الفجر الخجول(مكتوبة)

By EmanOmarWrites

31.3K 720 17

نظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في التر... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون

الفصل التاسع عشر

808 19 0
By EmanOmarWrites

الفصل التاسع عشر

داخل حصار إهتمامه بها لم ينتبه لتلك الصغيرة الباكية كطفلة .. ساعدته ففتحت له الباب الخلفي وهو يحمل سناريا ليريح جسدها عليه و بحمل الحقائب بالسيارة وصارت تشرح بجواره كل الأعراض التي تحدث لها منذ يومين ..

حملها ملتاعاً مرتبكاً ليصل للمشفى فيجد خالد واقفاً هو ومها على باب المشفى مع طاقم لنقلها وهو يقرر فيما بعد توقيع الكشف عليها
" تصرفك كان جيداً فبإتصالك هذا جعلتني أجزم أنها الزائدة .. على وشك الإنفجار ، وقع هذه الأوراق لأستطيع إجراء الجراحة فوراً " وقع بآلية الأوراق التي مدها له خالد :" أرجوك يا خالد أعدها إليّ " ابتعد خالد بعد أن ربت على كتفه فتحرك للنافذة ينظر للسماء الملبدة بقطع قطنية من سحب تزيدها رهبة .. ارتعد ورفع يديه يدعو ويبتهل لله أن يعيدها سالمة ، ترددت كلمات خالد داخل رأسه :" يبدو أنها قتلت نفسها إرهاقا وأضف على ذلك الحالة النفسية لها قبل سفرها فمؤكد كل ذلك هو ما جعل الزائدة تزداد إلتهاباً بتلك الطريقة " ضربه الندم وشعر أنه خسرها .. لقد تسلمها وردة ناصعة فصارت بين يديه كومة من التعاسة .. تذكر أمه فعمد على الإتصال بها وأعلمها ما حدث على إعتبار أنها تعبت وهما عائدين معاً من رحلة شهر العسل فأتى بها للمشفى فوراً ، لقد صارت الكذبات تترى على لسانه بدون أي تلعثم .. سخرية لاذعة داخل معتصم عقله ..

" لا تخشي عليها فالله يعلم كم هي حنون ، مثلها قليل لن يخذلنا بأخذها من بيننا " استدار لينظر لتلك الصغيرة وكأنه يراها لأول مرة .. تذكر أنها من كانت تجاور سناريا لحظة خروجها من المطار فهمس بضعف :" من أنتِ ؟" مدت يدها إليه :" أنا زميلة الدكتورة سناريا بقسم الأطفال وكان لي الشرف أن أكون مرافقتها بالسفر " تناول كفها مرحباً متسائلاً :" ماذا حدث هناك بذلك المؤتمر ؟" فسردت له كل ماعلم سابقاً من مظهرها الشاحب فقد أرهقت نفسها حد الموت .. وسخر من نفسه عندما ذكرت لقب الجمرة التي تفردت به دون الجميع وكذلك الجائزة الشرفية وعقود العمل التي انهالت عليها هناك
" لقد كدت تفقدها فأنظر كيف ستتصرف الأيام المقبلة يا غبي أم ستنتظر حتى تختفي من حياتك فتصير يا غيث كنيزك غادر مداره سابحاً في السماء بلا هدف !"

