها؟
رفعت بصرها بضياع ونظرت حولها وأنفاسها تتعالى بصخب، ارتخت قبضة يدها وانبسطت ومعها ارتخى جسدها من هول ما تشعر به، التقطها ذراع مُدَّثر القوي قبل أن تصل للأرض وارتفعت الهمهمات من حولهما فحملها بين يديه وسار بها لأقرب غرفة، وضعها على الأريكة وبدأ في مزاولة مهنته وبعد برهة عقد حاجبيه بضيق وهو يكتشف أنها صدمة عصبية حادة، أخذ يحاول إفاقتها إلى أن فتحت جفنيها وأول ما وقع عليه بصرها زرقاوتين غائمتين بجرح غائر، بدأت في البكاء بقوة وهي تحاول الاعتدال في نومتها فأسندها مُدَّثر مغمغمًا بخفوت:
_تحبي أرفع لك النقاب؟

هزت رأسها بالنفي بسرعة واستقامت واقفة بترنح فأسندها مجددًا فتحدثت بتحشرج ومازالت الصدمة تشل أطرافها:
_أني كويسة، صح؟ أني هكون كويسة

قالت هذا وهي تحاول أن تطمئن نفسها بأن كل شيء سيكون بخير أو أن هذا مجرد كابوس مزعج ستستيقظ منه على صوت هارون وهو زوجها بدلاً من أخيه، صدمتها قوية رسمت حزنًا على وجهها سافر بها لبلاد الهمّ سريعًا، رمشت عدة مرات حتى تخفي عبراتها التي تصر على فضحها وشردت مجددًا لعوالم قد رسمتها بألوان أحلامها كما قوس قزح، الأحمر يكون لون فستانها، والبرتقالي خصلات شعرها والأصفر بهجة زهور الأقحوان حولها، والأخضر مروج عينيها، والأزرق دفترها الذي تحتضنه وتُملي عليه تلك الكلمات وهي تنظر له وتبتسم، والنيللي لون السماء الصافية تشاركها فرحتها والبنفسجي لون زهور اللافندر المنعشة تلتف حولهما في ذاك الحقل المليء بالزهور الملونة، راقبت كل ما يحدث حولها بضياع حتى وجدت نفسها في غرفة أشبه بمنفاها عن وطنها وهي تجلس تطالع كل شيء حولها بصدمة وأصوات عالية متداخلة تأتي من الأسفل تشوش عقلها، استقامت واقفة بلا روح وخطت خارج هذه الغرفة ووقفت تراقب ما يحدث بصمت، ذاك الغريب زوجها بهيئة غاضبة جدًا وقد خلع سترته وبقيَ بقميصه المهمل على جسده وهو يتحدث بصوت جهوري مع عمها ووالدها يقف يحاول تهدئة الطرفين، أجفلت من شرودها على صوت زوجها القائل:
_ما يصحش عاد اللي بيحصل ده، دي مرتي، وأني مش عيل صغير إياك، أني راجل، ومهسمحش باللي انتوا عايزينه ده يحصل واصل

رواية "على جمر الهوى" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن