ألفا القمر الأحمر ..Alpha Red...

By Aisha-kasem40

2.5M 108K 35.6K

في ليلة غير كل الليالي حيث كان القمر المكتمل هو بداية لكل شيء كانت فتاة شابة تجلس أمام نافذتها وهي تحدق به كك... More

مقدمة
الشخصيات
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
Note
33
34
35
36
37
38
39
40
The End:41
The special part
Instagram account

32

42.9K 2.1K 754
By Aisha-kasem40

(كل عام وأنتم بخير أحبائي وعيد سعيد لكم جميعاً❤❤ لقد عدت لكم كما وعدتكم بأول يوم العيد ببارت طويل كتعويض عن إجازتي في رمضان فأرجو أن ينال إعجابكم وأيضاً أحببت أن أقول بأن البارت القادم في هذا الأسبوع قد يتأخر بسبب العيد ومشاغله ولكن لا تقلقوا سأحاول الكتابة بأول فرصة أجدها وفي الأسبوع القادم سأعود للنشر المنظم بدون إنقطاع إن شاء الله😘❤)

(بداية وقبل كل شيء حابة خبركم إني عدلت كلمة دادي إلى بابي والي أخذتها من بابا مع أني كنت كاتبتها بنية طيبة وكدلع لا أكثر وما فكرت هيك حيصير من الأصل🥺 ولكن من كتر التعليقات السلبية إلي فهمتها غلط كرهت هالكلمة و دورت بجوجل خصيصاً لدلع الآباء واخترت هذا الدلع😂😂😂 منشان ما تشككوا بنية بطلتي مع أبوها😭😭 ومنشان ترتاحوا نفسياً وأنا كمان أرتاح معكم🌚😂😂😂😂)

PERIA POV

أشعر نفسي خفيفة بشكل غريب ..

وكأنني أحلق في الفضاء بلا أجنحة ..

ولكني أشعر بضيق شديد في صدري ..

وبقطرات ماء تتساقط على وجهي جعلتني أجعد حاجبي ولكني لم أستطع فتح عيناي أبداً ..

صوت حنون غريب ولكنه مألوف إلتقطه أذني فجأة:

"لا تستسلمي بيرلا كوني قوية"

بيرلا ..

أهذه أنا؟! ..

لا أدري حقاً ..

جسدي خامل بالكامل وذاكرتي مشوشة جداً ..

ولا أعلم أين أنا؟ ولا ماذا حدث لي؟! ..

قطرات المياه لا تزال تسقط على وجهي مما جعلني أقاوم ثقل جفوني وأفتح عيني ..

وأول شيء رأيت أمامي كان وجه امرأة جميلة بعيون خضراء وشعر أشقر مائل للبياض ..

كنت نائمة على أرض جليدية صلبة وكان رأسي في حجرها وهي تتلمس شعر وتناديني ..

كانت تبكي! ..

ودموعها تسقط على وجهي! ..

"قاومي بيرلا أنت أقوى منهم ومن الألم"

صوتها الرقيق أيقظني من شرودي بها عندها لمعت أمامي ذكرى وحيدة جمعتني بها ..

إنها المرأة التي رأيتها في الحلم!! ..

"بيرلا استيقظِ"

صوتها أعادني للواقع وفجأة مرّ شريط حياتي أمام عيني بسرعة مذهلة ..

ثم وجدت نفسي أقف أمام البحيرة وحيدة وضوء أحمر يملأ المكان جعلني أتلفت حولي بخوف ..

عندها رفعت رأسي للأعلى حتى أعلم مصدر هذا الضوء الغريب ..

فخفق قلبي بشدة وتسرب الخوف اللا إرادي إلى جسدي عندما رأيت القمر الأحمر يتوسط السماء ..

ليس مجدداً !..

همست برعب وأنا أفكر بما يحدث لي ولما أنا أما بحيرة مجدداً؟ ..

عندها انتفضت والتفت للخلف بسرعة عندما سمعت صوته المألوف والخائف يهتف بقوة:

"احذري بيرلاااااا"

ارتجف قلبي بشدة وانكتمت أنفاسي للحظة وأنا أرى إيتن أمام عيني إلا أنني في اللحظة نفسها شعرت بشيء يخترق جسدي ..

شهقت بألم ورعب وأنا أحدق بإيتن الذي ينظر إلي بوجه شاحب وجسد متجمد إلا أنني وسعت عيناي برعب عندما رأيت أسوأ منظر قد مرّ على عيني في تلك اللحظة ..

وهو عندما تقدم رجلان بسرعة وغرزا سيوفهما بجسده حتى آخر رمق ..

فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أنحني ممسكة صدري وأصرخ بلوعة:

"إييييتن"

نظراته المتألمة والحزينة كانت تناظرني بلا انقطاع وكأنه لم يشعر بألم الطعنات ..

وعندما أخرجا السيفان من جسده بقوة وجدت جسده يترنح وشهقة متألمة خافتة خرجت من بين شفتيه ..

ووصلت إلي على الرغم من أنه يبعد عني مسافة ليست بقصيرة ..

أردت أن أركض نحوه وأبعد الرجال عنه ..

أن أحتضنه وأن أهتف له بأنني لن أتركه أبداً وأنني أحبه ..

ولكن جسدي الضعيف خانني فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أغمض عيناي وجسدي يترنح للخلف قبل أن أقع في البحيرة بعمق ..

للحظة المياه الباردة التي صفعت جسدي فجأة أزالت خموله وأعادت وعي ..

فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أكافح تحت الماء متجاهلة إصابتي وأحرك أطرافي بعشوائية جعلت فقاعات الماء الهوائية تنتشر حولي بكثافة وأنا أصرخ بصرخات مكتومة محاولة أن أصل للسطح مجدداً ..

أريد أن أصل إليه !..

أرجوك يا إلهي !..

ولكنني بدل أن أجد نفسي أرتفع أحسست بشيء يسحب جسدي للأسفل ..

تلك القوى الخارقة للطبيعة سحبتي ومنعتني من الوصول إلى حبيبي ..

لم أكن أريد أن يحدث هذا ..

لم أكن أريد أن أتركه بهذا الشكل ..

ليس بعد أن أصيب بسببي ..

ليس قبل أن أخبره بمشاعري ..

لم أكن لأتركه يموت وحده هكذا ..

دموعي كانت تختلط بمياه البحيرة على الرغم من أنني لم أعد أفرق بينها وبين الماء إلا أنني أشعر بنفسي أبكي ..

كنت أبكي لما حدث لنا ..

وكيف افترقنا ..

كيف خسرته للأبد ..

جسدي كان مقيداً وخائر القوى وشيء غريب يحدث حولي ولا أعرف كيف أن أصفه أو أشعر به ..

وأصوات غريبة ملأت محيطي دون أن أفرقها أو أفهمها من شدة كثرتها .. إلا أنني أشعر بشيء واحد ..

أنا أتألم بشدة ..

روحي تتألم على فراق إيتن بهذا الشكل ..

لحظات وشعرت بالظلام يظهر حولي ويستبدل بدل الماء عندها نظرت حولي بذعر قبل أن أصرخ وجسدي يتشنج معي من شدة ألمي ورعبي ..

فشهقت بقوة وأنا أرتفع بجذعي بسرعة وأفتح عيناي على وسعها بعد أن استيقظت من هذا الكابوس ..

لهت بشدة ووسعت عيني بصدمة عندما وجدت نفسي على سريري وفي غرفتي! ..

أكان كل شيء عشته هو حلم؟! ..

هذا أول سؤال خطر ببالي ..

