الفجر الخجول(مكتوبة)

By EmanOmarWrites

31.3K 720 17

نظرية الحب هو الدوران داخل فراغ ثلاثية متوازنة من ثلاث محاور متساوية هي ألفة و شغف وإلتزام فيقع المحب في التر... More

المقدمة
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الخامس
الفصل السادس
الفصل السابع
الفصل الثامن
الفصل التاسع
الفصل العاشر
الفصل الحادي عشر
الفصل الثاني عشر
الفصل الثالث عشر
الفصل الرابع عشر
الفصل الخامس عشر
الفصل السادس عشر
الفصل السابع عشر
الفصل الثامن عشر
الفصل التاسع عشر
الفصل العشرون
الفصل الحادي والعشرون
الفصل الثاني والعشرون
الفصل الثالث والعشرون
الفصل الرابع والعشرون
الفصل الخامس والعشرون
الفصل السادس والعشرون
الفصل السابع والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الفصل التاسع والعشرون
الفصل الثلاثون

الفصل الرابع

1.1K 29 0
By EmanOmarWrites

الفصل الرابع

عيونها جامدة وجبينها مقطب تنظر لظل ربيبتها المختفي أمامها ، رمت نظرتها الحانقة وألقت بهمسة باردة :" متى تعلمت تلك القسوة ؟ من ترفضها تلك هي التي تولت مسئولية ثلاثة عجائز بينهم أبيك المقعد ولم تتأفف !

كانت تدرس وتقوم على شئوننا وحدها وأذهلتنا بنجاحها ، هي الآن تعد نفسها لتنال شهادة الدكتورة وأنت أين كنت ونحن معلقين ثلاثتنا برقبة تلك الصغيرة ؟؟ والآن تجرؤ وتقول لاتناسبني .. بل أنتَ الذي لا تناسبها .. وإن كانت هي لا تناسبك فأنا أيضاً لا أناسبك " حاولت أن تجتاز جسده الضخم ولكنه وضع كفه على كتفها وازدرد لعابه بصعوبة مفكراً سيحاول الخروج من ذلك الموضوع الشائك بأقل الأضرار فلا يمكن أن يغضب أمه بعدما وجد أمانه بين يديها الحانية وصارت سفينة ضياعه بماضيه ترسو بمرفأ قلبها .. تلعثم بكلماته المتعثرة : " أمي إن الوضع فقط مربك لنا جميعاً فأنا لم أكن أدري أن هناك زوجة تنتظرني حتى لم أكن أعلم أن أبي .." وتوقفت بقية كلماته بحلقه يغص بها فتجاوزها و كاد أن يردف لولا أوقفه همس والدته وهي تمسح دمعة أفلتت من بين رموشها :" إن أبوك أوصاني عندما تعود ألزمك بوعد قطعته له " تحركت لتذهب لابنتها .. تاركة يده تسقط بقلة حيلة تتأرجح بجواره كحياته المعلقة بوعد قطعه وحلم أراده يوماً يبدو بعيد عن متناول يده !

*****

أخيراً رمت نفسها على فراشها دافنة وجهها في الوسادة حتى لا تسمع ناهدة شهقاتها.. سقط سدّ تماسكها وقناع البرودة الذي ارتدته وناهدة تحادثها فبعد لحظات من إغلاقها بابها عليها تتأهب أن تفرغ ما في جعبتها من حزن بحضن فراشها ووسادتها وجدت الحانية تلحق بها ، وجدت نفسها تبتسم بترحاب وتباعدت قليلاً تتجمد أمام شرفتها كتمثال شاحبة كالجص .. ابتعدت فلو أخذتها تلك الحنون في حصن أمومتها لبكت دماء كرامتها الجريحة ، ظلت تتحدث وهي لا تفقه لفظاً واحداً .. لا تسمع ولا ترى أمامها فآثرت الصمت .. كل مافعلته حركة رأسها الموافقة حتى قبّلت ناهدة كتفها ومسدت شعرها وخرجت ...

ظلت فترة طويلة تبكي كرامتها المجروحة ووحدتها الأليمة.. لم تدرك كم مر عليها من وقت حتى غلبها النعاس .. تستعيد بأحلامها ذكرى عمها الراقد على فراشه الأثير.. أسير في أيامه الأخيرة مثلما حدث فعلاً عندما استدعاها و أمرها :" اغلقي الباب يا ابنتي واقتربي " نفذت أمره بكل حب وقلق لاتريد أن يرهق نفسه .. أتاها أمره الآخر :

" افتحي دولاب الملابس .."

