꧁ماذا لو، يومًا ما꧂

By EmaKandeel

25K 2.1K 1.1K

نصيبك بيتغير ومش ثابت حتى لو انت قلت عليه مش بيتحرك، هيحصل ايه لو قلت آه وهتعمل ايه لو اتحطيت فى اختيار سابق... More

مش محتاج تقديم.. انت عارفهم
1-طالق!
2-إرحميني
3-اتفقنا ما نتفقش
4-آه.. ايه؟
5-استبينا على الآخر..
6-غيوم النيكوتين
7-إعتبريه حصل..
8-إنت طلقتني..
10-بالله عليكي ما تقوليله..
11-صاخ سليم..
12-راضاني على حرماني
13- لأ مرتاحتش..
14-صد / رد.. "مبروك" جـ1
برة النص
15-صد/رد جـ2
16-رد الصد..

9-سكينة

866 129 70
By EmaKandeel

⭐الڤوت /التصويت ⭐

بيتحبوا النوڤيلا ولا مفروضة عليكم 😅
شاركوها عشان حاسة اني مرفعاكم بمسدس عشان تقروا ☹️


꧁ماذا لو، يومًا ما꧂

في نفس اليوم لكن قبلها ببضع ساعات بعدما استيقظت رقية منهكة من القيلولة المئة بعد الألف فى اليوم التى لم تعد تعلم ما هو ولا حتى كم يوم مر على اضطرابات نومها، استقامت ترتدي معطف والدتها القريب ثم خرجت من غرفتها مع أول قرار على قائمة الاغتيالات..

فعُزلتها وإرهاقها وتعبها لم ينبتوا الفراغ؛ بل برعموا خلفهم أولويات يجب عليها اقتناصهم واحد تلو الآخر،  وليكن أولهم اختبار الحمل لتصمت والدتها فهي لم تعد تحتمل أي تصرف درامي آخر منها.

أما الهدف التالي فكان من أجل كرامتها، وهو مناقشة الطلاق مع كريم، علاقة واهية تلك التى يقع فيها طرف فى الحب والآخر يرفضه، علاقة راكدة تلك التي يكون محور نقاشها الحاد هو سوء الفهم فقط، علاقة باهتة تلك التي يجبر فيها طرف على إثبات براءته لأن الطرف الآخر يشك به.

والأهداف التالية ليست هامة مثل الأوليان،  لذا خرجت من غرفتها ونزلت إلى الطابق السفلى حيث ينتظرها بيجاد ومشوارهم الأول معمل التحاليل.

بثقة كبيرة دخلت لغرفة سحب العينة جلست وشمرت عن ذراعها،  شكة خفيفة ثم انتهي سحب الدم، استقامت تعدل كم المعطف وخرجت إلى اخيها الذي استقبلها بسؤال:
هنستنى مش كدة؟  قالولى ربع ساعة وهيطلع..

أومأت له وجلست معه على مقعدين متجاورين بينما تتكلم بهدوء وثقة:
ولو إني عارفة النتيجة بس مش مهم... عشان اخلص..

ربت على كتفها ثم سألها:
هتعملى إيه مع جوزك؟

مال تعبيرها للحزن وتنهدت بينما تحاول ألا تقولها، لكن أمل ساذج يصرخ بداخلها... ربما عندما تقابله يتمسك بها،  لربما يراها فيقع على ركبتيه صارخًا انه يحبها، ابتسمت ساخرة من نفسها ثم أجابت:
مش عارفة يا حبيبي.. لسه لما اقابله...

أمال وجهه ثم همس لها:
على فكرة أنا مش صغير... وشك كله نكد... انا عارف انكم متفقين بس يمكن هو زيك...

تنهدت وكأنه أمل دغدغ قلبها والتفتت بابتسامة لترد لولا صوت المعملية تنادي باسمها:
مدام رقية الجوهري؟

نهضت بوجه مبتسم بينما وجه المعملية حزين ونبست:
النتيجة negative للأسف..

اتسعت ابتسامة رقية ببساطة ونطقت:
ماشي شكرًا..

لوحت لبيجاد فتحرك إليها عازمًا ألا يسأل أبداً عن النتيجة لأهه يعرف اخته جيداً، اي سؤال هنا ستحسبه شكًا بها، فسألها:
ها خطتك الجاية إيه؟

بينما تخرج من الباب الداخلى للمعمل همهمت ثم ردت:
هنروح ندي الورقة دي لماما وبعدين هتغدا وأكلم كريم وأقابله..

تكلم بينما ينزل درج المبنى بعدها:
رقية انا شايف انك تفكري قبل ما تقـ....

وعندها قاطعهم صوت المعملية اللاهث:
مدام رقية استنى.... العينة بتاعتك اتلخبطت مع تحليل حد تاني..

تجمدت ساقها النازلة فى الهواء ونظرت للأعلى بتثبت بينما اخيها لم يختلف عنها في شيء،  بعد لحظة من الارتباك عادوا إلى المعمل وقدموا لها اختبار آخر مع الكثير والكثير من الاعتذارت،  وهي على حالها هادئة وواثقة.

سحبوا العينة وانتظرت مع بيجاد بينما صدره يوغره لكن هدوءها هدأه رغماً، فنبس:
كنت بقولك ايه؟.. آه أنا شايف إنك تفكري قبل ما تتكلمى معاه...بصراحة حاسس إنه بيحبك..

ابتسمت ساخرة ثم تكلمت:
اللى بيحب ميتخلاش يا بي بي..وده طلقني اول ما جاتله الفرصة

نظر لها باختناق ثم نطق:
يا بنتى ما انتي استفزتيه وطلبتيها وبعدين ماتنسيش إن سناء كانت منشفة ريقه قبلها...حرام كدة... اديله فرصة.. أتكلموا مع بعض

التفتت لتصفع خلف رأسه ضاحكة فقاطعها:
مدام رقية مبروك..

ضرب التيه والبلاهة وجهها وسألتها:
مبروك مين؟... أنا رقية الجوهري

أشارت المعملية للورقة في يدها واحتفت تصيح:
لأ.. النتيجة positive... مبروك إنتي حامل

أمسكت الورقة وقلّبتها لتحاول إيجاد أي كلمة أخرى غير كلمة «positive»  المتصدرة فى منتصف النتيجة، لكن لا شيء،  ذهنها فارغ تماماً لا شيء لقوله أو لفعله أو للنطق به، من بين كل الأفكار شمرت عن ذراعها مجدداً فى ساحة استقبال المعمل بهيستريا ونطقت منفعلة:
إعمليه تاني... إتاكدي...

