مغنية الشياطين

الحفل الأخير ...(مكتملة )

أسير بين سنابل القمح الصفراء  ، وأعود في الذاكرة إلى اللحظات الجميلة المكتوبة بكل شبر في بقاع تلك القرية ، جلس جوليان بجانبي ، نظرت إليه مطولا ، لقد ازداد جمالا ، وأصبح فتى كبيرا ، ودقنه قد كبرت كذلك لتزينه أكثر ، نظر إلي جوليان وأخبرني :ما بك عزيزتي إيملي ؟؟

سؤاله يطعن أحشائي ، كيف سأخبره عما مررت به؟! ، كيف سأخبره إلى ماذا تحولت؟! ، وكيف سأخبره أنني أضعت تلك الفتاة البريئة الجميلة في تلك السنين الماضية ؟!
نظرت إليه وأخبرته بهدوء تام :جوليان لم أعد الفتاة التي عهدتني ، لقد قتلت نفسي وزرعت مكانها وحشا  ..

قال لي بحكمة بالغة : كلنا  تغيرنا إيملي ، لم نعد على حالنا ، نضجنا مع مرور الوقت ، وتذوقنا جميعا مرارة قراراتنا الحمقاء ، فلا بأس بأن نتغير ولكن المصيبة هي أن نتوقف عن نفض الغبار عن أجسادنا ، يمكنك إخباري بكل ما تريدين إيملي ...

استرسلت بالحديث وكأن أمنيتي
بمجيء  أحد ليشفي جروحي المؤلمة قد تحققت،  بدأت بالحديث من البداية حتى هذا اليوم الذي أجلس به أمامه أتحدث ..

"بدأ الأمر عندما تعلقت بالمدينة ، أردت التطور لم أرد يوما أن أبقى في مكاني ، أردت التغيير ، أردت أن أصبح فتاة أخرى .."

"طوال عمري أمتلك صوتا جميلا ، الجميع يثني عليه سواء في قريتي أم في المدينة ، أردت الشهرة كما الباقين فاشتركت بتلك المسابقة اللعينة الشيطانية ، وفزت بها أيضا وأصبحت مشهورة كما أردت تماما ..."

"وقعت عدة عروض حتى أنني تعودت عليها فأصبحت روتينا في حياتي ، لكنني لم أعلم بعد بأنني وقعت على تعاستي الأبدية ..."

نظر جوليان إلي بنظرة حانية وقال :إيملي هل حقا وقعت على صفقة تعاستك أم أنك لم تتأقلمي على تلك الحياة ؟!

"لم أرى يوما أسوء من ذلك العالم جوليان ، من يدخله لا يستطيع الخروج منه ، في كل شيء جوليان ، لا تدري كم نعاني في هذا العالم ،  لا استقرار ، لا أمان ، لا تأقلم أبدا جوليان .."

ابتسم جوليان وقال لي :أكملي ..

"في بداية الأمر كنت على سجيتي ، ولكنني بدأت بخسران شخصيتي شيئا فشيئا  لأجل الحفاظ على جمهوري وعدد متابعيني على وسائل التواصل ،  تعلم كم أكره صفة النفاق ، ولكنني أصبحت أكبر منافقة في هذا العالم .."

"لم أعتقد يوما أنني سأكتسب عادات سيئة ، لأنني تربيت على القيم والخصال الحميدة ، ولكنني تجردت منها أيضا وبدأت بالشرب والتدخين حتى وصلت إلى إدمان المخدرات ، ولكنني عولجت من إدماني بعد 6 أشهر تحت العلاج ..."

رأيت نظرة جوليان المتعجبة التي تشوبها الحزن ولكنني أكملت قائلة :لم أعتقد يوما أنني سأدخل المحكمة ، وأن القضايا ستعلق كالأقراط  على أذني، من قضايا مالية إلى أخلاقية ...إلخ ...

قال جوليان متعجبا : إيملي من أنت ؟؟

"أنا فتاة ضيعت روحها لأجل شهواتها الغبية ، أنا فتاة لم تقدر نعمة الله حق قدرها فرمت نفسها في النار معتقدة بأنها جنة .."

"جوليان ، هذا ليس كل شيء ، لقد أصبحت في حالة يرثى ، من كذب وخداع وتزييف أمام الآخرين ، في كل لقاء لي أكذب على الآخرين ، وأقول عكس ما يملي علي قلبي ، لقد أخبرتك من قبل أصبحت وحشا ..."

"سئمت حياتي جوليان ، سئمت الكاميرات والعروض التلفزيونية والإعلانات ، سئمت التبرج والملابس المبهرة والمثيرة ، سئمت من صوتي وأغنياتي ، سئمت من كل شيء جوليان ..."

أخذني بين ذراعيه وربت على رأسي  وقال لي :لا بأس ، لا بأس ..

في الحياة هناك صديق يقف معك ..
يصحح أخطاءك ويصوبها ..
ويقوم أفعالك ..
لتيسيرا سويا على طريق الصحيح ..

عدت إلى المدينة ، وعدت أيضا إلى حياتي المقرفة ، وزففت بسيل من البهادل عند عودتي ، واستقبلوني بغضبهم  المعتاد ، وصرخاتهم هي موسيقى الحفل ، رغم كل الصيحات ورغم كل شيء ولأول مرة بعد فترة ضحكت من قلبي ، ضحكت  حتى وصل صوت ضحكتي أرجاء الوكالة ، هل هذا ما يسمونه اضطراب المشاعر ؟؟؟ لا أدري لكنني سعيدة حقا لأول مرة منذ أمد بعيد ..

