الفجر الخجول(مكتوبة)

By EmanOmarWrites

31.3K 720 17

نظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في التر... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون

الفصل الثامن

1K 25 0
By EmanOmarWrites

الفصل الثامن

" رباب هل أنتِ فعلاً ؟" احتضنت صديقتها التي أعلنت :" لم أصدق محسن عندما تحدث عنك وذكر ما حدث معك .. ولم أصدق أذني عندما هاتفتني فجئت إليك فوراً " وأمسكت بيد سناريا و أخذت تديرها أمامها :" ما هذا الجمال ؟! لا تدعي زوجي يراك و إلا أصبحت أرملة " ملأت الضحكة روح سناريا :" تقصدين مطلقة !" فهزت رباب رأسها :" لا أرملة فإن رآك مؤكد سيعجب بك .. ويظل يتحسر على حاله و أنا بهذه الحالة الكروية الضخمة فساعتها سأقتله بيدي حتى أريحه من عذابه معي فأصير أرملة " قهقهت سناريا بضحكة عالية ساحرة وانتبهت أنها بالمشفى :" لقد نسيت أننا بالمشفى .. في أي شهر أنتِ ؟"

أجابت بتوتر ظهر بشحوبها :

" لقد شارفت على الولادة .. وقد سألت عنك كطبيبة وسمعت مديحاً سَرّ قلبي فقررت أن أتابع ما تبقى معك أنتِ ، عندي جودي عمرها سنتين ولكنها وُلدت بعملية قيصرية لذا أخشى الوضع هذه المرة " أصابعها الرقيقة ترتاح على بطنها .. ابتسمت ووضعت راحتها على كف صديقتها الجميلة لتطمئنها :" هيا لأفحصك "..

وهي جالسة تنصح رباب بالمشي ليسهل عليها الولادة طرق الباب وأطل رجل عادي الملامح يبدو ممتليء الجسم .. أكمل الدخول وسط تحديقها بدهشة واقترب من رباب وهو يضع كفها على كتفها يربت بخفة :" لقد أفزعتيني عندما عدت من العمل أجد رسالتك أنك هنا خفت أن تكون هاجمتك آلام الوضع وحدك !" أشارت له رباب بيدها :" أقدم لك صديقتي القديمة سناريا هي الطبيبة التي سأتابع معها الباقي حتى الولادة .. زوجي رأفت " تعرفت عليه وطمأنته و أبلغته بضرورة المشي .. هنا قالت رباب :" تلك فرصة رائعة حتى تسهل ولادتي و ولادتك " نظر إليها بحنق مستفسر :" ماذا تقولين يا مجنونة ؟"..

" نعم أليست بطنك بحجم مضاعفاً لبطني وكأنك حاملاً بتوأم !" ابتسم وعيونه تلومها تتوعدها بليلة حافلة تأديبية لسلاطة لسانها ، أجابها يداري موقفها الساخر :" كل ذلك من طعامك اللذيذ الذي ينسيني نفسي معه .. ومع ذلك سوف أمشي معك يومياً ليس من أجل الريجيم و إنما لأنني أحبك و أخاف عليك أن تمشي وحدك "

فكرت سناريا متحسرة :" زوج آخر قد نسي وجودها تماماً " أنقذها دخول رجاء :" الكشف التالي يا دكتورة بدأ يمل ويعترض " فاعتذرت رباب وزوجها بعد تبادل الهواتف و وعود بالزيارات

" ولماذا تعتقدين أجّل الموعد .. ذلك الفارس ؟" صوت مها مكتوماً بطريقة مضحكة وهي تقضم من ذلك السندوتش وهي تجلس فوق مكتب سناريا وتدلي ساقيها بجوار مقعد صديقتها تحركهما كطفلة صغيرة ..

" مها كفي عن تحريك ساقيك كالأطفال حتى لا يلمسني حذاءك " وأردفت :" لا أعرف يا مها .. أخاف من ذلك اللقاء فلا أعرف لِمَ اتصل وطلب تأجيل الموعد للغد وسوف أتصل بنونا لأعلمها بالموعد الجديد "..

