نيـوتروبيـا

Por Die-Nacht

268K 18.5K 24.1K

"أعطـني لأعطـيك" هـذه قصـة الطـفلة التي اعتمدت هذا القانون كحل وحيد وأوحد للنجـاة في عالمـها المشـوّه. هي تل... Más

-1- بداية السقوط
-2- مجمع القطب
-3- مصيدة الثعلب
-4- كهرمان
-5- خلف جدرانهم العالية
-6- الحرب
-7- رائحة دم
-8- إكصاص
-9- شِقاق الزهور
-10- السرداب
-11- عيون الصقر
-12- سيلست غولدن
-13- سليل السلف الأول
-14- هذا وذاك
-15- شتاء بحلة الخريف الأحمر
-16- صندوق زجاجي
-17- مشارف الموت
-18- لاشيسيا
-19- دموع شارلوت
-20- سمفونية أبواق الهلاك
-21- لأجلكِ أيتها الفاوانيا
-22- بئر من الأوهام
-23- رؤى
-24- رسائل السلام
-25- أونوس
-26- أضواء باهرة
-27- آل والثعلبة السوداء الصغيرة
-28- قمر حقل البنفسج
-29- خزف
-30- الدرجة رقم سبعة عشر
-32- بركة الملح
-33- قلوب بلا عيون
-34- أحضان الشمس الدافئة
-35- شتاء ديستوبيا الأخير
-35.5- ومضة
-36- ربيع الأرض الجديدة
-37- واجبات الحرس
-38- الكناري الصامت
-39- شبكة من خيوط الماضي والحاضر
-40- أجيال
-41- تمرد الوحوش
-42- الشمس والقمر
-43- خلف مخمل الستار
-44- رماد عينيه
-45- سالب
-46- سم وعسل
-47- شيطان
-48- براءة عذراء
-49- زهرة النوكس المشؤومة
-50- حنين للحنان

-31- دماء ورثاء

4.4K 406 515
Por Die-Nacht


شارلوت وجدت جسدها يندفع تلقائياً ناحية مصاصة الدماء بلا تفكير. دفعت بقدمها في معدة ماشميا وطرحتها أرضاً ليتشقق الرخام من أسفل جسد تلك الصغير.

قبضت كفيها وصكت أسنانها في محاولة لابتلاع المرارة الغريبة التي ارتفعت في حلقها. لما علها تغضب هكذا على شخص لم تعرفه حتى؟!
"سأقتلكِ هنا والآن إن لم تقومي بتبرير الهراء الذي تفوهت به للتو."
تحدثت شارلوت من أسفل أنفاسها بحدة.

"أنصح جلالتكِ بأن تهدأي قليلاً وإلا سيكتشف فخامته أنكِ مستيقظة ولم تخلدي للراحة كما ادعيتِ."
ماشميا نبهت بغمزة وشارلوت زفرت ببطء حين أردفت تلك بانبهار:
"اكتشفتِ شيئاً مما يمكن لرابطة الدم بينكما فعله، هذا يعني أن جسدكِ في طريقه للتماثل للشفاء سريعاً."

"هو استطاع معرفة أنني استيقظت دون أن يلمحني حتى، كما أن لمساته، صوته وحتى عبقه..."
ابتعدت شارلوت خطوتين عن ماشميا وتنهدت الشعور الغير مألوف والذي نفخ صدرها.
"لا يوجد تفسير أخر. الرابطة المزعومة بيننا...حقيقية."

بدأت ماشميا بالتصفيق بيديها لتجلب بصر شارلوت التي وجدتها على ساقيها القصيرتين مجدداً.
"هذا صحيح. دماء جلالته تجري في عروقكِ، قدم لكِ نصف روحه، سيشعر بحضوركِ ومشاعرك الفياضة ومن المفترض أي يكون العكس صحيحاً."
شرحت ماشميا.

"مشاعره تقولين...لست أشعر به حقاً ولا بها."
لهثت شارلوت بسخرية أما ماشميا فعقدت كفيها أمامها مستفسرة:
"ما الذي تخططين لفعله جلالتكِ؟"

"شيء سأبقيه لنفسي حتى تبرري نفسكِ...وقتكِ ينفذ."
شارلوت هددت وماشميا تنهدت أخيراً قبل أن تبدأ بالسرد:
"السلف الثاني جيفرسون امتلك هبة الصوت التي يسمح من خلالها لنفسه بالتلاعب بذكريات وأفكار الشخص الأخر والتحكم به عن طريقها، ولتنفيذ هدفه كان لابد من استخدام مصاص دماء قوي يستطيع الوصول لعنق الملكة وبذات الوقت بجانبها على الدوام."

"لما سعى نحو الملكة سيلالينا بالذات وكيف؟"
شارلوت سألت مستفسرة والخادمة الصغيرة جلست على ساقيها أرضاً قبل أن تجيب بهدوء:
"كان خسيساً فاستغل علاقة الملكة الطيبة بشقيقتها الأصغر سيلست والتي كانت زوجته كما تعلمين سلفاً ليصل للقرب الكافي الذي يسمح له بالعبث بمن حولها بخفة وعلى مهل. أيضاً هو لم يكن نداً للملك ذاته أو حتى أتباعه. استعمل حسن نيتها ودماثة خلقها."

"ثعبان يخنق عصفوراً ذو أجنحة."
عقدت شارلوت ذراعيها أمامها وعينا ماشميا ارتفعتا نحوها بفضول عما قد يكون يجري في خلدها بحق.
"أكملي حديثكِ."
أمرت وتلك أخفضت رأسها باحترام.
"أنا لا أعتبر نفسي ضحية لكن خادم فشل بأداء واجبه حين تمكن مني. هذا كان عيب جميع الرعايا من مصاصي الدماء. الجميع يمكنهم استعمال هباتهم علينا والوحيدون الذين لايتأثرون أو لا يسهل التأثير عليهم هم أفراد العائلة الملكية والسَلف إذ أن معظم هذه الهبات مُنحت من سلالاتهم بالأصل."

"أنا لا أصدق أنني استطعت قتل الملكة فهذا شبه مستحيل، قوانا في مستويات مختلفة ولا أعرف ما حدث بالضبط، وكل ذلك غدا غير مهماً لاحقاً إذ أنني حين استيقظت من غيبوبتي ملكتي كانت قد رحلت."
يدا شارلوت هبطتا لجانبها ما أن رأت دموعاً بلورية تتدحرج على وجنتي ماشميا رغم أنها كانت تبتسم حين رفعت رأسها ووضعت كفها ناحية قلبها مردفة:
"يجب أن أجثو على ركبتاي أمامكِ وأطلب مئات المرات أن تصفحي عني قبل أن أجرؤ على أن ابتغي مرافقتكِ."

اقتربت شارلوت منها بملامح مدهوشة قبل أن تجلس على مقعدها مجدداً بتعب قائلة بشيء من التفهم:
"أظن أنها سمحت لكِ بقتلها لكي لا تقتلكِ وهي مرغمة."

