فستاني الأبيض

Start from the beginning
                                    

لوحت بذراعيها في الهواء تهتف بصوت مرتفع (الحقيرة .. الوقحة اعتدت عليَّ بالضرب وأهانتني أمام الموظفين)..ثم تصنعت البكاء مرتمية بين أحضانه متابعة (خذ لي حقي منها يا آركان)

أبعدها عنه قليلاً يدقق النظر في هيئتها الفوضوية وشعرها المشعث قائلاً (أفهميني أولاً ماذا حدث)

بدأت وصلة جديدة من البكاء الزائف.. الممزوج بالشهقات القوية كمن ضُرِبت بالرصاص حتى تثير عطفه قائلة (تلك الفتاة المُسماة بسيڤدا سكبت القهوة فوق ملابسي وعندما حاولت تفاديها قامت بجذبي من شعري وضربتني .. وجميع الموجودين في المقهى يشهدون على فعلتها).. تعجب آركان كثيراً وشعر بشئ غريب في الأمر لأن سيڤدا هادئة جداً ولا تنفعل بسهولة ورأى هذا بنفسه عندما حاولت هوليا استفزازها وكان رد فعلها الابتعاد عنها وكونها تتعدى عليها بالضرب وتصل لحد التشابك بالأيدي ليس له إلا تفسيرين .. إما أن تكون هوليا كاذبة وتتهمها زوراً أو أنها تعرضت لدرجة عالية من إثارة الأعصاب وفي كل الأحوال سيتخذ إجراءً عادلاً لكل الأطراف وسيحاسب المخطئ منذ البداية.. أمسك كفها يحثها على الجلوس محاولاً تهدئتها (توقفي عن البكاء وأنا سأتصرف)

أطاعته وهي مازالت تشهق ببكائها الزائف (ما تعرضت له كان شئ بشع.. أنا مُنهارة داخلياً بشدة.. لن أستطيع النظر في وجه زملائي مجدداً)... ولتتقن تمثيليتها وتثير حنقه تجاهها تعالت شهقاتها ونشيجها أكثر مضيفة بلؤم خفي (وأنت كيف سيحترمك الموظفين بعد إهانة خطيبتك بهذا الشكل المخزي؟) ..لم يكن آركان بالرجل الذي يسهل التلاعب بمشاعره ولأنه يعلم جيداً طبيعتها العدائية وإسلوبها المُتعالي في التعامل مع المحيطين بها بل ومعه شخصياً آثر الصمت والتفكير بحذر دون الإنجراف وراء حديثها .. ناولها كوب من الماء لتشربه كنوع من اللطف ولتكف عن بكائها ثم قال بثبات وهو يخرج من المكتب (انتظريني هنا .. لن أتأخر عليكِ) .. تركها متجهاً نحو المقهى مباشرةً وأول ماطرأ في باله تفريغ الكاميرات الموجودة هناك ووقتها سيحدد من المُذنبة فيهما وبرغم حبه الشديد لسيڤدا لكنه سينحي مشاعره جانباً ويتعامل بمهنية مدير لشركة كبيرة لها احترامها ولا يصح القيام بأعمال الشغب والشجار بين موظفيها...

*************

دخل آركان المقهى بخطوات ثابتة .. يبحث بعينيه عن وردته وللأسف لم يجدها فاتجه نحو غرفة التقنيات والمراقبة يطلب من الفني المُختص تفريغ الكاميرات ليتسطيع حل المشكلة .. سحب كرسي جانبي ثم جلس أمام شاشة العرض والموظف يقوم بتشغيل الڤيديوهات التي تم تسجيلها وقت وقوع المشاجرة.. وبنظرة واحدة أيقن من المذنبة وتأكدت شكوكه.. كل مايراه أمامه مقصود به جرّ سيڤدا لمشكلة كبيرة بدءً من دخول هوليا ونظراتها المشحونة مروراً بالتصادم المُتعمد وسكب القهوة ثم التراشق بالألفاظ والذي كان بدايته من هوليا وأخيراً التشابك بالأيدي والإعتداء البدني وتهويل الموقف بالإضافة إلى لغة الجسد التي وضحت كم الاستفزاز والعدائية في تصرفات خطيبته.. وبعد انتهائه من فحص التسجيلات شكر الرجل ليعود إلى مكتبه وأثناء مروره بالردهة المقابلة لمكاتب الموظفين انتبه لعدم وجود سيڤدا..أحس بالقلق يتملك منه فهو يعلم جيداً مدى هشاشتها ويخاف أن تتصرف بتهور وتؤذي نفسها لكنه مضطر للتعامل بحيادية تامة حتى لا يعرضها للمسائلة القانونية..وأثناء جلوسها واضعة ساق فوق الأخرى بعنجهية .. فخورة بِمَ أنجزته اليوم ومنتظرة نتائجه المُرضية.. دخل عليها بملامح غير مقروءة.. جلس خلف مكتبه يرمقها بنظرات غير راضية يسألها (كيف حالك الآن؟)

ساحل أسكودار (مكتملة)Where stories live. Discover now