" هل تنوين السفر لذلك المؤتمر ؟ بدون علمي ..بما أنك وقعتِ بالموافقة " أجفلت مها من صوته الحاد فرغم مرحه وحبه ولطفه إلا أنه يصبح وحشاً إذا وطأ أحدهم أرضاً تخصه .. لوت جزعها وابتسمت لتمتص غضبه وأردفت بهدوء وهي تشير إليه وكأنها لم تخطيء بحقه :" خالد تعال تناول معنا من هذه السندوتشات الشهية .. التي دعتنا عليها سناريا وسوف نتحدث معاً " نظر بغضب حانقاً منها :" لا أريد شيئاً وليس هناك شيء نتحدث بشأنه .. فلا سفر لذلك المؤتمر "

نظرت إليه وتلعثمت :" ولكن .. لكن " نظرته الحادة أعلمتها أنها خطت داخل أرضه .. رفع كفه إليها لتصمت كما يفعل مع هيثم صغيرهم :" إنه شأني فلن تنالي موافقتي على وثيقة السفر " وتركهما كعاصفة بددتها الرياح .. قفزت مها من فوق المكتب وهي تشير للباب :" المجنون لم يفهم أن ذلك المؤتمر إجباري والمشفى لن تضيع فرصة حضوره .. فوقعت حتى أقنع إحدى الطبيبات أن تحضره كبديلة لي وبتلك الحالة لن تعترض المشفى " نظرت لصديقتها المفجوعة وفكرت بالفرصة السانحة أمامها :" متى ذلك المؤتمر ؟" أعادت رأسها لتواجه سناريا :" بعد شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير فلم يتحدد الموعد النهائي .. ومدته ستكون من أسبوع لأسبوعين أما عن مكانه فهو بإنجلترا فهو يتبع الأكاديمية الملكية البريطانية " عادت تنظر للباب تفكر بذلك الحاني ولكنه عندما يضع شيئاً في رأسه اليابس يكون من رابع المستحيلات تغيير نظرته وإعادة موقفه :" سوف أوقع كبديلة لك " تدلت شفاه مها السفلى بدهشة فرحة :" ولكنك لديك مشاكل تلك الفترة " همست سناريا :" أنا حقاً أجدها فرصة مواتية للخبرة المهنية .. ومشاكلي لا تبدو ملحة " سخرت داخلياً لتكمل حديثها ( إنها أحلام يا مها أن تكون مشاكلي بسيطة الحل .. فهو مُصِرّ على أن يعاملني كحشرة ومصمم على إنهاء ما بيننا لذا أفضل أن أهتم بعملي فهو الوحيد الباقي " أفاقت على صديقتها التي انتشلها عرض سناريا من جنون خصام زوجها وهي تقبلها وتحتضنها مهمهمة :" سوف أذهب لذلك الجراح علّي أتمالك أعصابي فلا أجرحه بمبضعي " خرجت بسرعة عندها علا رنين هاتف سناريا فقررت أن ترفض المهاتفة وهي تتساءل بحنق : " ماذا يريد مني ؟؟ أن يكيل عليّ من صخر كلماته ؟ شكراً لا أريد .. "

****

بعد مرور يوم

أوصل الدكتور خالد ناهدة بسيارته رباعية الدفع السوداء بعد أن قابلت فارس مع سناريا فوجدته شاباً قوياً وسيماً ..علمت منه أن يونس تعرض لحادث سيارة فصار قعيد كرسي متحرك ومنذ ذلك الوقت تولى فارس أمر الشركات والتجارة و إدارة أموال العائلة ولكن أبيه منذ ذلك الوقت .. يريد أن يتحدث معها ليعتذر لها ويسلمها ميراث أمها الذي كان المفترض أن تتسلمه أمها وقت وفاة الجد ولكن يونس أعماه عناده وطمعه وحرم شمس منه والآن يخشى لقاء الله وهو مدين لسناريا ..