انتفضت المعملية من ردة فعلها وتحولت ملامحها المبتسمة للمفاجأة وأماءت لها لتعيد الاختبار، بينما يقف بيجاد مشدوهًا لكن نظرات مسؤولة الاستقبال لم ترحه فاضطر أن يبرر:
أصل فيه مشاكل مع جوزها...

فهمهت الفضولية وأعادت عينيها لشؤونها، بينما انتظر بيجاد فى الخارج، لكنه سمع صوت رقية الحاد واضحاً:
قولتلك أسحبي عينتين... إسحبيهم وإعملي كل واحد لوحده..

تنهد واستند على الحائط بجوار باب غرفة أخذ العينات يحاول تخيل نوع الحياة البائسة التي ستلاقيها أخته إن كان نتيجتا الإختبارين التاليين إيجابية للحمل، يحاول أن يفكر كيف سيكون رد فعل كريم أو والدته أو والديه عندما يعلما أنه عقيم وزوجته.. ابنتهما حامل.. مستقبل ملبد بالسواد قادم عليها وعلى طفلها..

فتحت رقية الباب عنوة،  خرجت وعيونها كالدماء بلا دموع فقط حمراء تظهر شعيراتها الدموية وكأن مقلتيها ستسقط،  اقترب منها وفتح فمه لكن الكلام أبى أن يخرج، لا يعلم حتى ما يمكنه قوله، في نفس الوقت الذي وقفت هي بموازاته ملتصقة بباب غرفة الفحص المغلق للدقائق التالية، تأكل أظافرها التي انتهت كل ما طال عن أصابعها مع فتح الباب وظهور وجه المعملية المسكينة ببعض الرهبة وسلمتها ورقتين ثم عادت للخلف برعب، فردت رقية الورقتين ووجن جنونها وقبل أن تصرخ مال بيجاد عليها وهمس لها برفق مع لمسة خفيفة لكتفها:
إحنا فى وسط الناس يا حبيبتي... أي كلمة هتقوليها هتتحسب عليكي..

كلماته بصوته الذي يحمل من الرجولة أكثر مما يحمل من الطفولة كانت كرطمة الهواء البارد التي تصفعك عندما تكون على وشك القيام بشيء ستندم عليه وتنجدك من نفسك، التفتت تنظر للمكان حولها فوجدت أنها شكّلت مشهد مسليّاً لا بأس به للمتفرجين، فزفرت وحاولت التماسك ثم نظرت لأخيها دامعة ونطقت:
أنا أعمل إيه دلوقتي؟.. أنا مش عايزة أكمل فى الجوازة دي.. أنا مش عايزة أقوله كدة..

كلماتها المدروسة ربما غريبة وربما بعيدة عما يصرخ داخل صدرها لكنها نزعت عنها نظرات الامتعاض الكائنة من بعض المتواجدين، كما أن موظفة الاستقبال قامت بدور مساعد بينما تهمس بما قاله بيجاد، تهمس به لأحد المتفرجين فيهمس هو الآخر "آه لا حول ولاقوة إلا بالله"  ويعود لمقعده، طبيعة شعبية مقيتة فى مجتمعنا لابد لنا جميعا من مواجهتها، حتى هم -المتفرجين والفضوليين- يتعرضون لها،  لذا اعتبرها كأس دهاق من حنظل ومُر عليها مرور كريم وتناسى.

حملت الخبر كثقل الاطنان على رأسها الفارغ تماماً من اي تفسير لما تمر به واتجهت للدرج راكضة لا تعلم أين تذهب بأعين مشوشة، لا تري إلا شكل الكلمة الإنجليزية مكررة ثلاث مرات، وأخوها يلهث خلفها يحاول السيطرة عليها فتكلم بينما أنفاسه مرتفعة من الركض خلفها:
تعالى نروح معمل تاني..

التفتت وكأنه يرسل لها حبل النجاه وتلقّفته متلهفة تشير إليه بسبابتها كغريق وصوتها يهتز أكثر من ارتجاف جسدها:
أيوة... أيوة.. أيوة... احنا.. احنا هنعيده تاني.. هعيده 10مرات..

استعصى على قلبه أن يراها بتلك الحالة فعانقها وكأنه يحيطها بدرع آمنٍ ولم يهمه كونهما فى الشارع بدأ يربت على ظهرها ثم استاقها لمعمل تحاليل آخر، وعندما دخلت طلبتها لفظاً:
عايزة أعمل تحليل حمل سريع.. بس للتأكيد عايزة أسحب. 3 أو 4 عينات

مع نظرات التعجب التى ضربت تعابير موظفة الاستقبال أومأت ونادت لتسأل المعملي المختص عن إمكانية أخذ اكثر من عينة، فنظر تجاه رقية باسمًا ثم نطق:
هو ينفع وكل حاجة بس مش هيفرق فى النتيجة.. التحليل بيتعمل بنفس الطريقة كل مرة.. وبياخد نفس الوقت وكلهم هيكون نتيجتهم واحدة

فنطقت وكانها فى عالم آخر وعيونها متوسعة وكأن خافقها سيخرج من حلقها:
بس أنا عايزة اتأكد..

قطب المعملي حاجبيه بتعجب ثم نبس برفق:
طيب خلينا نسحب عينتين.. ولو حابة حاجة أكتر دقة في التحليل الرقمي، ده...

قاطعته رقية بالتهاف تلهث بكلماتها:
يعني ممكن التحليل ده يبين إنه مفيش حمل والتحليل التاني السريع بيقول إنه في حمل ؟

تعقدت تعابير  المعملي أكثر باستغراب ثم نطق:
هو بيبينلك المدة ونسبة هرمون الحمل إذا كان الحمل قوى أو ضعيف و ممكن يقولك كمـ..

فقاطعته مجدداً بنظرات جادة وحادة:
أيوة...أيوة هعمل ده... اعملوهولي دلوقتي.. اعملولي اتنين منه..

سحبوا العينات وأخبروها أنها ستحتاج للانتظار لبضع ساعات قليلة وإن كانت مستعجلة سيتصلوا بها لكنها أبت أن تتحرك بعيدا لأكثر من حديقة مجاورة لمبني معمل التحاليل.