ولم أشعر سوى بحضن دافئ يلفني ورائحة مألوفة دخلت لأنفي بينما أشعر بيديه الحنونة تقيد جسدي وتسحبني إلى صدره ..

إنه أبي! ..

ذبلت عيناي عندما شعرت برغبة في البكاء بحضنه لأخبره كم اشتقت إليه وماذا حدث معي حتى وصلت إليه ..

ولكن الصدمة التي شعرت بها جمدت عقلي وجسدي
وكانت أكبر بكثير مما أحتمله ..

فقد كنت في تلك اللحظة أسعد وأتعس فتاة على وجه الأرض ..

لأنني عدت إلى حضن والدي ولكنني خسرت الرجل الذي أحبه بالمقابل ..

فلم أشعر إلا بدمعة ساخنة سالت من عيني ببطء قبل أن تلحقها أخريات

"اهدئي طفلتي لا تخافي أنا معك الآن لن أسمح لأحد بأذيتك"

ابتلعت ريقي وأنا لا أزال أبكي بصمت وجسدي لا يزال متصلب ..

وكأنني لا أزال أعجز عن تصديق بأن ما عشته في تلك الأيام كان مجرد حلم ..

ابتعد عني أبي ومسح دموعي برقة وهو يردف لي بطمأنينة وحنان:

"اهدئي طفلتي كل شيء سيكون بخير لن أدع أحداً يأخذك مني ثانية"

حدقت بوجهه الذي اشتقت إليه ملياً ولم أستطع سوى إخراج تلك الكلمات التي كانت تدور برأسي:

"ماذا حدث؟ كيف وصلت لهنا؟"


ابتلع ريقه بقلق وأردف لي بتوتر واضح:

"طفلتي لقد صحيت لتوك لذا سنتحدث بالأمر لاحقاً لا تقلقِ كل شيء بخير أنا بجانبك ولن أتركك ثانيةً"

للحظة شعرت داخلي بالقلق من كلماته وعينيه التي قالت لي الكثير إضافة لأنني أردت أن أعلم كيف استطاعوا الوصول إلي في البحيرة وإنقاذي ..

فأمسكت بيد أبي بيدي السليمة وأنا أنظر للأخرى التي يعلق بها أنبوب المغذيات الطبي وأردف بإصرار وغصة:

"أبي أنا بخير ماذا حدث؟ وكيف وصلت إلي؟ أخبرني أرجوك"

رأيت ملامحه تتجعد وتتألم قبل أن يردف لي بحزن وهو يمسكني من يداي برفق:

"لقد اختفيت منذ شهر وقبل عشرة أيام أتى وصلنا إتصال بأنك في مشفى عام بعد أن وجدك رجل مرمية على ضفة النهر الذي يمر في المدينة وأنت مصابة بطلق ناري لذلك أسرعنا وذهبنا للمستشفى ورغم خضوعك للعملية ونجاحها إلا أنك بقيت في غيبوبة لعشرة أيام وها أنت تستيقظين طفلتي"

توسعت عيناي بصدمة وتوقفت عن البكاء وأنا أحدق به بجمود وأسمتع لكلماته التي كادت أن تفقدني عقلي ..


عن أي نهر يتكلم؟! ..

ومن الذي أنقذني وأخذني للمشفى؟ ..

ألم أكن هنا في البحيرة فكيف وصلت للنهر؟ ..

وهل حقاً أنا نائمة منذ عشرة أيام؟ ..

بسبب طلق ناري!! ..

ما الذي يحدث بحق خالق السماء؟!!!! ..

خرجت من أفكاري وأنا أتلمس صدري مكان السهم الذي أصبت فيه قبل وقوعي في البحيرة وبالفعل شعرت بالوخز مكانه ..

فكرت برعب إن كانت إصابتي حقيقية فكيف لها أن تكون نتيجة طلق ناري وكيف لي أن أصل للنهر في وسط المدينة ..

إلا أنني خرجت من أفكاري مجدداً على صوت أبي القلق وهو يمسك بكتفاي برفق وينظر إلي بتوجس:

"بيرلا طفلتي لا تخافي رجال الشرطة معنا وهم يبحثون عن الأشخاص الذين فعلوا بك ذلك فلا داعي للخوف وهم معنا وسيحموننا لا تفكري بالأمر المهم بأنك عدت إلي بخير"

عقدت حاجباي بعدم الفهم وقلق ثم أردفت له بتوتر واضح:

"ما الذي تقصده بابي؟ أنا لا أفهم ما تقوله"

عقد أبي حاجبيه باستغراب وأردف لي بهدوء وعينيه تدرس تعابيري بتوتر:

"بعد اختفاءك قدمت طلباً لدى الشرطة حتى يبحثوا عنك وبالفعل بحثوا كثيراً ولم يجدوك ولكن عندما وجدك ذلك الرجل عند النهر وأخذك للمشفى عندها حضرت الشرطة لهناك بسبب ما حدث لك لذا رجّح رجال الشرطة بأنك كنت بأيدي أحد العصابات تلك الأيام وأنهم هم من فعلوا بك ذلك ورموك في النهر كما فعلوا بفتيات أخريات مؤخراً اختفين مثلك ووجدت جثثهم في النهر .. ما الأمر صغيرتي؟ ألم يحدث لك؟ هل أنت بخير؟"

رمشت بصدمة من كلامه هل جننت أم أنني لم أعد أستوعب ما يحدث حولي؟! ..

ما هذا الجنون؟!! ..

عن أي عصابة يتكلم؟! ..

وعن أي اختطاف؟! ..

بل كيف وصلت لذلك النهر من الأساس؟! ..

عقلي لا يستوعب ما يحدث حولي أبداً!! ..

عقدت حاجباي باستنكار وأنا أحدق بأبي بشرود ولا أدري كيف أقول له ما حدث معي؟ ..

نظراتي المستنكرة المتوترة وأنا ضائعة بأفكاري كانت ظاهرة أمامه إلا أنه ظنّ بأن بصمتي كنت أتذكر ما حدث وخائفة فاحتضنني إلى صدره الدافئ ومسح على شعري برقة وهو يهدئني بكلماته ..

إلا أن ذلك لم يخفف من حمل قلبي أبداً ..

فقد كنت في حالة صدمة كبيرة ..

فكيف أن يحدث ذلك لي؟ ..

من المستحيل أن يكون كل شيء حدث معي مجرد حلم ..

أنا أثق بأن أبي لا يكذب علي ولكن لا أستطيع أن أستوعب ما يقوله ..

إيتن لم يكن حلماً ..

بل هنالك خطأ ما ..

أنا لم أكن مختطفة بل كنت مع الرجل الذي يعشقني بجنون ..

الرجل الذي تركته بين الحياة والموت ..

تعالت أنفاسي وتصاعدت دقات قلبي بسرعة ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أبعده عني وأهتف باضطراب وانفعال:

"لا أنا لم أكن مختطفة بابي أنا لم أكن مع أي عصابة هنالك خطأ ما أنا كنت في مكان آخر وبُعد مختلف فيه أناس خارقين وليسوا ببشر لقد بقيت معهم طيلة ذلك الوقت بعد أن وقعت في البحيرة في تلك الليلة بابي لقد ساعدوني لإيجاد طريقة للوصول إليك ولكنني لم أستطع إلى أن ظهر القمر الأحمر عندها.."


صمت ألتقط أنفاسي وأنظر إلى وجه والدي الذي يملأه الدهشة أو الصدمة وكأنني أبدو كمجنونة أمامه عندها تنفست بعمق أحاول أن أجد طريقة أجعله يصدقني ..