نصحت سناريا بعدم كشف تلك الأموال الآن لأي فرد حتى تقف على أرض صلبة و صارت تحدث نفسها :" إن غيث إذا علم بهبوط تلك الثروة عليها سيزداد تباعداً و إن علم و قَبِل واقترب من سناريا قد تفسر هي إقترابه بصورة خاطئة أنه من أجل المال .. ما هذا التعقيد الإضافي ؟! وفارس هذا الذي حضر لمقابلتها لشأن وتحول لخاطباً ما إن رآها و رأى جمالها الأخاذ وحبيبتي رفضته بكل أدب مدعية أنها لا تفكر بذلك الأمر أبداً وذلك الطبيب المجنون مازن الذي اعترضني محاولاً عرض خدماته لتوصيلي ، آه يا غيث إن لم تتحرك وتتخذ موقفاً فأنا لن أقف بوجهها بل سأشجعها على تركك والبحث عن حياتها كفى ما ضاع من عمرها "

لقد تركت سناريا بالعمل وفارس اتجه ليحضر أباه للمشفى ليقابل ابنة أخته التي رفضت دخول بيتهم الذي لم يستقبل أمها وهي حية .. لن تطأه قدماها وهي ليست من أهل الدنيا !

توقفت السيارة لتقطع سيل أفكارها قبل أن تفتح الباب نزل خالد ليفتح لها ويوصلها عند باب المنزل وسلم عليها وعاد لسيارته ، لاحظ غيث المترقب في النافذة أمه الهابطة من ذات السيارة التي كانت تقل سناريا منذ عدة أيام

بعد حوالي النصف ساعة

" أمي من صاحب تلك السيارة التي أوصلتك اليوم ؟؟" لم يستطع أن يلجم لسانه فأفلت بسؤال هارب من بين شفتيه .. ابتسمت أمه وهي تهمس داخلها : " أخيراً.. بدأت الغيرة تتحكم بك ..لابد أنك قد رأيت سناريا تهبط منها سابقاً "

رفعت كوب العصير وصارت ترشف منه صامتة متجاهلة غضبه الذي ظهر بقبضته التي تكاد أصابعها تطلق صراخاً من الألم وأجابت بعد برهة بهدوء :" إنه خالد منصور زميل سناريا في المشفى سمعته ليس عليها غبار وجراح ممتاز " عيونها تتابع معالم وجهه التي ماجت بغضب وقبضتيه و قد أبيضت سلامياتها من شدة الضغط عليهما .. و أردفت : " لا تخش منه إنه متزوج بمها طبيبة نسائية جميلة وصديقة سناريا المقربة ويعشق زوجته حد الموت ولهما ولد صغير رائع عمره أربع سنوات اسمه هيثم " ما إن ارتاحت ملامح غيث حتى أردفت بدفعة واحدة :" الذي يجدر بك أن تخشى منه فعلاً هو مازن طبيب نفساني ثري بالوراثة ويطارد سناريا منذ فترة وهي تصده .. على أمل أن تعود ولكنك منذ عدت تعاملها بجفاء كأنها سبب مغادرتك وغربتك ، ما ذنبها فيهما ؟! و إن كانت هي السبب و أنك تكرهها حررها لتجد طريقاً لحياتها ، لمتى سنقيدها بك بدون إجراء رسمي أو أي تقدم ؟! " و صمتت بتعب ثم فجأة أردفت بإبتسامة خبيثة في عينيها :" آه حقاً اليوم جاءها خاطب آخر أقوى و أوسم منك بمراحل ، إنه فارس يونس ابن خالها ولقد حضرت معها مقابلته و أعلمته أن الرد سيصله منك خلال عدة أيام فأنت وليها عند الزواج " و عادت تصيح بألم : " الوضع يا غيث أصبح مُرّاً فاختر ما تريد حتى تحررها لتعيش حياتها تحب وتُنجِب وتكون عائلتها الخاصة فإما أن تكون معك أو مع غيرك ..عندما عقد أبوك لك عليها كان يعلم أنك تحبها ، خاف عليكما معاً وخشى أن يستطيع يونس أخذ ربيبته من حضنه ولكنك فجأة سافرت وغبت وعدت مختلفاً .. إنها حتى لاترتدي دبلة بإصبعها كإشارة الإنتماء لرجل .. فلا تستطيع صد لاهٍ أو خاطب ، فكر بنيّ جيداً .. فكر بها أيضاً " تنهدت بتعب و قالت :" سأدخل غرفتي أرتاح قليلاً " و أقرنت القول بالفعل ثم توقفت :" آه لقد نسيت ، ماذا أفعل هل أصبت بالزهايمر أم ماذا ؟! لقد حجزت لرحلة بعد يومين للساحل الشمالي تابعة للإدارة التعليمية بقرية ملك نادي المعلمين .. فكن مستعداً لأنك ستكون معنا ، نريد أن نلحق يومين للمصيف قبل رحيل الصيف ولن نحتاج سيارات معنا .. الرحلة شاملة كل شيء ، و أيضاً غداً سيكون زفاف أميرة وسنذهب جميعنا فنحن نعد أهل العروس " تركته خلفها يغلي غضباً من هؤلاء الرجال الذين يحيطون بزهرته االبيضاء

