الفصل الثاني والعشرون

801 20 0
                                    

الفصل الثاني والعشرون

" قد لا أكون قيصرك ولكني أنا من سيملكك .. من ستعزف أصابعه على أوتار قلبك قبل جسدك .. من سيجعلك تتغنين بالسيمفونية الصاخبة للعاشقين .. أتفهمين أمنية ؟" رمى فرمانه واختفى بسرعة البرق ، نظراتها الفارغة المحدقة هي ما يميز وقوعها تحت صدمة لا تصدق ما سمعته منه الآن وذلك التوعد الخفي المبطن لكلماته .. أهو حب أم لهو للقيصر المدلل .. ولكن نظراته الحزينة هي ما ضربتها في مقتل
" إنه يقاوم وحدته !" هذا ما همست به ..

******

ارتجفت جفونها ومدت زراعيها بجانبها تمطي جسدها الخفيف تشعر أنها ألقت جبلاً كان يجسم على أنفاسها .. ابتسمت ، لقد جاءها خاطب بحلمها وهي ألقت أمامه كل مما تحمل ففرّ هارباً .. ثم عاد وعيها يعمل بثبات فجلست بهلع .. لا ليس حلماً بل واقع .. لقد كان هنا فارس العشيري كان هنا ، تلفتت حولها وتساءلت .. كيف وصلتُ لغرفتي هذه ؟
امتدت أصابعها تمسك ببلوزتها الحريرية (( وكيف نمتُ بملابسي ؟)) تذكرت أباها وهمستها صرخت :" أبي هل أعاده فعلاً ؟" قفزت من فوق سريرها الخشبي القديم الطراز وجذبت فوطتها وهي تقوي حالها :" هيا فهناك العمل ! دائماً العمل !!" خرجت ودخلت غرفة أبيها المواجهة لغرفتها وجدته نائماً كطفل بريء هو كبير لكنه كصفحة بيضاء ، وقفت بجوار فراشه مسدت شعره :" لقد جعلتني أمس أخرج عن مدار عقلي لم أعد أعلم إن كان ما حدث أمس كابوساً أم واقع ، ليته يكون كابوساً .. فأنا يا قبطان سوف أموت إن كنت أفرغت معين حياتي أمام أي شخص " لم تجد إجابة أو إستجابة كما هو متوقع ، فكرت ذات يوم من عشرة أعوام أن أباها يتعمد ألا يقوم بإستجابة تجاهها ليعاقبها فقط عما اقترفت بحق أحبابه ولكنها عادت لتستبعد ذلك الإحتمال عندما ازدادت حالته سوءاً وجاءت الفحوص الطبية لتؤكد إصابته الفعلية بضمور الخلايا

مالت عليه تلثمه بحنان أمومي .. واستدارت بعد أن أغرقت الغرفة مرة أخرى في الظلام حتى ينام براحة ..