******

هرول في طرقات المشفى ، منذ دقائق ألقت أمامه إحدى الممرضات معلومة أن سناريا أتت مريضة وتُجرَى لها جراحة الآن .. فهتف بلهفة لم ينجح في إخفاءها :" وأمنية هنا ؟" حركت الممرضة يدها لتمسد رداءها الوردي الخاص .. تتعمد البطء بالرد لتستشف ما خلف لهفته الحارقة أمامها فما إن نطقت باسم الدكتورة سناريا قفز من مكانه يتساءل عن الأخرى :" نعم لقد أتت مع الدكتورة وهي الآن مع زوج الدكتورة " تركها وخرج مهرولاً ثم توقف أمام المصعد ولكنه لم ينتظره .. هبط الدرج قفزاً كل درجتين معاً حتى وصل ليجدها تتحدث مع غيث الذي لم يتبين حالته فلقد سرقت نظرته عندما بدت أمامه هشة رقيقة يخشى عليها أن تطيح أرضا بفعل نسمات الهواء الخريفية القادمة من خلفها حيث النافذة المفتوحة على مصرعيها .. وجهها يشبه طائر صغير وصوتها الهاديء الذي تحاول أن تبث به الإطمئنان لذلك الرجل القلق على نصفه الناعم بدا كعزف كمان ناعم حزين .. شعر بأن أعصابه تكاد تحترق وهي تربت على كتف رجل غيره ، توقف يلتقط أنفاسه اللاهثة بفعل المجهود البدني لهبوطه الجارف من الطابق الخامس وكرد فعل طبيعي لإنتظاره لتكتحل عيونه بمرآها منذ أسبوعين ، بدت بريئة ببراءة طفل صغير .. بين لحظة فارقة بين الخوف والتردد وجد ساقاه تندفعان رغماً عنه نحوها .. موقن أنها لو منحته الفرصة سينسيها قيصرها العجوز ، جاء صوته منادياً لها خافت كهمسه حائرة بين شفتيه لا تكاد تسمع :" أمنية " ولكنها التقطها بإجفال كصوت مدفع يجاورها ، اقشعرت تتمنى أن تلقي رأسها المرهق بين طيات صدره الذي مازال يحمل آثار المجهود فيتردد صعوداً وهبوطاً ، ذكرت نفسها بإهانته لها بألا تذكر اسمه فندت إجابتها بقوة :" الدكتورة أمنية .. نعم دكتور " تجاهل جمود وجهها .. اقترب خطوات ليواجهها فابتعدت خطوات مماثلة ، توقف وهو يمد يده إليها مسلماً يُمَنِّى أصابعه بتلك الصلاة التي ذكرتها بمفكرتها :" حمداً لله على سلامتك أمنية " لم تجد مفراً من أن تمد يدها لترد السلام مقررة أن يكون بسرعة خاطفة ، لمست أصابعها أطراف أصابعه بلمحة قبض على أصابعها كعقاب قنص عصفوراً ، جاهدت لتنزع أصابعها وهي تنظر حولها وتخزه بنظرتها وتشير برأسها لخلفه كأنها تعلمه بوجود غيث أيضاً فلم يترك كفها فقررت أن تدخله داخل حجمه الطبيعي :" إن سناريا مريضة وزوجها خلفك قلق عليها من الجراحة .. " استدار لغيث وهو ما زال قابضاً على كفها .. أرادت إستغلال الوضع لتنزع كفها من يده المستميتة عليها فنجح هو بتبديل يده حول كفها لتصبح أسيرة يسراه وبعد أن تحدث قليلاً مع غيث مال عليها هامساً :" أحتاجك بشكل مُلِّح أمنية " ارتعدت من كلماته المبطنة فهي لا تعرف ماذا يريد أو كيف يراها .. نزعت أصابعها مقررة أنه آن وقت الحدود :" الدكتورة أمنية يا دكتور " فهمس أمام وجهها :" رامز " رفعت حاجباً لأعلى وعقدت ذراعيها أمام صدرها الفائر كتنور مهدد بإنفجار صاخب يعلو ويهبط من الإنفعال :" أذكر أن هناك شخص أمرني بصلف بل كاد يحطم أصابعي ألا أذكر اسمه وهذا ما انتويت فعله .. سأطيع أمره " استدارت لغيث :" سيد غيث مضطرة للإنصراف لحجرتي وسأقوم بمهاتفة عائلتي ، سأعود مرة أخرى لأطمئن علي سناريا " هز غيث رأسه بشرود فعقله مسافر .. محياها المرهق بشحوبها المقيم وسؤال تعلق فوق رأسه .. أسيكون الندم هو نصيبه كزوج جنا أم سيكون له أمل فيها ؟؟
سارت وتركته خلفها ببساطة ولكنه تبعها حانقاً عليها أم على نفسه وكبرياءه هو ما يحركه أم غيرته .. إشتياقه الناري لرؤيتها ضد تجاهلها المقيت البارد .. وجدت نفسها مدفوعة بقوة تجاه غرفة جانبية علمت أنها غرفة الطواريء من محتواياتها المكدسة من طفايات وسلم معدني وغيرها تكاد تختنق من ضيق المكان وعبق رائحة الأتربة بداخله ، ترك عضدها فلم تر شيئاً من ظلمة المكان الذي بمجرد إغلاق الباب غرق بالظلام و لم تر من خلال دموعها المغرقة لوجهها سوى تلك اليد التي جذبتها بسرعة البرق

صوت لهاث حاد تحاول أن تترج .. لم يتركها فكفاه تطوقان ذراعيها تربطهما جانبها ، همست :" من أنت وماذا تريد ؟" سقطت شفتان حارتان على شفتيها الشاحبتين تكاد تمتص منها رحيق الحياة .. لم تعد خائفة ، مشاعر أخرى لم يكن الخوف من ضمنها ولا يمت لها بصلة هي ما شعرت به .. إستجابتها الفطرية لأول قبلة من قيصرها تعرف أنه هو وليس سواه تتنفس عطر جلده .. لمسته تعرفها من سلامه فقط .. قامته المطلة عليها ، بادلته قبلته تدفع شفتيها داخل حرارة شفتيه فأتت كموجة عاتية صافعة لمشاعره ، غادرت شفاهه شفتيها .. أنفاسه غير منتظمة بل لاهثة راكضة إليها همسته بخشونة أتت غريبة على أذنيها :" يا إلهي أنتِ .. أنتِ .." جبينه المستند بإستنفاذ لقواه على جبينها ويداه اللتان تطوقان كتفيها .. لهاثه اللافح ممتزجاً بعطره المركز المنعش ، همست بعد أن هدأت أنفاسها وانتظمت نبضات قلبها تتأكد أنه هورغم تأكدها بحدثها الأنثوي :" رامز " همس بيائس متوسل كمن طال إنتظاره لسماع اسمه :" أخيراً .. لقد ظننت أني لن أسمعها أبداً مرة أخرى أمنية " غلت دماءها منه ودفعته بصدره فتحرك جانباً ، فتحت الباب وهي تسبه :" وقح .." وصلتها صوت قهقهته من داخل الغرفة التي وقفت أمامها فعادت لتطل عليه وجدته طفلاً بريئاً يجمع بين الشقاوة والحزن .. مزيج لا تعرف لِمَ دائماً تشعره وهي تراه
" دكتور ماذا كنتَ تعني بأنتِ .. أنتِ ؟؟" ضغط بأسنانه على شفته السفلى وتلاعبت حواجبه وهمس :" ما حدث منذ " ونظر بساعته وأردف :" ثانية كفيلاً بأن يزيل أي لقب " دكنت عيونها وهاجت أعصايرها :" ما حدث كان تحرش يا دكتور " قبل أن تتحرك كانت يداه حول رسغها ليوقف خطواتها وحشرجته هالتها :" أنتِ تعلمين أنها إستجابة نارية ولم يكن تحرش .. إلا إذا كنتِ أنتِ مَن .." دفعته بكلتا يديها بعضلات صدره بعد أن جذبت معصمها من قبضته وهرولت بسرعة تلاحقها ضحكته المتلاعبة الحارقة لأعصابها !