بل لامها سراً فهي كملكة النحل تجذب جميع ذكور الخلية ..!

******

بعد حوالي الساعة

" أهلاً مازن كيف أنتَ ؟ ... تريدني الآن ، نعم متفرغ .. لكن لماذا ؟؟ لا تستطيع الحوار بالهاتف ؟!.. طالما الموضوع مهم .. في مكتبي اكتب العنوان "

" سأكون هناك بعد نصف ساعة "

واقفاً بالشباك غرفة مكتبه يفكر في كل ماحدث له من تعقيدات منذ لحظة وصوله حتى الآن ، كلمات أمه تعذبه ونظرة العيون الزيتونية تفتت قلبه والماضي يقتله .. ذات يوم ناداه أبوه من أمام غرفته :"غيث "

حضر ملبياً :" نعم أبي "

" ادخل و أغلق الباب " نفذ وهو يرى حزن أبيه والقلق المطل من عينيه وجلس معتصم على مقعد جانبيّ بغرفته و أشار لابنه ليجلس بالمقعد المجاور ، التفت لابنه بصوته الرخيم :" لا أريد للحديث الذي سأُسر لك به أن يخرج خارج حدود تلك الغرفة " همس واتخذ وضعية مائلة ليقترب من أبيه :" أنت معلمي يا معتصم فلا تخش شيئاً سيكون لك ما أمرت به .. ولن يعلم بالأمر سوى هذين المقعدين فقط " بدأ الأب بمستهل حواره :" بسم الله الرحمن الرحيم .. بني أنت تعلم أن عمك أكرم ترك أسرته أمانة في عنقي و طلب بعدم خروجهم من منزلنا أبداً إلا إذا أرادا وبعد وفاة أكرم أخي و صغيري ، حاول يونس أن يأخذ سناريا و أمها التي وضح أنها ابنة أصول وراقيه حقاً و رفضت الذهاب معه متخلية عن إرثها من أبيها مقابل أن يتركها تجلس ببيت زوجها المرحوم أكرم .. الذي لا تعلمه أنهما حاربا عائلتها الثرية حتى وافق أبوها على أن يزوجها أكرم المحامي المبتديء ولكن حدث أن تركها أرملة صغيرة جميلة .. ومات أبيها بعد أكرم بقليل وكانت ستقع بيد يونس ليزوجها بشريكهم ولولا وجود جدك الذي أصر وحارب جواري حتى تركهم يونس بحالهم .. والآن أنت ستكمل العشرين بعد عدة شهور أخشى أن يحاول يونس أخذ سناريا من أحضاننا بحجة أنها صارت في الرابعة عشر و أنت يا بني وصلت مبلغ الرجولة منذ عدة سنوات .. فأنا أرى بما أني الوصي على سناريا أن أعقد لك عليها شرعياً حتى نتمكن من حمايتها حتى من أنفسنا و لأحفظها لك زوجة مصانة بيننا لعلمي أنك تهتم بها .. فما رأيك ؟" وقف فوراً مقبلاً رأس أبيه :" إنك تعلم طيات نفسي أكثر مني يا معتصم الفياض أرجوك افعل ، لقد شارفت على نيل شهادتي في كلية الحاسب ونظم المعلومات وسأبدأ فور التخرج في البحث عن عمل لبناء مستقبلنا معاً .. أبي أحب سناريا بل أعشقها " ربت الأب الحكيم على كتف غيث الشاب :" لن يعلم أحداً بذلك حتى هي لكي لا تنشغل سناريا عن الدراسة وسندعها تكبر بيننا بدون كلمة حتى تصبح ناضجة وقتها سيكون لي شأن آخر هل فهمتني ؟" ابتسم :" نعم يا أبي فلا تخشى شيئاً أنا أحرص عليها من أي فرد وسأحميها حتى من نفسها "..