بلطف سحب بيجاد يدها يقتادها ويجلسها على مقعد رخامي أبيض منصوب تحت شجرة صفصاف كبيرة، جلست عليه تفرك كفيها معاً، لم يعد لديها أظافر لتقضمها، تحاول بجام طاقتها أن تفهم ولا فهم يأتيها، وكأنها تجلس وحيدة محبوسة في هول ما تلاقي من أنباء خيالية، جاورها بيجاد ومال عليها ثم نبس:
إهدي وخدي اشربي ده..

حاول مناولتها عصير علّها تستعيض كم ما سُحِب من دماءها،  لكنها لم ترد عليه ولم تسمعه حتي، كل ما يدور بخلدها هو كيف يمكن هذا؟ هي بنفسها لا تعلم ما حدث، كيف هذا؟ كيف يمكن أن تكون حاملا! لن يصدقها أحد، هو أخبرها أنه عقيم قالها بثقة، لا يوجد رجل يقول هذا إلا وقد قطع الأرض بحثًا عن علاج ولم تفلح رحلته، كما أن شهور الزواج مرت بلا حمل أبداً،  لماذا الآن؟

كيف تقولها للناس؟.. صوت تنفسها يشوشها، كيف تقولها لنفسها؟...صوت ضربات قلبها يمنعها من التركيز، كيف تقولها له؟ هل عليها أن تقسم له أن شعرها لم ينساب على كتف رجل غيره؟ هل عليها أن تصرخ طلباً للنجدة من هذا الجحيم؟.. من سيصدقها؟ 

ظل بيجاد يراقبها تتآكل أمامه وقلبه يتحسر على شقيقته ورفيقته فنطق أول ما جال برأسه:
انتي متأكد إنه مبيخلفش؟

التفتت له وتعابير وجهها خاوية وقد انتزعها سؤاله من غياهب الافتراضات اللعينة، فشردت، وقبل أن ترد بالإيجاب اكتشفت أنها لم ترى أي شيء يدعم كونه عقيم غير كلماته وزيجته السابقة بلا أطفال، فقاطع استرسال أفكارها بيجاد يتكلم:
مش يمكن مكنش تعبان أصلاً؟

فنبست بصوت مرتجف تهز رأسها نفيًا:
ازاي بس يا بيجاد.. مهو كان متجوز قبل كدة... وقالى إنه حلل وطلع معندوش أمل خالص

فرد عليها بجدية:
يا حبيبتي مش يمكن ربنا شفاه...

تنهدت وكأنها تُخرِج مكنون دفين من اللهب الذي صهر كل ما تبقى بداخلها ونبست:
مهو يا بيجاد احنا متجوزين بقالنا فترة برضو... هو... هو..

اقتضمت كلماتها وبدأت بالبكاء عندما خال على بالها كيف ستكون ردة فعله! إنه يرتاب من مجرد اسم ذُكر في عملها يمكن أن يسمى به رجل كاسم زين فكيف إذا سمع بحملها مع حالة عقمه؟

تنهدت ورمت كل الأحمال خلف ظهرها واستقامت تحاول أن ترفض كل المعطيات على أمل كبير أنّ التحليل الرقمي سينصفها، نظرت تجاه اخيها وبحزم نطقت:
يلا نجيب النتيجة..

واستدارت للبناية التي بها معمل التحاليل، فركض خلفها يدعو الله أن تكون كل النتائج السابقة خاطئة، لكن على عكس كل أمل عريض لدى كليهما استقبلهما المعملي المختص فى يده ورقتان ووضعهما بجوار بعضهما أمامها ونبس:
فيه حمل... وتبارك الله مش ضعيف أبداً..

نظرت للرقم المكون من خمس خانات واشارت بسبابة مرتعشة وصوت مرتجف سألت:
ده... ده معناه إيه؟

تحمحم بحرج طفيف ثم تكلم بشكل عملي :
لو حضرتك تفتكري معاد آخر عادة إمتى...ممكن مع الرقم ده اللى هو نسبة هرمون الحمل نقدر نعرف عمر الحمل أد ايه!

وكأن الكلمات صدمتها كشاحنة أعادتها للخلف بضع شوارع، لم يعد مسار الحديث الآن عن كونها حامل أم لا بل أصبح الحديث عن عمر الحمل؟! شعرت برأسها وكأنه يُطهى من حرارة الصدمة فنبست بلا وعي:
أنا... أنا مش..مش فـ..فاكرة حاجة ... ثواني أشوف فى الفون..

أخرجت هاتفها ويدها ترتعش بالكاد قوَت على الضغط فوق ايقونة البرنامج التى تسجل به عادتها الشهرية وهنا تفاجئت ونبست مجدداً بدون شعور:
بـ.. بيقول في تأخير أسبوعين!

ابتسم المعملي وأشار لجدول من أرقام بجوار النتيجة الرقمية على نقطة معينة ونطق بسعادة غير معلومة:
مبارك يا مدام إنتي فى الأسبوع السادس... بس يا مدام فيه حاجة صغيرة...

نظرت لمكان نقراته على الجدول وبدون رمشات نظرت له مجدداً همهمت، وكأنها ضيفة على الموقف تنظر له ببلاهة حتى مشاعرها متوقفة وكأنها تنتظر من يُملي عليها ما تشعر به،  فنبس:
النسبة مرتفعة جدًا تبارك الله.. فياريت تروحي لدكتور خلال الاسبوع ده..

عقدت حاجبيها ثم سالته بتعابيرها بغير صوت فزاد من الشعر بيت:
احتمال كبير يكونوا توأم

بين ذهولها وتجمد تعابيرها وعيونها المتوسعة التي لم ترمش، انفجر بيجاد بالضحك محاولاً كتم صوته متمتمًا:
مصيبة الناس السبت والحد وانتي مصيبتك إتنين

حدجته رقية بلوم بينما تحاول بنفسها أن تفهم كم المعلومات التى أُلقت فوق رأسها تواً، حاول الاعتذار بتلويحه بكفيه وانهمك يحاول إيقاف نفسه عن الضحك  بكل قدرته لكن الموقف ساخر أكثر منه مؤلماً، تنقلها بين ما يرمى عليها من أخبار سريع وصعب على العقل تقبله، فلقد أنكرت الحمل فى البداية وغضبت حتى ارتعبت منها معملية التحاليل السابقة، وساومت المعملي المختص على نوع التحليل ومن بعدها الاكتئاب وفقدانها الأمل أن تُفلت من هذا الأمر ، فما عساها أن تفعل غير الرضوخ الآن..