ماشميا راقبت بصمت وبملامح ضائعة شارلوت تردف:
"هي كانت طيبة وهشة على ما يبدو، وأنتِ هنا تذرفين الدموع لأجلها. لم تكوني مجرد أداة استعملتها، لذا لم تستطع قتلك وفضلت التضحية بنفسها لأجلكِ، لأجل خدمها ومرافقيها الذين تم العبث بعقولهم."
أسندت شارلوت بمرفقها لساعد كنبتها المريحة وضيقت عينيها برغبة مفاجئة اجتاحتها تصبو لرؤية الملكة السابقة والتعرف عليها. لم تعتقد أنه يوجد مصاص دماء بمثل هذه الرقة والسذاجة التي قد تحمله على التضحية بنفسه وشريكه بالآن ذاته لأجل مجرد...أتباع. أشخاص تستطيع استبدالهم في رمشة عين.

عيناها إنزلقتا للأسفل بسرعة حين جثت ماشميا أمامها على ركبتيها بقبضة مشيرة ناحية قلبها تحدثت بجدية:
"اقتليني يا جلالتكِ."

"هذا ليس ما أود سماعه بحق."
شارلوت أجابت طلبها بنظرة فارغة.

ماشميا نظفت حلقها بتوتر، أناملها الصغيرة ارتعشت حين أسدلت أهدابها:
"لقد مر يوم كامل بالفعل والشمس تتجه غرباً، ماشميا كلارنيس تطلب باحترام وتواضع كبيريين أن تكون حارسة ظلال الملكة الحادية والعشرين لمملكة مصاصي الدماء شارلوت لاشيسيا."

شارلوت راقبتها بصمت ثم هزت رأسها بقلة حيلة، ليس وكأنها قبلت بأن تكون الملكة لكن تلك نسبت اسم العائلة الملكية لها دون تردد.

شعور مبهم اختلج فؤادها عندما أدركت أنها لم تكتشف لقبها الحقيقي حتى.

أن تحمل لقباً لهو أمر يولد شعوراً عظيماً بالإنتماء، شعرت بذلك من خلال جسدها الجديد. كانت دوماً شارلوت وحسب، لم تعتقد أن الأمر سيكون له مثل هذا الوقع المختلف.

"افعلي ما يحلو لكِ."
وجدت لسانها يتحرك بتثاقل وماشميا نظرت لها بشيء من الدهشة في مكانها مستنكرة:
"عفواً؟"

"أنا لا أريدكِ أن تعامليني كملكة لأنني لا أريد أن أكون واحدة، وإن كنتِ لا تمتلكين شيئاً أفضل لفعله فارحلي بعيداً عن القصر."
تحدثت شارلوت وهي تتكور بجسدها على الكنبة معطيتاً ماشميا ظهرها قبل أن تردف بصوت خافت أخيراً:
"إن كنتِ تفهمين ما أعني فاتركيني وحدي الآن."

"الملك السابق لم يبقي على حياتي شفقتاً علي بل لأجل رغبة ملكته. حُكم علي بأن ألقى نصيبي العادل من قبل ملكتي القادمة وجلالته هيروزيوس ينتظر حكمكِ بالمثل. لا حاصر ولا مستقبل لي دونكِ."
ماشميا تحدثت فجأة بإلحاح وشارلوت فتحت عينيها تحدق بالفراغ أمامها بصمت.
"إن كنتِ لا تجدين لي داع فأرجوكِ أمري بدق عنقي."
ماشميا استطردت وصوتها كان حازماً بطريقة منعت شارلوت من تجاهلها ببساطة.

"لا يحق لي إصدار حكم كهذا. اغربي."
زفرت من بين أسنانها وماشميا حدقت بوجه فارغ بلا فهم، تحاول أن تستشف خطب ملكتها بالتفصيل. أومأت بصمت ثم انحنت قبل أن تثير نسمة دافئة مختفية من بقعتها التي أمست فارغة.

شارلوت استلقت في مكانها شاعرتاً بدفء النهار يتلاشى وبنوره يختفي. رغم أن الشمس لا تشرق هنا بحق إلا أن لها حضوراً مميزاً، هي بدأت تتفهم هذه الرغبة التي يشعر بها لوكسياس، عدا ذلك لا شيء أخر واضح منه.

تنهدت لتنفض به بعيداً عن غمامة أفكارها فلاحظت أن الحاسة الوحيدة التي تستطيع استعمالها بحرية هي سمعها، ومما اكتشفته عن نفسها الجديدة بأنها قوية فهي استطاعت سماع ما يدور في محيط جناحها من كل الجهات بسهولة وحتى التقاط مواطئ الأقدام البعيدة.

القصر كان مكتظاً اليوم فقد استطاعت سماع خمسة عشرة إيقاعاً مختلفاً، حيث صدر كل وقع عن شخص معين.

وعم الهدوء أخيراً.

هي يجب أن تخرج من القصر الليلة. الآن.

نهضت من مكانها على مهل ثم اتجهت نحو الشرفة لتفتح بابها الزجاجي على مصراعيه. رمت بنفسها للأسفل دون التفكير مرتين فتوازنت في الهواء وهبطت على ساقيها بخفة وكأنها كيان لا وزن له. اتجهت نحو الغابة وخطواتها كانت مدروسة هذه المرة تعلم اتجاهها عكس الفائتة.

حين كانت الأوراق الحمراء تتمزق أسفل قدميها وتندمج مع الثلوج التي مازالت تفترش الأرض أذناها كانتا تستمعان لكثير من الأصوات الأخرى.  أصوات الكائنات التي تسكن الغابة كانت كلها موحشة لم تكن تسمعها عندما أتت في البداية بجلاء، لكن الآن كلها واضحة، تأن بغضب قبل أن تتراجع للخلف خوفاً من أحدهم، أو ربما من ملكتهم.

القصر القديم الذي نزلت فيه سابقاً والمعزول في وسط الغابة لم يتغير شكله أبداً، لكن عندما دفعت الباب وخطت الرخام شعرت بشيء من الدفئ، خاصة عندما وقعت عيناها على غرفة المعيشة الكبيرة والمدفأة التي كانت تجلس بجانبها منذ فترة ليست بطويلة جداً.

تسلقت السلالم نحو تلك الغرفة التي قضت ليلتها فيها محدقة بالقمر لساعات طوال قبل أن تسقط نائمة على السرير الصغير ظناً منها أنها أخر ليلة ترى عيناها فيها القمر.

وعيها عاد للحاضر عندما هبط بصرها على ملابسها الموضوعة -كما تركتها- على طرف الفراش.

تقدمت منها وهي تخلع فستانها المبهرج عن كتفيها تاركة إياه ليقع أرضاً ومن ثمة التقطت قميصها القديم لترتديه أعلى بنطال الجينز الأسود. كانت الملابس قصيرة وأضيق عما اعتادته فلاحظت أخيراً أن جسدها كان قد نمى وامتلأ. وهذا منطقي فبسبب المرض كان هزيلاً وذو عظام بارزة، كانت تخفي كل ذلك بالمعاطف الكبيرة لكنه الآن قوي متماسك ذو جذع مثالي وراسخ. في قلبها، أرادت القوة والجمال كأي أنثى لكن ليس بهذه الطريقة.