يمسك بصك ملكيتها بكفه الحارة التي تتمنى أن تلتف حول جسدها الغض البريء ، لقد صارت له بموجب ذلك العقد هي امرأته وهو فارسها .. لم يصرح حتى أتى يوماً كانت عائدة تحتضن حقيبة كتبها المدرسية ليخرج لها شاب من طيات الشوارع يستمر في المضايقة ، راقبها جيداً أعجبه تصرفها فلم تحرك ساكناً وكأن ذلك المعتوة أخذ بذلك تصريحاً بأن الصمت رضا وقبول و وجد نفسه محاصراً بقبضة غيث القوية ليصرح أمام الشارع أجمع :" إنها زوجتي " و يلحق بها مقيداً معصمها بحديد يده الرجولية :

" أنتِ لي أنت زوجتي " تصريح لم يلق استنكاراً بل لمعة الخجل المسرور داخل مروج الزيتون بعيونها ... أدرك أنها ستبقى له بوعود من نظرتها ..

تعيد مخيلته أحداث ليلة غيرت مجرى حياته وقناعته بل استيقظ فيها من أوهامه .. فجوراً عانق أيامه ..عهراً اعتصم أمامه ، شهد جريمة نكراء ..

مازالت تسكن أمام عيونها منتشية فوق فراشها بقميصها الأسود ، انهارت قناعاته.. غادر صباحاً و عاش حياته ، اجتهد وعاد لوطنه مكتفياً بالغربة ليجد أمه كما هي طيبة معطاءة نبع للأمومة .. ولكن لِمَ لم يستعمل والده التوكيل الذي بعثه له حتى ينهى مسألة زواجه المعلقة من سناريا ؟!

نظر لهاتفه الذي لم ينفك كل دقيقة يتصل بها يريد أن يحادثها ولكنها ترفض وجوده

" أليست زهرتك البيضاء ؟ كيف ستتركها لرجل آخر مهما كانت صفته ؟ حاول أن تدرسها عن قرب .. إنه الماضي داخلك مهما كان لقد قسوت على نفسك بسببه كثيراً ، لِمَ تحمل هي فقط أوزار ليست لها ؟ وخاصة بعد وفاة الحية الرقطاء .. حاول أن تكون عادلاً منصفاً !"

