الفصل التاسع عشر

807 19 0
                                    

الفصل التاسع عشر

داخل حصار إهتمامه بها لم ينتبه لتلك الصغيرة الباكية كطفلة .. ساعدته ففتحت له الباب الخلفي وهو يحمل سناريا ليريح جسدها عليه و بحمل الحقائب بالسيارة وصارت تشرح بجواره كل الأعراض التي تحدث لها منذ يومين ..

حملها ملتاعاً مرتبكاً ليصل للمشفى فيجد خالد واقفاً هو ومها على باب المشفى مع طاقم لنقلها وهو يقرر فيما بعد توقيع الكشف عليها
" تصرفك كان جيداً فبإتصالك هذا جعلتني أجزم أنها الزائدة .. على وشك الإنفجار ، وقع هذه الأوراق لأستطيع إجراء الجراحة فوراً " وقع بآلية الأوراق التي مدها له خالد :" أرجوك يا خالد أعدها إليّ " ابتعد خالد بعد أن ربت على كتفه فتحرك للنافذة ينظر للسماء الملبدة بقطع قطنية من سحب تزيدها رهبة .. ارتعد ورفع يديه يدعو ويبتهل لله أن يعيدها سالمة ، ترددت كلمات خالد داخل رأسه :" يبدو أنها قتلت نفسها إرهاقا وأضف على ذلك الحالة النفسية لها قبل سفرها فمؤكد كل ذلك هو ما جعل الزائدة تزداد إلتهاباً بتلك الطريقة " ضربه الندم وشعر أنه خسرها .. لقد تسلمها وردة ناصعة فصارت بين يديه كومة من التعاسة .. تذكر أمه فعمد على الإتصال بها وأعلمها ما حدث على إعتبار أنها تعبت وهما عائدين معاً من رحلة شهر العسل فأتى بها للمشفى فوراً ، لقد صارت الكذبات تترى على لسانه بدون أي تلعثم .. سخرية لاذعة داخل معتصم عقله ..

" لا تخشي عليها فالله يعلم كم هي حنون ، مثلها قليل لن يخذلنا بأخذها من بيننا " استدار لينظر لتلك الصغيرة وكأنه يراها لأول مرة .. تذكر أنها من كانت تجاور سناريا لحظة خروجها من المطار فهمس بضعف :" من أنتِ ؟" مدت يدها إليه :" أنا زميلة الدكتورة سناريا بقسم الأطفال وكان لي الشرف أن أكون مرافقتها بالسفر " تناول كفها مرحباً متسائلاً :" ماذا حدث هناك بذلك المؤتمر ؟" فسردت له كل ماعلم سابقاً من مظهرها الشاحب فقد أرهقت نفسها حد الموت .. وسخر من نفسه عندما ذكرت لقب الجمرة التي تفردت به دون الجميع وكذلك الجائزة الشرفية وعقود العمل التي انهالت عليها هناك
" لقد كدت تفقدها فأنظر كيف ستتصرف الأيام المقبلة يا غبي أم ستنتظر حتى تختفي من حياتك فتصير يا غيث كنيزك غادر مداره سابحاً في السماء بلا هدف !"