ففتحت حيث أشار :" انظري فوق بأعلى رف هناك حقيبة جلدية احضريها وافتحيها " وجدتها فجلبتها و اقتربت من فراش عمها المصاب بالشلل في نصفه الأيمن .. جلست على أطراف الفراش بجواره حيث أشار لها ..

" افتحي الحقيبة أرقامها هي تاريخ ميلاد غيث " نفذت بسهولة فهي تتذكر تفاصيله وتعشقها فكيف تنسى تاريخ مولده

" هناك أوراق كثيرة عمي " صرح :" هناك ملف أزرق أخرجيه .." مدت لعمها يدها بالملف المطلوب .. أشار عمها بيسراه

:" إنه لكِ .. يخصكِ أنتِ وغيث " اندهشت وعلت دقات قلبها بصوت متسائل :" ماذا يمكن أن يجمعنا معاً يا عمي وهو غائب منذ سنوات ؟" أطرق عمها :" لا أعلم إن كان ما فعلته بحقك تصرفاً صحيحاً أم لا لكنه كان التصرف الوحيد الصحيح وقتها .. عندما أراد يونس أن يضمك إليه و كنت صغيرة ذات أربعة عشر ربيعاً.. لم أكن أستطيع مجابهة قوته ونفوذه .. فالثراء الفاحش ياغاليتي يغلب الحكمة .. و القوة الغاشمة تتفوق على الحق الضعيف " شحب لونه فخافت عليه أن يردف وقبل أن تمنعه أردف :" و نحن آل علم و لا قبل لنا بالمشاكل التي كان سيفتعلها خالك يونس حتى بقية أخوالك كانوا يخشون بطشه وآثروا الخضوع " عيونه تحمل حنقاً على الدم الذي تبدل لماء بعروق النخوة والرجولة :" كل ما كان يريده هو ميراث والدتك من والدها الذي توفاه الله بعد أبيك بفترة وجيزة " تبدلت نظرته لمحبة صافية وحنان ذائب :" فتركته أمك له مقابل أن تظل هنا ببيت زوجها وحبيبها أكرم رحمة الله عليه .. أما أنتِ كان يريدك حتى ينتقم من والدتك لعصيانها أوامره .. خشيت عليك ، هل تتذكرين يوم أخذتك للطبيب لتجرين فحصاً شاملاً ؟.. أتتذكرين ؟" هزت رأسها تخشى القادم تشعر أن هناك مصيبة ستنزل برأسها تستجدي البسمة حتى لا تقلق بال عمها الرؤوم بها :" نعم ياعمي أذكر لقد كنت مرتعبة أن يكون بي مرض خطير من فحص ذلك الطبيب " حاول عمها الجلوس فساعدته ليعتدل :" لقد استخرجت لك شهادة تسنين بموجبها أصبح عمرك ستة عشر عاماً .. و ذلك سن الزواج للفتاة وقتها " نظرت برعب إلى عيونه الصافية الدافئة .. أطرق رأسه :" نعم يا ابنتي لقد تحايلت على القانون لأنقذك و لأنفذ وصية أخي الصغير أكرم بألا تخرجا من هذا المنزل أنت وأمك .. لقد فعلت كل ما فعلت حتى أنفذ وصيته .. لقد قمت بإعتباري الوصي عليك بتزوجيك " ازدادت رعباً من هوية ذلك الزوج .. ظلت تدعو أن يكون هو .. إنها حتى لم تهتم بلوم عمها أو التفكير في فعلته ومدى أحقيته لذلك التصرف .. كان كل ما يشغلها من هو زوجها .. انفرجت أساريرها عندما وصلها همس عمها المحمل بالذنب الحزين : " لقد زوّجتك لابني غيث زواجاً شرعياً موثقاً قبل سفره بحوالي سنة و نصف " تحول فجأة حلمها النابع من تذكراتها لكابوس مريع فوجدته ينبت من بين غياهب عقلها حيث وقف غيث الذي خرج من بين طيات الستائر المخملية التي تغطي شرفة عمها و عندما وضع عمها يدها الصغيرة بيد غيث الذي ما لمست راحتها كفه حتى نفضها .. صارخاً بألم في وجهها الفارغ النظرات :" لا أريدك أكرهك .." فشهقت بحدة وقامت جالسة وضعت كفها على شفتيها حتى لا تخرج صرخة تجلب لها العار والمذلة والسخرية الكامنة في نظراته .. تلفتت حولها وجدت نفسها بغرفتها .. بدأت أنفاسها اللاهثة تهدأ من صدمتها فيه .. همست بحزن دفين : " حمداً لله أنه كابوساً لو سمعت منه هذه الكلمات كنت متّ فوراً " اللوم يملأ كيانها : " ألم يرفضك منذ ساعات ليتك لم تغضبي فتواجهيه ، بعض المشاكل كلما طفت على السطح تزداد تعقيداً .. آه يا غيث ما بك ؟ وكيف أحادثك بعد ما حدث ؟ لا بل كيف سأستعيدك ؟!"

