الفصل العشرون : بوصلة مكسورة

ابدأ من البداية
                                    

زفرت بارتياح عندما انفك قيدها و تشبثت بقميصه بقوة تنشد منه بعض التوازن.. عندها نفث هو بغضب فوق شعرها و قال هادرا:

"ـ مالذي كنت تفعلينه هنا طول هذا الوقت؟"

ابتسمت له بخجل دون أن يقلقها كونهما معلقين على ارتفاع مميت.. ثم أخرجت له ما كانت تخبئه خلف ظهرها و منحته إياه و همست:

"ـ كنت أحرس عنقود العنب الأول و أنتظر نضوجه.. حتى لا يقطفه أحد قبلك!"

ثقلت يده بعنقود عنب أحمر كالدم.. فرفع عينيه إليها.. لتبتسم له عيناها المرسومتان بالكحل.. و تدس أناملها حبة عنب لامعة غزت فمه بحلاوتها.. و عندها.. استيقظ!

شهق عندما تناثرت خيوط الحلم و أحس بنفسه يتهاوى و بقلبه يوشك على التوقف.. فانتفض فزعا معتدلا بجلسته على سريره المنفرد.. قابضا على قماش غطائه متسارع الأنفاس و قد خطت قطرات العرق طريقها على طول جبينه الذي التصقت به خصلات شعره الطويل لتلقى حتفها عند لحيته الكثيفة...

مسح على وجهه لاهثا وجِلا مدمدما باستغفار خفيض.. ثم زفر أنفاسا معذبة و ابتلع غصّة شائكة.. مأسورا بتأثيرها و لو كانت طيفا.. مبعثرا بابتسامتها و لو كانت سرابا.. ملتاعا بلقياها و لو كانت حلما!

أغمض عينيه منتشلا نفسه من حسرته متسلحا بجفاء واه.. ثم نهض عن سريره عندما صدح صوت دجلة من خلف الباب تزامنا مع توهج هاتفه الصامت دليلا على وصول رسالة نصية تجاهلها بينما ينزع قميصه المتعرق ملقيا إياه بإهمال.

"ـ أخي؟ استيقظ نحن ننتظرك على الفطور"
"ـ لا داعي لأن تنتظروني.. لقد تأخرت على العمل بالفعل.. صحة و عافية لكم"

تنهدت بحزن و أخفضت يدها عن مقبض بابه.. ثم رفعت عينيها لتلك التي وقفت بجانبها بصمت خائب.. لتهمس لها بخفوت حزين:

"ـ ربما ينضم لنا لو طلبتِ منه أنتِ يا أمي.. انه مريض و يجب أن يأكل!"

انكمش وجه حكمت بلوعة و ارتعش صوتها و هي تهمس:

"ـ قد أجبره على الطعام.. لكن ما فائدة جلوسه معنا على السفرة لو كان داخله منطفئا؟"

أنكست دجلة رأسها بأسى ثم همست:

"ـ لو أنها تعود"

امتقعت ملامح حكمت لكنها لم تعلق.. بل أشاحت بظهرها مغادرة المكان بقلب مكلوم.. أما دجلة فقد تلكأت بين البقاء و الرحيل.. و همست بحسرة:

"- أين أنتِ يا ترى؟"

و خلف الباب الذي وقفت دجلة أمامه.. كان هو يناظر الرسالة النصية التي توهجت بها شاشة هاتفه و بعينين ثائرتين كثورة خافقه..

"لقد وجدناها"

و شرد بعينيه في فراغ قاتم مجنون.. ضائعا في قفر الحسرة و الجفاء.. و ممزقا ما بين شوق حائف.. و غضب جارف!

لعنة الغجرية (مكتملة)|| The Curse Of The Gypsyحيث تعيش القصص. اكتشف الآن