١٠- "ذكريــات".

67 14 35
                                    

مُوسَـى:

طوال حياتي تمنيتُ أن اكون مِثلـهُ، أحاول أن اشبهـه
أن املك ذلك الضوء المُشرق في وجهـه، والذي لم ينطفئ للآن، وبالرغم من كل الظلام الذي غطى حياته لايزال رأفت اخي مُضيء.

عندما وعيت، وجدت نفسي اعيش في غابة صغيرة
كئيبة، ومُرعبـة، ‏لا ينيرها إلا وجـه أُمي و وجـه أخي
ابـي كان شخصًا اقل ما يُقال عنـه
"شخص يحتاج للقتل، وليس للمساعدة"، لإنه وحش، وحش كبير يسلب وينهب كل ما في ارواحنا
كان يحب والدتي حُب مجنون، مهووس بها، يخبرها أن الحياة دون ضياء وجهها ستظل مظلمة، وظالمة
يغار عليها من المرآة التي ترى فيها وجههـا.

منذ ولادتي ونشأتي كبرت في هذا المنزل
يمنع ابي خروجنا إلا للمدرسة، ونعود بعدها للمنزل
رأفت كان يطيع اوامره بلا أي رفض، لذلك ابي كان يفضله عليّ، كان يخبرني إنـه ‏لا يستطيع العيش دون والدتي ورأفت، وانا لا أُذكر، لم يكن ذلك يزعجني، لإنني ‏لا احبـه، وامقتـه، وهـو كان ولا يزال عدوي الأكبـر.

كنت استمر بالهرب كل ليلة من العاشرة مساء موعد نومنا حتى الثالثة فجرًا، اتسكع مع رفاقي حد التعب
حتى اصبح عمري عشرون عام، حينها حصلت الفاجعة وهربت من منزلـي، الى يومي هذا وعدت

آنذاك قبل سبـع سنوات
حين عدت من المنزل في صباح السبت، بعد قضاء وقت جميل مع اصحابي كنت اعتقد إنني أيضًا سأختلس الدخول للمنزل ببساطة، من نافذة اخي، وانام دون أن يشعر بي احـد، كانت الساعة تشير الى الثالثة صباحـًا، ورأفت كان نائمًا، كان عمرهُ ستة عشر عام، كان وجهه يضيء حتى وسط الظلام، كان اخي غريبًا يعشق شيء إسمه الظلام، ويخبرني دائمًا إنـه عندما يختفي في الظلام يشعر بالأمان، لم اعرف ابـدًا ما الذي يخافـه، ولم يخبرني أيضًا، وانا لم احاول ابـدًا معرفة ما الأمر، وانا نادم...

بسبب ما عشتـه من سوء وظلم في منزلي كنت انانيًا مزعجًا، ‏لا اكترث سوى لنفسي، كان اخي يحمل مسؤوليات اكثر مني، لإن عقلـه كان اكبر بكثير من عمره، كان يفعل كل المهام الصعبة في المنزل، يطيع الاوامر بصمت، ويتحرك بخفة، كان قلبه مملوء بحب والدتي، ويكره والدي كما افعل انا، لكنه لم ينطق بكلمة سيئة عنـه امامنا ابدًا، حتى في غياب ابي لا ينطق بشيء عنـه، لكنني كنت الحظ انعقاد حاجبيه عندما يأتي للمنزل، وإهتزاز اقدامـه بتوتر، ويصبح يقضم إظافرهُ بشكل مزعج، ابـي كان يحبـه جدًا، يخبره دائمًا إنه من اوسم رجال الأرض، يخبره إنـه اغلى شخص بعد والدتي، لذا لا اعلم سبب كره رأفت لـه.

في ظهيرة ذلك اليوم، استيقظت بسبب صوت الرعد القوي الذي افزعني، كان الجو هادئ جدًا، لا يوجد سوى صوت المطر والرعد، ظننت إنني استيقظت بعد غفوة صغيرة، لكنني صُدمت عندما رأيت الساعة تشير الى الثانية ظُهرًا، الاسئلة ازدحمت برأسي، لماذا لم يوقظني رأفت ولم اسمع صوت والدتي، حينها رأفت لم يكن بغرفتنا، خرجت بثقل من تحت الغطاء، كان الجو باردًا بالرغم من إنه وقت الظهيرة، ازلت الستائر ودخل الضوء للغرفة، حديقتنا كانت تغرق حرفيًا بسبب المطر، كانت الكراسي مقلوبة على الأرض بسبب العاصفة، وايضًا كان غطاء الطاولة الاحمر متشبث بغصن شجرة البرتقال، التي اعتنى بها كل من رأفت و والدتي، كذلك الكثير من البرتقال كان قد سقط من الشجرة، ازداد المطر وهو يضرب النوافذ بقوة، خرجت اسير ببطء شديد من غرفتي وتوقفت، توقف كل شيء في حياتي عند تلك اللحظة، اللحظة التي رأيت فيها رأفت يجلس بجانب السلم في منتصف الصالة المتوسطة الصغيرة، وبيـده منشار، منشار أشجار كبير، لطالما رأيت والدتي ورأفت يرتبون الإشجار ويقطعون بعض اغصانها بواسطته، ماذا الآن!
انتقلت ابصاري قليلا لأرى رأس والدتي مقطوع ومستقر على آخر درجات السلم الخشبي، وجسدها بجانب رأفت على الجهة الأخرى، الدماء خلفه وتحته وفي كل مكان، لا زلت أذكر كل شيء في أدق تفاصيله، شهقتي الخفيفة التي خرجت بصعوبة، ساقاي المرتجفة، وعيناي التي تكاد أن لا تستوعب ما تراه، ذلك المشهد الى الآن عالق بعيناي

الطَـرف اللـّين. حيث تعيش القصص. اكتشف الآن