تفكر بجدية ، لِمَ تهورت وأخرجت كل شيء بداخلها أمامه هكذا ! إن كانت فعلت .. وجدت نفسها تؤكد أنها بالفعل كانت تحتاج أن تتحدث لأحد أي أحد حتى لو كانت قطة تجلبها من الشارع ..
" هذا العم رياض كيف يتركني أبكي أمام غريب فهو لم ينبهني حتى لوجود أحد " انحنى تفكيرها تلك الإنحناءة لتصب جام غضبها على الرجل الطيب .. وهذا الفارس كيف يتقدم لخطبة امرأة لم يرها سوى عدة مرات بتلك الثقة .. هزت رأسها لتنفض عنها أي تفكير سوى بمسئوليتها فقط ، مدّت الخطى لتدخل غرفتها تجلب ملابس داخلية ومئزر وضعتها على كتفها لتجاور فوطتها تتوجه للحمام الوحيد بالشقة المتوسطة الحال فكل مدخرات العائلة ذهبت لعلاج أبيها ومعاشه ومرتبها يكفيان لحياة عادية مستورة .. قطعت خطوتان عبر الإستقبال وجمدت ترى ظهره العريض .. قميصه المفرود فوق بنطاله ، شعره الأسود مشعث يخرج محفظته وينقد أحداً بالخارج منها .. وقفت مبهوتة من تصرفها فقد تمنت للحظة .. فقد تقبلت وجوده بل أثار سعادة داخلية !
وتعالت الصرخات داخلها :" من هو ليتصرف بحرية هكذا ؟" نظرت للكنبة وجدت حذاءه يجاورها وسترته البنية بلون القهوة تنام بترتيب على ظهرها .. نظرت لساقيه المديدتين وجدته حافي القدمين ، ما إن أغلق الباب ونظر لإيصال الكهرباء بيده جاءه صوتها البارد بحدة وحنق من خلفه :" من أنتَ لتتصرف كأنك بييتك هكذا ؟!" ابتسم ورأسه مازال مطرق وهمس داخلياً (( ها قد بدأت الألعاب النارية )) رفع رأسه بهدوء مقرراً :" منزل زوجتي المستقبلية هو منزلي " شهقت وفغرت فاهها واتسعت حدقتاها بطريقة مؤلمة ولم تنتظر بجمودها ثانية واحدة .. أتى صوتها مرتفعاً صاخباً :" من أنتَ ؟! وأي زوجة تلك .. أنا رفضتك أمس أليس كذلك ؟" وجدته يهز رأسه بنعم بكل هدوء فصمتت .. استغل هو لحظة صمتها محدثاً تغييراً جذرياً بالمواقف كلها برأسها :" هذا كان أمس أما اليوم فكل شيء تغير " نظرت إليه وعيونها ترميه بحممها الغاضبة تسأله وهي تعقد ذراعيها حول صدرها كمن يحمي نفسه :" كيف ذلك ؟؟ من فضلك تفضل بالإيضاح " اتسعت إبتسامته المرسومة بسحر على شفتيه وترك مكانه بقرب الباب .. وضع الإيصال على قطعة أثاث تمثل خزينة للأطباق ثم اتجه ليلتقط تفاحة حمراء من على الطاولة وتقدم أكثر ليواجهها :" اجلسي فالشرح سيطول .. خاصة أنني هاتفت غيث الفياض منذ ساعة وأعلمته أنكِ اليوم بإجازة ريثما نقرر متى تتركين العمل " قهقهت بسخرية وصوتها يتقطع بقسوة :" أنتَ فعلت ذلك حقاً ؟! وماذا قلت له أيضاً .. فمن المؤكد دهشته أنك من تتصل تعلمه أني بإجازة إجبارية منك " جلس على الكنبة التي توسدها جسده أمس ووضع ساقاً فوق أخرى صورته كتمثال إله من آلهة الإغريق تشع منه السطوة والقوة والرزانة ، كلمته أتت لتحرق الباقي من أعصابها :" خطيبتي تريد إجازة .. تلك هي الكلمة التي قلتها له " صرخت بإنزعاج :" أنتَ فعلاً مجنون .. أكيد مجنون فأنا رفضت تلك الزيجة أمس ألم أفعل ؟" حرك رأسه بنعم فقط فأردفت :" إذا ماذا عليّ أن أفعل ؟! أعلنها بالصحف أم أعلقها كلافتة على صدري !" نظرته المتسلية الموجهة لصدرها العارم متزامنة مع وضعه التفاحة أمام فمه ليقضمها تكاد حواجبه تتلاعب من فرط تسليته و خبثه .. نظرته تلك جلبت الشعور بالخجل وضربت بشرتها جميعاً بالإحمرار وهمست :" وقح ومجنون " إبتسامته المتسعة أعلمتها أنه قد سمعها جيداً .. ربت على الكنبة بهدوء لتجلس وأتى أمره ليكمل السيادة :" اجلسي مريم واهدأي قليلاً لنتفاهم حتى تدركي أن زواجنا أصبح ضرورة حتمية لكِ أنتِ " دهشتها المزينة بحنق جعلتها تطوح يديها بيأس وهي تتوجه للمقعد المقابل بعناد وتسأل :" أين العم رياض لم يأت للآن !" وجدته يحيب وكأنه سيد المنزل وحصن قراره :" كان نائماً هنا أمس وأرسلته منذ قليل ليحضر إفطاراً .. خشيت أن أدخل مطبخك فتغضبين مني " ابتسمت إبتسامة صفراء ساخرة و عيونها رغماً عنها تتابع تلك التفاحة المحرمة و هي تتحرك لتغيظها بينما يبتلع قضمة أخرى من التفاحة التي اشترتها بنفسها !