******

أفاقت وأدارت عينيها بالغرفة فوجدتها فارغة تماماً في لحظة واهية ظنتها صحيحة غدرت بها مشاعرها ، كانت تظنه قريباً منها ويهمس بأذنيها بكلمة تمنتها من بين شفتيه (( حبيبتي أفيقي ))
كم تاقت للضياع بين تلك الكلمات والخلاص من كل ألمها لتحيا بها ومن أجلها .. زفرت أنفاسها ، تأكدت أنها كمن أراد الضياع في حلو الحلم لينسى مُرّ الواقع ..

****

إن كان لكل مخلوق أم ترعاه ، حتى الأرض الطيبة تجد من يعتني بها .. فهاهي ناهدة تربت براحتها الدافئة بحنو بالغ على ظهره المنحني في جلسته بمنتصف سريرهما الذي لم تمدد جسدها عليه سوى مرة واحدة هي ذكراها التي بالغرفة .. جفل عندما شعر بيد غاليته فأرهف السمع لهمسها الرقيق الذي فتح نافذة الأمل الميت بقلبه الشخص :" الذي يحبك يتحمل عنادك وأسلوبك وغضبك و يحن عليكَ رغم قسوتكَ عليه ويتركك حتى تهدأ ثم يعاود النظر إليك من جديد ليعدك بنظرته أنه سيكون دائماً معك " أردفت بحنان :" هكذا هي ابنتي من تعشقك " وعندما طال صمته بعد أن تقلصت عضلات ظهره تحت كفها أدركت أن هناك خطأ ما فأصرت مكررة :" لن تخدعني .. هناك خطأ فلا هي تبدو أنها كانت بإجازة بل كانت بمعتقل تعذيب .. وأنتَ حائر صامت " صمتت عندما وجدته يدفن رأسه لأسفل أكثر ثم عادت بإصرار أكبر : " أريد أن أعرف ما بك أنتَ وزوجتك.. حتى أستطيع تقديم يد المساعدة .. سناريا ابنتي أنا يا غيث "
لم تجد سوى الصمت مجيباً فقالت : "لن أتنازل عن المعرفة ولن أرضى لها بديلاً " تهدل كتفاه وجفّ حلقه يحتاج أبيه .. قد كان هو فقط من سيرشده للخروج من أزمته .. لكنه لم يعد يستطيع الوثوق برأي أبيه حتى لو كان بينهم ، فليكن سيقص على أمه ما حدث ليلة زفافه الملعونة مع إقصاء كل الحديث حول الماضي الذي يعلمه عن أبيه وخيانته وإرتكابه جريمة الزنا مع زوجة عمه الفاضلة .. تحشرج صوته وتحدث كمن يهمس لذاته ويده متشابكة حول ركبتيه المجموعة لصدره صوته متقطع حزين :" لم يحدث المتوقع من أية فتاة بريئة .. فاتهمتها بأشد الألفاظ " اهتز صوته وهو يردف قاصاً حتى تلك اللحظة .. وضعت أمه أصابعها لتكتم شهقة قوية غافلتها فخرجت رغماً عنها مكتومة مقيتة ويدها الأخرى تضرب بتلاحق دؤوب على صدرها .. عيون تلمع بدمعة على ما أصاب ربيبتها وجدت نفسها تقسو عليه :" أنتَ قلتَ ذلك لابنتي أنا ؟!" جامدة الملامح إلا من دموع قوية تهطل تحرق خديها على روح صغيرتها المستنزفة :" أنتَ لا تستحق شرف قربها .. مُتخَلِّف !" تأوهت بأنين حارق لذاته :" فعلاً أنتَ تغيرت .. أين غيث المراعي الحنون ؟؟ أنتَ اتهمت ابنتي سناريا بأنها .. أنها رخيصة !" همست بترديد بطيء :" أنتَ لا تستحق غفرانها .. أتحاسبها على ضعفك ؟" ضربته الكلمة بمقتل رجولته العصماء .. ألم يقف يوماً وهو يقول لها أنه موجود بكل رجولة العالم ، علم أن أمه صادقة .. تحاول أن تستدير بتعثر تريد الخروج متخبطة بين أن تكيل له أو تخنقه ، تعثرت خطواتها وبلمحة سقطت كومة واحدة بشرية .. جرى سريعاً وأحضر ذلك الدواء الذي رآها تعطيها إياه بصفة دائمة بعد أن رفع جسد أمه على سريره ولم يتركها إلا عندما أفاقت وهدأت من تأثير العلاج ، همست بتوسل :" أعد لي ابنتي فتلك الباردة بالمشفى ليست هي " مسح دموعها بإبهامه وهو يقبل رأسها ويهمس :" سوف نستعيدها ولكنها يجب أن تمتص غضبها وتصبح أهدأ فتكون أقدر على أن تسمعني " خفوت صوت أمه مزق نياط قلبه :" لو خُيِّرتُ بينك وبينها سأختارها هي .. فهي من أعرفها .. أنتَ غادرتنا بإختيارك اثني عشر عاماً أما هي فلم تغادرني أبداً " وجدت نفسها تختار وعدها لمعتصم الفياض الرجل ذو الحكمة البالغة بحياتها .. جلس أمامها يقبض على راحة أمه وجبينه يمسها دموعه ببكاء حاد وإهتزاز بدنه القوى أمامها بعثر مشاعرها .. ألم قلبها فتلعثم صوتها :" ابني أنتَ تحبها ؟ "حرك رأسه بإيماءة واحدة واثقة وإرتجافة جسده وصلتها ، وجدت نفسها تسديه النصيحة تعلم أنه لا يستحقها ولكنها تعشقه :" دعها تعرف مقدار ذلك الحب " تنفست بمشقة :" لا تقف مكتوف اليدين ، اجعلها تثق أنك تحبها " ورددت :" لن تعيده إلا ثقتها بك فالحب بدون ثقة كمنزل ورقي بُنِي كمصد للرياح " يعلم أن أمه لديها كل الحق ولكن الطريق إليها يحتاج من الصبر أفدنة .. وهو ليس من النوع الصبور ، عليه أن يوطن نفسه على الصبر معها ... تأوه :" آه يا بنت الفياض سوف تعيدين صياغتي برضاي لأعيدك داخل طفولتي لتجددي شبابي وتقيمي رجولتي بلا إعوجاج "
إبتسامة لذيذة استراحت على شفتيه فقد علم من أين يبدأ معها .. إن قلبها الجريح أهم كثيراً من كرامته حتى لو لم تسمع نداءك لن يفرط بقلبها حتى لو كانت النتيجة تضرج دماؤه على أعتاب قلبها .. ستخرج صرخة ألمه التي خطها في صفحات الندم وستعلن عن نفسها أمامها طالبة الصفح والغفران .. يعلم بطيبة قلبها وأنها سترضخ ..