هزت رأسها للمعملي بدون كلمات منطوقة وشكرته، ثم تحركت ممسكة ذراع أخيها تنزل الدرج بعيون لا ترمش وقلب كالطبل تسمعه فى آذانها ، تسير بجواره وكأنها تسير على الغيام من ضعف إحساسها بالمحيط حولها وتحت قدميها، أجلسها بيجاد فى ذات المقعد فى الحديقة، في حين أنها ركنت بلا تعابير غير أنها تمسك واحدة من نتائج التحاليل الألف التى أجرتها وهي ترفع حاجبيها حتى قفاها من التعجب، تحاول اأن تتنبيء بما يمكنها فعله تاليًا أو مع من!  او أين تذهب بما تعلمه وداخل رحمها..

تشعر وكأن رأسها سينفجر من كمية الأنباء العجيبة،  لا السعيدة ولا الحزينة إنها انباء عجيبة، زوج عقيم مختل وعصبي سيتم إخباره الآن أن زوجته التي يرتاب فى سيرها المستقيم -ونعم مستقيم لا يوجد غيره-، احتمال... لا بل مؤكد أنها حامل بأطفاله بصيغة الجمع إحتمالياً حتى اللحظة!

ضحكة ساخرة سريعة مرت على تعابيرها بينما تحاول شق الضباب فيما بين يديها بالمنطق، أخذت شهيقًا عميقاً للغاية وأنزلت الورقة على حجرها تنظر لها بتمعن، بينما يراقبها أخيها غير مستبين لملامحها،  لكن صوت رطمتان على سطح الورقة ثم تبللهم عرف أنها تبكي،  فوضع يده على كتفها يربت بلطف ثم واساها:
أنا في ضهرك يا رقية... أنا عارف إنك معملتيش حاجة غلط.. ولو كريم اتكلـ...

التفتت له بابتسامة ودموعها على خديها ثم قالت:
لأ... هو مش مهم خالص دلوقتي... ابني أو ولادي أهم من أي حاجة..

ارتسمت الدهشة بالألوان على وجه بيجاد،  قبل ساعة ربما أو أقل لم تكن لتتقبل احتمالية الحمل... والآن تسميهم أولادي! ربتت على ركبته وتكلمت:
مش مهم الناس ولا هو كمان مهم.. يحسب اللى يحسبه... ربي وأنا عارفين أنه هو الأب..  فيه حاجات تانية تستاهل إني أهتم بيها أكتر... سواء كريم رضي.. أو رفض واتهمني بحاجة أنا مش هقف..

فقاطعها بيجاد مطمئناً لها بجدية:
لا كريم ابن أصول... مستحيل يفـ...

فقاطعته ساخرة تقول:
هو ابن أصول آه بس متخلف.. وصدقنى أول حاجة هيعملها  إنه هيشك فيا ... أنا عارفاه كويس..

صمت لثوان يراقب تعابيرها الراضية فشعر بالشفقة تتفشى في صدره عليها، أمامها طريق طويل للغاية، ومن بين هذا هناك احتمالات ستنال شرفها إن كان زوجها رجل متسرع وغبي، زفر بخفة ثم ابتسم بهدوء وسألها:
طب هتعملي إيه دلوقتي؟  تعالى نروح نتصل ببابا ونقعد ماما ونحكيلهم على كل حاجة..

حدقت بوجهه لدقيقة ثم نظرت للنتيجة فى يدها ثم تمتمت:
لا... أجّل بابا وماما دلوقتي...

عقد حاجبيه واستفسر بفضول:
ليه؟

مطت شفتيها ثم تنهدت ونظرت أمامها لتتكلم بمرارة:
لازم أعرّف كريم الأول... هقولهاله بالطريقة اللى يفهمها.. وهستنى رد فعله بعدها...ولما اشوف هيتصرف ازاي الأول...هتصرف أنا...

مازال حاجبيه معقودان بل انحني تجاهها وسألها بتعجب:
الطريقة اللى يفهمها؟ يعني إيه؟

تنهدت بقهر ودمعت ثم وارت عيونها ونظرت بعيدا تتكلم بصوت محترق:
أنا عارفة كريم هيقول إيه... بس مش هستحمل أسمعه بودني.. مش هقدر.. بكل الطرق الجوازة دي مايلة..هو مش بيحبني وطلقني وخلاص... فمعنديش حل تاني...

أعادت وجهها إليه بتعبير مرير للغاية:
انا مش هشحت منه... انا لا عملت حاجة غلط ولا حرام...  فمش هقف فى ركن ضعيف وأعيط واحلف إني بريئة..

أنهت جملتها بتصنع للقوة وحركة خفيفة من كتفها واعين زائغة عنه، قبل أن ينطق أمسكت هاتفها واخذت تتصل به بلا توقف.. رنين ثم رنين وحتى الرنين العاشر لم يجب، زفرت ونهضت ثم تمتمت:
خلينا نروح دلوقتى... متقولش لماما اي حاجة.. قولها كنت بتفسحنى ولا كنا بنتفسح...

مط جانب شفته باختناق لأجلها ثم تحمحم وسألها:
طب هتعملي ايه لو رفض وقال انه مش بيخلف؟

انسدل جفاها بأسى ونظرت للسماء ثم نطقت بصوت يهتز:
لو رفض....آآه... لو رفض... فى الوقت ده هكون محتاجة أدور على طريقة تثبت أنه هو الأب، وساعتها لما بابا يرجع من السفر هقعده مع ماما وطنط ڤيڤيان وهحكيلهم واللى يحصل يحصل..

أومأ وأمسك يدها بحرص ينهضها ثم اتجها للمنزل بدون ان يثيروا أي فضول لدي والدتها وكما طلبت من بيجاد قال كانا يتنزهان.

صعدت لغرفتها وبدأت بخلع ملابسها وفك حجابها، بمجرد ما رفعت المعطف لتعلقه حتى رن هاتفها بنغمة مخصصة لكريم وحده فسقط المعطف من يدها وجفلت لثوان تنظم تنفسها، مر اتصال وأتي غيره وكفها يرتعش أمسكت الهاتف وفتحت المكالمة، وضعته على أذنها وسمعت صوته فأغلقت جفنيها بتألم علمت أنها ستشتاق لهذه البحة الخشنة، أخذت شهيقاً وتكلمت بجمل سريعة متراصة خلف بعضها لم تمنحه السلام ليتنفس بينها هاتفة:
بص يا ابن الناس..أنا عارفة إن جوازتنا كانت إتفاق وإنك مش بتحبني.. وانا مش متوقعة منك حاجة ومش بطلب منك أي حاجة..إنت كدة كدة طلقتني-تنفست بعمق- أنا حامل والطفل ده ابنك...