نظرت حولي باضطراب عندها تذكرت السوار الذي أهداني إياه إيتن فانتفضت وأنا أفحص يدي وأوسع عيني وأنا أهتف لأبي بخوف واضطراب:

"بابي السوار؟ أين سواري بابي؟"

"اهدئي صغيرتي انظري إلي أنت بخير اهدئي فهذا سيزيد حالتك سوء"

هتف والدي وهو يمسك كتفي بينما أنا أضغط على ساعدي بقوة وأنظر حولي على الخزائن لعلي أجده وأردد بأين سواري وعندما لم أجده نظرت إلى أبي وأنا أمسكه من قميصه وأهتف له بخوف:

"أبي إنه سوار متصل بخاتم ويتوسطه شكل القمر إنه مهم بالنسبة إلي وكنت أرتديه قبل مجيئي إلى هنا أين هو؟ أرجوك!"

نظرات أبي القلقة كانت تطالعني قبل أن يردف لي بخفوت وهدوء:

"صدقيني صغيرتي لم يكن معك أي سوار بهذه المواصفات لا بدّ بأنك تتخيلين اهدئي فأنت متعبة ولا يجب أن تنفعلي هكذا"

رمشت بصدمة وأنا أحدق به وهو يمسح على وجهي برقة كنت لا أستوعب أي شيء حولي ومن دون أن أشعر تلمست عنقي لعلي أجد قلادتي التي أهداني إياها فليغون ..

ولكنني لم أجدها أيضاً ..

عندها توسعت عيناي بذعر وأنا أنكمش على نفسي وأحرك قدماي حتى أجلس بشكل أفضل وأنا أحدق حولي باضطراب ..

رغم سماعي لكلمات أبي وهو يحاول أن يجعلني أستلقي إلا أنني رفضت وأنا أنفي برأسي قبل أن أهتف بحرقة:

"لا هو لم يكن حلماً هو ليس حلماً"

عندها ابتعدت عن أبي ونزلت عن السرير بسرعة وركضت خارج الغرفة مجاهلة ألم قدماي المتشنجة بسبب غيبوبتي الطويلة ..

نزلت عن الدرج بسرعة وأنا أتجه للخارج متجاهلة صوت والدي الذي ناداني ..

كان علي أن أتأكد قبل كل شيء بأن ما عشته ليس حلماً ..

والطريقة الوحيدة هي عثوري على البحيرة ..

البحيرة التي أخذتني وأعادتني إلى هذا العالم ..

وعندما فتحت باب المنزل وأردت الخروج اصطدمت بجسد شاب كاد أن يدخل ومعه أكياس بها حاجيات وخضار تناثرت على الأرض بسببي ..

ولكنني لم أهتم حتى للنظر إلى وجهه وشققت طريقي بأقصى سرعتي إلى الغابة وأنا أسمع عواء كلبي الحبيب أوليفر خلفي ..

ركضت وأنا أشهق وأبكي وأنظر حولي للمكان الذي بتّ أحفظه عن ظهر قلب بسبب كثرة سيري به ..

ولم أهتم للبرد القارص ولا للثلج الذي كان يغطي المنطقة بكثافة ولا لأني حافية القدمين ..

ولكنني أردت أن أتحقق من أن ما عشته ليس وهماً ..

وأن إيتن وفوكسارد حقيقيان ..

وأنا لست أهلوس ولا مجنونة ..

مرّ وقت ليس بطويل حتى وصلت للبحيرة فوقفت أحدق بها وأنا أبكي بحرقة وأتذكر ما حدث معي في أخر لحظاتي في ذلك العالم ..

"إيتن .. فوكسارد أنتما حقيقيان أنا لست بمجنونة"

صرخت بأعلى صوتي بين شهقاتي وتقدمت إلى البحيرة ودخلتها وأنا أهتف بحرقة:

"إيتن لا تستسلم أرجوك أنت لا تزال حياً أجل لا تزال حياً أنت وفوكسارد لم ترحلا للأبد لم تتركاني إيتن.."

تخبطت بالماء ولم أهتم لبرودتها ولا لأن جسدي كان يرتجف بشدة وبقيت أحدثهما وكأنهما أمامي وأنا أبكي وأناديهما عبثاً ..

وبعد مدة خرجت من الماء وجلست أمام البحيرة أرتجف وأنا أعتصر صدري بسبب ألم قلبي الذي داهمني وانحنيت للأسفل وأنا أئن بألم ..

لم أكن أتحكم بارتجاف جسدي ولا بنبضات قلبي المتصاعدة ولكن في ذلك الوقت ضربت ذاكرتي بعض الكلمات التي أخبرني بها إيتن من قبل:

لا تقلقِ سنكون بخير طالما أنت بخير حتى ولو كنت بعيدة عنا تأكدي قلبنا سيبقى ينبض طوال ما بقي قلبك ينبض ..

عندها رفعت رأسي وهدأت أنفاسي وأنا أحدق بشرود ثم نظرت لكلبي أوليفر الذي يخرج عواء حزيناً وهو يقرب وجهه من وجهي وكأنه حزين معي ..

ومن دون أن أشعر تذكرت فوكسارد ..

وامتلأت عيناي بالدموع مجدداً ..

إلا أنني همست بتصميم:

"هما لا يزالان على قيد الحياة أنا متأكدة فقلبي لا يزال ينبض هما بخير أليس كذلك أوليفر؟"

أنهيت كلامي بارتجاف واضح وأنا أحدق بأوليفر وأقاوم البكاء ..

مع أنني أعلم أنها مجرد أوهام غير صحيحة وأن نجاته من تلك الإصابة بدوني شبه معدومة إلا أنني راضيت قلبي وأخبرته بأن إيتن قوي وسيتجاوز ألم هذه الإصابة أيضاً ..

لم أستطع تقبل موتهما ..

ولكني عندما تذكرت إصابته بالسهام وكلام غريكس وأوليندا بأنه لم يكن ليصمد لولا بقائي معه تلاشت جميع أوهامي التي أحاول تثبيت نفسي بها ..

فأخفضت رأسي للأسفل وأنا أنفجر ببكاء مرير عندما أدركت بأن كل شيء قد انتهى ..

وأنني خسرت إيتن وفوكسارد للأبد ..

عدت بعد ذلك للمنزل وأنا بالكاد أسير بسبب ارتجاف جسدي ولكنني ببقائي بجانب البحيرة وافراغ قلبي استطعت أن أخرج من صدمتي وأحاول التفكير بعقلانية ..

فإن كانت البحيرة موجودة فهذا يعني بأن هنالك أحد قد تلاعب بالأمر وأخذني من البحيرة ذلك اليوم إلى المشفى ..

ولا شكّ فيه بأنه هو نفسه من أخذ قلادتي وسواري ومشط الشعر الذهبي خاصتي ..

ولكن كيف سأجده وأعيد منه أشيائي فهي آخر ذكرياتي مع إيتن وعلي استعادتها ..

وبمجرد أن دخلت للمنزل وحدقت بشحوب بوجه أبي القلق الذي اتجه نحوي ونظر لحالتي بذعر وأنا أرى تعبه الظاهر على وجهه ..

عندها وعيت لنفسي وأردفت له بتقطع وأنا أمشي نحوه:

"بابي أنا بخير لا تقلق سأصعد لآخذ حماماً"

أومأ لي وتقدمت إلى السلم محاولة تخفيف ارتجاف جسدي قدر الإمكان حتى لا أُقلق أبي أكثر ..