****

" ماذا حدث له ؟؟ لم يعد يفارقها لحظة .. منذ يومين " التقت عيناها بعيونه بنظرة جامدة وهو يحاول أن يملك غضبه ويفرض سيطرة على أعصابه أمام عنادها ترفض أي تواصل .. ترفض حتى شربة الماء من يده ، تعامله بتجاهل وإستسلام بذات الوقت جمودها غير مريح يريدها أن تنفجر .. أي شيء إلا الجمود المقيت ، وقف يعلن لها ليحثها :" هيا يجب أن تسيري قليلاً كما نصح خالد من أجل أن يبدأ الجرح بالإلتئام " عبس عندما وجد ممانعتها تظهر على وجهها تخشى منه .. جمد مشاعره وأمرها وهو يدلي على كتفيها مئزر طويل يخشى أن يظهر جزء من جمالها من ذلك الثوب المنزلي القطني بعد أن ساعدتها أمه على تبديل ثوب المشفى السماوي اللون الذي كانت ترتديه :" هيا لنتحرك الآن "
ارتعدت بفعل يده التي مست كفها وهمست بوهن :" سوف أقف وحدي " لم يمتثل لأمرها وهمس بجمود وهو يضع يده خلف إبطها :" سناريا قفي معي ولا تغضبيني بالله عليكِ كفاني ما يحدث لي !" انقبض قلبها وسألت بلهفة :" ماما نا.." ثم تذكرت أنه أنكر عليها تلك الصلة من قبل فعادت تهمس بجمود بحيث أتى صوتها غريب حتى لأسماعها :" زوجة عمي متغيبة منذ الأمس .. هل هناك خطب ؟" تفجر قلبه من نعتها لأمه وأمها باللقب الجديد الذي بدا باهتاً متباعداً .. صرخ قلبه يعنفه على غضبه
(( إياكَ ولومها .. أنتَ من طلبت منها ذلك )) وضع يده الأخرى خلف كتفها بعد أن جذب ساقيها وجعلها تتدلى على حافة السرير الصغير للمشفى ، أحضر لها خفها ثم مال أمامها ليلبسها إياه .. جاهدت نفسها بعد أن كادت أصابعها الرفيعة تغافلها وتمسد شعره اللامع أمامها فسحبتها سريعاً بإنفعال جعل قلبها يدق دقات خيل إليها أنه يسمعها .. جمد بجوارها وصوته يحمل إنكسار معتذر بتوسل دخل روحها زلزلها ولكن لم تجد غير الصمت ترد به :" أمك ناهدة فأنتِ أولى بها من أي شخص .. أعتذر لكِ عن كل حرف مقيت ألقيته أمامك بغضب " لم ترد بحرف فقط الجمود كمن بنى حول نفسه حصن أسمنتي سميك لا يستطيع أحد إختراقه.. زفر بعد برهة ثم أوقفها وهو يسندها وسط إعتراضها
" شكراً ... شكراً لك سأتحرك بمفردي " تركها مبرهناً لها مدى ضعفها فهاهي خطوة واحدة تحركتها وكادت تسقط .. تمتمت باكية لنفسها :" حاولي أن تكتفي بنفسك " وبالفعل جاهدت وحاولت خطواتها متعثرة وهي تسحب ساقها سحباً ، زفر بأسى يعلم كم هي عنيدة .. اقترب ليأخذ بكفها ويلف ذراعه الأخرى حول خصرها بتملك تكاد حرارة أصابعه تحرق كفها وخصرها يشتعل تحت ذراعه .. أرادت أن تشغل عقلها عن إنفعالاتها الحسية بقربه ، صوتها باكٍ لمجرد إضطرارها الإتكاء عليه في ذلك الممر الطويل الذي مشت به مئات المرات طبيبة والآن لا تستطيع إجتيازه مريضة بمفردها
" أين هي ؟" تلعثم لم يدري ماذا يقول لها ولكنه قرر أن تكون الحقيقة هي ما بينهما :" إنها ترتاح قليلاً بالمنزل " همستها المتوجعة :" هل هي غاضبة مني ؟ فهي لا يمكن أن تمتنع عن زيارتي إلا إذا كانت غاضبة " ضربها بديل آخر لم تحبذ أن يكون هو سبب إمتناع ناهدة عن الزيارة :" أو مريضة !" كلماتها وخياراتها أتت كصفعة لقلبه ، لقد حضر ليخرب علاقات رائعة دامت سنوات .. لم يجد سبيلاً غير الصدق .. سيفقد ثقتها تماماً إن كذب عليها حتى لو لصالحها ، وجد صوته يعلن بمشقة :" لقد تعرضت لنوبة شديدة من إرتفاع ضغطها و سقطت مغشياً عليها .. ولكنها الآن بخير" توقفت فجأة وهي تلوي جذعها بعنف بدون إدراك أن الجرح مازال حديثاً .. وجهها امتعض وتأوهت بقوة ورفعت قبضتها لفمها تضغط بأسنانها على قبضتها تكتم صراخاً حاداً قد يخرج بلحظة وانحنى جسدها للأمام ولم تجد غير دمعاتها ، لاحظ هو كل ما يحدث لها فمال لأسفل واضعاً يده خلف ركبتيها والأخرى لم تبرح كتفها وحملها بسهولة بين ذراعيه بتأنٍ مبقياً صوته منخفضاً :" لا تعاندي حتى لا تصابي بسوء حبيبتي "
لم تصدق كلمته بل لم تجعلها تمر بخلاياها كأنها لم تحدث .. لم تستطع إبقاء رأسها بعيداً عنه فأرخته على كتفه بإستسلام بينما كان يعود بها للغرفة ، صوته الساحر بإهتمام :" هل مازلتِ تتألمين ؟" اقترب ووضع ذقنه على قمة رأسها يتنسم رائحتها