تصنم جسده وظنها تمزح؛ لكن نبرة صوتها شيء آخر، ابتلع ريقه ثم بصوت مختنق مرتعش سألها:
إنتي.. إنتي بتقولي إيه؟ أنا مبخـ...

أخذت شهيقًا مجدداً وقاطعته قبل أن يكمل ما لا تقوى على سماعه:
أنا ببلغك بس...أنا حامل وده ابنك...فيه تحاليل تثبت إنك إنت أبوه... رضيت أو لا.. مش هتفرق.. إعمل اللى إنت عاوزه..  نقف قدام بعض فى المحاكم... ومن غير سلام كمان.

أنهت كلامها وأغلقت المكالمة سريعًا، ومع صوت رنة إغلاق المكالمة إيذان بتبخر قوتها المزعومة وانهيارها تبكي حتى ما عادت ساقيها تحملانها ونزلت على ركبتيها وشهقاتها يتردد صداها على حيطان غرفتها.

꧁ماذا لو، يومًا ما꧂

في نفس الوقت الذي دفنت فيه رقية وجهها فى فراشها واحترقت من البكاء، كان هو فى مطبخ والدته ثابت فى مكانه كتمثال من حديد، وعلى الرغم من أن المكالمة انتهت وهي أقفلتها إلا أن الهاتف المطفأ مازال مرفوعاً على أذنه وكأن الزمان قد توقف عليه وهو فى مكانه لا يصدق.

عيونه متوسعة لا رفل للجفون حولها حتى نظراته مشوشة وكأنه لا يرى المحيط، ثانية تمر ثم اثنتان وبعدها بدأ وعيه يعود إليه تدريجيًا مصحوباً بغضب بدأ بالتنامي، فوقف فى مكانه كمجنون يتلفت حوله.

وقعت عيونه على أمه فرمقها بنظرة أجفلتها علمت منها أن هناك عاصفة على وشك الهبوب، ابتلعت ريقها ولم تسأل بل ابتسمت والارتباك يحكم تعابيرها وصوتها أكثر تقول:
أصبر عليها يا حبيبي، أنا هروح أجيبهالك وتتفاهمـ...

فقاطعها بنظرة مختل متصلبة أوردة عنقه وتكلم بنبرة يشوبها التنفس الثقيل وصوته مبحوح وكأن الغل يحكمه:
لا... تروحي تجيبيهالي إيه بقا... أنا اللى هروح أجيب رقبة اللى خلفوها...دي واحدة يتبعتلها عزرائيل ياخد روحها...

نبس بجملته واستدار يتلفت حوله بجنون وعشوائية وكأنه يمسح المحيط حوله بحثًا عن شيء ما، كل تصرفاته والتفاتاته تحت أعين والدته المفزوعة التى تحاول جاهدة أن تستوعب كلماته المخيفة، لم تفهم ما قاله أو لم ترد أن تفهم فسألته بصوت خفيض مرتعش:
في.. في إيه يا ابنـ...

التفت بوجهه لها مميلاً  رأسه كقاتل متسلسل وبابتسامة شر مخيفة وأعين جاحظة نطق بصوت متجمد بارد:
وديني وأيماني هقتلها.. ده أنا هفضح أبوها... أنا تعمل فيا كدة؟...

ثم اتجه لحامل السكاكين أمام عيني أمه الهالعتان واستل إحداها يتكلم بطريقة أكثر هدوءاً لكن بحيح صوته ينبيء بمصيبة آتية :
هـقتلها.. قسمًا بالله... هطلع قلبها من صدرها أعصره بإيدي... قال وأنا اللى بقول إني ظالمها بنت الكلاب

اضطرب تنفسها مع رؤيته يتحرك تجاه باب المطبخ واستقامت تقف في طريقه صارخة وكل جسدها المسن ينتفض رعبًا ثم أمسكت يده التي تحمل السكين وقبضت عليها بعزم قوتها صارخة ودموعها تتكون فى مقلتيها:
إستنى طيب... بالله عليك كلمني.. فهمني... عشان خاطرى.... ورحمة أبوك.... سيب السكينة واتكلم معايا.

حنى وجهه نحو الأسفل تجاهها ثم رد بدون تفسير واضح:
مش هسيب السكينة إلا وانا داببها فى صدرها.... أنا تعمل فيا كدة؟.. ليه؟..-بأعين تصرخ-... ليه تعمل كدة... إيه اللى ناقصها!

شرد وبدأ صوته يضعف ولانت قبضته قليلاً، فانتهزت أمه الفرصة لتسحب السكين وترميها بعيدًا متكلمة:
طب فهمني يا ابني هي عملت إيه.. قالتلك إيه؟ طيب إهدى بس وفهمني..

رنين السكين على الأرض أفاقه من شروده وحفّز حواسه مجدداً وبخر الضعف واللين من جسده، بينما اقتادته أمه نحو مقعد طاولة التحضير وأجلسته كطفل صغير ثم ربتت على كتفه، في الوقت الذي كانت فيه شفتاه تستغيثان من أسنانه اللاتى تغتالها بشراسة، جلس وأعينه متسعة وبشرته السمراء تلمع من التعرق وانتفاض جسده مرعب بفضل خافقه الذي تسارعت نبضاته بسبب كل محاولاته المستعصية على استيعاب ما سمعه للتو منها، أي حمل وأي طلاق وأي محاكم، ماذا فعل حتى يسمع صوت تحطم حياته وانقلابها رأساً على عقب مجدداً وبطريقة أبشع؟

جلس بثبات وكأنه صنم، فقط تنفسه المتسارع هو ما يحرك صدره، وعقله فارغ سوى من جمل بسيطة أصبحت تخرج من شفتيه بلا عقل يحكمها:
ليه؟...ليه تعملي فيا كدة؟...ليه...ليه يا رقية!

كانت عينا أمه تراقبه باحتراق قلب على فلذة كبدها فهي لم تره فى هذه الحالة من قبل،  يبدو وكأنه يُجن أو أنه سيصاب بمرض يخطف أجله قريباً إن استمر هكذا، ابتلعت ريقها بصعوبة وسألته:
عـ... عملت إيه؟ رقية.. مالـ....

فقاطعها بالتياع وعيونه ثقيلة منكسرة يهز رأسه بنكران مجيبًا لها بصوت بحيح راجيًا:
لا لا...هي معملتش فيا كدة.. صح؟... لا... هي متعملش كدة... كانت بتهزر...