وضعت حذائها الجلدي الذي رافقها لسنوات في قدميها ثم جمعت خصلات شعرها التي أصبحت أطول لأول مرة منذ زمن بيديها على شكل ذيل فرس.

لطالما كان ذلك العجوز الطيب يفعل ذلك لكن بطريقة عشوائية ومبعثرة كحالتها آن ذاك. تكره الاعتراف لكنها كانت فعلاً كالقطة الشريدة التي لا مأوى لها في منزله.

من النافذة تسلقت سطح المنزل بسهولة لتمسح محيطها الفارغ سريعاً قبل أن تقف معاكسة للنسيم تستمع للأصوات الخافتة التي حملها تداعب أذنها.

لم تجده هنا لكنه سيكون قريباً بالتأكيد.

إنزلقت من على السطح وقفزت للأسفل تتبع مصدر الهمهمات الخافتة بحذر لأنها ليست بالمرة الأولى التي تسمعها.

خطواتها أصبحت أسرع حين بدأت الأصوات المتناغمة بالعلو حتى خرجت من بين الأشجار الخريفية على بحيرة متوسطة الحجم انعكس نور القمر عليه متسبباً بإنارة الأحجار الكريمة التي احتوتها جاعلاً إياها تلتمع مثل جواهر مضيئة وسط الظلام، لكن ما استدعى بصرها كان التجمع عند طرف البركة.

عدد غير معلوم من تلك الكائنات جميلة المظهر الصغيرة والرقيقة كانت متحملقة حول شيء، بل شخص ما. يغنون بصوت واحد منسجم يطرب الآذان ويسحرها، لكن بعكس المرة السابقة لم تشعر بأنها منومة بل كانت واعية تماماً بما حولها.

عندما خطفت خطواتها نحوهم توقفت عنوة مجدداً ما أن لمحت إيدغار جالساً في المنتصف وبعينين مغمضتين كان يشاركهم الغناء.
لقد شعرت بالإختلاف منذ أول مرة وصل الصوت لأذنيها.
تلك الكائنات تمتلك صوتاً أنثوياً حنون لكنه تماشى بطريقة غير متوقعة مع صوت إيدغار الذكوري والذي حمل بحة مميزة خافتة ومليئة بالمشاعر التي يمكن وصفها بمظلمة.

عيناه الذهبيتان ظهرتا من بين رموشه الثلجية عندما ألقى نظرة مباشرة نحوها ثم أغلقهما مجدداً ليبدأ صوته بالإنخفاض منهياً كلماته مبهمة المعنى بتنهيدة.
الكائنات حوله بدت كمن استفاق من غيبوبة حيث بدأت بالهسهسة بقبح ترافقاً مع تغير هيئتهم.

قفز أحدهم ناحيته ليقوم إيدغار بإمساكه من عنقه، ودون أن يغير من وضعيته أو أن يبذل أي جهد يذكر حطم عنقه ليتحول الأخير لرماد.

البقية بدأوا التراجع ببطء للخلف ولكن رغم ذلك هسهساتهم المهددة لم تهدأ، يدعون القوة وهم بلا حول.
رأسه مالت نحوهم وببرود تحدث:
"ارحل، أيها القبيح."
ومن دون أي إضافات كانوا جميعهم قد استغلوا الفرصة وفروا هاربين نحو الغابة ليختفوا بين الأشجار ويعم الهدوء.

"انظروا من حضر للزيارة..."
تحدث إيدغار بعلو وهو ينهض من مكانه على مهل قبل أن يتجه بجسده نحو شارلوت ويدخل يديه في جيبي بنطاله مردفاً بابتسامة باهتة:
"الأميرة حضرت لزيارتي، إنه لشرف."

نسمة باردة هبت وهي آثرت الصمت مشاهدة إياه يقترب منها بخطوات كسولة مسترسلاً:
"أنتِ لم تجيبيني، لكن أجل، بالطبع! يالي من شخص متبلد ووقح. أنت لن تجيبي لأنكِ لستِ بأميرة بعد الآن..."
توقف على بعد متر واحد منها وعيناه مسحتا هيئتها سريعاً قبل أن تتسع ابتسامته وينخفض بجذعه لطولها مستطرداً بهمس:
"أنتِ أصبحتِ ملـكة بالفعل."

"أحتاج مساعدتك."
قالت عبارة واحدة تختصر فيها هدفها من القدوم إليه ليرتفع حاجباه بشيء من الدهشة فلم يتوقع أن يسمع مثل هذه الكلمات منها وأجاب:
"لما لا تطلبين من ملككِ العزيز فلا أظن أنه سيرفض طلباً لكِ."

عقدت يديها أسفل صدرها مجيبة بتهكم:
"في الواقع أنا هاربة منه حالياً."
لسبب ما أخبرته.

"تريدين خيانته؟ رائع! أنا في الخدمة."
قال وهو يستقيم مجدداً بمرح واستهزاء إمتزجا معاً لتعقد حاجبيها بالمقابل وتقول من بين أسنانها:
"أنا لا أمزح إيدغار."

"ولا أنا..."
قال بعيون ناعسة وهو يدور حولها متأملاً إياها بإنبهار مصطنع قبل أن يردف:
"قد يبدو هذا مبتذلاً لكن..."
يداه التفتا حول جذعها من الخلف وأسند فكه لكتفها مستطرداً بهمس:
"لو علمت أنكِ ستصبحين فاتنة للألباب كمصاصة دماء هكذا لكنت قد حولتكِ بنفسي منذ زمن وجعلتكِ ملـ..."
لم يستطع إنهاء جملته حين شعر بجسده يتحطم ضد الأرضية حيث قامت شارلوت بالإمساك بعنقه بقوة وقبضة مرتجفة قائلة بتهديد:
"إياك وأن تلمسني هكذا مجدداً."

"لكن ماذا أفعل؟ فأنا أكرهكِ للغاية."
تمتم بصوت خافت منهياً ما بدأه قبل أن يلهث بسخرية ويردف مغمضاً عينيه:
"فلتعودي لقصركِ أيتها الملكة فأنت تلقائياً -ولو كنتِ لا تشعرين بذلك- موالية لرغباته، لا تستطيعين فعل أي شيء قد يؤذيه أبداً."

"لست هنا لأطلب منك أذية هيروزيوس لأنك لا تستطيع... لا أحد يفعل. لا أستطيع أن أسمح بذلك."
همست بنهي وهي تنهض مبتعدة عنه ناحية ضفة البحيرة تاركة إياه يستقيم ممسداً عنقه وهو يقول:
"هذا قاس، أنتِ تسيئين تقديري."

"بل على العكس تماماً."
تحدثت شارلوت وهي تحدق بأمواج المياه التي يحركها النسيم تعقد يديها خلف ظهرها لتستطرد:
"قد لا تستطيع مواجهة هيروزيوس أو أن تكون نداً لزافير ولوكسياس لأن هباتهم مميزة وخبراتهم تجعلهم أقوى منك، أنت مجرد فتى طائش أستطيع معرفة هذا، لكنك أقوى من أي أحد أخر عدا إياهم، ولذلك أنا أتيت لك أيضاً، فبعكسهم أنت لا تستطيع رفض طلبي."