" أنتَ للآن لم تفعل ما يغضبني فعلاً .. عادي أنتَ أتيت صباحاً وجلستَ بإسترخاء وأرسلت العم رياض ليشتري إفطاراً بعد أن سمحت له أن يبيت معنا هنا .. لِمَ لم تدخل مطبخي أيضاً لا شيء يغضب بعد كل تلك الأفعال !" حرك سبابته بلا وصوته شديد البرود مرافق لتلك الإبتسامة الساحرة على شفتيه :" أنا لم أسمح له فقط إلا أنني قد بت معكم هنا " وربت على الكنبة بضربات أعلمتها أنه نام عليها .. وضعت يدها فوق رأسها وهمست :" يبدو أني أكمل الكابوس !"
حرك رأسه وهو يحدثها :" إنه واقع وهذا ما أردت أن أبلغك به منذ خرجت من غرفتك .. نمتُ هنا لأنني خطيبك وسعد العم رياض جداً بذلك الخبر وأعلمني أنه لولا العشرة كان ارتاح بمنزله منذ أعوام من العم فهو لم يعد قادراً على ذلك الإرهاق وخاصة بعد أحداث أمس " أثار الألم في عيونها وهو يتابعها مردفاً بذات الهدوء :" خروج القبطان للشارع وحده وأيضاً جاءت منذ قليل جارتكم السيدة مجيدة .. هل أنطقها بصورة صحيحة ؟؟" هزت له رأسها وهوى قلبها في الأرض لدرجة أجفلت بحدة كمن سمعت صوت سقوطه وهي تلعنه وتلعن أحداث أمس وعقلها يصرخ :" مجيدة الآن تجدها على مدخل العقار تحمل ربابة تعزف وتعلن أن رجلاً غريباً يبيت عند العانس " وجد نفسه يشفق عليها بعد متابعته لإنفعالاتها وحركة يديها وتحولهما لقبضتين تضربان فخذها ضربات رتيبة وذات الإبتسامة الصفراء الميتة على شفتيها وعيونها الجامدة بألم غريب ، وجد نفسه يردف :" الآن الجميع يعلم أننا خطيبان وقد نمت لديك .. كل ما سوف يقال أنني حصلت على ما يريده أي رجل وهربت منك بعد ذلك " ارتدت رأسها للخلف لتلك الصراحة الفجة .. كانت كمن تلقت صفعة بالغة لكرامتها ، سنوات من القوة المنفردة تتحمل وتتحمل والآن كل شيء ينهار بلمحة .. همست له :" علمت وانتهى الأمر ، متى سيكون الطلاق ومتى سيتم الطلاق ؟" جاء دوره بالمفاجأة والصفعة من كلماتها فنظر بحدة إليها وهي تكمل :" سأتزوج بك من أجل سمعتي ثم تنتهي تلك المهزلة والمزحة السخيفة عندما يتم الطلاق " وضعت ذقنها بين إبهامها وسبابتها وبرقت عيونها بخبث امرأة :" أتعلم ؟ لقب مطلقة أفضل من لقب عانس بكل حال " وقف بخفة فهد وهو يرغي من الغضب وقطع الخطوتين بينهما ثم جذبها من كتفيها ليجمدها أمامه بقبضتيه على كتفيها :" سيكون هناك زواج بدون طلاق حتى النهاية ، أتعلمين ؟؟ أحياناً أود أن أصفعك كالأطفال العُصاة .. أليس وجود جيش من الخدم يخدمون أباك بأمر منك أفضل له على الأقل ؟؟ أنا وأنتِ تركنا أحلام الطفولة والمراهقة بالحب الوردي .. لن أقول الآن أنني أحبك فلن تصدقيني ، لذا لنكن أكثر عملية .. أريد زوجة وأنتِ تريدين رفقة وحماية ، لِمَ لا تقبلينها مني أنا زوجك .. أنا لا أريد إلا أبسط الأشياء والمشاعر .. أريد وفاء وحنان الزوجة ، امنحيني وريث وأعدك بالإحترام والحماية وكل ما تأمرين به مُجَاب .. إن الزيجات المدبرة تُعَد حتى الآن من أنجح الزيجات وأطولها عمراً " كلماته اخترقت جدران عنادها فهمست أمامه :" هكذا ببساطة !" دفع أصابعه أسفل ذقنها ورفعها لأعلى لتجد عيونها العسلية تتشابك بلون الشيكولاتة داخل حدقتيه وهمسته تذيب آخر دفاعاتها :" هكذا ببساطة .. امنحيني سامر صغير " شهقت