تفوح منها المطهرات التي تميز أي مريض وعقله يشدد عليه
" صرت تتلهف على رائحتها المميزة حتى لو كانت رائحة المشافي والمطهرات التي كنت تأنفها .. آه ليتها تعود لي " دلف الغرفة وأراحها فوق سريرها أمام إحدى الممرضات التي ابتسمت قائلة وهي تبدل زجاجة المحلول المغذي وتعلق الجديدة أعلى العمود الحديدي :" حاولي أن تستريحي فعملية الزائدة بسيطة لكن معك يا دكتورة كانت صعبة جداً لذا لن يسمح لك الطبيب بالخروج قبل أسبوع ، وبعدها أسبوع نقاهة بالمنزل " أوصلت المحلول المغذي بيدها وخرجت .. خفت صوته ندماً وهو يطرق :" أنا آسف لقد أتعبتك الفترة السابقة.. أنتِ امرأة رائعة سناريا " رفعت نظرها بدهشة وعيونها المتسعة تنطق بالغضب ولكن صوتها أتى خافتاً رافضاً لكل إهتمام منه :" بسرعة البرق هكذا صرت حبيبتك وأيضاً رائعة !" تماوجت شفتاه وجلس على المقعد بجوار فراشها وطأطأ راسه :" أعلم أنكِ غاضبة ولن أستطيع الحوار معك الآن .. فحالك لا تتحمل حتى الحوار " وضع رأسه على كفها وهمس ببحة تعب :" يبدو أن عودتي كانت أكبر خطأ فعلته ، لقد آذيتك وحتى آذيت أمي " تتأمله تعرف أن القادم أسوأ ولم تنبس ببنت شفة فأردف بنفس الصوت المشروخ :" فأمي حالها سيء بسببي .. لقد صارحتها بما حدث بيننا " وضعت يدها على شفتيها المرتجفة وضرب بشرتها لون أحمر لشعورها بالخجل ثم شحبت لشعور العار الذي تملكها وكلماتها متعثرة :" هل جننت ؟؟ هل حكيت لها عن الماضي ؟" ربت على كفها النائم بجوارها .. خشن صوته نافياً :" لا لم أقص سوى ما حدث بيننا فقط ، فداهمتها النوبة من هول ما حدث مني بحقك " سحبت كفها من تحت كفه وهي تهمس بوجع شقّ قلبه نصفين :" لن أستطيع النظر داخل عينيها مرة أخرى " فأردف وهو يقبض يده بقوة آلمت سلامياته .. يعيش يتمنى أن يلملم شتاته ويجمع كل العبث الذي فرضه على الجميع :" أنا من لا يستطيع النظر داخل عينيها وداخل عينيك .. إن ما أحمله هو ذنب وعبث وبعثرة فقط .. إنه أنا السبب .. أنا أعتذر كل شيء كان بلحظة ضبابياً .. لقد جعل الماضي الموقف برأسي مشوشاً جداً ولم أدرك التصرف الصحيح معك أو بالوضع كله وبعد ذلك صار عبثاً أن أحاول الإقتراب منك فكنت سترفضين " رفعت ذقنها بشموخ :" ومازلت أرفض " شرخت كلمتها قلبه ولم تمهله :" لا أريد منك سوى الطلاق" أطرق بيأس وتهدلت كتفاه لم يجد سوى أن يلملم شتات كبرياؤه فليذكرها بأمه ثم يحاول معها بعد فترة فنطق بسرعة :" وأمي " تساءلت داخلها إن كانت ستستسلم لغيث ، بدأت تحس بالبؤس المطلق حين لا يكون معها .. وافقته سناريا ولكنها لن تستطيع أن تعود مجدداً كتجربة :" نعم أدرك خوفك على حياة والدتك .. إن كنا أخطأنا بذلك الزواج فلا داعي أن نعذب معنا أي فرد آخر " صوته يأس خشن يخرج :" زواجنا ليس بخطأ ، أنا أردت الزواج منك بقوة " وافقته وأومأت برأسها :" نعم نوعاً ما " وأردفت داخلها (( بطريقة ما كنت تنوي الزواج مني كمن يسعى لإنتقامه )) تعلم أن ما حدث لم يكن مخططاً له بحرفية ولكنه إنتقام فرض نفسه كفرضية وضعية على أرضهما المذبذبة ، همسته أيقظتها من لحظة شرود :" أنا أحبك سناريا "