"الآن أشعر بالإطراء لكن، أوليست الملكة أقوى بكثير، لما قد تحتاج شخصاً مثلي؟"
سأل وهو ينهض نافضاً الأتربة عن ملابسه ليبتسم بخبث حين أجابت:
"أتظنني ساذجة؟ أنت تركتني أطرحك أرضاً عن عمد، أكره الإعتراف لكنني ضعيفة."

إستدارت نحوه بنصف جذعها وعيناها برقتا حين انكسر نور القمر على سطح مياه البحيرة وارتد نحوهما قائلة:
"أياً كان، أنت لن ترفض عرضي فهو مغرٍ أكثر مما تتصور."

"أسمعكِ."
قال رداً وهي عرضت كفها عليه بابتسامة جانبية تاركة أنيابه تظهر من أسفل ابتسامته العريضة حين أردفت:
"ما رأيك بإقتلاع بعض الحناجر التي تصدر أقبح الأصوات؟"

.
.
.

قام برمي حصاة صغيرة والتقطها مجدداً عدة مرات قبل أن يثني ساعده ويرميها بقوة ناحية البناء المقابل الذي ما أن اخترقت الصخرة النافذة حتى تداعى الجدار بأكمله وتناثر غبار أحجاره ليتطاير مع النسيم.

أطلق إيدغار صفير قصير متفاجئ يعبر فيه عن عدم توقعه ذلك قبل أن ينظر خلفه ناحية شارلوت قائلاً:
"هذه الأبنية تأخذ حيزاً من المكان وهي بلا قيمة."

"بل إنها قيمة، في الواقع المبنى الذي قمت بتشويهه للتو عمره أكثر من مئتي سنة، والبشر يعدونه كنزاً."
علقت ماشيميا جاعلة إياه يحرك بصره بترقب نحو الثانية بإنتظار ردة فعلها.

"كان كذلك."
غمغمت شارلوت قبل أن تتخذ عدة خطوات ناحية الحافة مناظرة الأضواء التي نشرها المجمع أعلى جدرانه منيراً شيئاً من ظلام الليلة قبل أن تجلس للحافة الحجرية دون أن ترفع عينيها عن ذلك المشهد.

"ما الخطة أيتها الملكة؟"
سأل إيدغار من خلفها مشدداً على أحرف كلمته الأخيرة لتجيب دون أن ترمش:
"ننتظر."

"هذا ممل، أريد أن أرى بعض الدماء الآن."
تذمر وهو يركل حصى أخرى بعيداً لتقول ماشميا من جهتها عاقدة يديها خلفها بجدية:
"إن لم تستطع الصبر فارحل. أنت أثرت ضجة نحن في غنى عنها بالفعل."

"أولاً، الملكة من طلبت مساعدتي."
رفع سبابته ثم بنصره ليردف بابتسامة هازئة:
"ثانياً، لا أعرف لما مازلتِ أنتِ حية. الخادم عندما يخذل سيده لمرة يصبح بلا فائدة فما بالك بمرافق ملكي قتل سيده."

قبضة ماشميا اشتدت على يديها وعيناها الداكنتان أظلمتا أكثر فحسب جاعلة إيدغار ينظر لها باستمتاع أكبر قبل أن يشهق نفساً جديداً مستعداً للكلام إلا أنه تم إيقافه بفعل شارلوت التي همست:
"اصمتا."

الهدوء عم.

"أمسك بالمتسلل."
أردفت بعد لحظات معدودة من الصمت وماشميا كانت بالفعل قد اختفت قبل أن يطرح جسد ما السطح واقعاً عند أقدام إيدغار الذي قال:
"هناك الكثير منهم جلالتكِ، هل أمسك بهم؟"

شارلوت كانت قد نهضت ووقفت أمام مصاص الدماء الذي ارتدى ملابس الجنود يتراجع للخلف بخوف واضح على تعابيره المصدومة وهو يهمس:
"ملكة...!"

"من الأفضل أن تركع جيداً أيها الجرذ."
هدد إيدغار وماشميا ظهرت مجدداً بجانب شارلوت التي تحدثت مع مصاص الدماء سائلة:
"منذ متى وأنتم تتجولون حول المجمع؟"

"أسبوع جـ جلالتكِ!"
هتف مصاص الدماء مجيباً بخوف وهو يخفض رأسه أكثر للأسفل فحسب قبل أن يسمع شارلوت تسأل مجدداً:
"من يقودكم؟"

"السلف الخامس زاريدا!"
أجاب بذات النبرة لتعقد حاجبيها مغمغمة:
"زافير هنا؟"
يبدو أن هيروزيوس قد ترك زافير ليعتني بالأمور لكن ما أن يعلم أنها خرجت سيأتي بنفسه هنا أيضاً على الأرجح.

لوكسياس قال بأن الأمر سيكون سيئاً لذا قد يمنعها من الإنخراط بهذه الأحداث، مؤكد، لكن مايؤرقها هو إلى أي مدى سيكون ذلك سيئاً أو دموياً.

أيضاً، هي ليست متأكدة من حدوث شيء الليلة بالذات، أتستمر بالهرب من هيروزيوس أم تعود معه لمحاولة إقناعه حتى الليلة التالية؟

"هؤلاء المزعجون كثيرون هنا، وأنا الذي ظنّ بأنه سيحصل على المرح لنفسه!"
تذمر إيدغار بصوت عال قبل أن يمسك مصاص الدماء من ياقة قميصه ويرفعه للأعلى مستعداً لغرز أظفاره في قلبه إلى أن سمع صوت شارلوت تقول:
"فالتدعه وشأنه."

"هيا أيتها الملكة!"
تهكم وجهه هذه المرة وهو يرمي مصاص الدماء أرضاً قبل أن يهدده بنبرة خافتة:
"إن أخبرت أحداً عنا فسأمزقك لأشلاء."
ثم تركه ليفر الأخير بخوف ويختفي مع النسيم.

"مصاصو الدماء يحيطون بالمجمع لكن يبدو أن البشر لم يلاحظوا ذلك."
تحدثت ماشميا ناظرة نحو شارلوت التي بدا عليها التفكير قبل القول:
"هل نحن بمأمن من العيون هنا؟"

"لن يلاحظنا أحد، ذلك الجندي كان شاذاً عن المجموعة، لابد أنه يبحث عن دماء ليتغذى فحسب فعيناه كانتا غائرتين."
أجابت ماشميا مجيبة قبل أن تبتسم مردفة:
"هذا دليل على أن وحداتنا تمركزت منذ أكثر من أسبوع حول المجمع."

"إن كان ذلك صحيحاً فمصاصو الدماء يستخفون بالعدو. ليسوا بقواهم الكاملة وسيتم تحطيمهم فحسب، والبشر يسهل قراءتهم، إن علموا بأن مصاصي الدماء يحمونهم فسيتراخون. من سيخسر أولاً في هذه المعركة هم مصاصو الدماء والبشر. كما أن عدونا مجنون، ماكر، بلا قلب، مخبول لا أحد يستطيع توقع ما قد يفعله."
وقفت هناك باستقامة تحدق بالأفق فمر الوقت سريعاً. نهار يتلوه ليل. لم تشعر بالتعب أو تفكر به حتى فبدت كتمثال للطيور التي وقفت على أكتافها وأنشدت كل حين.