حلم حياتها بجواره زرعه هو داخل قلب الطفلة وتركها لتغذيه فيكبر داخلها تتوغل جذورة وتتشعب لتملاء كل خلية من خلاياها الوفية له ..كيف يتأتى لها أن تنزعه وتلقيه جانباً وقد ضربها كسرطان استحوز على خلاياها فصار المهيمن عليها .

****

عاقداً يديه خلف رأسه .. شارداً غير مبالٍ بحاسوبه المضاء أمامه ، فتحه ليكمل عمله فيشغل روحه الجريحة عنها .. الوقت !! ليس مناسباً ليشغل نفسه بأي شيء آخر غير عمله .. ظل يفكر بلفظ الوقت والزمن .. إنه يعاندني منتقماً مني لعدم إدراكي أهميته بحياتي ، يقطعني بسيفه الحاد لإضاعتي الكثير منه بلامبالاة بتراخٍ ، تأوه بقوة :" آآآآه لقد أضعت وقتاً كافياً من أيام عمري .. اثنتا عشر عاماً مضت لأعود لأجد الوقت لم يمر عليهم فنلتقي في نفس الموضع .. لقد تجاهلت وقتي وسفهته بسخريتي "

يتعمق بالتفكير والشرود يتساءل لماذا فقد الوقت أهميته بحياته .. بل لماذا فقد كل ما بالحياة معناه وقيمته ولونه بعد صروف الماضي.. يمر شريط حياته أمام ناظريه كفيلم سينمائي بالصوت والصورة ملوناً الماضي بالأكاذيب و الحاضر بالضباب.. فيتلون المستقبل بالسواد الذي يجثم على دقات قلبه وعلى أنفاسه .. أسئلة تدور بعقله هل يعقل أن أباه حدثت له تلك الأزمة بعد أن هاتفه يطالبه بالعودة منذ ست سنوات ولكنه أبى و ردّ رامياً ما يعلمه وعندما أراد أبوه أن يرد مردداً : " أنت لا تعلم شيئاً ! جاهل وغبي إنها .. !".. رفض بشدة وأنهى المكالمة نهائياً .. و أعاد الإتصال بوالده بعد عدة شهور ملقياً له كلمات :" لقد أرسلت إليك توكيلاً خاصاً حتى تنهي موضوع سناريا فأنا أريد الطلاق " وأنهى المكالمة فوراً .. لقد عاد لتلك النقطة :

" سناريا مازلتِ زوجتي !"

وكأن العمر لم يمر وكأنه لم يسافر ..سخرية الزمن منه مريرة مريرة ممتزجة بألم توجع قلبه نزلت دمعة يتيمة ثم عاد ليبتسم و ظل يقهقه كمجنون يهمس لصورة والده المنتصبة على الحائط :" لقد نفذت إرادتك يا سيد معتصم ، لقد قيدتنا بأصفاد ذهبية نارية .. تركتني بمفردي لأدمي قلبها بنفسي ولكن لا تخش شيئاً على ربيبة شمس.. فهي قادرة على تولي أمر نفسها بنفسها .. فابنة أمها قادرة على إغواء شيطان مارق "