اندهشت وتضاعف حجم عينيها ثم رفعت رأسها وقبل أن تبدي أي إعتراض .. وصل سمعها تنهيدة ، أدارا رأسيهما لجهة الباب وجدا إحدى الممرضات .. تركت سناريا رأسها تسقط بوهن يأس على الوسادة
(( عرفت الآن لِمَ أخرجتَ تلك الكلمة ! من أجل إثبات أنك الزوج المحب )) لم تدرك مدى دهشته فقد توغلت داخل مشاعرها

وكأنما أدرك عدم تصديقها .. سقط المكان في فراغ الصمت وبعد لحظة خرج معتذراً ليجيب على هاتفه الذي اختار توقيتاً حرجاً ليعلن برنين مستمر إنهاء النقاش وبتر الكلام ..

قالت الممرضة وهي تتأوه بعد أن خرج غيث :" آه يا دكتورة سناريا كم هو وسيم !" حركت سناريا رأسها بإيماءة خفيفة وغمغمت :" نعم وسيم كشيطان " فأردفت الممرضة التي لم تصل الكلمة لأسماعها : " كم يحبك يا دكتورة .. كم أنتِ محظوظة !" استدارت وأولتها ظهرها وهي تأخذ البطاقة من باقة الزهور التي تحملها وتمدها لها وصوت سناريا الغامض :" نعم يحبني نوعاً ما " وداخلها يصرخ باستطراد :" نعم يحبني لدرجة كفيلة أن يقوم بقتلي " التقطت الباقة وقرأتها بلامبالاة
" فارس يونس " فكرت بشرود :" ماذا يريد ؟ بل كيف علم حتى أنني هنا ؟!" ثم تركت السؤال معلق بلا إجابة !
*****

جالس بجديقة المشفى .. تنام ذقنه بين راحتيه مسنداً مرفقيه على ركبتيه
" كيف استطعت أن تجرحها بذلك الشكل ؟؟ أنتَ .. أنتَ "رفع بصره إليها بدون أن يعدل وضعيته اليائسة ببؤس ظاهر :" أنا أشد ندماً ولكنه الماضي الذي فرض نفسه بيننا بلحظة " طوحت يدها أمامه :" أي ماضٍ يجعلك تهين شرف امرأة .. ومَن ؟! زوجتك وابنة عمك .. إنها مازالت طفلة لقد أغلقت عليها نفسها .. لم تفعل يوماً شيئاً سوى العمل وإنتظارك .. وها أنت عدت وماذا فعلت ؟ ضيعتها من بين يديك بلحظة غباء ..هي من دون الفتيات يحدث لها ذلك ! تتهمها بشرفها .. أهنئك بغباءك وقسوتك .. أتمنى أن تجعلك تأكل الثرى تحت قدميها قبل أن تسامحك "
وكما ظهرت فجأة اختفت فجأة ، همس لنفسه :" آه يا مها كم أتمنى أن أصرخ لنفسي بتلك الكلمات .. أصرخ من الماضي الذي قهر نفسي فجعلني أقهرها معي " تنفس بصعوبة واضعاً يده على صدره يستجدي الهواء.. عقله يلومه (( كلما أردت أن تمحو صفحة الماضي وجودها أمامك يذكرك لا تفعل سوى تحطيمها ..))
اندهش من نفسه .. إن حواره معها منذ ساعة أتى بارداً كمن يدعوها لوجبه طعام وليس لحب وحياة كما تستحق ، تأوه بحرقة :" آآآآه يا سناريا ماذا أفعل معك ؟ صرت أسير على حبل معدني مشدود معلقاً بالهواء والمفترض أن أخطو عليه بل أهرول أيضاً وإذا اهتز سيقذف بي حتماً ليدق عنقي " تهدل كتفاه بشكل محبط وقام ليعود إليها وهو يجر قدميه جراً..