الليل حل مجدداً ورياح عاصفة شرقية قامت برفع شعر شارلوت في الهواء.
"أحس بشيء كبير يقترب."
تحدثت لأول مرة منذ فترة فشعرت بحضور مرافقيها خلفها.

غمامة من الغبار لاحت في الأفق من بعيد تتجه بسرعة نحوهم وكلما تقلصت المسافة بينهم وبينها حتى بدا حجمها يكبر أكثر فأكثر ببساطة لأن صانعيها كانوا يدمرون كل شيء في طريقهم.

عدة متحولين يرتدون ملابس جيش البشر العسكري مرّوا بهم بوجوههم الفارغة ليعلم الجميع كيف اختفى الخمسون شخصاً لكن إيدغار وماشميا تجاهلوهم بقول شارلوت:
"شيء أكبر أتٍ."

عدة كلاب برية بعيون حمراء عبرت هذه المرة من بين الأبنية وقد كانوا يحملون أشياءً لم تستطع معرفة ماهيتها على ظهورهم، رائحتها المألوفة جعلتها تتراجع خطوة وتنظر لهم يتقدمون ناحية البوابة بضيق.

"وصل ما كنا ننتظره جلالتكِ."
تركيزها عاد لها عندما تحدثت ماشميا والغمامة بدأت بالتقطع والتحول لأخر أصغر تفرقت كائناتها من كلاب لذئاب وحيوانات مختلفة بأنواعها، أشكالها غير طبيعية كالعادة بل وبدت أسوأ، يتم اقتيادهم من قبل المتحولين بعشوائية.
لقد توقعت استعمالهم للحيوانات البرية لكن لم تظن أن الأخيرة مطيعة هكذا لهم.

"أمر ما خاطئ."
همست شارلوت بحيرة حقيقية وهي تنظر مجدداً ناحية الجدار وتحديداً ناحية البوابة التي تم تفجيرها وتحولت لمعبر ممهد للداخل.

"هكذا فقط؟!"
تمتم إيدغار بحاجب مرفوع وشارلوت أضافت أخيراً باستدراك:
"تلك الكائنات كانت تحمل متفجرات! تلك كانت رائحة البارود!"

دون أي إضافات كانت قد قفزت من على الحافة ناحية البناء الذي يليه ثم للأسفل متجهة ناحية المجمع بأقصى سرعة لديها.

ضربات قلبها أخذت تدق في أذنها كنواقيس الخطر، وكأنها تخبرها بأن جسدها ليس مستعداً للقتال بعد.

هي تعلم أن هذا سيء وله عواقبه لكن لا خيار الآن ويجب أن تفكر بما هو أهم.

لايجب أن تظهر للبشر وفي الآن ذاته توقف أكبر قدر من هذه الكائنات.

الدماء كانت تتطاير على وجهها مع كل كائن كانت قد مزقته بأظفارها الحادة بسهولة حين راحت تنظر حولها بحنق باحثة عن قائدهم.

هذه المرة ستقتله!

الغضب والسخط في قلبها سيطرا على تصرفاتها، ورفضت الإنصياع لضعف جسدها.

رغبة الانتقام غدت أقوى وأكثر جموحاً.

.
.
.

في المجمع كانت صافرات الإنذار تدوي بالفعل والجميع يركضون لحمل أي سلاح قد يساعدهم على محاربة الغزاة.

أظفار آلان الحديدية أمسكت بمقدمة بندقية جايدن التي كانت مصوبة نحو كلب مسعور يركض ناحيتهم.

"ماذا تفعل؟!"
هتف جايدن بحدة وذاك نظر له بوجه تغطى بالدماء وعيون تناولها السوداء مجيباً:
"تلك الكائنات تحمل باروداً، أي شرارة صغيرة ستساعد على تفجيرها فقط."

أخفض جايدن سلاحه بنظرة مستنكرة وهو يراقب المتحولين يتخطونهم ببساطة كمن يبحث عن هدف معين سائلاً بغير صبر:
"إذاً؟"

قفز الكلب نحوهما ليمسكه آلان من عنقه ويطرحه أرضاً قبل أن يغرز أظفاره في جسده ليصبح مجرد جثة لا حياة ويجيب:
"انشر الخبر، يجب أن نستهدف نقاطهم الحيوية بنصل ما، نقاط ضعفهم، أنا سأتقدم وأحاول سد الثغرة الأكبر!"
ما أن قال جملته الأخيرة حتى بدأ بشق طريقه من بين الكائنات التي استطاعت الفرار حتى البوابة. ضغط جايدن على أسنانه وأعاد بندقيته على ظهره قبل أن يبدأ العدو باتجاه مختلف. يجب أن يغلقوا البوابة بطريقة ما، فإن دخل مقدار معين من تلك الكائنات المحملة بالمتفجرات فسينتهي أمرهم كلهم بسرعة.

خطوات آلان توقفت بدهشة حين سمع من بين أصوات العويل ضحكات مجلجلة، مستمتعة بما يجري ورغم أن الدماء كانت تغطيه بالكامل وصبغت خصلاته البيضاء إلا أنه استطاع استدراك هوية ذلك الشخص الذي كان يمزق كل من الحيوانات بوحشية ومن دون تفكير.

الأظفار الطويلة احتكت بأصابعه الحديدية فجأة حين هاجمه الأخير بلا سابق إنذار جاعلاً إياه ينزلق بضعة مترات للخلف مستعداً للمزيد.

ابتسامة إيدغار سقطت من على وجهه حين استطاع تذكر ملامح وجه آلان. سار عدة خطوات نحوه وأمسك بفكه جاعلاً إياه ينظر له بحاجبين معقودين بشدة حين قال:
"أنا أعرف هاتين العينين."
عيناه انخفضتا حد عنقه بنظرة ديقة وأردف:
"هذه الدماء أيضاً."

كفه الحر امتد لخلف رأس محدثه ليقوم بغرز أظفاره في عنق كلب كان قد قفز نحوه ففلق جسده لقسمين تماماً بتلويحة واحدة من ذراعه.
"من الأفضل أنك تعرف ما تفعله هنا حيث أن مصاصي الدماء أيضاً يتعرضون للذبح."
أردف.

آلان ابتلع ما تكون في فاهه بصعوبة وهو يرى مصاص دماء من خلف الأخير يتم نهشه من قبل ذئبين سريعاً قبل أن يتوجها نحو غيره. عيناه نظرتا في وجه إيدغار الذي ابتسم إيدغار برضى حين أجاب الأخير بثقة:
"أنا أعرف كل هذا جيداً!"

"جيد."
دفعه إيدغار مفرجاً عنه وآلان استعاد توازنه سريعاً وهمته للقتال.

من جهة أخرى لوسيا وقعت أرضاً حين دفعها جندي بعيداً عن أنياب الذئب الذي قام بإقتلاع أحد ساقيه بسهولة قبل أن تشعر بالهلع من هول المشهد حيث سقط الجندي واستنجد لكن بلا فائدة.