تنفسه المتسارع قطع صوته فأصبحت الكلمات والشهيق يتنافسان على فمه، ثم نظر لأمه وزوايا فمه تتجه للأسفل رغمًا عنه منذرة بأن دواخله تتحطم الآن، ثم نبس بصوت متوسل:
هي معملتش كدة صح؟ قوليلي يا أمي... رقية ما خانتنيش... يا أمي بالله عليكي قوليلي إن ده مقلب... لا لا لا.. هي معملتش كدة...

بدموع جارية وقلب محترق صرخت به أمه تهز كتفيه ليستفيق من حالة الهيستيريا تلك:
كلمني يا كريم... خانتك إيه بس يا حبيبي... أنا متاكدة إنها بتحبك...

سمع جملة والدته عن حب رقية له وشعر وكأن صدره يتصدع لشروخ عميقة جمّة، ثم تذكر آخر جملها "نقف قدام بعض في المحاكم" فتسارعت أنفاسه أكثر وأصبحت مسموعة بوضوح لأذنها، فأجبره الشعور المقتحم لصدره أن ينهض عنوة فسقط المقعد الذى كان يجلس عليه على ظهره، انحنى بجذعه وبدأ يضرب صدره بقوة بقبضة من فولاذ بينما يرد على أمه ودموعه تسيل:
هو أنا مفيش غيري من بين الرجالة اللى يعرف نسوان كدة؟ دي بتقولى إنها حامل... عايزة تلبسهالي... لأ وأنا الدغف اللى كنت بعملها الأكل اللى بتحبه!.. تلاقيها هي وال**** اللى عملت معاه كدة كانوا بيقعدوا يضحكوا عليا لما يموتوا...

صدحت ضحكته الخشنة بغضب  مسح وجهه بعنفوان ثم أكمل يصر على أسنانه:
لأ وبجبروتها بنت السيد تقولى نقف فى المحاكم...

فغر فم ڤيڤيان بدون رد بينما تحاول استيعاب ما قاله،  رقية حامل؟! وهي من قالت له! اكتسح صدرها شعور بالاختناق، أمامها ألف احتمال واحتمال لإمكانية حدوث هذا وكلهم أسوأ مما تحتمل أن تبوح به، أخذت شهيقًا ونظمت تنفسها ثم تكلمت:
يا كريم إهدا بس...

جملتها قد زادت الحطب فى نيران غضبه فانتفضت كل خلاياه وضرب ساق طاولة التحضير بقدمه فأناحها لبضعة مترات للخلف وبدأ يهدر أكثر مما سبق:
وديني وما أعبد هقتلها.. والله لأشرب من دمها.. هفضحها... عاملالى فيها خضرة الشريفة... أنا تعمل فيا كدة...

نطقها وهو يستدير إلى خزانه المطبخ مجدداً، بينما ارتعدت أمه وبدأت تتحرك بضعف خلفه وتتكلم بلهاث:
يا ابني الله يهديك إسمع بس

لف وجهه إليها بعيون جاحظة ودموعه متحجرة في مقلتيه وصوته مبحوح بالكاد يسمع:
أسمع؟ لا خلاص.. أسمع إيه بس... دي بتقولهالى بكل بجاحة...نقف قدام بعض في المحاكم!... محاكم ها؟..- استل سكين أكبر- طب طالما كدة كدة رايح المحكمة يبقى أروحها فى دمها...

يقولون أن النيران الزرقاء هي أكثر أنواع النيران فتكًا، وهكذا كانت زرقاوتيه متسعة بجنون ممسكًا أكبر سكاكين مطبخه نابسًا بشر مستطير واضعًا يده الأخرى على صدره يكمش بها كنزته:
بقا بعد كل ده تعمل فيا أنا كدة؟... لأ وتوصل للحمل وعايزة تلبسهالي!!..

صدحت ضحكة غليله المتّقِد بينما عيناه تذرفان المزيد من الدموع ثم صرخ بسخرية مريرة:
على الأقل الـ*** الأولانية كانت حريفة... بتنزل الملعب تلعب الماتش وتخرج نضيفة... إنما دي إيه...**

قبل أن يكمل السُبّة صرخت أمه بجُل قوتها:
لأ.... رقية متعملهاش...

التفت تجاه أمه بتعابير صارخة وامتعاض غير مصدق لما سمعه وتلفظ:
يا سلام؟ إيه ده إنتي بتدافعي عنها كمان.. شوف إزاي... يا ترا بتدافعي عنها ليه؟ عشان امها بتنقي بالطوهات حلوة؟

تجاهلت  سخريته الغبية وقاطعته بحزم بينما جسدها ينتفض:
أنا اصدق إنك تخف ولا إن رقية تعمل العملة السودا دي..

فصاح بها بكل احتمال قلبه وكأنه تهشم إلى مليون شظية صغيرة:
تاني بتاخدي صفهم... تانى بتاخدي صف الجنس ال**** ده تاني  و انا ابنك رامياه عادي كدة؟

تمركزت تقف أمامه لتمنعه من الطريق الذي يبتغيه بسكين طويل وصرخت هي الأخرى:
والله العظيم يا ابني في سبب.. والله في سبب...هات السكينة بس وإسمعنى ولو مقتنعتش أنا هديهالك بنفسي

رفع السكين للأعلي بعيداً عن متناول ڤيڤيان وأنزل رأسه قريباً من وجهها وتكلم بإسلوب وقح:
أيوة أيوة إضحكي عليا وداري عليها زي ما لبستيني فى اللى قبلها... ما أنا شُرابة الخُرج اللى إنتي بتستخدميها عشان تحققي أحلامك... بتدافعي عنهم ليه؟ لقيتيني فى الشارع؟ ده لولا الشبه بيني وبينك كنت شكيت إنك إنتي أمي...

كانت كلماته أقسى من احتمال قلبها فصفعته بدون رجفة عين فتسمر فى مكانه، كانت تلك المرة الأولى التى يُصفع بها من والدته فضرب غضبه عنان السماء وهدر:
بتضربيني عشان واحدة *****

فرفعت عكازها وهوت به على رأسه وصرخت:
أنا سكتلك كتير... لكن ألفاظك القذرة دي ماتتقالش قدامي تاني... أنا مش هسمح بيها... أنا مش بدافع عنها يا متخلف يا عديم التربية .... أنا مش هبدّيها عليك يا غبي...والله العظيم في سبب إني أشك إنك بتخلف...