****

" إنه موجود لديه اتصال يجريه " صوتها ناعم بطريقة واهنة مرهقة ، قاطعتها أصوات مختلطة متلعثمة لم يتبينها جيداً وجاء صوتها ضاحكاً بخفة :" إنه فقط سوء الحظ ، أنا أول عروس تجرى لها عملية وهي عائدة من شهر العسل " ذات الأصوات الهامسة ثم صوتها :" لا إننا بخير معاً ، أنا فقط من كنت أكابر وأضغط على نفسي .. أنا أعلم بإلتهاب الزائدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر " اختار تلك اللحظة ليدفع الباب بعد طرقة خفيفة :" حبيبتي لقد عدت "
لقد استوعب أن المتلعثم خالها يونس .. وجد نفسه تشتعل غيرة من فارس الذي لا يفارقه أبداً وبالفعل وجدهما أمامه .. رغم أنه يصدقه بل ويحترمه إنما شعور الغيرة يمتلك قلبه فينهشه كمخالب ذئب جائع كلما ذكرها ولو عرضاً وهو يعلم أنه لا يأتي بذكرها إلا بمنهج مدروس من جهته يريد دائماً تذكيره (( إنني بجوارها ..))
مدّ يده لخالها الجالس على مقعده المتحرك والتقط يد الرجل المرتعشة ووقف أمام فارس الذي كان يقدم لها كوباً من الماء لتتغلب على سعال لازمها منذ برهة .. وأخذه هو يقول :" دع لي هذه المهمة "
فلم يعارض الرجل ومد له يداً مسلمة :" كيف حالك غيث ؟" همس وهو يسلم ببرود يغاير بركان الغيرة المتأجج بصدره :" بخير حال طالما زهرتي بخير .. لقد كانت محنة ، كدت أفقد روحي وهي تسقط أمامي " صوت فارس الثابت أغاظه أكثر :" إنها غالية علينا جميعاً "
كانت الكلمات تتناثر بينهما وتنشر توتر بالمكان لم يعجبها ذلك الإدعاء الذي يقدمه بكل سهولة فقط ليثبت أنهما زوجان طبيعيان محبان.. أين ذهب ذلك البرود الذي كان منذ ساعة وهو يؤكد أن ماما ناهدة هي المهمة الآن ويردد أحبك بلا حياة ، همست داخلها :" حسناً غيثي ، لقد حان دورك لتثبت أنني سناريتك "...
أخرجها من شرودها يد رجولية تتسلل خلف ظهرها لتسندها ، نظرت إليه وجدته يقرب كوب الماء من شفتيها فرشفت رشفة واحدة كادت تغص بها وشكرته بهمسة رقيقة ، مددها مرة أخرى بمكانها ونظر لضيفيها وتجاذب معهما أطراف الحديث عن الأعمال المختلفة وأسعار العملات وأسواق البورصة الخارجية والداخلية .. اكتشفت مدى ثقافته وخبرته ولمحت نظرة إعجاب بعيون خالها وتوافق بينه وبين فارس رغم التوتر الذي كان منذ قليل حتى قرر ضيفاها أن يذهبا لأنها مازالت تحتاج للراحة .. مدّ لها فارس مظروفاً كبيراً :" هذه هدية زفافك من خالك .. أما ميراث والدتك لقد تم وضعه بحساب باسمك وسوف تجدين كل الأوراق اللازمة داخل هذا " لمعت عيناها بدموع القهر منهم ومن غيث :" أرجوك يا خالي ، لا أريد شيئاً " ولكنه اقترب بمقعده المتحرك الذي يقودة كهربائياً بضغطة خفيفة على مقبض بمقدمة مسند المقعد .. وضع يده المرتعشة على كفها : " أرجـ..وكِ يا ابنـ..تي ..لا ..تر..فضي ، أريد ..أن ..أكـ..فر.. عن .. جزء من خطاياي .. بحق أمك .. وحقك " أومأت برأسها ليغادر خالها بعد قليل وهو يؤكد أنها ابنته إذا احتاجت شيئاً يجب أن يعلم .. ودّت أن تطلب منه ببساطة :" أرجوك أطرد ذلك المدعي من غرفتي .. أريد السلام مع ذاتي !"..