*****

وقفت أمام دولابها في حيرة مترددة تختار ثوب من أجل حفل أميرة ، قررت أن ترتدي ذلك الثوب الأسود الذي أجبرتها مها على شرائه رغم اعتراضها فهو لا يناسب شخصيتها و وجدت فيه إهدار للمال فهي لن ترتديه .. إنه يكشف أكثر مما يستر .. أجالت النظر به.. ثم أعادته للدولاب مرة أخرى و عادت فأمسكت به مقررة :" لِمَ لا ؟ فالحفل للبنات فقط .. رغم فتحته الجانبية الطويلة التي تصل للفخذ وظهره العاري إنما أنيق و مناسب لحفل مخصص للفتيات " ارتدته و زينت وجهها ببساطة و تركت شعرها مسترسلاً خلف ظهرها و انتعلت خفا أسوداً عالي الكعب مزين بالكريستالات السوداء كالثوب .. دخلت ناهدة و شهقت بحب ما إن رأتها : " من يراك سيخطيء العروس .. ما شاء الله .. يجنبك الله الأعين الحاسدة ".. ارتمت بحضن المرأة القصيرة و قبّلتها قائلة : " ما حرمني الله منك يا أمي دائماً تدعميني وترفعين من روحي ومعنوياتي ".. ربتت ناهدة على كتف سناريا :" الفتيات بدأن بالقدوم فما رأيك أن يكون الحفل بغرفتك هنا .. حتى لا يحرجهم وجود غيث " أجابت سناريا فوراً :" كما تريدين أمي .. الغرفة كبيرة كما ترين " ردت ناهدة : " أخرجي استقبليهم و أنا سأعيد ترتيب الغرفة سريعاً " اعترضت : " لا يا أمي سأرتبها أنا حتى لا يراني غيث بهذا الفستان " دفعتها ناهدة لخارج الغرفة : " هو في غرفته ولن يراك وحتى لو رآك إنك ربة من ربات الجمال تسرين الناظرين "..

" أنتِ ترينني بعين أم " و داعبت أنف ناهدة و خرجت فوراً و توجهت ناهدة للشرفة ففتحتها على مصرعيها وعدلت من الأثاث الخفيف لتكون حلقة الرقص بمنتصف الغرفة تعلو نظرتها بسمة تخطيط خبيثة ...

انطلقت أصوات الموسيقى الخاصة بالأعراس السريعة الجميلة التي تجعل أي شخص يرقص من فرط التأثر بالموسيقى والمعزوفات والسعادة مع العروسين .. تجمعت فتيات الحيّ مساءاً في غرفة سناريا لعمل حفل صغير وداع لأميرة ولمشاركتها فرحتها ..

قدمت ناهدة مفاجأتها لأميرة .. متخصصة تجميل لرسم الحناء بكل الرسوم الرائعة بدأت بالعروس التي بدت مشرقة و ازدادت إشراقاً وجمالاً بعد الرسوم الرائعة وخلفها كل البنات و ناهدة أصرت على سناريا أن ترسم لها المتخصصة بالحناء و بين رفض وجدال .. رضخت سناريا للأمر واختارت رسمة بسيطة رقيقة قلبين بينهما غصن زيتون متدلى ينتهى بقلب صغير محاط بالأزهار الصغيرة وكأنها تعلن تمنياتها الدفينة بعقلها الباطن أن تكون على وفاق مع قلبه ويمد السلام جناحيه بين قلبيهما .. و جعلت الحناء على ذراعها الأيمن إبتداءاً من أعلى الكتف .. و فرع آخر على ساقها اليسرى فوق الكاحل بقليل ..

رقص الجميع حتى ناهدة التي ظلت تتمايل مع الفتيات .. صدمت سناريا وهي تراها ترقص كما ترقص المراهقات ، أحاطت ناهدة خصر أميرة العروس الفاتنة تارة .. و تارة أخرى تمسك بيدها.. بدت أصغر سناً وهي تضحك بسعادة وسناريا مندمجة تضحك و تصفق وتصفرعلى حركات الفتيات الضاحكة مع ناهدة مما جلب روح السعادة للجميع..