أبيه عصمة أمره و شقيق روحه خارج يرتدي منامته القطنية يختلس النظر فجراً من غرفة شمس زوجة عمه الفاسقة منتشية تفترش سريرها بقميصها الأسود الحريري .. انهارت قناعاته ومُثُله ومبادئه مع انهيار رب المثل ومعلم الفضائل وسقوطه في لجة الرزائل والكبائر .. لم يجد غير الرحيل ، هرب من ظل الخيانة وبئرها العميق الضيق و رائحتها العفنة التي أزكمت أنفه ..غادر ولم يحادث أحداً .. حطم كل الأعراف كما تحطمت أمامه ،

انحنى تفكيره إنحناءة أخرى

تعجب من نفسه فهو لم يبك أباه منذ علم بوفاته القاسية ، هل فقد إنسانيته تماماً ؟؟ فليبكه كإنسان على أقل تقدير !..ولكن إنكسار صورة الأب داخل قلبه جمدت دموعاً لم تكن تفر من مقلتيه .. وعاد إلى لوم ذاته مجدداً يسير في ذات الحلقة المفرغة التي على ما يبدو لن تنتهي !

***

جلس غيث على مقعد مكتبه الكبير وانشغل بعمله الذي أهمله كثيراً وهذه شركات لا ترحم والعقود جميعها بشروط جزائية تعجيزية .. والأهم أنه لم يفشل بعمله قط ، قطع استرسال أفكاره هاتفه الداخلي لينطلق صوت مريم السكرتيرة الثلاثينية الكفء التي اختارها للعمل تحت إمرته ابتدءاً من اليوم :" إن هناك امرأة تدعي وجود موعداً للعمل وذلك ليس مدون بخريطة مواعيد سيادتك أمامي " انطلق صوتها المزعج في السماعة على أذنه مما اضطره ليبعدها عن أذنه آمراً :" رجاءاً مريم أدخليها.. ولكن بعد عشر دقائق اختلقي موعداً .. أتفهمين ؟" جاء ردها الجاد :" نعم سيدي سوف أفعل "

طرق الباب ودخلت مريم تتقدم داليدا مرحبة :" تفضلي سيدتي " فصرخت الأخري :" آنسة !" فابتسمت مريم ساخرة داخلها على ذلك الإدعاء

الواضح و ردت بأدب جام :" آنستي "..

" يا إلهي إنها أشرس من كلب حراسة جائع ..متى عثرت عليها ؟" هكذا فرقع صوتها كمدفع علاه الصدأ ما أن أغلقت مريم باب غرفته خلفها .. تجاهل كل ماسمع لينظر بملل حاد النظرات كصقر راصد طريدة يدير قلمه الذهبي بين إصبعيه : " تفضلى بالجلوس .. أعتقد أنه ليس بيننا موعد .. فقد أنهينا جميع الأعمال آخر لقاء أليس كذلك ؟" تقدمت بدلال وعنج مبالغ فيه واحتلت أحد المقعدين أمام مكتبه الضخم و وضعت حقيبتها بنزق على المنضدة الزجاجية الصغيرة التي تتوسطهما وضعت ساقاً فوق آخر بصعوبة لدرجة خيل إليه أنه سيسمع صوت تمزق بنطالها الجينز الضيق الذي انزلقت داخله بصعوبة بالغة .. تذكر زهرته البيضاء برشاقتها وبنطالها المريح باتساعه وجاذبيته ففيه تغدو غادة هيفاء تتمايل برشاقة طبيعية طفولية .. عاد لقوة رجل الأعمال عندما التقط سمعه :" عدت إليك بصفقة ولكن لن أتنازل عن عمولتي " أجاب بحضوره القوي :" ألقي ما لديك وسنرى إن كان يستحق أم لا " ابتسمت بخبث شخصية عملية خبيرة فقد علمت أنها ستكسب من وراءه :" لقد أقنعت رئيس شركتنا لمضاعفة الحملة الإعلانية على الشركة جميعها وحملة إضافية لفرع المنتجات الزراعية بشكل خاص حيث أنها حديثة بالأسواق " أجابها بعملية باردة : " أي حملة إعلانية تذكيرية للشركة ككل .. و حملة إعلانية تعريفية لشركة المنتجات الزراعية " ردت بلهفة :" نعم " عندها تابع أسئلته ......