******

هرول في طرقات المشفى ، منذ دقائق ألقت أمامه إحدى الممرضات معلومة أن سناريا أتت مريضة وتُجرَى لها جراحة الآن .. فهتف بلهفة لم ينجح في إخفاءها :" وأمنية هنا ؟" حركت الممرضة يدها لتمسد رداءها الوردي الخاص .. تتعمد البطء بالرد لتستشف ما خلف لهفته الحارقة أمامها فما إن نطقت باسم الدكتورة سناريا قفز من مكانه يتساءل عن الأخرى :" نعم لقد أتت مع الدكتورة وهي الآن مع زوج الدكتورة " تركها وخرج مهرولاً ثم توقف أمام المصعد ولكنه لم ينتظره .. هبط الدرج قفزاً كل درجتين معاً حتى وصل ليجدها تتحدث مع غيث الذي لم يتبين حالته فلقد سرقت نظرته عندما بدت أمامه هشة رقيقة يخشى عليها أن تطيح أرضا بفعل نسمات الهواء الخريفية القادمة من خلفها حيث النافذة المفتوحة على مصرعيها .. وجهها يشبه طائر صغير وصوتها الهاديء الذي تحاول أن تبث به الإطمئنان لذلك الرجل القلق على نصفه الناعم بدا كعزف كمان ناعم حزين .. شعر بأن أعصابه تكاد تحترق وهي تربت على كتف رجل غيره ، توقف يلتقط أنفاسه اللاهثة بفعل المجهود البدني لهبوطه الجارف من الطابق الخامس وكرد فعل طبيعي لإنتظاره لتكتحل عيونه بمرآها منذ أسبوعين ، بدت بريئة ببراءة طفل صغير .. بين لحظة فارقة بين الخوف والتردد وجد ساقاه تندفعان رغماً عنه نحوها .. موقن أنها لو منحته الفرصة سينسيها قيصرها العجوز ، جاء صوته منادياً لها خافت كهمسه حائرة بين شفتيه لا تكاد تسمع :" أمنية " ولكنها التقطها بإجفال كصوت مدفع يجاورها ، اقشعرت تتمنى أن تلقي رأسها المرهق بين طيات صدره الذي مازال يحمل آثار المجهود فيتردد صعوداً وهبوطاً ، ذكرت نفسها بإهانته لها بألا تذكر اسمه فندت إجابتها بقوة :" الدكتورة أمنية .. نعم دكتور " تجاهل جمود وجهها .. اقترب خطوات ليواجهها فابتعدت خطوات مماثلة ، توقف وهو يمد يده إليها مسلماً يُمَنِّى أصابعه بتلك الصلاة التي ذكرتها بمفكرتها :" حمداً لله على سلامتك أمنية " لم تجد مفراً من أن تمد يدها لترد السلام مقررة أن يكون بسرعة خاطفة ، لمست أصابعها أطراف أصابعه بلمحة قبض على أصابعها كعقاب قنص عصفوراً ، جاهدت لتنزع أصابعها وهي تنظر حولها وتخزه بنظرتها وتشير برأسها لخلفه كأنها تعلمه بوجود غيث أيضاً فلم يترك كفها فقررت أن تدخله داخل حجمه الطبيعي :" إن سناريا مريضة وزوجها خلفك قلق عليها من الجراحة .. " استدار لغيث وهو ما زال قابضاً على كفها .. أرادت إستغلال الوضع لتنزع كفها من يده المستميتة عليها فنجح هو بتبديل يده حول كفها لتصبح أسيرة يسراه وبعد أن تحدث قليلاً مع غيث مال عليها هامساً :" أحتاجك بشكل مُلِّح أمنية " ارتعدت من كلماته المبطنة فهي لا تعرف ماذا يريد أو كيف يراها .. نزعت أصابعها مقررة أنه آن وقت الحدود :" الدكتورة أمنية يا دكتور " فهمس أمام وجهها :" رامز " رفعت حاجباً لأعلى وعقدت ذراعيها أمام صدرها الفائر كتنور مهدد بإنفجار صاخب يعلو ويهبط من الإنفعال :" أذكر أن هناك شخص أمرني بصلف بل كاد يحطم أصابعي ألا أذكر اسمه وهذا ما انتويت فعله .. سأطيع أمره " استدارت لغيث :" سيد غيث مضطرة للإنصراف لحجرتي وسأقوم بمهاتفة عائلتي ، سأعود مرة أخرى لأطمئن علي سناريا " هز غيث رأسه بشرود فعقله مسافر .. محياها المرهق بشحوبها المقيم وسؤال تعلق فوق رأسه .. أسيكون الندم هو نصيبه كزوج جنا أم سيكون له أمل فيها ؟؟
سارت وتركته خلفها ببساطة ولكنه تبعها حانقاً عليها أم على نفسه وكبرياءه هو ما يحركه أم غيرته .. إشتياقه الناري لرؤيتها ضد تجاهلها المقيت البارد .. وجدت نفسها مدفوعة بقوة تجاه غرفة جانبية علمت أنها غرفة الطواريء من محتواياتها المكدسة من طفايات وسلم معدني وغيرها تكاد تختنق من ضيق المكان وعبق رائحة الأتربة بداخله ، ترك عضدها فلم تر شيئاً من ظلمة المكان الذي بمجرد إغلاق الباب غرق بالظلام و لم تر من خلال دموعها المغرقة لوجهها سوى تلك اليد التي جذبتها بسرعة البرق

الفجر الخجول(مكتوبة)Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz