{افتتاحيّـة -أرنبُ القَصـر.}

Start from the beginning
                                    

تتساءلَ أيَّ يومٍ هذا؟ ماذا فعلت قبل أن تأتي إلى هنا؟ لا يُمكنها التفكيرُ في شيءٍ حقًا برأسها الثقيلِ هذا.. ولا أن تتحرك بهذا الجسد الهادئ الذي قرر أن يسترخي تحت الشمس.

يومٌ صيفي..
يُمكنها أن تتخيّلَ اللون الأسود الخافت الذي يخرُج من المداخن الطابوقية ليُعكِّر السماء الزرقاء، وتسمع أحاديثَ العابرين الضبابية فيما يرنُّ جرس أحد المتاجر في البعيد، أغاني الأطفال وهم يلهون معًا وحتى أنها تتخيّلُ لمعةَ الشمس القوية في عينيها.

[بيتر بان! جونغكوك!]

اوه.. أحدهم يُناديه، أحدهم يُنادي ساحِرها الصغير، يُمكنها تخمين أنه طِفلٌ متحمّس جاءَ يعدو، تسمعُ خطواتًا تركض مُترددةً في أُذنيها، وهذه المرة.. يُمكنها تخيُّلُ هيئته، يُمكنها رؤيته ينحني ليجلس على إحدى رُكبتيه حتى يصلِّ إلى مستوى ذلك القصير..

مرّ زمن.. لكنه هناك يرتدي الثياب نفسها حين رأته آخر مرة، قفازه الجلدي الأسود في يده، وحذاؤه الصحراوي المُفضّل الذي يجلب له الحظ. شعره ذو اللونِ الخشبي الدافئ يتمايل تحت الشمس، ولكنها لم تستطِع أن ترى وجهه حينها.. لأنها ترى ظهره من بين النورِ المُشع في عينيها، يضع يدًا على كتفِ هيئةٍ لم تستطِع تخيُّلها بالوضوحِ نفسه.. لكنها تفترض كونه الصغير الذي حادثه بيتر بان بحنوٍ تذوبُ له القلوب..

[نعم أيُّها اللطيف؟]

لا يُمكنها أن تنسى كيف كان يُحادِث الجميع بالنبرةِ الدافئة التي لا تمِل من احتواءِ أحد، لذا كان صوته يُشبع أُذنيها وقلبها حتى دون الحاجةِ لأن تراه، يكفيها وحسب أن تعلم إنه هناك.. في تلك الساحةِ القريبةِ من مكانِ جلوسها يحظى بمحادثاتٍ مع جمهوره البسيط، وجوده وحده كان كافيًا..

[هل يُمكنك أن تُخرِج أمي من القبعة؟ كنتُ أحادثها لفترةٍ الآن ولم تُجِب عليّ بعد.]

اوه.. أجل إنها تذكر ذلك، تذكُر يومَ جاءَ طفلٌ يتيم لجونغكوك طالبًا منه أن يُحقق أُمنيته برؤيةِ والدته.. وهذا فطرَ قلبها تمامًا. لم ترى أبدًا وجه الساحِر الصغير من هناك، لكنها كانت تعلم.. أن خافقه تمزّق لأشلاء في ظرفِ ثانية واحدة، لدرجةِ أنه كان عليه أن يستعينَ بالصمتِ.. فتتخيّل تلك العيون البُنية مفعمةً بلمعانِ النجوم التي انطفأت حُزنًا.

لو كانت مكانه.. لما علِمت أبدًا كيف تجاري الطفل، لكن.. بيتر بان كان يعلم، رُبما احتوى قُطع قلبه المكسور بابتسامةٍ حيوية ودافئة في ذلك اليوم، يُقدِّم باقةَ ورودٍ سحرية أخرجها خصيصًا لزائره الذي لا تذكره..

[ماذا عن هذا الاتفاق يا صغير؟ ستذهب وتُهدي والدتك هذه الأزهار.. وتُصلّي داخلك لتُحادثها. أنا متأكد أنها ستسمعك هذه المرة، طالما أمسكتَ بقلبك لن يُهم مدى ارتفاع صوتك.. لأن الكلمات ستصِلُ قلبها!]

صـــه || HUSHWhere stories live. Discover now