ألزموني  بحفل آخر  كتعويض للممولين والجمهور عن الحفل الماضي الذي تخلفت عنه ، ولن أقبض من فلسا واحدا كعقاب على فعلتي ، هههههههههه ، عدت إلى بيتي لأرتاح قليلا قبل الحفل ، وفي طريق عودتي إلى البيت أعجبت بذلك الفستان الأبيض المعروض على على العارضة البلاستيكية ، أحببته جدا ، فابتعته لأرتديه في حفل الليلة ...

هاأنا هنا ، على خشبة المسرح ، أمام جمهوري الكبير ، أرتدي فستاني الأبيض الجميل ، أبدو فيه كالعروس التي فقدت حبيبها قبل العرس بأيام ، عروس حزينة رغم أنها تنبض بالأمل ، بدأت بالغناء وصرخات الجمهور تضفي نوعا من نوتات الجميلة على الأغنية ، صرخاتهم  هي الموسيقى الثانية  سمعتها في ذاك اليوم ...

عندمت انتهت الأغنية ، طلبت من الجميع الهدوء ، أردت الحديث معهم قليلا قبل أن أذهب بعيدا  عن هذا العالم ، فقلت بعد نفس عميق :
أنا لست كبيرة بالسن ، لكن خبرتي التي استمديتها بتلك السنوات القليلة كافية لأنصحكم بها ، أنتم كنتم سبب نجاحي في مشواري الفني ، وأريد أن أكون أيضا شمعة أضاءت القليل من طريق نجاحكم في هذه الحياة ، أعلم جميعا أنكم تملكون أحلاما رائعة ومميزة ، أتمنى أن تحققوها جميعكم ، أتمنى أن تكونوا سعداء لأنكم حققتم ما طمحتم إليه يوما ، ولكن نصيحتي لكم جميعا إذا حققت حلمك يوما ما ثم أذاك ذلك الحلم تراجع وبحث عن طريق آخر وحلم جديد تسعد فيه ويكون مليء بالحب والإيمان ، لا تستمر في حلم كلما أعطيته واجتهدت فيه سبب لك ندبة  في حياتك ، أرجوك حقق حلمك ولكن لا تؤذي نفسك ، وآخرا سأهديكم تلك الأغنية :

يا زهور البستان الجميلة ...
تتفتحي لتنشري عبقك ..
لنتشري الفرح ..
وتنشري الأمل ..
وتثمري حبا كبيرا ...

يا أيتها الأشجار الكبيرة ..
أغرسي حلمي في تلك الأراضي الوسيعة ..
لينمو كبيرا شامخا ..
ليكبر أكثر في كل يوم أكثر ...
حتى يصبح عظيما ...

يا  حشائش الأرض الخضراء  ...
لوني حلمي بلونك الجميل ..
لونيه بلون الأمل ...
لون الطموح ولون العمل ..
حتى أراه حقيقة ...

يا سمائي الواسعة ...
يا من تعلقين  بالنجوم آمالنا ..
يا من تشعلينها نورا موقدا ...
ليسمو واقعا ...

يا أيتها الطيور المحلقة بعيدا  ....
خذيني إلى عالم الأحلام الكبير ...
عالما فيه الآلام تتلاشى ..
والأمنيات حقيقة ...
لتحلو حياتي وتغرد أيامي ...
بصوتك الجميل ...

يا طيور حلقي حلقي عاليا...
حلقي حلقي في السماء الواسعة...

ومع صوت الجمهور كفرد واحد يغني :
يا طيور حلقي حلقي عاليا ...
حلقي حلقي في السماء الواسعة ...
وأخيرا :

..................... الوداع  .........................

هأنا أجلس على هذا الكرسي ، وحيدة كعادتي بدون أحد ، أجلس والابتسامة تملئ وجهي ، أبتسم إليك يا من تربعت على عرش قلبي ، يا من جررتني إلى هذا العالم ، أراك تودعني ، وأخيرا مللت مني ، وأخيرا تركتني بعد أن مصصت دمي ، هل استمتعت بمذاقه ، شكرا لك رغم الأذى الذي سببته لي  ، شكرا لك ...

عاجل
موت المغنية إيملي ستون الملقبة ب"مغنية الشياطين "
بمرض "سرطان المخ" وموتها سبب صدمة كبيرة لمعجبيها ومحبيها ، وقالت إيملي في وصيتها أن نصف أموالي المركونة في البنوك من غير داعي نصفها يذهب لدور الأيتام والعجزة وأما النصف الآخر فربعه إلى العم إدوارد والربع الثاني إلى عائلتها في الأميش ، وأيضا أوصت الجميع بأن يدفنوها عند عائلتها في الأميش ..
ومن أقوال معجبيها عنها :
"إيملي ستون من أجمل المغنيات على الإطلاق ، فهي استحقت حب جمهورها واحترامهم ، إنها الأفضل من بين الجميع "

"عندما سمعت بلقبها أثارني الفضول ، ولكنني عندما رأيت أغنيتها التي استحقت عليه لقبها أحببتها وأحببت كل أعمالها .."

"كانت حكيمة رغم صغرها ، مرضها فاجأني وموتها أيضا ، كانت جميلة وتمتلك صوتا عذبا ، صحيح أنها ماتت ولكنها ستبقى حية في قلوبنا .."

وأيضا وقف جميع معجبيها أمام منزلها وأضاؤوه بالشموع وبدأو جميعا بغناء أغنياتها  الجميلة رحم الله إيملي ستون "مغنية الشياطين "

*تمت *