إلا أنني توقفت وعقدت حاجباي عندما وجدت شاباً في العشرينات ذو شعر كستنائي وعيون عسلية فاتحة يخرج من المطبخ ويحدق بي ..

أهذا هو؟ ..

همست لنفسي بغضب ولم أستطع منع نفسي من الغضب والنفور عندما فكرت بأنه هنا من أجل خطبتي ..

فصعدت سريعاً ولم أعطه مجالاً حتى ليتكلم وعقلي بات يؤنبني على هذه الفكرة التي أتته فجأة ..

وأول شيء فكرت فيه وأنا أدخل لحمامي هي طريقة عقلانية أستطيع شرح ما حدث معي لأبي حتى لا يظنني مجنونة ..

كما حدث منذ قليل ..

وحتى أتخلص من ذلك الشاب فأنا لم ولن أكون لغير إيتن مهما حدث ..

حتى ولو بقيت عازبة ووحيدة لآخر حياتي ..

مضى الوقت وهبطت للأسفل وأنا أشد كنزتي الصوفية على جسدي بإحكام بعد أن أخذت حماماً دافئاً أعاد الدفء لعظامي وأرخى عضلاتي المتشنجة ..

وعندما نظرت حولي وجدت أبي كان يلاعب أوليفر وبمجرد أن رآني حتى التمعت عينيه وتابعني بقلق إلا أنني ابتسمت له بخفوت وتقدمت نحوه وعانقته باشتياق وأنا أهمس له بحزن:

"آسفة بابي لم أقصد أن أحزنك سامحني لن أعيد ذلك ثانية"

بادلني العناق ومسح على ظهري بخفة وهو يتنهد براحة ثم أردف لي بهدوء:

"لا بأس طفلتي أتفهم ذلك فما مررت به ليس سهلاً ولكن أخبريني بُنيتي ماذا حدث معك؟ وأين ذهبت حتى تبللت بالماء؟"

ابتعدت عنه وجلست بجانبه وأنا أحدق به بتوتر ثم أردفت له بهدوء:

"كنت عند البحيرة في الغابة"

عقد أبي حاجبيه بدهشة وأردف لي بصدمة:

"بحيرة؟! منذ متى كان هنالك بحيرة في الغابة؟"

فابتلعت ريقي وأردفت له بهدوء وتوجس وأنا أحدق بعينيه:

"بابي هل ستصدقني إن أخبرتك بما حدث وكيف عرفت البحيرة؟"

عقد حاجبيه باستغراب من كلماتي وقبل أن يجبني سمعنا طرق باب المنزل وقبل أن أستقيم لفتحه وجدت ذلك الشاب الذي يكون جيك على ما أظن يخرج من غرفة الضيوف ويتقدم ويفتح الباب ..

بقيت أراقب وأنظر باستغراب للرجلين الذين دخلا إحداهما بلباس رسمي يضع نظارة ويبدو بمنتصف الثلاثين والآخر يرتدي ملابس الشرطة ويبدو في الأربعين من عمره ..

استقام والدي وسلم عليهما وأدخلهما وهم يحدقون نحوي بنظرات أقلقتني وعندما سمعت كلامهم علمت بأنهم أتو بعد أن تلقوا اتصالاً من أبي الذي أخبرهم بأنني صحوت ..

وطلب من صديقه الشرطي احضار طبيب نفسي معه بسبب أنه لا يستطيع الخروج من المنزل بهذا الجو البارد حتى يطمئن علي أظن بسبب نوبة الجنون التي انتابتني في بداية استيقاظي ..

بعدها أخبرني أبي ألا أخاف وأجلس مع الطبيب الذي سيقيّم حالتي النفسية كإجراء روتيني حتى يتحققوا من صحتي العقلية والنفسية ..

رغم أنني عارضت الفكرة بداية ولكنني قبلت بها من أجل والدي لذا جلست مع الطبيب في غرفة الضيوف وحدنا بعد أن خرج الجميع ..

حتى يبدأ بجلسته الغريبة تلك ..

ولكن لا أدري لما لم أشعر بشعور جيد حياله ..

كانت نظراته غريبة حقاً وهو يحدق بي بقوة غريبة لم أعهدها من بني البشر ..

لا أدري إن كان ذلك تأثيرٌ جانبيٌّ من وجودي في عالم إيتن أم أنها مجرد تخيلات لا واقع لها ..

إلا أنني كنت شبه متأكدة بأن الرجل الذي يجلس قبالتي ليس ببشري عادي ..

"إن انهيت من التحديق فيّ هل نبدأ؟"

صوته البارد والفظ أخرجني من أفكاري فعقدت حاجباي بانزعاج من أسلوبه الذي لا يشبه أسلوب طبيب نفسي بأي شكل من الأشكال ..

نظراتي الشاكة والحذرة كانت ظاهرة له بوضوح وأنا أحدق به بصمت فوجدته يبتسم بجانبية قبل يردف وهو يسند ظهره على الأريكة:

"ماذا؟ لا تنظري إلي هكذا يا فتاة فأنا لست مخيفاً وأنا لم أتِ لأقتلك بعد أن أنقذت حياتك"

عقدت حاجباي وأنا أحدق به وبمجرد أن أنهى كلماته حتى أردفت باندفاع:

"أنت الذي زيفت كل شيء! كيف علمت بأنني في البحيرة؟ ولما لفقت ذلك الأمر عما حدث معي؟ وأين السوار وباقي أشيائي لما أخذتها؟"

أنهيت كلامي وأنا أحدق به بإقطاب فوجدته يرفع حاجبيه بانزعاج ويردف بضيق:

"ألا ترين بأنك تسألين كثيراً أسئلة ليس لها داعٍ .. مزعجة"

وسعت عيني بغضب من كلماته الوقحة فوجدته يقهقه بخفة قبل أن يردف لي بسخرية وفظاظة:

"أيتها الفتاة لا يليق بك الغضب فلا تنظري إلي هكذا وكوني فتاة لطيفة ومطيعة حتى نتفق"

"اصمت يا هذا وتكلم ماذا تريد مني؟ قبل أن أنادي الجميع"

هتفت بحدة وأنا أحدق به بغضب من كلامه الوقح فوجدته يبتسم ببرود قبل أن يعتدل بجسده ويردف لي ببرود:

"هل تريدين أشياءك حقاً؟"

"بالتأكيد"

هتفت بسرعة وإصرار فوجدته يبتسم بجانبية قبل أن يردف لي ببرود:

"إذن عليك أن تفعلي ما أخبرك عنه بالتفصيل حتى أعيدها لك وبمجرد خروجك من هنا ستخبرين الجميع بأنك كنت مخطوفة مع أناس لم ترين من هم لأنهم كانوا يغمضون عينيك دائماً وأنك أصبت بذلك الإطلاق الناري عندما حاولت الدفاع عن نفسك ومقاومة محاولتهم الاعتداء عليك هكذا لن يلحوا بالأسئلة عليك وستنسين أي شيء يخص القمر الأحمر والبحيرة وإياك ثم إياك أن تذكريها أمام أحد لأنني لن أجد صعوبة في التخلص منك وإخبارهم بأنك مجنونة وتحتاجين لمصحة نفسية فلا يوجد عاقل سيصدق كلامك وأنت لا تريدين الشقاء لوالدك في آخر أيامه أليس كذلك؟"

رمشت بصدمة وأنا أعقد حاجباي وأستمع لكلامه المجنون وأنا لا أصدق ماذا يتفوه به هذا الرجل الذي لم أعرف اسمه حتى ..

