الجمرة السابعة

602 37 11
                                    

الفصل قصير عذرًا وأرجو المناقشة «شد وجذب يعني 😂»

الفصل السابع..
دُرة

هي طفلة لطالما امتلكت يقين يشبه يقين الأطفال بأن كل الجروح تُشفى بمجرد تقبيلها، وهي ستظل تُقبل كل جروحه حتى يبرأ منها تمامًا كما برأ أيوب من دائه، ستصبر معه حتى يفيق من غيبوبته التي طالت وطالت ولكنها لن تهدأ حتى تجني ثمار صبرها ويعود لها طفلًا يضحك في كل وقت وكل مكان، انتهت من طيّ ثيابه ووضعتها في مكانها وهي تتنهد بارهاق وتمسد رأسها بإصبعيها، لا تعلم سر ذلك الدوار الذي يهاجمها من وقت لآخر منذ الشهر، لا تريد أن تعطي نفسها أملًا كاذبًا ككل شهر طيلة السبع سنوات الماضية، تتذكر حينما علمت بتقدمه للزواج منها وكانت هي ابنة العشرين ربيعًا كيف فرحت حينها وهي ترى من كانت تهيم به حلمًا يتحقق أمامها، تتذكر كيف كانت تقف منزوية خلف ستار حجرة شرفتها تراقبه وهو يروح ويغدو لجامعته، حينها جلست أمها أمامها تخبرها بعض من حكايا ماضيه وكيف كان مرحًا يحب الحياة حينما كان صغيرًا حتى تركته أمه لوالده الذي أذاقه كؤوس قسوته ولم يكتفِ بهذا بل جلب له زوجة أب تحمل بداخل قلبها أشواك كرهٍ له غرستها في روحه على مر الليالي حتى صنعا شخصًا مشوهًا يحارب شياطينه كل ليلة لكي يخرج من دائرة ظلامه الذي يدور بها حتى أهلكت روحه، يأتي والده الآن ليرى صُنع يديه وقد وشم الزمن علاماته عليه بقسوة، يراه وهو يقف أمام المرآة كل يوم خلسة وهو يظنها قد نامت وتتحرر عبراته بقهر وهو يبحث عن نفسه ولكنه يقع جالسًا بهمود حينما يرى نسخة دميمة منه، ابن قلبها يحارب وهي موقنة بنصره، تتذكر تلك المرة التي رأته فيها قبيل الفجر قد توضأ ووقف أمام سجادة الصلاة وهو لا يستطيع الاقتراب منها، همومه تكبله وهو يحاربها بقوة حتى خرّ يومها على ركبتيه وهو يبكي كالطفل الصغير، يومها احتضنته برفق وأخذت تبكي معه حتى انتفض من أحضانها وخرج ولم يعد بعدها سوى بيومين، عاد وعاد معه جفائه، يتأرجح بين حنان وقسوة وهي تعلم أن بداخله جواهر ستعمل جاهدة على إخراجها، ستصقل له أشواكه هذه حتى تصير درر في داخله تضيء عتمته، أزالت عبراتها وهي تتنهد باختناق واستقامت واقفة لتصلي الضحى، سارت بضعة خطوات حتى دخلت المرحاض وبعدها ازدادت مهاجمة الدوار لها وأخذت تترنح بقوة حتى سقطت مكانها بقوة..

*****************
ضحك عاكف بقوة وهو يرى ملامح جسّار المتألمة أمامه في هذه الليلة المقمرة، اقترب منه حتى وقف أمامه مباشرة ونظر إلى عينيه بقوة يشوبها ألم رغم ابتسامته حتى قال:
_متخافِش يا أخوي، دا رصاص مطاطي مش فولاذ، هيوجع شوية وهيسيب ندبة على دراعك تفكرك بأخوك الكبير

ابتسم جسّار بضعف وهو يشعر بذراعه قد تخدر من شدة الألم حتى قال:
_أخيرًا قلتها يا عاكف، لسانك نطق إني أخوك!!

غشى ملامح عاكف غمامة سوداء من الألم لذكريات الماضي التي هاجمته بقوة حتى انتفخت أوداجه بغضب وترك المكان كله وهو يشعر بصدره يضيق حتى كاد أن يختنق، أسرع في سيره وهو يود لو يطير ويذهب لها، يذهب لوطنه الحاني بين ذراعيها ويختبأ به، يحتمي بها من العالم، وصل لردهة البيت واستقل درجات السلم يطويها تحت قدميه حتى وصل لغرفتهما، فتح الباب وولج للداخل، دارت نظراته بلهفة في أركان الحجرة حتى سقطت على قطرات دماء تتبعها بعينيه وساقه تقوده تجاه المرحاض بقلق، فتح الباب وجد جسدها مسجيّ على الأرضية بإهمال فسقط قلبه في قدميه وهو يراها هكذا بلا حول ولا قوة، ارتجف بدنه بقوة كمن ضربته صاعقة وهو يرى أسفلها بقعة دماء تتسع تدريجيًا، حملها سريعًا بين ذراعيه وتوجه لأقرب مشفى والتي تبعد مسافة ليست بالقليلة عن البلدة وبين الفينة والأخرى ينظر لها من خلال مرآة سيارته الأمامية والقلق يرتسم ببراعة على قسمات وجهه، لاحظ ازدياد شحوبها فرفع يده ليمررها على وجهه وهو يحاول تمالك نفسه ولم يكد يضعها على وجهه حتى رآها مغطاة بالدماء فقال بانهيار وصوت متحشرج:
_يارب، يارب

رواية "على جمر الهوى" حيث تعيش القصص. اكتشف الآن