كـسكين حاد سلكت جملتها طريق غضبه فأصبح إكماله عسيراً عليه، توقف كريم للحظة ينظر لها بتشوش واضح بينما هي استدركت لتنتهز لحظة هدوءه مباغتة له بطلب وصوت يترجى:
تعالى معايا.... تعالى بس والله في سبب إسمعنى ولو مقتنعتش أنا هجيبلك حقك من رقية وأهلها واحد واحد..

نبس بدون وعي:
بخلف؟... أنا؟

لم ترد عليه بل سحبته فى يدها وكأنها تسحب جبل متشبث بالأرض ودخلت لغرفتها، أجلسته على سريرها ثم تحركت لدرج داخلى فى خزانة ملابسها، أخرجت منه شيء فضي في قبضة يدها ثم عادت تجاهه وارتمت تجلس بجواره على طرف الفراش لاهثة ثم تكلمت وأنفاسها تقطع طريق الكلمات:
هات إيدك... افتح إيديك يا ابني ما تغلبنيش..

فتح كفيه كالمنوَّم أو ربما المهلوِّس بأعين غير مركزة ينظر فى شريطي الأقراص الطبية اللذان وضعتهما أمه في يده، كان واحد به حبتان غير مأخوذتان وآخر به حبوب كثيرة صغيرة مأخوذ منها ربما أقل من النصف تكلمت بصوت منتفض تشير لهم:
وأنا بنضف أوضة نومك القديمة... لقيت دول

هز رأسه ونطق بإسلوب سخرية:
وده إيه ده إن شاء الله؟

زمت شفتيها تحاول ابتلاع سوء أدبه وزفرت تشير للشريط المكتمل ثم الآخر:
دي حبوب منع حمل يا كريم... فهمت؟

ضحك باستهزاء ونفضهم من يده على الأرض ثم تلفظ:
والله مش فاهم الصراحة... أنا مالي بالقرف ده!

عضت داخل شفتها تحاول السيطرة على غضبها ثم تكلمت:
دول بتوع جليلة...

رفع عينيه بامتعاض لها ونبس بإسلوب ساخر أكثر من سابقه:
أوه يا الهي...جليلة هانم شريفة الأتراك بنت سلطع بابا كانت بتاخدهم...طب وأنا مالى؟ مهو حبايبها كانوا كتير برضو..

ارتسمت ابتسامة مريرة مليئة بالاشمئزاز على وجهه، بينما زفرت أمه حنقها ونبست بنفاذ صبر وصوت محترق علّه يفهم:
بص يا ابني خليني أبينلك اللى الدكتور قالهولي... ده نوع للطواريء وده نوع بيتاخد كل يوم...

أفتر ثغره عن ابتسامة متقززة ورد:
أيوة يعنى أعمل إيه مش فاهم؟ ما أنا بقولك حبايبها كتير يبقى هتحتاج براشيم كتير عشان تلم العك اللى كانت بتعكه..

أغمضت عينيها تدافع الغيظ فزفرت وأوضحت:
يا أغبى خلق الله...ما هما لو كانوا عشان حباببها كانت هتحطهم فى شنطتها أو فى المكان اللى كانت بتعك فيه.. ليه محطوط نوعين منهم تحت مفرش درج الكومودينو جنب سريرك إنت؟

صدى ضحكته الجهورية الغاضبة ملئت غرفتها ثم نطق بمرارة:
طب ما إحنا قافشينها هنا... ما يمكن كانوا بيجولها وإنتى مش عارفة!  إيه اللى يخليهم عشاني أنا!... إنتي عليكي حجج تشل والله..

عضت شفتها العلوية من أسلوبه البشع ثم نطقت بنفاذ صبر:
هيجيلها هنا إزاي وأنا مش ببات برة... أنا حتى مبخرجش مشاوير قريبة ولو رحت لدكتور مش بتأخر.... ده المرة الوحيدة اللى قولت فيها إني هبات برة؛ كانت المرة اللى رحتلك فيها الساحل عشان أرجعك معايا ونعملها المفاجأة... إنت عارف ده كويس!

سكن لثوانٍ وكأن حجتها تخترق حصون نية انتقامه المنيعة، لكن شيطانه هيأ له أنها تحاول إنقاذ رقية بأكاذيب فتلفظ بعنجهية:
يعنى إنتي عاملة كل الفيلم ده عشانها؟... تستاهل هي بقا؟ ليه؟  هي أغلى مني مش كدة؟...

نكست رأسها بغيظ وزفرت بقوة ثم نظرت له ومقلتاها المشابهتان لخاصته تكادان تسقطان عليه:
بقولك إيه يا ابني.... أنا لا بدافع عنها ولا بعمل فيلم... أنا بقولك اللى لقيته....

ضحكة سريعة ساخرة صدحت منه ثم تكلم:
وده مطلعش إلا دلوقتي ليه طالما بتقولى على اللى لقيتيه؟. مفكراني هصدق اللعبة دي؟.. إلعبي غيرها يا أمي.. جربي حاجة تانية.. إيه رأيك تقوليلي اغتصبوها غصب وحملت منهم...ولا مثلاً طلع حمل كاذب عقبال ما تاخديها تنزله وتقوليلي فهمناها غلط ...مهو إنتى كدة...هما عندك أولى وأحسن مني..

قبضت كفها على كف اليد الأخرى تحاول السيطرة على انفعالها وغيظها من سفالة ردوده ثم تنهدت بيأس ونبست بصوت منخفض:
مطلعوش إلا دلوقتى عشان خوفت يا كريم... خوفت أوريهولك وتفرح وتروح تكشف ويطلع مفيش أمل.. أنا وقت لما لقيتهم كنت شاكة إنها بتاخده عشانك إنت أو لا.... مع إن مفيش سبب يخليها تخبيه فى أوضتك غير كدة.... لكن بعد ما مراتك قالت إنها حامل دلوقتى.... أنا كدة اتأكدت..

نظر لها بأعين يهدر منها الغضب قبل صوته ونبس:
يعنى إنتى واثقة فى الست رقية الشريفة ومش قلقانة إني أنا أروح أكشف وأجيبلك نفس النتيجة اللى فاتت... ولا لا خليني أصيغها بطريقة أحلى..إنتى عايزانى أغفر للست رقية الطاهرة وأربي عيل مش إبني عشان البوقين دول؟

وعندها انفلت عقد أحكمته حول غضبها وبدأت تصيح بيأس تناجي قلبه المتجلد:
لا.. إنت عديت كل عقل ومنطق وأدب.... روح يا ابني إكشف... روح حلل ووريه لدكتور وسيب البنت... كفاية اللى هي فيه... كفاية إنها بتلم قرف حد تاني.. فكر كدة لو طلعت بتخلف...متخيل هي مضطرة تتعامل مع إيه؟

أفتر ثغره عن سخرية ونظرة شرسة متحدية ملأت عينيه ثم  تكلم ببطء وغيظ:
هي هي هي..طب وأنا؟ -تنهد بـغل ثم أكمل - ماشي... أنا هروح أعمل تحليل وأجيب الورق وهروح أرميه فى وش أبوها الراجل أوي.. وبعدها عداني العيب لما اجيب رقبة اللى جابها تحت رجلي..