"ماذا؟! ما هذا الجنون؟! لما تريدني أن أكذب يا سيد؟"

هتفت باستنكار فنظر إلي بنظرات غريبة ثم أردف لي ببرود:

"لأن هذا ما هو من مفترض أن يحدث ولا يجب أن يعلم الناس بسر البحيرة أنت فتاة عاقلة وتدركين بأن هنالك أشياء يجب أن تبقى مخفية عن الجميع وتبقى كخرافات حتى لا تسبب الفوضى وشيء مثل البحيرة علينا حمايته من الطامعين والفضوليين لذا من الأفضل لك ولي أن تتعاوني معي ولا تجبريني على تنفيذ تهديدي لك"

عقلي كان مشوشاً وأنا أسمع كلماته والتي كانت بالفعل منطقية نوعاً ما فضيقت عيني عليه وأردفت بخفوت وصدمة عندما خطرت تلك الكلمات في عقلي:

"أنت.. أنت حارس هذا البعد!"

عقد ذراعيه إلى صدره وهو يحدق بي بغرابة ثم أردف بخفوت وكأنه يحدث نفسه:

"هذه الفتاة تعرف أكثر من اللازم"

عقدت حاجباي بضيق من كلامه وقبل أن أتكلم وقف وهو يهتف لي ببرود:

"من الجيد أنك فهمت الأمر والآن نفذي ما أخبرتك به بالحرف حتى تعود لك أشياؤك ولا تحاولي إخبار أحد بما حدث حتى لا تتسببي بمشكلات لنفسك أنت في غناً عنها وتذكري بأنني سأراقب تحركاتك بأكملها ولن يعجبك ما سيحدث إن علمت بأنك أخبرت أحداً"

ما إن أنهى كلامه حتى خرج بينما بقيت جالسة أحدق أمامي بصدمة مما حدث ..

إذاً هو كما توقعت ليس بشرياً عادياً وإنما حارس هذا البُعد ..

وهذا يفسر كل شيء حدث حولي ..

بقيت جالسة وأنا أستمع لذلك الرجل وهو يخبر والدي بخدعته وأنني في حالة صدمة بسبب ما مررت به وأحتاج لوقت لأشفى منها ..

وحذرهم من الضغط علي وذكر الحادثة مجدداً أمامي ..

أما الشرطي صديق والدي فقد أخبره بأن علينا زيارة قسم الشرطة في اليومين القادمين حتى نغلق القضية بعد أن يستمعوا لأقوالي ..

فتنهدت بثقل وأرحت رأسي على الأريكة وأخذت أفكر فيما حدث معي وتساءلت داخلي ..

إن كان ذلك حارس البُعد فهل لديه مرآة سحرية كالتي كانت مع الحارس في بُعد إيتن؟ ..

هل أعد هذا أملاً جديداً لعودتي لإيتن أم ماذا؟ ..

لا أعلم لما استيقظ هذا الأمل في قلبي الذي يرفض الاعتراف بموته ..

ولا أعلم حقاً ماذا سأستفيد من الذهاب للعالم الآخر إن كان إيتن ميتاً؟ ..

بقيت أحدق بالفراغ وأنا عاجزة عن إيجاد حلّ منطقي يوقف تدفق مشاعري المتألمة ويقنع عقلي بأن إيتن لا يزال حياً وأنني سأستطيع العودة إليه يوماً ..

ولكن ماذا علي أن أفعل في هذا الوضع الصعب وأنا عاجزة عن الحصول على الأخبار التي ستعالج جراح قلبي وتمدني بالقوة حتى أصمد في الأيام القادمة ..

ولكن علي البحث عن طريقة أتحقق بها حال إيتن مهما كان الثمن ..
_________________

بعد يومين سارت بيرلا بشوارع المدينة مع والدها وهي تحدق بالأبنية الشاهقة التي اشتاقت لرؤيتها بعد أن خرجت من مركز الشرطة مع والدها بعد أن أثبتت أقوالها وفعلت كما أخبرها به الرجل الحارس ..

بقيت تتمعن في معالم المدينة والسيارات التي تمر في الشوارع وكأنها كانت غائبة عن هذا الزمن قرناً وليس شهراً واحداً ..

كانت تستطيع رؤية التقدم الحضاري في عالمها الذي يسبق أضعافاً زمن إيتن والذي يتضمن عدم وجود هواتف محمولة أو أجهزة لوحية كما هنا ..

وكأنهم لم يهتموا بوجود هذه الإختراعات بسبب وجود قواهم الخارقة التي سهلت حياتهم عكس البشر الذين كافحوا واجتهدوا بشدة حتى وصلوا لهذا التقدم في كل سبل الحياة ..

خرجت بيرلا من أفكارها عندما حطّت عينيها على عيني الحارس الذي كان يحدق بها وهو يقف بين زحمة السير وبمجرد أن التقت نظراتهما حتى ابتسم لها بجانبية فابتلعت ريقها بتوتر ..

فقد سألت والدها عن اسم الطبيب الذي أتى إليها وعندما حاولت الذهاب إليه حتى تحصل على أجوبة لأسئلتها تفاجأت بأن ذلك الطبيب مختلف عن الذي التقت به ..

فاكتشفت بأنه زيف هويته حتى يستطيع أن يصل إليها دون يثير الشكوك حولها ..

وهكذا فقدت أملها حتى تحصل على إجابات شافية ترضي قلبها ..

خرجت من أفكارها وهي تراه يلتفت ويسير بين الناس ببطء وكأنه يخبرها بأن تلحق به وبالفعل نظرت إلى والدها وأردفت له باندفاع:

"بابي هل يمكنك أن تنتظرني قليلاً؟ لن أتأخر كثيراً"

وقبل أن تمنحه فرصة للكلام انطلقت راكضة خلف الحارس قبل أن تضيعه .

وبمجرد أن أحسّ بها تلاحقه حتى زاد من سرعة سيره إلى أن دخل لأحد الأزقة القريبة ووقف ينتظرها وما هي ثوانٍ حتى سمع خطواتها فالتفت نحوها وهو يحدق بها ببرود ثم أردف لها وهو يضع يديه بجيوبه:

"لقد كنت هناك وسمعت ما قلته في مركز الشرطة من الجيد بأنك أتقنت دورك وأقنعتهم بما حدث بعد أن زال شكهم بسبب إصابتك الخطيرة والغريبة وعدم فقدانك لحياتك"

ابتلعت بيرلا ريقها وهي تحدق به بإقطاب لأنها بسببه كذبت أول مرة في حياتها على الجميع ثم أردفت له باندفاع:

"لقد نفذت ما طلبت مني ولكن هل يمكنك أن تجيبني عن أسئلتي لو سمحت هل تمتلك طريقة للإنتقال بين الأبعاد قد أستطيع أن أعود بها لذلك العالم كالمرآة السحرية التي كان يمتلكها حارس ذلك البُعد أو أي طريقة أستطيع رؤية رفيقي المقدر ومعرفة حاله أرجوك"

نظرت إليه بعيون آملة أن يكون لديه الحل عندها ستحل مشكلتها وستستطيع أن تعلم إن كان إيتن حياً أم لا ..

خرجت بيرلا من أفكارها على صوت الحارس البارد وهو يردف لها ببرود:

"يؤسفني القول بأني لا أمتلك هذا الشيء الذي تقولين عنه أيتها الفتاة لذا لا أستطيع أن أفيدك بذلك "

صمت وهو ينظر لعينيها التي التمعت بالحزن والخيبة فتقدم نحوها وهو يخرج من جيبه ظرفاً بُنياً ويقدمه لها وهو يردف لها:

"ولكني أتيت لأفي بوعدي لك وأعيد أشياءك بعد أن أغلقت القضية وبقي سر البحيرة محفوظ لذا حافظي على سرك وأتمنى ألا أراك ثانية"

أنهى كلامه بفظاظة وهو يتجاوزها بعد أن أخذت الظرف وبمجرد أن استدارت لتكلمه وجدته اختفى وكأنه تبخر في الجو ..