******

فرصته لمحادثتها فهو جاد لا يهوى التلاعب يريد طرق الأبواب فالقفز من النوافذ ليس أسلوبه ولا يرتضيه منهجاً له أو لغيره ..هاهي سيارتها ، اتخذها متكأ لظهره يرى طيفها تخرج من المبنى فبدأ جسده يتصلب ليستقبل خطواتها إليه .. ولكن هناك جسد رجولي قطع عليه رؤيتها وحجب ظلها ، انتظر أن يتحرك ذلك السمج ولكنه متجمد أمامها .. علق داخله :
إذاً ذلك الرجل الذي أثار إهتمامي بإنتظاره بجوار المبنى ؟!
كان ينتظرها هي بالتحديد .. من هو وماذا يريد ؟!

****

مضى وقت هو شارد بعد أن علم أنها أصبحت وريثة لأموال ضخمة والهدية هي عقد شقة ، هذا ما علمه من خلال الأوراق التي أفرغتها أمامها قرأتها ثم أعادتها بدون أن توجه له حرفاً ، إن فارس قد بدأ في إستفزازه بتدخله السافر بينهما .. يعرف أن غايته الوحيدة حمايتها مثل أخته الصغيرة ولكنه يمنحها حق أن تبتعد عنه بتلك الشقة .. تذكر أنهما منذ تزوجا هي في الخارج دوماً لم تخطو لشقتهما خطوة .. وبتلك الهدية ستعمل على الخروج من حياته ، الآن أدرك أنها ستضيع نهائياً .. شقة باسمها سوف ترحل من داخل حصاره .. من جواره ،
" لم أتحمل أسبوعين .. ماذا أفعل لو غابت شهراً ؟! لن أستطيع الحياة بدنيا غيابها !" لم يدرك أنه بجلسته مسنداً رأسه للخلف يحدق بها إلا عندما سمع كلمتها :" لِمَ تحدق بي هكذا ؟ ألم تصدق أن لي عائلة ! اطمئن لن أظل عالة على عائلتك ولن أستغل مامـ .. أقصد زوجة عمي طوال عمري ، فقط أريد الطلاق وسأرحل ولن تراني أبداً " نظر إليها بفراغ وأطرق برأسه للأرض .. تنهد بحرارة وشبك أصابعه فوق حجره وانحنى للأمام وصار يضحك بقهر : " ألا تلاحظين أنني نفذت للآن كل ما طلبتِ مني .. أردتِ الإبتعاد وطاوعتك رغم قهري منك ومن نفسي وعندما عدت لم تكوني أفضل ولا أنا أكثر متعة .. أدركي أمراً واحداً .. لن أطلقك ، افرغي كل طاقتك ولكنكِ لي شئتِ أم أبيتِ ملكي أنا " أرادت أن تصرخ مِن تمكله ولكنها لم تقدر ، شعرت بنغزة ألم أعادتها للحوار الهاديء :" لن نستطيع التعامل معاً ، أنا لن أكون سناريتك ولا أنتَ أصبحت غيثي .. لقد فقدت البريق الوهج " تهدج صوتها بألم :" لا أدري من أنت ، الرجل الذي كنت أحبه وانتظرته أم الرجل الذي لم يثق بي وصار يرشقني بعبارات نابية جعلتني أتمنى الدفن بالتراب .. الرجل الذي جعلني أبحث عن براءتي بكشف كنت أرفض أن أجريه وأعنف من يطالب به لنساء متمرسات بالبغاء " ارتجف جسدها ووضعت كفها على أسفل بطنها من الناحية اليمنى .. علم أن الجرح يتعبها ، عندما أراد الأقتراب .. رفعت كفها الأيسر أمامه فعاد مكانه بقلة حيلة صامت يريد أن تفرغ جام غضبها حتى تصفو نفسها وبالفعل أردفت .. وقد انهار سدّ صمتها
" ثم لو تناسينا تلك الليلة بيننا كيف أتناسي قذفك لأمي ووالدي الثاني .. كفى خداعاً لذاتك غيث ، عند أول أزمة بيننا عيرتني بشيء أشك بصحته وحتى لو كان حقيقياً .. كيف استطعت أن تسبني بأنني رخيصة كأمي التي ارتكبت خطيئة من الكبائر .. ومَع مَن ؟! مع أبوك والدي الثاني .. الاثنان لا ولم يكونا على علاقة قذرة كتلك التي صورتها .. أمى وعمي لم يكونا زناه "

" كانت زوجته " همس وصل إلى أسماعهما .. همس نزل كالصاعقة عليهما .. ليس بسبب كلماته بل .. من قذف تلك الكلمات !

انتهى الفصل

روايات بقلم إيمان عمر (Just Faith)

جروبي على الفيسبوك: القلم وما يهوى!

صفحتي على الفيسبوك: القلم وما يهوى!


Continue Reading

You'll Also Like

1M 20.1K 43
تم نقلها من منتدى روايتي الثقافية للكاتبة المتميزة HAdeer Mansour
815K 24.2K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
44.2K 1.2K 15
رواية بقلم المبدعة Rontii حقوق الملكية محفوظة للمتألقة Rontii
99.4K 4K 39
رواية للكاتبة المبدعة والمتألقة blue me الجزء الثاني من سلسلة للعشق فصول حقوق الملكية محفوظة للمتألقة blue me