ذئب أخر اقترب منها وهي لم تكد أن تنهض إلا ووقعت مجدداً بفعل خنجر حاد كان قد مر من فوق رأسها. شاهدت تالياً سيفاً بنصل طويل ينزلق أمامها قبل أن ترى ماي فوق رأسها تهتف بحنق:
"لن نموت الآن!"

حملت لوسيا السيف ووقفت ظهراً لظهر مع ماي في محاولة لردع الحيوانات المتحولة بعيداً عنهما. عينا ماي حدقتا بالجدار الذي كانت تقفز الكائنات المتحولة من فوقه ولوسيا قالت بعيون جاحظة:
"حقاً؟ ما نسبة فرصنا للنجاة الآن؟"
إن كانوا محظوظين عند غزو مصاصي الدماء الآن لن يكونوا كذلك.

هم بالفعل فقدوا الكثير من جنودهم. ابتسامة يائسة ارتسمت على شفتيها حين وجدت نفسها مع ماي محاصرة من قبل عدة ذئاب مسعورة تزمجر بطريقة حيوانية مريضة لتتأكد أنها وجبتهم التالية.

شاهدت فاه أحدهم يفتح وهو ينطلق نحوهما لتقوم بالتلويح بسيفها بعشوائية وغرزه بحلقه متسببة بتراجعه. سقطت على ركبتيها مجدداً مستمعة لعوائه المتألم قبل أن تستدير ببطأ للخلف حين صرخت بها ماي التي تم محاصرتها من قبل أخرين بالحذر.

بصرها تشوش للحظات وهي تراقب تلك الأنياب مستعدة لنهش جسدها، الدماء تطايرت فذُهلت حين وجدت أنها لم تكن الضحية.

راقبت ذراع شقيقتها يبتلعها الوحش، ودموع الصدمة تدحرجت على خديها حين استدارت نحوها المعنية وبابتسامة قالت:
"لابأس الآن، أنا هنا."

عيون لوسيا فاضت دموعاً وهي تنهض لترمي بجسدها في حضن لونا صارخة:
"أختي!"

"يا إلهي لونا. أنتِ تعلمين أننا لا نستطيع إنبات أطراف جديدة."
عينا لونا تحركتا نحو ماشميا التي ظهرت من العدم وشقت جسد الوحش لجزئين جاعلة لوسيا تختبئ بحضن شقيقتها مجدداً.

شعر رأس ماي وقف فزعاً من مشهد الدماء المسكوبة قبل أن تشعر بكفين يغطيان عينيها وصوت دافئ يتنفس بإرتياح:
"سعيدة أنكِ بخير."

"ماريان."
همست ماي عندما سمعت صوت شقيقتها المرهق قبل أن تمسك بها حين سقطت بجسدها المصاب عليها.

"ماري!"
هتفت ماي بلقب شقيقتها الذي كادت أن تنساه وتلك ابتسمت بصعوبة قائلة:
"لن أموت بسهولة، لما الهلع؟"
ومن لن يفعل في مثل هذه الأجواء.

ماشميا سلمت لونا ذراعها قبل أن تغمز لتلك التي همست مستدركة بحدة:
"أنتِ هنا!؟ إذاً..."

"سينتهي هذا سريعاً."
تحدثت ماشميا قبل أن تبدأ بشق طريقها ناحية الجدار الذي كانت شارلوت تقف أعلاه وفي بقعتها المظلمة ابتسمت بشيء من الراحة لرؤيتهم بخير.

"لم أستطع تحديد مكان قدومهم، أنا آسفة."
تحدثت ماشميا بنبرة اعتذار لتهز شارلوت رأسها للجهتين قبل أن تنظر لجهة أخرى قائلة بتوعد:
"بما أن رئيسهم وصل فلابأس."

.
.
.

"سلام؟ لا تجعلوني أتقيأ!"
تحدث غريغور وهو يشاهد البشر ومصاصي الدماء يعانون الأمريّن بسبب كائناته المتوحشة قبل أن يردف ببغض:
"فيما أفنيت أنا حياتي؟ لأجل الصلح مع تلك الكائنات الدونية والتي لا تمتلك أي قيمة!"

مصاص دماء ركض نحوه وحاول طعنه إلا أن كلباً متحولاً أمسك بالأخير وطرحه أرضاً ليخرج غريغور سكيناً فضية من جيبه وينخفض ناحية مصاص الدماء يبدأ بطعنه عدة مرات هاتفاً:
"حشرة! لاشيء! مجرد تراب!"
ومع الأخيرة في القلب تحولت ضحيته لرماد.

قام برمي السكين جانباً قبل أن يستدير برفقة متحوليه وعدة ذئاب برية ناحية المبنى الحجري الأحمر ويبدأ بالسير في الأروقة ببطء مستمعاً لأصوات الإستنجاد وطلبات الرحمة تدوي قبل صرخات الموت.

تسلق السلالم بذات الوتيرة المتمهلة حتى وصل غرفة الإجتماعات. الطاولة الضخمة والتي كانت في المنتصف أصبحت أشلاء، الزجاج تناثر على الأرض وكل شيء كان في حالة يرثى لها.

آشتون كان مكبلاً بسلاسل من فضة ومطروحاً أرضاً شبه غائب عن الوعي في حين أن أليجاه لم يكن بأفضل حالاً منه لكن صديقه كان نال القسم الأكبر من العذاب إذ أنه قاوم بشراسة.

ابتسامة هازئة نمت على وجه غويغور حين شاهد القائد العام للجيش، جوهانس هيماك جاثياً على ركبتيه، يده الحديدية كان يتسلى بها كلبه الضال بعد أن فصلها عن جسده وذراعه الأخرى كانت قد لحقت بقرينتها هذه المرة.

"بعد كل مافعلته لك يا جوهانس تستسلم!"
تحدث غريغور مدعياً الأسى وهو يتقدم ناحية المقصود عاقداً يديه خلف ظهره مع استطراده بابتسامة:
"يبدو أن حيواناتي كانت شرسة ضدك، لكن لا تقلق يمكنك الموت بإطمئنان فسأصلح ما فعلت لأنني أعزك كصديق حقيقي."

"أنت لا تفهم غريغور."
غمغم جوهانس بإرهاق وإعياء شديدين لتتجهم ملامح المذكور فوراً حين أردف الثان:
"نحن أخطأنا، وأكبر خطأ قمنا بإرتكابه هو الاستمرار على هذا النهج العقيم الذي توجب إيقافه نهائياً."

فاهه فُتح بصرخة متألمة حين غرز غريغور نصلاً رفيعاً في فخذه جاعلاً إياه يتوقف عن الحديث رغماً عنه ليقول هو:
"خطأ؟ كل شيء كان خطأي أنا في البداية، هذا صحيح، لكن كل مافعلته تالياً كان محاولة للتكفير عن تلك الأخطاء، لكن أيضاً بلا فائدة."

"ما الذي تتحدث عنه؟"
تمتم جوهانس بغير فهم وهو ينظر بإحدى عينيه لغريغور الذي خلع نظاراته عن وجهه وبدأ بمسح عدساتها عن طريق منديل كان قد سحبه من جيبه وهو يجيب:
"عن بداية كل شيء جوهانس، من البداية أنت كنت أحمقاً، فالتستغل أنفاسك الأخيرة لتعتذر من ابن كلاي فقد كذّبته وصدقتني في حين كان العكس ما توجب عليك فعله."