فابتلعت ريقها بغصة وهي تحدق أمامها بحسرة ثم حدقت بالظرف بعيون ملتمعة عندما أدركت بأن لا حل أمامها إلا أن ترضى بالأمر الواقع ..

وأنها خسرت إيتن للأبد ..
___________________

مضت خمسة عشر يوماً على بيرلا وهي تحاول أن تكون قوية وتقاوم حزنها حتى تقف مع والدها في مرضه ..

على الرغم من أنها في بداية الأمر التزمت غرفتها بسبب حزنها لما أصاب إيتن ولكن عندما قابلت الحارس وعادت لمنزلها قررت أن تقاوم أحزانها وتقضي ما بقي لوالدها بجانبه وتعتني به كما كانت تفعل من قبل ..

حاولت قدر الإمكان التماسك رغم الفجوة التي حدثت داخلها بعد أن اقتنعت بموته ..

وبالفعل كرست وقتها للبقاء معه بعد أن امتنعت عن إخباره بشيء ..

وفي تلك الأيام أيضاً عرّفها والدها بجيك الذي يسكن معهم في المنزل مؤقتاً بعد أن بقي بجانبه يساعده ويعتني به في وقت غيابها ..

ولكنه تفاجأ ببيرلا وبرودها الغريب مع جيك ونظراتها الحادة والنافرة التي لم يعهدها منها أبداً ..

ولكنه ظنّ بأن الأمر بسبب ما مرّت به لذا لم يلحّ بالسؤال عليها حتى لا تسوء حالتها النفسية ..

ولكنه مع ذلك لاحظ الكثير من التغيرات التي طرأت عليها ابتداء من شرودها الدائم ونظراتها الحزينة الغريبة وانتهاء مع معاملة جيك الجافة التي راقبها بدقة ..

وهذا ما فاجأه بشدة ..

فطفلته لطيفة جداً ولم يعهد منها أن تكون باردة مع أحد حتى في أشد مراحل غضبها ..

ولكنه لم يعلم بأنها كانت عاشقة لدرجة شعورها بالذنب والخيانة بمجرد إن كلمت رجلاً آخر غير الرجل الذي تحبه ..

لأنها كانت تعلم بوضوح بنيته نحوها ..

ربما كانت في الماضي لا تفقه شيئاً عن علاقة الرجل والمرأة ولكن بعد بقائها مع إيتن تلك الأيام استطاعت معرفة هذا الأمر جيداً ..

واستطاعت تكوين فكرة شاملة عن تفكير الرجل ..

لذا كانت تصد أي محاولة تقرب من جيك ناحيتها ولم تسمح له حتى بفتح موضوع واحد معها ..

فهي لم ترد أن تقترب منه ولم ترد أن تجعله يتعلق بها بسبب كلماتها العفوية التي ستخرج منها تلقائياً بمجرد أن أنشأت حتى صداقة معه ..

والتي ستنتهي بزواجهما المحتم ..

وهذا الأمر لن تسمح بحدوثه مهما كلفها الأمر ..

لذا وجدت أن الطريقة المثلى هي أن تريه نفورها منه إلى أن تستطيع أن تخبر والدها بمشاعرها وأنها لن تستطيع الزواج به ..

فهي كانت تنتظر أن يشفى والدها من وعكته الصحية نهائياً ثم تخبره بالأمر ..

فهي لاحظت مرضه الذي ازداد بسبب حالتها ..

وها هي تطعمه بيديها باهتمام بعد أن أعدت له الطعام بنفسها فوجدته يبتسم لها بحنان ثم أردف لها بهدوء وعاطفة وهو يمسك بيديها بعد أن أخذ الملعقة منها ووضعها في الصحن:

"طفلتي الجميلة لقد أكلت وامتلأت معدتي بينما أنت بدون أي طعام منذ عشاء البارحة عزيزتي لقد خسرت وزناً في الآونة الأخيرة لأنك تهملين وجباتك ما الأمر الذي يشغل بالك صغيرتي ويجعلك شاردة في أغلب الوقت؟"

حدقت بيرلا به بحزن لأنها كذبت عليه وأخفت الأمر عنه وعندما سمعت منه كلمة صغيرتي تراءى لها إيتن وهو يهمس لها بهذه الكلمة ..

فابتلعت غصتها وهي تخفض عينيها وتحدق بأيديهما حتى لا تبكي أمامه ثم أردفت له بأكثر نبرة متزنة لديها:

"بابي أنا بخير لا تقلق الأمر هو أني لا أشعر بالجوع هذه الأيام لذا لا تقلق علي سأحل الأمر وأهتم بوجباتي أعدك"

عقد ألكساندر حاجبيه بغير اقتناع من كلامها ثم أردف لها بهدوء وهو يدرس تفاصيل وجهها بحذر بعد أن قرر أن يسألها عن سبب برودها مع جيك:

"وجيك لما تتجاهلين وجوده وتعاملينه ببرود؟ آسف طفلتي ولكني أريد الاطمئنان عليك"

لاحظ تعابيرها التي انقلبت لباردة ومنزعجة وهي تشيح بنظرها عنه وتلتزم الصمت

فأفلت إحدى يديها وأمسك بكتفها وهو يردف لها برقة:

"آسف صغيرتي لا أقصد الضغط عليك وأعلم بأن ما مررت فيه كان قاسياً ولكني قلق بشأنك وأريد أن أراك بخير وأطمئن بأنك .."

"بابي أرجوك"

قاطعته بيرلا قبل أن يكمل كلامه وهي تنظر إليه بألم ثم أردفت له بصدق وحزن:

"بابي أنا أعلم جيداً ما تريد قوله لي ولكني لا أريد جرحك ولا إغضابك أعلم بأنك تحاول فتح موضوع زواجي منذ مدة وأعلم أيضاً بأنك تلاحظ تهربي المستمر من هذا الأمر"

صمتت وهي تحدق بضيق أمامها ثم حدقت بوالدها الذي أردف لها بهدوء:

"ولكن طفلتي لقد تحدثنا بهذا الأمر سابقاً وقد وافقت على هذه العلاقة فما الذي حدث حتى غيرت رأيك بذلك هل حدث شيء جعلك تكرهين جيك؟"

فأشاحت بيرلا بنظرها عن والدها وهي تشعر بمشاعرها تهتاج بقوة وهي تفكر بكلماته فعلمت بأنها اللحظة المناسبة لتخبره بالحقيقة فابتلعت ريقها ثم أردفت له باتزان:

"لم يحدث شيء بابي جيك لم يزعجني أبداً وهو شخص جيد ومحترم ولطيف ومحبوب بين الجميع ولكن ليس بالنسبة لي "

وقفت تبتعد عن الأريكة عدة خطوات وهي تردف مكملة:

"الخطأ ليس به وإنما بي أنا لا أستطيع تقبل هذه العلاقة لا أستطيع أن أكون زوجته لذلك لا أريد أن أعبث بمشاعره وأعلقه بي وأنا أعلم بأنني لن أستطيع أن أبادله الحب في يوم من الأيام"


وقف ألكساندر وهو يحدق باستغراب بها ثم أردف لها:

"ولكن طفلتي ولما تجزمين هكذا صحيح بأنك لا تحبينه الآن ولكن هذا لا يمنع أن تقعي في حبه في المستقبل"