قالت نورا بلؤم وعينيها تخاطب ناهدة بحديث صامت

: " لماذا لا تشاركينا الرقص سناريا هل لأنك سمينة أم أصبحنا لا نصلح لصداقتك منذ صرتِ طبيبة ؟" انقسمت الفتيات لقسمين نتيجة إستفزاز نورا التي كانت صديقة لسناريا وما إن دخلت الطب قررت نورا الإبتعاد عنها لأن نجاح سناريا يذكر نورا بفشلها الدائم ..علا صوت أميرة :" نورا كيف تقولين أن سناريا سمينة ؟! إن جسدها متناسق ومغري يجبر القديس على النظر إليها ... كفي عن غيرتك هذه ..ثم لا تفسدي علينا سعادتنا " اشتعل غضب سناريا من الكلمات المستفزة التي اخترقت أذنيها

توقفت الأغنية السريعة الإيقاع لتبدأ أغنية أخرى ذات إيقاع شرقي ساحر يجعل من يسمعها يتخيل نفسه أنه بطل إحدى الحكايات الأسطورية ...

تقدمت سناريا للأمام بدلال تتمايل بأنوثة فجة تثير حسد الحاسدين لتشق

التجمع النسائي الصغير بغرفتها الكبيرة .. كان الجميع يراقبونها بنظرات مستفسرة لما هي مقدمة على فعله وأميرة تقسم داخلها أن نورا ستبكي من صفعة سناريا .. تقدمت نحو نورا التي ظنت أن سناريا سوف تضربها بسبب نظرات الغضب الناري المشع بعينيها الزيتونيتين لكنهن صدمن جميعاً عندما أكملت سناريا تقدمها وصعدت برشاقة فوق الطاولة الخشبية الكبيرة المتينة الموجودة في وسط المكان التي طالما استعملتها كمكتب وصوتها يعلن التحدي :" ما رأيك يا نورا أنا وأنت فقط نرقص شرقي إكراماً لأميرة وحتى نتشارك صداقتنا كما الماضي .. و لكن من تتعب أولاً سيكون عليها إعداد كيك لكل الفتيات الحاضرات " وافقت نورا سريعاً فهي تعشق الرقص وهو سبب رسوبها فكانت لا تستطيع التركيز في دروسها بسبب ذلك الوله بالرقص وخاصة الشرقي تعشقه بجنون سافر !

رمت سناريا خفيها بحركة سريعة من قدميها برشاقة فحطا على الأرض .. لم تدرك مدى فتنتها في ذلك الفستان الأسود الضيق الذي يمثل جلد ثان مفسراً جميع التفاصيل لجسدها الرشيق فلا يترك مجالاً للخيال .. يجتمع حول جيدها الغض برباط أسود لامع من ذات قماش الفستان .. لا يحتاج المرء للتخيل معه ، رفعت ذراعيها المكشوفتين و رسوم الحناء الحالكة السواد تضيء وتلمع على بشرتها لتزداد بهاءاً تجعل الحناء فخورة لأنها وُضِعَت على تلك الفاتنة.. ابتسمت سناريا لنورا بخبث .. فوراً تغير إيقاع الموسيقى إلى دقات بطيئة ذات نغمات ساحرة .. حركت جسمها ببطء منسجمة مع الموسيقى ..

امتزجت أحساسيها مع الموسيقى لترقص برشاقة ومرونة وخفة فتناغمت مع الموسيقى المنبعثة من مكبر الصوت الصغير للجهاز الإستريو وكأنها أحد هذه النغمات .. نظرت فقط إلى نورا التي جمد وجهها و خلا من الإبتسامة على عكس الجميع الذين كانوا يتطلعون إليها بعيون دهشة .. و لم تدرك أنها توقفت عن الرقص لتشاهد تلك الحورية التي تتلوى كمصدر للفتنة.. تبرق الحنة السوداء على ساقها تارة وعلى كتفها تارات

لكن أحداً لم يلاحظ العيون المتلصصة التي كانت تلتهم جسدها بعيون جائعة من الرغبة مع نظرة جامدة من الغيرة.. كلما تحركت الستارة الشفافة بفعل الهواء التي منوط بها تغطية الشرفة و لكنها تأبى إلا أن تكشف كل ما يدور بغرفتها المواجهة لنافذته ، لسان حاله يهمس شوقاً :" قاتلتي ترقص حافية القدمين بمجرى دمي !! و كأنها تحدثني برسالة .. سوف أرقص على قلبك الصخري يا غيث و سآسرك وسأقيدك وستكون لي إلى الأبد !"..