عين جوهانس السليمة نظرت لأليجاه الذي كان يتابع الحوار بأنفاس ثقيلة، شرخ طويل احتل وجهه من صدغه وحتى فكه لكن النظرة المعاتبة في عينيه الزرقاوان جعلته يشعر بغصة أكبر وهو يهمس بغير تصديق:
"أنت لا تعني..."

"بلى، الفتى بريء، لم يكذب حين قال أنه لا يعلم شيئاً عن ماهية عمل والديه وعن سبب الإنفجار، الحريق وكل شيء، في حين صدقت القصة التي قمت بتأليفها لك.
هاورد كلاي لم يجبر أحداً على العمل في المختبر ومات بالتأكيد في الحريق، بل أنا من فعلت فقد كنت بنفسي أدير المشروع بأكمله."
أجاب غريغور وهو يعيد نظارته نصب عينيه ببساطة قبل أن يضحك شامتاً ويردف بقرف:
"دفعت للحكومة الفاسدة ثمن الأرض وهم لم يكترثوا لما نفعله، أخبرت العاملين أن عملهم يطمح للأفضل، لمستقبل البشرية ولم أكن أكذب حينها، علمت بوجود مصاصي الدماء، كان يجب أن أقوم بصنع السلاح الذي سيجعلنا نداً لهم، لكن للأسف جميع الأذكياء الذين جمعتهم كانوا بلا فائدة لذا توجب علي حرق كل شيء للتأكد من لا أترك دليلاً على التجارب الغير شرعية التي قمنا بها، رغم أن لا أحد يكترث. أردت بداية جديدة."

صدره توقف عن الاهتزاز ونظرات جوهانس تحولت للندم حين ارتطمت أسنانه ببعضها البعض بغضب أما غريغور فاستكمل مدعياً الأسى:
"لكن لم أتوقع بأنني سأتسبب بمصيبة كالفيروس، ياللأسف."

قام بالتصفيق عدة مرات بيديه قبل أن يتنهد أخيراً ويقول:
"لننهي هذه الحفلة الآن، لا تقلق بعد أن أتخلص من مصاصي الدماء سأقوم بالإنتهاء من المتحولين والوحوش، سأعيد كل شيء كما كان بل وأفضل..."

في هذه الأثناء كلماته توقفت حين لمح عدة ظلال ترتفع في إطار الباب خلفه. إيدغار ظهر وقد صبغت الدماء ملابسه وشعره أما ماشميا كانت قد قتلت جميع المتحولين والحيوانات في الغرفة بخفة دون أن تلوث بقعة دماء ملابسها ووقفت على الجانب الأخر لشارلوت
التي تقدمت بخطوات ثقيلة حطمت الزجاج أسفل حذائها. خصلات شعرها الطويلة غطت الكثير من وجهها ومنعت ظهوره في الظلام لكن عينا أليجاه استعادتا الحياة حين سمع الصوت المألوف يقول:
"كم عدد الأروح التي تريد إزهاقها لترضى، غريغور لوبين؟"

عينا غريغور ارتفعتا للتحديق بالهيئة المألوفة قبل أن يهز رأسه للجهتين ويجيب:
"إنها تضحيات لازمة."

"والحيوات رخيصة؟"
تنفست شارلوت سؤالها ببطء.

"حتى أصل لمرادي وأستعيد عرش البشر، سأقتل كل من يجب علي قتله."
أجاب أخيراً ونظر حوله وإلى ما خارج النافذة بسرعة.

نظراته غدت أكثر بغضاً حين استدرك أن حلفاؤه قد أصبحوا جثثاً.

"لم أتوقع أن مصاصي الدماء سيستطيعون الوقوف في وجه كائناتي."
قال كلماته المتعجبة حين شعر بساعديه يتم سحبهما للخلف من قبل إيدغار الذي قام بجعله يجثو بخشونة أرضاً أمامها.

"أنت لم تخطئ، جميع مصاصي الدماء في الخارج أصبحوا رماداً، لكن العبث مع النبلاء ليس بسهل، جنونك صوّر لك بأنك تستطيع الفوز في حين أنك لن تستطيع، أبداً."
تحدثت شارلوت وهي تقترب منه بضعة خطوات جاعلة رأسه يرتفع لها بابتسامة استنكرتها بنظراتها الباردة.

"تشبهين شخصاً كنت أعرفه منذ زمن، لكن الفرق بينكما شاسع. هي كانت تخاف الدماء، لكن أنتِ تغرقين بها."
حدق في مقلتيها القرمزيتين ثم أضاف بلهثة ساخرة:
"هي ملاك وأنتِ ابنتها لكنكِ الآن لا تماثلين سوى الشياطين."

شعر بذراعه تتحطم من شدة الضغط وصرخة متألمة فرت من فاهه حين إنخفض إيدغار نحوه وهمس بنبرة مهددة:
"من الأفضل أن تختار كلماتك بعناية وأنت تتحدث مع ملكتي وإلا..."

صدره رغم الألم المبرح اهتز بضحكة عالية. أنظاره كانت موجهة للأرض التي سبحت بالدماء لكنه بدل أن يفزع  هتف بثقة عمياء:
"أنا لا أستطيع العبث مع النبلاء؟! أنتم لم تروا شيئاً من كائناتي، إنهم في الخارج، يتجولون وما أن يروكم حتى ينقضوا عليكم، هم كثيرون ويفوقونكم عدداً، يستطيعون تحطيمكم إن استخففتم بهـ..."

إيدغار قام بتحطيم ذراعه الأخرى لكنه ومع الوجع تنفس بحدة واستطرد بجنون:
"إن أنا مت لن يتحكم أحد بهم، وستُلعن الأرض أكثر فحسب، سيعيثون فساداً. إن اخترتم قتلي ومواجهتهم فأنتم ستنقرضون، ستنقرضون! سواءً تخلصتم منهم أم لا، قتلتموني أما لا، في كلا الحالتين جميعكم ستفعلون! فلا مكان لكم بيننا!"

عيناها تديقتا على هيئته المثيرة للشفقة بطريقة أثارت إشمئزازها، أهذه ثقة عمياء بخطة همجية أم دراسة مطولة لهوس قديم؟!
لا يهم.
ذلك لن يهم، قلبها كان يشتعل غضباً وتعابير وجهها الفارغة أخفت الحنق المستعر في جوفها.
لا يهم!

"بإمكانك التخلص منه."
شفاهها تحركت بجملة واحدة لا غير أما إيدغار فقام بتمرير لسانه على شفتيه سريعاً قبل أن يرفع جسد غريغور عالياً ويضربه عرض الحائط. منع وقوعه أرضاً حين غرز أظفاره الطويلة بحركة سريعة في حلقه مباشرة من دون تردد.

جسد غريغور سكن عن أي مقاومة وتنفسه توقف بعد لحظات معاناة قصيرة غرق فيها بدمائه. ما أن سحب إيدغار يده بعنف خارج جسده حتى سقطت جثته أرضاً بلا حياة كأغلب كائناته.