وطفرت دمعة واحدة تتراقص بين أهدابها كلما تحركت حدقتاه جذبها إليه .. أدخلها حصون صدره ، وجدت ذراعيها تتحركان خلف ظهره تصعدان لتتعلقان بكتفيه نشيجها يقطع نياط القلوب وهي تهمس بتقطع :" نعم سامر جديد .. آآآآآه سامر ابني أنا " ذراعيه تلتفان حول كتفيها بحماية ساحرة ورأسه تنام على رأسها .. ظلت داخل أحضانه حتى أفرغت كل شحنات قهرها المخزنة منذ أعوام ، دفعها بخفة للخلف وهو ينظر إليها بحنان ورأفة لم ينظر إليها أحد بتلك النظرة ، همست تدراي خجلها :" كم دفعت للكهرباء ؟؟ يا خطيبي العزيز حتى أدفعها " ابتسم وحاول أن يعترض فوضعت سبابتها أمام شفتيه تكاد تلامسهما وهي تقرر :" لن أسمح لك أن تدفع قرشاً لبيت القبطان " نظرته الفخور بتلك القوية التي تبهره وانتهز فرصة تفرسها بوجهه كمن يدرس إنفعالاته ويحللها فلثم سبابتها بسرعة جعلتها تجذبها بسرعة وقبل أن تتحرك من أمامه كان وصل لشفتيها .. لثمها واشماً قلبها بملكيته وهمس أمامها وهو يمرر إصبعه الوسطى على جفنها المتورمة وهو يهمس أمام شفتيها بطريقة ساحرة جلبت القشعريرة لجسدها وتساءلت ماذا ستكون ردة فعلها إذا مست يداه جسدها إن كان ردة فعلها الآن قشعريرة تكاد تجعلها ترتجف كزلزال ، همسته سرقتها من أحزانها :" دموع الشهد "
همست مستفسرة :" ماذا ؟" إبتسامته الجذابة أظهرت أسنانه المنتظمة وهو يردف بذات الهمس :" دموعك دموع الشهد " لم ينتظر سؤالها .. كفاه نظرتها الفارغة تلك :" كانت أمي تقص عليّ قصة وأنا صغير .. يحكى أن هناك أميرة أراد أبوها أن يزوجها فاشترطت على الأمير المتقدم للزواج منها أن يتذوق دموعها ، الجميع اتهمها بالجنون والأمراء رفضوا بتكبر وإحتقار أما هي فأصرت ، وذات يوم صرخ أبوها مهدداً إن لم تتزوج خلال شهر سيزوجها لأول من يطلب يدها حتى لو طلبها أفقر فقراء المدينة .. ومر الوقت واقترب الشهر من الإنقضاء وخرجت متسللة كما هي عادتها دائماً عندما تختنق من المظاهر الخادعة ترتدي فستان إحدى خدمها وتخرج تجلس بجوار النهر .. وبعد أن جلست فكرت بأزمتها فبكت ، شاهدها شاب ملابسه رثة فاقترب منها ومد إصبعه ليجفف دموعها ويواسيها وأراد أن يجفف إصبعه فلم يجد أمامه أبسط من يضع إصبعه بفمه ولحظتها همس :" دموع الشهد " وعندما استفسرت الأميرة كانت إجابته :" إن طعم دموعك حلوة المذاق كطعم الشهد " أدركت هي أن جدتها حين أوصتها بتلك الوصية كانت تقصد شيئاً .. وبعد عدة أيام وجدت أباها يقول لها لقد انقضى الشهر واليوم قد تقدم لها شاب فقير رث الثياب وقد وافقت عليه ، امتثلت لأمره وانتظرت دخول ذلك الزوج عليهم ليحملها معه لمدينته وجدت موكباً مهولاً ليس له مثيل يقوده شاب قوي .. أمير حقيقي "
وجدها تخرج عن انبهارها وتشاركه :" أكان ذلك الشاب الذي تذوق دموعها ؟" هز رأسه بنعم فابتسمت بحنان خجل :" تبدو أمك امرأة عظيمة " تماوجت عيونه بألم وقال :" كانت رحمها الله " أدركت ألمه ووجدته يميل ليلتقط حمالة صدرها التي سقطت أرضاً بدون وعي منها ويرفعها أمامها فتأخذها بلهفة وتخفيها بين كومة الملابس على كتفها التي يبدو أنها نسيتها تماماً وهي تصرخ :" وقح فعلاً " وعندما أرادت أن تستدير مبتعدة أمسك ذراعها :" يبدو أنني المحظوظ الذي يملك رجولة كافية ليستحقك " جذبت ذراعها بقوة لتبتعد تتلون بحمرة من الخجل من المشاعر التي تكتسحها بوجوده وبالغضب الذي يثيره داخلها ، من هو ليعلم كل تفاصيلها بذلك الشكل تكره أن تشعر بعريها وكشفت أمام أي أحد بيوم واحد أصبح يعلم عنها كل دقائق روحها .. أيحبها أو يتسلى ؟!

الفجر الخجول(مكتوبة)Where stories live. Discover now