فاستدارت بيرلا ونظرت لوالدها وأردفت له بصدق وجدية:

"ربما كان ذلك سيحدث قبل اختفائي ولكن الآن بعد أن عدت مستحيل .. لأنني عندما وافقت على الزواج به لم أكن أكنّ الحب لأحد .. ليس كالآن"

توسعت عينا ألكساندر بدهشة فوجد عينا بيرلا تلتمع بالعشق والألم وهي تحدق بشرود للحظات قبل أن تنظر في عينيه وتكمل له بصدق:

"أجل أبي ذلك الشهر الذي غبته عنك كان كفيلاً بتغيري وتغير رأيي بعد أن التقيت بالرجل الذي أحبني بصدق وجنون وعلمني كيف أقع في حبه وكيف أبقى وفية له بعد فراقه حتى آخر لحظة في حياتي"

ابتلعت ريقها وهي تقاوم البكاء وهي ترى الدهشة تملأ تعابير وجه والدها فتنهدت بثقل قبل أن تردف له مكملة:

"أجل بابي لقد وقعت بالحب مع منقذي وليس خاطفي كما تعتقد هو أكثر الرجال إخلاصاً وصدقاً وعطفاً لقد عاملني كأنني طفلته أكثر من كوني المرأة التي يحبها واهتم بي وأحاطني بدفئه وحنانه عندما فقدت دفأك وحنانك لقد حاول كثيراً أن يجمعني معك ولكن القدر شاء أن يفرقنا عن بعض في آخر اللحظات"

ابتلعت ريقها والدموع تتجمع أكثر بعينيها ثم أكملت له بغصة واضحة:

"هذه هي الحقيقة أبي آسفة لأنني أخفيت عنك هذا الأمر في البداية ولكنني كنت بحاجة لأستجمع نفسي بعد ما حدث معي لذلك آسفة أنا لا أستطيع أن أتزوج بجيك وأنا أحب رجلاً غيره وأفكر فيه وأراه دائماً حولي لا أستطيع فعل ذلك .. سامحني لأنني لن أنفذ هذا الأمر فهو ليس بيدي ولا أريدك أن تغضب مني بابي آسفة"

وبمجرد أن أنهت كلامها حتى صعدت لغرفتها وتركت والدها بصدمة مما قالته طفلته له ..

فجلس ألكساندر على الأريكة يحدق بأثرها بدهشة وهو يعيد كلماتها برأسه على الرغم من أنه خطر بباله أن تكون واقعة في الحب ..

ولكنه لم يظن بأنها واقعة حد النخاع بحب ذلك الرجل الغريب أو المنقذ كما قالت بيرلا عنه ..

خرج من أفكاره على صوت جيك الذي دخل بعد خروج بيرلا ووقف بجانب الأريكة وهو يردف له بهدوء بعد أن سمع محادثتهما:

"شكوك كانت صحيحة عمي لذا لا يوجد داعٍ لتفتح معها هذا الموضوع ثانية فإن كانت تكن كل ذلك الحب لذلك الرجل فهي بالتأكيد لن تقبل الزواج بي "

تنهد ألكساندر بأسى على حال صغيرته عندما علم سبب حزنها طوال تلك الأيام السابقة بينما جلس بجانبه جيك وهو يردف له بهدوء وتفهم:

"لا تقلق عمي حتى وإن لم يتم الزواج فأنا أعدك بأني سأهتم ببيرلا ولن أدعها وحدها"
_______________

مرّت أربع أشهر ونصف كان الشتاء قد انتهى وبدأ الربيع الذي أعاد للأرض ثوبها الأخضر وللأزهار رونقها ..

وفي أحد الأيام المشمسة ذات النسيم اللطيف كان ألكساندر يجلس على كرسيه المتحرك الذي بدأ باستخدامه خارج المنزل حتى لا يتعب نفسه بالسير ..

بينما أوليفر كان ينام بحضنه وطفلته بيرلا تجلس قبالته على العشب الأخضر أمام لوحتها وحولها عدّة الرسم كاملة بينما تنظر له كل فنية وأخرى وتغمس ريشتها وتتابع إكمال لوحتها ..

ابتسم بحنان لها وهو يرى تركيزها على الرسم والذي ذكره بزوجته الراحلة مارلين عندما كانت تجلس بمرسمها وترسم تصميماتها بدقة وشغف كالذي يراه في زمردتي ابنته ..

رغم استغرابه تعلمها الجاد للرسم في الأشهر الماضية إلا أنه لم يمانع من ذلك عندما كان يراها تبتسم وهي ترسم على دفترها الخاص ..

بعد أن وجدها أصبحت هادئة وباردة تملؤها الأحزان عكس تفاؤلها ومرحها في الماضي ..

كما أنه امتنع عن فكرة تزويجها من جيك منذ ذلك اليوم عندما أخبرته بمشاعرها وبعد ذلك قام جيك بالإنتقال إلى منزله الجديد في المدينة حتى يصبح قريباً من أعماله بعد أن اطمأن على وضعه الصحي مع ابنته ..

إلا أنه بقي يزورهم بين الحين والآخر ويرى إن كانوا بحاجة أي شيء حتى يستطيع المساعدة ..

فتنهد وهو يخرج من أفكاره ويمسح على جسد أوليفر النائم ثم أردف لها بلطف:

"ماذا طفلتي؟ ألم تنتهي بعد؟"

نظرت بيرلا له وهي تبتسم بهدوء ثم أردفت له بلطف:

"أكاد أنتهي بابي لا تقلق فأنا أضع اللمسات الأخيرة وسترى بأنها ستكون جميلة عكس سابقاتها"

قهقه ألكساندر بخفة وبقي يراقبها حتى انتهت فاستقامت وهي تدير لوحتها عنه وتردف له بلطافة:

"بابي لن أريك إياها حتى أنتهي منها نهائياً لأنني لا أريد إتعابك بالجلوس لوقت أطول لذلك انتظر للمساء حتى أنهيها ثم سأريك كيف أصبحت ابنتك رسامة ماهرة والآن سأوضب الأشياء حتى نعود للمنزل حتى أعد الغداء فأنا أتضور جوعاً"

وبالفعل وضبت أشياءها بداخل حقيبة ثم حملتها على أكتافها واتجهت نحو والدها وقادت الكرسي عائدة لمنزلهم ..

ربما كانت تبتسم وتضحك معه إلا أنها كانت تتظاهر بذلك الأمر حتى لا تحزنه ..

أما في أعماقها فكانت تشتاق لرؤية إيتن بشدة وكم كانت تتمنى بأنها امتلكت صورة له تحدق بها وتحدثها عندما يزداد حنينها له أو أن تحدق بها إلى أن تنام كما اعتادت ..

ففي تلك الأيام أدركت مقدار تعلقها وعشقها له وكم كان مؤلم فقدانه حتى باتت تراه حولها يحدثها ويشاكسها كما كان يفعل معها دائماً وهو يناديها بصغيرتي وحلوتي ..

وكأنه لا يزال يعيش معها ..

ولكن الفرق بأنها لم تكن تستطيع بأن تعانقه كما كانت تفعل لم تستطع أن تشم رائحة عطره الرجولية بين الأغطية والوسائد كما اعتادت ..

لذلك كانت تعاني صعوبة في النوم في كل يوم إلى أن تمسك بالسوار الذي باتت لا تخلعه وتعيد ذكرياتها معه بأكملها حتى تستطيع أن تغلق جفونها ..