أليجاه نهض بصعوبة واتجه ناحية صديقه فاقد الوعي للإطمئنان عليه سريعاً. عيناه لم تستطيعا ترك هيئة شارلوت التي كانت تنظر لجسد جوهانس الذي تفحصته ماشميا بحاجبين متقاربين.
هزت تلك برأسها معلنة:
"لقد توقف قلبه عن النبض."

"لنرحل."
غمغمت شارلوت قبل أن تستدير وتهم بالخروج يتبعها إيدغار وماشميا بصمت، لكنها توقفت عنوة حين هتف بها أليجاه:
"ألا تمتلكين شيئاً لتقوليه لي يا شارلوت؟"
صوته انخفض عندما نطق اسمها في النهاية.

تأملت أنه لن يدرك شخصها في الظلام لكنه فعل.
ضغطت أناملها ومن دون أن تنظر له حتى غادرت.

وقفت في الأسفل تحدق بالدمار الذي حل والجثث التي افترشت الأرض من بشر وحيوانات إلى متحولين وبقايا من مصاصي الدماء.

كل شيء كان مظلماً، عندما ظنت أن الأمور تتحسن وأن شبح الموت رحل، ظهر مجدداً وبأكثر الطرق فظاعة هاجم.

أحست بالذنب، هي الوحيدة الملامة على ما حصل هذه الليلة.

في الصباح ومع تسلل أول خيوط الشمس كانت شارلوت تراقب المرج الأخضر يتموج بفعل النسيم قبل أن تخفض بصرها ناحية النصب الحجري الذي زيّن بمختلف أنواع وألوان الورود، تجلس القرفصاء أمامه محدقة باسمها الذي نُقش عليه بصمت مطبق.

هي لو كانت هنا في الأسفل الآن هل كان سيتغير شيء؟ ربما لم تكن لتشعر بهذه الوحدة التي تنهش كل ما تبقى في زوايا قلبها الذي أصبح فارغاً لا يقطنه سوى الظلام والرغبة بالإنتقام. مِن من؟ من كل شيء، حيث أن شخصاً مريضاً واحداً تسبب بكل هذا ولم ينتهي الأمر بعد.

يدها لامست التراب البني فحركت حباته بعشوائية مفكرة أنها ربما لو كانت تحت هذا التراب الدافئ لكانت الأمور أكثر راحة لها.

شاهدت وريقات إحدى الورود تتدحرج بفعل الرياح من على شاهد القبر الذي بجانبها نحوها فنهضت وأمسكت بالوردة البيضاء الشاردة بأطراف أناملها قبل أن تتحرك نحو شاهد جارها وتنخفض أمام الحجر لتعيد الوردة لصاحبها.

عيناها قرأتا الاسم وحدقتاها اتسعتا أما أطرافها فتجمدت لثوان سقطت فيها الوردة من يدها بين شقيقاتها. نهضت على مهل وراقبت النصب بنظرات سوداء ثقيلة.

"يبدو أن البشر خسروا حليفاً مهماً لهم."
عيناها لم تحيدا ببصرها حين شعرت بهيروزيوس يقترب ليقف بجانبها بصمت طال لثوان قبل أن تقول هي:
"ما أدراك بأنه سيفتقدها أحدهم؟ الموت يوماً بعد يوم يصبح وقعه أسهل على الآذان والعيون وحتى القلوب."

"ليس إن كان هذا الشخص مميزاً..."
أجاب كلماتها ببساطة قبل أن يرفع بصره ناحية ما تبقى من الجدار البعيد مردفاً:
"بالرغم من أنها لم تتوصل للعلاج إلا أنها صنعت لقاحاً يحمي من الفيروس، يجب أن يكونوا ممتنين لجين رايدر حتى بعد موتها."

أمسكت شارلوت بذراع هيروزيوس ليشعر برجفة جسدها.
علم أن كلمات المواساة لن تفيد فحملها لصدره. تعلقت بياقته ودفنت وجهها أسفل عنقه. تركها لتبكي أوجاع قلبها بصمت.

من جهة أخرى كانت ماشميا تراقب بابتسامة بسيطة من بعيد، تشعر بفضول شغوف لمعرفة ما سيحدث في المستقبل، إذ أن ملكتها ليست بشيطان كما قال غريغور لكنها متأكدة من أنها تستطيع ترويض الوحوش.

الملك السابق عاقبها لقتل ملكته بالانتظار، فالموت مباشرة بعد فعلتها كان رحيماً بها ليختاره. اختار أن تحيا بالعار.

ظنت بأن ملكتها التالية ما أن تعلم بفعلتها الشنعاء حتى تقوم بفصل رأسها عن جسدها لكنها لم تفعل، بل فكرت برغبة الملكة السابقة سيليانا وما قد أرادته بالتضحية بنفسها لأجلها.

عيناها الحمراوان نظرتا تالياً نحو إيدغار الذي كان يتأمل السماء بقربها، نسيم الصباح لم يرفض مداعبة خصلاته البيضاء الملوثة، عيناه الذهبيتان حملتا نظرة غير معهودة.

"ما الذي تفكر به أيها الخائن؟"
ماشميا سألت لينخفض بصره نحوها حيث كان جالساً لحافة الشرفة التي وقفا عندها وابتسم ساخراً:
"ما دخل قاتلة الأسلاف؟"


********

كان فصلاً طويلاً!
الأصابع تصرخ!

أيمكن أن تتلقى شارلوت اللوم على ما حصل؟ لو تركت سيلست لتقتل غريغور من البداية، أمان كل هذا ليتغير للأفضل؟ وإن كانت سيلست حية أكان غريغور ليلقى حكمه أبكر؟
ماذا بعد كل هذا؟
الخائن والقاتلة برفقة الملكة الجديدة!... مؤقتاً؟ أم ترون مستقبل لهذا الثلاثي؟
مستقبل لشارلوت؟
مستقبل لهيروزيوس؟
معاً أم سيتم حل تلك الرابطة المزعومة؟

أراكم على خير
ناخت♥️

Seguir leyendo

También te gustarán

33.1K 3.2K 32
" أتدري كم من المشاكل التي سنقع بها هارولد؟ " " أدري إيم أدري، أرجوكِ فقط أخبريني هل تكُنين لي المشاعر ؟" " هارولد ستايلز ، إيميليا وانستون تُحبك وب...
6.7K 993 38
"هل خنتِ ثقة أحد من قبل يا أنجل؟" كان سؤاله هامسًا وجفناه مرتخيان. نظرتْ له بشرود. ما الذي يريده الآن؟ "لا. لستُ من النوع الخائن." أجابتْ بصرامة ثم ب...
563K 17.6K 23
الرواية تتحدث عن الشيطان او لنقول زعيم مصاصي الدماء يقع بحب فتى منذ ان كان صغير ويصبح مهووس بكل انش به.. ********* ماذا سيحدث عندما يتعرض الفتى للخ...
59.8K 4.3K 18
"سأبتسِمُ لكُل مايَقِفُ حائِلًا أماميْ وسأُخبره أنني لا أهابُه مادُمتُ معك" "سأضل أحِبك وأحتَويك حتّى وإن كانَ حُبي لكِ خطأ غيرَ مغفور..." . . "ترَكت...