قبضت يدها على عكازها تحاول أن تُخرج فى مسكتها القوية كل الغيظ ونطقت به بنفاذ صبر:
آه روح.. روح ومترجعش هنا إلا والورق في إيدك يلا امشي.

نزلت عليه جملتها وكأنها مسمار النعش الأخير، بأعين جاحظة ممتعضة رمق أمه وصاح بها بدون حسبان:
إنتي بتطرديني؟... أنا؟ إبنك؟.. عشان واحدة زبالة بنت***

قبل أن يُكمل السُبّاب القذز مجدداً قلبت عكازها وأخذت تضرب كتفه بقلة حيلة، بينما شهقاتها تتعالى كطفلة يائسة وليست امرأة تخطت الخمسينيات من عمرها تتكلم وصوتها يتداعى:
يا حيوان..والله حرام عليك...أنا مش بطردك، أنا بقولك إتأكد... هتخسر إيه لو كشفت؟ إنما لو أذيتها وبعدها اتأكدت إن اللى في بطنها ده يبقى إبنك هتعمل ايه؟... إنت متخيل هتحس بإيه؟..أو هيحصلك إيه؟
كانت
وقفت كحامل السهام وكلماتها هي الرمي الذي يرشق فى نابضه المتردي، كلماتها كانت تخترقه بقسوة، كل ما يدور بخياله كيف لأمي أن تقف في صف غيري مرة أخرى، في صف زوجة خائنة أخرى، ركدت انفعالاته وسكنت كلماته بينما جسده يرتد بحركة طفيفة بفعل ضربات عكازها، تجمدت تعابيره بنظرة فارغة وأصبح قلبه ككيس قماشي مهترىء يحمل بداخله فتات زجاجي يمكنه سماع صوت خشخشته مع كل حركة وانتفاضة يصنعها، أغمض عيونه وأمسك العكاز أخيراً قبل ان يصطدم به مجدداً ثم استقام ونبس بصوت مثلج مرعد:
هروح أجيب الدليل إني مبخلفش... عشان أنا مش عيل صغير هيدخل عليه الفيلم الهندي اللى انتي عملاه ده... ولما أجيبه وأرجع أنا مش هرحم حد... فاهمة يا أمي.. مش هرحم جنس مخلوق...

كلماته ألقاها على أمه ثم استدار وتحرك ليخرج من حجرة والدته إلي صالة منزلهم ثم إلى الحديقة بينما كلمات رقية من جلستهم الأولى يتردد صداها فى ذهنه:
«لو اللى بتحبه خانك هتتكسر، هتسأل 100 سؤال أولهم ليه! مش هيبقى سهل عليك إنك تتكلم ببساطة كدة» وكأن لصوتها مذاق كالمُر العلقم فى حلقه، أسدل جفونه لنصف عينيه ينظر بأعين ميتة لخطواته الثقيلة أمامه متذكرًا هتافه منذ قليل، ومازال هناك ألف سؤال وسؤال يدورون حوله صارخين لماذا فعلت هذا به!

رن صوتها فى أذنيه بجملة أخرى وكأنه يتعرض للتعذيب:
« هيطلع منك الكلام بحرقة، ومش هتكون مصدق اللى حصل منه وجزء منك بيقول لأ مستحيل يعمل فيا كدة»، ثم تذكر توسلاته لأمه منذ برهات قليلة علّها تخبره أن رقية كانت تمزح أو أن الامر كله ليس حقيقي، هلعه وشعوره بأن قلبه يدهس وأنفاسه كأنه يصّعد فى السماء عند تخيلها تهمهم لرجل آخر أو أن تُداعِب شعراتها البنية الطويلة التي كان يعشق أن يلفها حول أصابعه بيد غيره.

تسلل صوتها الذي يعشقه مدمرًا جدران قلبه عندما تذكر: « إنت لو كنت بتحبها كنت هتقولها وعينيك بتشكي»، وعندها شعر بأن ذلك الحرير البني الذي أحب اللعب به قد أصبح مشنقته وانه التف حول عنقه دونًا عن أنامله عندما رنت الجملة الأخيرة فى خاطره وكأنها تحمل فى يدها مطرقة ضخمة تهدم كل دواخله إلى حطام وأنقاض، فسقطت رأسه على مقود سيارته المتوقفة يبكي عند إدراكه البشع أنه أحب امرأة مثلها خانته حتى النخاع رغم علمها بما حدث معه سابقًا.

رفع رأسه المتألم بجفون مغلقة وأخذ شهيقًا ضعيف وتنهده بمرارة، فتح عيناه اللتان تحترقان وأدار المحرك وتوجه إلى أدق معملين للتحاليل يعرفهم طالبًا منهم أن يقوم بتحليل حفظ اسمه عن ظهر قلب، فهو لم ينسى أبداً المصطلحات التي أودت نتائجها بأحلامه منذ أكثر من ثلاث سنوات في أول شهور زيجته الأولى.

꧁ماذا لو، يومًا ما꧂

يتبع..

شاركوني بأكتر اجزاء حبيتوها فى الفصل

ايه توقعاتكم للي جاي...

متنسوش التصويت⭐⭐⭐☹️ عشان انتم بتنسوا💔
باقي 3 فصول فقط.. شاركوا النوڤيلا عشان تشجعوني ❤❤

Continue Reading

You'll Also Like

466K 21.6K 34
احبك مو محبه ناس للناس ❤ ولا عشگي مثل باقي اليعشگون✋ احبك من ضمير وگلب واحساس👈💞 واليوم الما اشوفك تعمه العيون👀 وحق من كفل زينب ذاك عباس ✌ اخذ روحي...
19.6K 1.6K 10
نوڤيلا رومانسية حزينة تدور في إطار الأكشن بفكرة خارج الصندوق💙!
159K 7.7K 35
وربما في قضاء الله أفضل لنا من اختيار طائش منا... وربما بعد الضيق فرح تبكي من أجله العين 🖤🖤