رقصت و تحركت بخفة غير آبهة بما يظهر من فتحة فستانها التي تصل لفخذها .. لا تدرك بغيثها المتلصص و قلبه يفتخر بملكيته : " ماهذا السحر الذي يحوطها ؟ ما هذه الأنوثة الطاغية ؟ لا ملجأ لي منك يا سناريا .. المجنونة .. رسوم الحناء ! إنها تشع كجوهرة سوداء على قطعة رخامية بيضاء "..

استمرت بالرقص دون أن تكترث بنظرات الجميع .. فقط الإنتصار على صديقتها هو ماتصبو إليه

لم يعد غيث قادراً على تحمل المزيد من إستفزازها له بحركاتها اللاهية التي حبست أنفاسه و جعلت قلبه يخفق بشدة .. سمع صفير لها مصدره الدور العلوي فوجد ولد فوق العاشرة بعده سنوات يتمتع بما يملكه هو.. فاشتعل غضبه .. تقدم بسرعة و تسلط كما الأسد الذي سوف ينقض على فريسته ... كان غاضباً جداً لا بل يغلي من شدة الغضب .. لم يعد يتحمل أن يرى نظرات تلتهم جسدها حتى لو كانت فتيات وهي تقوم بحركاتها التي تثير رغبة الجميع بجسدها المرن الراقص بخفة.. اتجه فوراً من غرفته إلى غرفتها ..دافعاً الباب ليرتد على الحائط محدثاً دوياً قاسياً

سحبها من الطاولة بحركة غير مدروسة لدرجة أنها كادت أن تقع على وجهها لكن يداه القويتان كانتا لها خير سند فحملها و أنزلها كي تستعيد توازنها الذي فقدته من حركته الغاضبة .. جرها خلفه كمن يجر جاريته .. وهو لاهث مقطوع الأنفاس من شدة غضبه و من خطواته السريعة .. وعيون ناهدة تلمع بسعادة وتسلية فخورة توجهها لنورا التي تقابلها بإطلاق النظرات السعيدة التي تحتفل بنحاج مخططهما.. والبنات تنظرن بدهشة لما يحدث بين صديقتهم وقريبها يتهامسن ماذا يحدث ؟ وكيف يجرؤ ؟!

دخل غرفته و دفعها بقوة إلى الداخل مغلقاً الباب بعنف ... كادت أن تسقط أرضاً لولا تماسكها في اللحظة الأخيرة واستعادتها توازنها .. ارتدت إلى الخلف بحركة خائفة وهي تمسد رسغها بألم وتنظر إليه بقلق تداري رجفتها .. لاهثة من الرقص صدرها يعلو ويهبط في حركة متناغمة مع صوت تنفسها بطريقة متتالية الدعوة .. رماها بنظرة راغبة :" هل أعتبر هذه دعوة مفتوحة لي وللجميع بعد عرض الإغراء الراقص هذا ؟" قالت بشجاعة لم تعلم من أين أتت بها وهي تشجع نفسها .. إن كان طريقي إليك عن طريق إثارة غيرتك فليكن وقررت أن تقلد بطلة إغواء بأحد الأفلام فادعت القوة واللامبالاة قررت أن تدخل لعبة الكبار :" ما الأمر يا ابن عمي وزوجي العزيز هل تشعر بالغيرة من نظرات الفتيات ؟" وأردفت مكملة وهي ترفع يديها لتتلهى بأظافرها بحركة غير مكترثة ببركان الغضب الموجود أمامها الذي لم يعد يسيطر على حممه المتفجرة :" لقد رقصت أمام فتيات فقط لأسعد أميرة اليتيمة " نظر إليها غيث بعد أن ارتفع حاجبه بسخرية كبيرة :" وذلك الشاب بالطابق الذي يعلونا ألم ير كنوزك و متع ناظريه برؤية جسدك يتمايل بميوعة فجة سافرة ؟" ردت بقوة ثابتة ساخرة بما يخالف الرعب بداخلها : " هل تقصد وليد ؟؟ هذا طفل في الثانية عشر من عمره ".. ضرب الحائط فوق رأسها بقبضته فلم تحرك ساكناً عكس رعبها الداخلي قررت الثبات أمامه وهو يعلن صارخاً :" أليس من جنس الرجال بحكم شهادة الميلاد على الأقل .. ثم ما هذا التطور الجميل والجريء الذي طرأ على الصغيرة سناريا التي كانت تنكمش خوفاً عندما يصرخ أحد في وجهها ؟ هل تشعرين بالقوة الآن لأني لم ألمسك للآن ولم أقترب منك ؟ أو أطالب بحقوق .. فصكّ ملكيتك بيدي " قررت تركه فتحركت تريد إجتياز جبل الجرانيت البارد ولكنه لم يتحرك من أمامها مازال يحتجزها بين ذراعيه الملامسة للجدار فوق رأسها وهمست ببرود :" قد يكون صكّ ملكية ولكني لست جارية ، أنا عندما اتزوجك سأكون ملكة بقلبك "