بعد قليل وجد الباب يطرق ويفتح بلا انتظار و صوت مازن:" عذراً دخلت فوراً لم أجد أحداً بالخارج ، هل تعمل وحدك ؟" فردت داليدا :" و أين كلب الحراسة التي بالخارج ؟ أقصد السكرتيرة المتوحشة " غمز مازن بعينه لغيث :" يبدو أنك وجدت طريقك سريعاً " هكذا صرح مازن للأنثى التي بادلته بغنج :" صديقك رجل أعمال من الطراز الأول .. صياد " وضحكت عالياً بمغزى لم يلق غيث بالاً له و رد على صديقه :" تفضل ظننتك لن تأتي " خطا مازنوجلس مقابلها بعد التصافح معهما :" أعتذر إن كنت قاطعت عملاً بينكما أو جئت بوقت خاطيء " نفى غيث برده الجاد :" لقد أنهينا عملنا للتو " وتابع حديثه مع داليدا :" سوف أبدأ للتخطيط الفوري لتلك الحملة وفقاً للشروط والمعطيات التي اتفقنا عليها وسوف يكون هناك عدة اتصالات بيننا حتى توقيع العقد مع رئيسكم " وقفت فقد وصلها منه إنهاء اللقاء : " هل سنلتقي الليلة فى المطعم ؟" وجهت حديثها لمازن الذي ترك سؤالها معلقاً وسأل بدوره غيث :" ما رأيك ؟" رفع غيث كفه بلامبالاة بعد أن نظر للساعة الجدارية :" ولِمَ لا سنلتقي .. بعد ساعتين سوف أنهي أعمالي " ....

" احذر منها تبدو كعلقة .. وضعتك برأسها " ضحك غيث :" لا تخش على غيث الفياض ، لن يتم شيئاً إلا بإرادتي ...عموماً هي ليست من نوعي المفضل ، هيا حدثني ما ذلك الموضوع الهام الذي تتعجل الحديث عنه ؟" ازدرد لعابه بصعوبة بالغة كنهه لا يدري ردة فعل غيث على طلبه :" هل السمراء التي كانت ذلك اليوم بالمطعم قريبتك أو معرفة فقط ؟؟" توقفت قصار الشعيرات برقبه غيث قشعريرة لمجرد وصف مازن لها وملأه الغضب لذكره لها ، تهدج صوته بإضطراب خفيّ :" ماذا تريد منها ؟" شبك مازن أصابعه بتوتر وبرقت عينيه بلمعة طفيفة :" نعم إذا كانت غير مرتبطة أريد التقدم لطلب يدها " صمت غيث ليملك أعصابه وكلمتها المغيظة عندما اتهمها بأنها تنتظر حبيباً على الهاتف تدوي بأذنه : (( نعم أنتظر ولكن عندما تطلقني ستتعرف عليه فمن سأتزوجه لابد أن يطلبني منك يا ابن عمي العزيز فليس لي سواك ))

ظلّ التوتر كسحب معتمة تنذر بالعواصف الشتائية :" أنت لم ترها من قبل فماذا رأيت منها حتى تعدو مسرعاً لخطبتها .. هل سألتها فوافقت مثلاً ؟" لاحظ مازن إفتقاد غيث للتفكير المنطقي فرفع يده كإشارة ليوقف إسترسال صديقه :" هل تهذي ؟ أنا لم أرها إلا معك و أسألك عليها الآن فكيف حادثتها لأحصل على موافقتها ؟! وإن كان كذلك فلِمَ حضوري إليك .. أما ماذا رأيت ؟.. رأيت جمالاً يفوق وصفي للجمال بمراحل فقد بدت كحورية أو أميرة أسطورية .. شيء فريد في الجاذبية والشفافية والبراءة كطفلة خام أشكل أحاسيسها بيدى ، أنت تعلم ماذا أقصد يا خبير فأنت من كنت بالخارج ومؤكد عشت حياتك حراً بلا قيد .. فما معلوماتك عنها ؟" قهقه غيث بغيظ مختنق يود أن يشوه ذلك الوجه ويعيد تزيينه بطريقته الخاصة :" هل تعلم الفيلم القديم الذي فيه البطل يطلب يد البطلة من زوجها ؟" ابتسم مازن إبتسامة شاحبة وسأل بصراحة حتى ينفي الشك الذي وصله :" وما علاقة ذلك بما أتيت ساعياً إليه ؟" وقف غيث واتجه مباشرة لصديقة يقبض على كتفيه بقبضتين حديديتين .. انتشله من مقعده ممزقاً قميصه في آن واحد وهو يصرخ :" ستعلم حالاً "..

