11

25 6 0
                                    




تعاقب الأجدّان و حاصرني الوقت مضيقا على نفسي و أنفاسي ، كتمت رغباتي الوفيرة في الصراخ بأعلى صوتي و شددت أزري في سبيله ، تارة تحْبِطني كفة المساس بحريته و تارة أخرى تحبطني كفة البرود الذي يتجلل بعقد قرآني ، فلم أوفق بإيفاء  حق أيّا منهما .


أربع ليال تفصلني عن دلوف القفص الذي سيجمعني  بشين باي ، و لست على أهبة الإستعداد بعد . يفترض بي تكريس وقت أعظم على ذلك الأمر بيد أنني أفعل ما يعاكسه تماما ، أقضي ما كثر من يومي على استجماع ما يقود بصيرتي للخلاص مع لينغ ، نتشاور على هذا ، يحتدم النقاش على ذاك و لا نأتِ بما يُفيد بنهاية المطاف . وعدني بتبيان الحق و أنا أدرى به فهو ليس بناقض و لا كاذب ، و على هذا اركح ظهري.


أتى خطيبي بذاته يتخذ من قرب مجلسي مكانا ، حاوط كتفاي ناثرا عبقه على كلّي ثم مرر أنامله الباردة على عنقي واضعا عليه سلسالا فضيا مرصعا ، قطّبت حاجباي و تحسست القطعة البراقة بأطراف أصابعي .

"لا تضاهيكِ جمالا طبعا  و يا لحظها كم أحسدها! "
 
تكلم بخفوت مناوبا حدقتيه بين مقلتيّ و السلسال ، غزتني كومة من الضوضاء  داخل رأسي جاهلة للذريعة ، أوليس هذا حلم كل مرأة عاقلة ، أن تنعم بالدلال و الوقار بآن واحد  من قبل شخص استجمع كل صفات الكمال و الرجولة بآن واحد.

رتّبت ما تبعثر من حروف على لساني ثم نطقت تحت ستار الشّجن.

"أشكرك شين باي" 

دنى فقابل جسدي ثم أخذ كفي بكفه راسما ابتسامة خافتة على ثغره .

"لا شكر بين الأحباء جين ، أنسيتِ هذا؟ إنه لمِن دواعِ سروري أن أدلل الطفلة اليافعة القابعة بك ، فؤادي توّاق لإبهاجك و عرض الجانب الخيِّر من الدنيا على عيناك ، فينسى قلبك أمر ذلك الظّالم و ما أقبلت به يداه .
أقسم أنك شغفتيني حبا فأغرقتيني " 

رجعت للوراء بضع خطوات . كلامه ما راقني و لو قليلا ، أتراه ممن لا يحققون القضايا و يؤمنون بظواهرها فقط ، أيرضخ لرِجس الشيطان و يقترف آثاما عظيمة تضاهي التي اقترفتها سابقا.

"ما أدراك به؟ أتحققت من أمره لأجلي؟ " 

قلت بحزم ضامة ساعديّ لصدري و قد هز برأسه مؤكدا .

"بالطبع جين ، لم أشأ مفاتحتك سيرته ، لكن بما أن حديثنا آل إليه ، دعيني أقص لك البعض من جرائمه : 
قبل ستّ سنوات من الآن،  شُهد أنه راشٍ و مرتشٍ و متورط في قضايا الإنحلال الأخلاقي . تعرفين مقصدي من هذا صحيح؟ 
بعدها بعام توغل في قضايا الفساد و تسريب سجلات الإقتصاد  لليابان ثم  انخرط في أكاديمية تتعامل مع العصابات فور حصوله على تمويل غير شرعي، و أخيرا قضية إغتلال الرئيس أباك . و قد تكون هناك قصص أخرى نجهلها ، بحق الإله أليس هذا كافيا لك ؟ "

ضيّقت عيناي أَرتَكُّ في الأمر ، أويعقل أن تكون المحكمة غافلة عن كلّ هذا و قد كان أمر استخلاصها يسيرا لم يكلف القابع قبالتي أزيد من ثلاث أيام على عرضها عليّ هكذا . قد أكون إمرأة بنصف عقل ، بيد أنني ترعرعت بعائلة عرفت السياسة منذ القدم لذلك كل ثغرة لم يستوعبها فكري ، ليست بسديدة المنطق . 
وشكت على الرد إلاّ أن مجلسنا قوطع من طرف مساعدي و كم تشتهي نفسي أن يكون دلوفه المباغت يحمل ما يسرّني .
"أعتذر عن المقاطعة .. سيد شين باي ، أود استعارتها منك قليلا لو سمحت! "
انطلقتُ بعدما أشار لي برأسه . أصدتُ باب مكتبي و دعوته للإستقرار براحة على الكرسي .

"إذا لينغ ؟ أَمِن جديد؟"
تكلمتُ بلهفة مدقّقة بوجهه الذي تعلوه ملامح تدعو للإرتياب، ترزّم في عرض كلامه مما جعل دواخلي تضطرب . يُهيَّأُ لي أنه ينسج و يحيك الكلِم برويّة حتى لا يفجعني دفعة واحدة .
"سيَدتي أخشى عليك من هذا و كم أستصعب الأمر " 

قال مترددا إلا أنني شجعته على الإستئناف .
"كُنت قد بعثت مِرسالا لمدينة طوكيو ، و قد أتاني بأنباء لن تسرّ أحدا .
أولا تبين أن السيد لي تايهي كان على وفاق زائد عن اللزوم مع الرئيس الياباني الحالي و.."
قاطعته بتسرع قائلة
"أيراودك شكّ في كونه متورطا بالحادثة؟" 
اعترضني متكلما .

" رُويدك سيدتي ! اعذريني لما أنا موشك على البوح به .. الرّاحل كان يحيك أمرا مع شي تاه ، يوافيه بأخبار البلد و يبعث له بسجلات مسربة من الجيش في غاية السرية ، أمّنت رسولي أن يأتيني بمزيد من تفاصيل المسألة و قد حصل على بعضٍ من تسجيلات المكالمات الصوتية الأخيرة . إذا أعطيتني إذن تشغيلها فسأفعل ، هي بحوزتي الآن "

صداع حاد اجتاح رأسي ،أحسست برسيس حمى باردة يستولي على كل قطعة مني و كأنه بداية الموت المفجع ،  كل حرف وقع على مسامعي كان كالطامة التي ستهلك وجودي بلا شفقة. أعطيته إذن تشغيل التسجيلات و يا ليتني لم أفعل ! 

أَصْفَاد بكين Where stories live. Discover now