اقترب منها وقبض على يديها من جديد : " أنصحك بعدم تقمص هذا الدور القوي بعد الآن لأنك لم تري شيئاً مني بعد إذا كان وجود أمي حولنا يجعلك شجاعة فأنا أحذرك .. فأنتِ لم تري شيئاً من شرّي يا سناريا ، اتقيني كما تتقين جذوة النار المشتعلة "...

واقترب من وجهها وقال بهمس يقطر خبثاً

مسموماً:

" بدا واضحاً أنكِ تفتقدين إلى الإهتمام ، لست بحاجة للرقص و إغراء أحدهم فأنا هنا وبرجولة كل العالم على استعداد لسد حاجاتك الجائعة للرجال " وصلتها إهانته كطعنة تشطر قلبها قسمين وزادها شعور بالإهانة همسه كفحيح سام أمام بشرة وجهها :" أثبتِ لي أنك كغيرك من النساء لا تستطعين التخلي عن العلاقة الجسدية ويبدو أن هجري لك جعلك تبحثين عن فرص أخرى "

شهقت بقوة و إشمئزاز من كلامه الوقح الغير أخلاقي وجرحه لكبرياءها الذي وصل لحد الإهانة وقررت أن ردها يجب أن يكون قوياً فعالاً لن تكفيها الكلمات.. لم يمهلها أن ترفع يدها لتصفعه ، أمسك بيدها المرتفعة عالياً و أنزلها بجانبها ولم يفلتها ثم وضع سبابته على شفتيها التي انفرجت قليلاً فقاطع كلمات وقحة كادت تصيبه بها وقال وهو يقرب وجهه أكثر وأكثر منها :" هششش .. لا تقولي شيئاً .. لا أريد أن أسمع صوتك .. أنا أشعر بالإشمئزاز عندما أسمع صوتك الراغب "

كان يخدعها بل يخدع ذاته فقد بدأ يحس بمشاعر تملكية غريبة تجاهها .. نسي الماضي ونقمته عليها .. نسي جميع مخططاته لإقصاؤها بعيداً عن حياته .. بل نسي كل شيء.. تقدم نحوها فرجعت إلى الخلف بسرعة لتجد شيئاً تحتمي به لكنه حاصرها على الجدار و انحنى ليقبلها فأغمضت عينيها و أطبقت شفتيها بقوة و خوف لدرجة صارت خطاً مستقيماً !!

انتهى الفصل

روايات بقلم إيمان عمر (Just Faith)

جروبي على الفيسبوك: القلم وما يهوى!

صفحتي على الفيسبوك: القلم وما يهوى!


Continue Reading

You'll Also Like

81K 3.1K 53
أودعت إليك حبًا مُزخرفًا بالورود كلما أوشكت أوراقه على الذبول سقيتها من فيض مشاعري بينما مننت عليّ بنظرة بئس القلب الذي أحبك
5.1M 152K 103
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
412K 4.3K 31
قلوبٌ عصيّة هي ... قلوبٌ رفعت رايةَ العصيانٍ عاليةً، واحتمت خلف آلافِ المتاريس، عصيّةٌ على الفتحِ كقلعةٍ أثريةٍ شامخة، بروجُها المشيّدة تشق عنانَ الس...
7.3K 122 17
لاتسألينى عن سنين حياتى هل عشت بعدك حائر الزفرات انا ياابنة العشرين كهلا فى الهوى انا فارس قد ضاع بالغزوات والحب يادنياى حلم خادع قد ضعت فيه كما ضاع...