فتح باب غرفته وسط نظرات مريم الذاهلة :" من هذا ومتى أتى ؟! ماذا فعل ليثير غضب ذلك الهادر ؟!" وقفت تشاهده يجر ذلك الشاب حتى خارج المكتب دافعاً إياه أرضاً فوقف سريعاً حتى يمسك بقميص غيث ليرد اللكمة إليه.. فلم يتمكن إذ ابتعد خطوة للخلف وسدد لوجه الشاب لكمة أطاحت به على الأرض مرة أخرى ليصرخ مرعداً :" ألم تفهم بعد أنها زوجتي ؟! امرأتي أنا !" نظرات مازن تجمدت ثم زاغت و فرّ من أمام غيث يتعثر بخطواته على الدرج ..

دخل غيث مكتبه وصار يرغي ويزبد ودّ لو قتل صديقه بيديه..زفر أنفاسه الحارقة .. لابد له من مواجهتها وحلّ أوضاعهما المتأزمة معاً

بعد وقت قليل سحب حقيبته وسترته وخرج مندفعاً ، في الشارع .. وجد تلك الفاتنة تجلس على مقدمة سيارته تتحدث بدلال مصطنع :" يبدو أن اليوم يوم حظي أنك أنهيت عملك بسرعة فقد تعطلت سيارتي ، إن كنت متجهاً للمطعم فهل توصلني معك طالما اتجاهنا واحد ؟"

قرر بدون تركيز :" نعم تفضلي ولكن لدي عمل قريب من المطعم سأوصلك أولاً " ردت معترضة :" لا ليس هناك من داعٍ سوف أذهب معك .. اقض عملك وسأنتظرك بالسيارة ثم نتوجه سوياً للمطعم " لم يرد فعقله مشوشاً بشدة في تلك التي سلبته كل شيء ، كان متوجهاً إليها ليلقي عليها جام غضبه ولكنه قرر أن يذهب للمطعم ويتحدث إليها مساءاً بالمنزل وفي تلك اللحظة مر أمام المشفى .. إذ أنه الطريق الوحيد للوصول للمطعم ، و هناك وجدها تتحادث مع شاب طويل وسيم .. !

انتهى الفصل

روايات بقلم إيمان عمر (Just Faith)

جروبي على الفيسبوك: القلم وما يهوى!

صفحتي على الفيسبوك: القلم وما يهوى!


Continue Reading

You'll Also Like

5.1M 152K 103
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
808K 24K 39
لقد كان بينهما إتفاق ، مجرد زواج على ورق و لهما حرية فعل ما يريدان ، و هو ما لم يتوانى في تنفيذه ، عاهرات متى أراد .. حفلات صاخبة ... سمعة سيئة و قلة...
770K 20.5K 88
نظرت في عينيه اللتين أخبرتاها بصدقه .. هي تعرف هذا .. تعرف أن ما فعلته قديماً قضى على كل أملٍ لديها لتحصل يوماً على مغفرته .. لكنّها لا تبحث عن المغف...
518K 12.4K 43
رواية بقلم المبدعة ساندي نور عشقكَِ .. عاصمةُ ضباب بفتح الكاف أو كسرها .. لا يهم العشق واحد والقلوب تختلف بداخل كل منا شيئا من ضباب شيئا لا ندرك كيف...