10

35 7 2
                                    





كرّست دهرا من سنين عمري على تشييد نفس صالحة أعتلي بها على ذوي الصدور الضيقة ، ثلاثون خريفا لم يكن يوما حصنا يمنعني من تقديم بعضا من محاسني و عرضهم على وطني فينتفع به و يترفّع شأنه بين الغرباء، عرفني الشعب و نبذني العدوّ لغزارة دهائي ، أخذوا أمري على محمل الجد و بددوني مع تعزيز الدلائل ضدي ، حيكت خطط من تحتي و أطاحت بي نحو القاع الدامس . تردد فؤادي في إلقاء ما بجعبته من حقائق على من ملكت كُلي بها ، كنت و لا زلت كتوما عنها خوفا عليها ، فكرت أن برحيلي ستندثر حقيقة أبيها و تدفن معي للأبد ، لكنها تصر على خدش ما خُفي و تسير باصرار لاكتشاف ما قد فاتها من تلك الحادثة، إمرأة بمثل هشاشتها لن يتحمل صدرها عذاب الضمير و لو قليلا لذلك تتجوّد في الأمر و تلحّ على بلوغ مثواها . 



"أملك شقيقا ربما يداه دَرَنَت بكل هذا ، فنحن على عداوة منذ أمد بعيد ، هذا ما بجعبتي إذا وددتِ إضاعة وقتك على أمر غير مجزوم كهذا" 

تكلمتُ بحزم بعدما ابتعدتُ عن ضمّها إلى قلبي ،بتلك الأثناء وعيت عن فعلتي الشنعاء التي تنافي عظمة كبريائي ، شتمت كليّ و ما حاشيت عضوا , قبعت ذليلا أمام دمع عينها و كبَّيت بنفسي بعيدا .

احتفنتُ من هواها حتى ثَملت آثاما جمّة ، مقلتاها المتصبغتان بلون الظلام  دعتاني بإغراء لإقتراف الخطايا الراقصة على وقْع أنفاسي المضطربة ، كأنه هرج صاخب تحت الأنوار الخافتة .

عجيب أمري ! أتزود منها جورا و أزودها بحضني سلاما كأنني الحر و هي أخيذة العدو .
مسحتْ بلل خديّها بمنديل خُطت عليه حروف اسمها الكامل  ، ثم أشاحت بوجهها تصوب أي شيء  عداي ، رفعت رأسي أنا الآخر عسى أن أرمم انكسار نفسي المحرجة و المتآكلة ندما، حاوصتها بعيناي فإذا بالحمرة تحط بخفوت عوض القطرات الممسوحة. أسريت ضحكتي التي أعلنت عن انتصرها في الحرب القائمة بينها و بين تجهمي على فتوري المخزِ، سيدة محتشمة لبيبة أسقطها حضن أسير حياءً!

شدّت انتباهي حمحماتها المسترسلة التي سبقت حديثها .

"أَكُنتُ مقصد كلامك الوحيد ؟" 

قطّبت ما بين عيناي مستغربا ، أَتراني بالغت في تعليم ذلك الحائط للحد الذي فُضح أمري أمامها وأضحيت مجردا ممّ أتوكؤ عليه ، التزمت إطباق شفتيّ ببعضهما، فكيف عساني تشكيل عبارات تقلل من قيمة رجولتي المندثرة بسبب ما آل إليه تسرع أفعالها ، إذا فعلت فستغدو نفسي رخيصة بقدر رخص نُقّاض العهد . 

عاودت طرح السؤال بصيغة أحدّ جعلتني أجفل فزعا و أنا الذي عرفت برباطة جأشي .

"أكنتَ تعرفني قبل هذا؟ أجمعني بك الزمان قبلا؟ " 
حثر لساني و حيل لعقد تساوي الأغلال التي كبلت معصماي طيلة فترة إقامتي بهذا المكان، هي تتوق للجواب و أنا أتوق لإنهاء اللقاء ، أبستطاعتي التلفظ بما هو عسير بسلاسة توازي سلاستها في استرسال الكلِم .

"ألا ترين أن مدّك بالجواب لن يعود عليك بأي نفع و لو بمقدار ضئيل، فهو لا يمد للحادثة بصلة " 

قلت و قد علا وجهي البرود و الجدّ ، دنت أكثر فتوازت أبصارنا و التحمت بكنف عليل يجهش قولا أبكما و كأنه فنى بخلودها بجانبي.

"عيناك جِماع الإثم و قد صُمت عن اقترافها مقسما للسماء . فما أنتِ بفاعلة بي الآن؟" 

أردفتُ بثمالة الرجل الذي أطاح به سَكَر الهوى مدندنا شعرا قد صانه و لم يستحسن  إبقائه في طياته ،  جحظتْ مقلتيها و ارتدَّ جسدها ، أما أنا فقد فضعت من قولي العجول و وقفت بطولي نافرا لأي بقعة من هذه الغرفة تفرغ من ريحها . 

لطالما كانت محسّة لقلبي ، تردعني أرضا على مقربة منها .
طوال خمس سنوات أسريّت أمرها و لم أكلم إنسيا عنها،  تعهدت لنفسي أن أتمم ما حط بكاحلي من مهام ثم ألتفت براحة لناحيتها ، أصونها كما صنت البلد و أحمي ظهرها بذرع صلد يقيها شر الخلق ،بيد أنني لم أوفّق بهذا و كبكبت على وجهي مرتطما أدفع ثمنا زاهدا من أيام حياتي هدرا و إسرافا.

أَصْفَاد بكين Where stories live. Discover now