إلى أن أتتها فكرة أن تكمل تعليمها في الرسم حتى تستطيع رسمه وجهه وتعابيره التي اشتاقت لها بشدة ..

حتى تكون أُنسها الأخير لوحدة قلبها ..

وبالفعل كرست وقتها في الأشهر الماضية في أخذ دروس على حاسوبها في الشابكة حتى تعلمت الرسم وبدأت تجتهد حتى استطاعت رسم صور له في دفترها الخاص ..

وهذا كان أكثر ما يسعدها في وقتها ..

بأنها استطاعت رسم وجهه حتى تستطيع النظر إليه كلما أرادت ..

وحتى تبقى ملامحه محفورة في ذاكرتها حتى نهاية حياتها ولا تنساها أبداً ..

صحيح بأنها ليس محترفة جداً إلا أنها إن دققت في التفاصيل ورسمت ببطء كانت تستطيع أن تنجح في رسم وجهه المحفور في ذاكرتها ..

مضى اليوم بهدوء كما في الأيام السابقة وهي تجلس في مرسم والدتها وتنهي رسمتها الجديدة بعد أن أنهت اللوحة والدها مع أوليفر ..

ابتسمت بيرلا بحب واشتياق وهي تكمل رسم العينين ثم قامت بتظليل رسمتها واكتفت بتلوين عيون إيتن الزرقاء وشعره الأسود مع عيون فوكسارد الصفراء وفروه الأسود ..

فقد كانت صورة أظهرت وجه إيتن فقط وبجانب رأسه رسمت رأس ذئبه فوكسارد ..

تثاءبت بيرلا وهي لا تزال تمسك القلم وعادت تنظر للوحتها بسعادة ممزوجة بالحب والاشتياق وحزن فرغم ما حدث معها إلا أن قلبها كان لا يزال عاجزاً عن تقبل موته وهنالك أمل صغير داخلها بأنه لا يزال حياً ..

بعد ذلك أسندت وجهها على كفها وبقيت تحدق بها بشرود وذكرياتها مع إيتن وفوكسارد تركض في ذاكرتها إلى أن سقطت نائمة بسبب تعبها وسهرها لساعة متأخرة حتى أنهت لوحتها برضاً تام كما كانت تتخيلها ..

وبعد وقت قليل دخل والدها للمرسم فوجدها نائمة على المنضدة بحالة فوضوية ثم نظر لأوليفر الذي كان نائماً بالقرب من كرسيها ورفع رأسه وحدق به فور دخوله ..

فأشار له بالصمت ودخل بهدوء وهو يحمل غطاء فقام بتغطيتها وحدق باللوحة التي تحمل صورته والتي كانت قد انتهت منها كما أخبرته فابتسم بحب لها ..

مسح على شعرها وهو يراها تضع يديها تحت رأسها ونائمة بعمق كطفلة صغيرة وجميلة ..

عندها انتبه للرسمة التي تنام على طرفها فعقد حاجبيه باستغراب وببطء وهدوء سحب الدفتر من تحت يدها وحمله وحدق بوجه الذئب الأسود والذي بجانبه وجه رجل بملامح حادة ووسيمة ..

رمش باستغراب ودهشة وقلب بصفحات الدفتر عندما وجد جميع الرسمات الموجودة كانت لنفس الرجل والذئب ثم نظر لوجه بابنته النائمة عندما همست وسط نومها:

"إيتن"

هذا الاسم الذي سمعه منها مراراً وهي لا تزال في غيبوبتها على الرغم من أنها لم تخبره عما حدث معها بعد تلك الليلة إلا أنه لم يرد أن يضغط عليها وهو يراها تحدق بحزن وشرود أو يسمعها مصادفة تبكي وتحدث أوليفر بأنها تفتقده وأنها تتمنى أن يكون حياً ..

كان يعلم بأن هنالك سبب يمنعها من إخباره لذلك بقي ينتظرها بصبر أن تأتي بنفسها وتحدثه بما حدث معها ..

خرج من أفكاره وابتسم عندما علم بأن هذا الرجل الذي في الصورة هو نفسه الذي تحبه وتراه في أحلامها دائماً ..

فمسح على شعرها بحنان وانحنى مقبلاً رأسها برقة وقبل أن يخرج توقف عندما أتى إلى عقله فكرة فأخذ الورقة التي تحمل رسم وجه إيتن وذئبه ثم أغلق الدفتر وأعاده لمكانه وخرج ..
__________________

في اليوم التالي استيقظت بيرلا على صوت والدها الذي يناديها من الخارج فانتفضت بسرعة وركضت خارج المرسم فوجدته يضع الصحون على المنضدة في المطبخ ..

"بابي ماذا تفعل؟"

أردفت له وهي تندفع نحوه وتأخذ الصحون من يديه فقهقه على شكلها المبعثر اللطيف ثم سار معها عندما قادته إلى كرسيه وهي تردف له بتأنيب طفولي:

"بابي لما لم توقظني وفعلت ذلك لوحدك؟ ألم أخبرك أن تنتبه على صحتك؟ لما أنت مهمل هكذا؟"

قهقه بخفة ثم أردف لها بحنان وهو يراقبها تجلب بسرعة الصحون الباقية:

"طفلتي أنا بخير حقاً ثم إنني استيقظت نشيطاً لذا أحببت أن أصنع وجبة لطيفة لابنتي الجميلة أم أن ذلك لا يحق لي؟"

فابتسمت له بيرلا وانحنت تقبل وجنته وهي تردف له برقة:

"شكراً لك بابي أنت أروع أب في العالم"

فقبلها أيضاً على جبينها وهو يردف لها بحنان:

"وأنت أروع وأجمل ابنة في العالم"

فابتسمت بيرلا بحب ثم سحبت كرسيها إلى جانبه ثم جلست وبدأت تطعمه بيديها وفعل هو معها المثل إلى أنهيا فطورهما ..

في وقت لاحق خرجت بيرلا برفقة والدها لاحضار مستلزمات المنزل فقادت بيرلا السيارة إلى المدينة وهي سعيدة برؤية والدها مرتاح ولا يعاني من الآلام ككل يوم ..

وفي السوق تجولا بحماس كما كانا يفعلا في السابق ولم يكتفي ألكساندر بأخذ حاجيات المنزل فحسب بل قام بأخذها إلى المجمع التجاري واشترى لها عدداً من الفساتين والملابس الأخرى المنزلية والاكسسوارات تحت اعتراض بيرلا وتذمرها ..

فهي لا تفهم لما يشتري لها الفساتين إن كانت لا تخرج من المنزل ولا تذهب للحفلات أساساً ..

"بابي يكفي أرجوك هذه الملابس ستكفيني لخمس سنوات قادمة"

تذمرت بيرلا بطفولية وهي تقوس شفتيها للأسفل فقهقه ألكساندر بخفة على ظرافة ابنته ثم أردف لها وهو يمسك بكنزة صيفية صفراء ويمدها لها:

"لقد انتهيت هذه الأخيرة"

رمشت بيرلا وهي تراه لا يزال ينتقي بعينيه لها الملابس كما اعتاد أن يفعل منذ أن كانت صغيرة وقبل أن يتقدم إلى صف الفساتين عانقته وهي تمسك الملابس التي انتقاها لها وهي تهتف له بطفولية:

"بابي أرجوك توقف يكفي أنا لا أحب فساتين دعنا نعد للمنزل أرجوك أنا جائعة جداً"

"حسناً حسناً لقد انتهيت"

تنهد ألكساندر باستسلام وسار معها لدفع ثمن الملابس قبل أن يعودا للمنزل ..

ولم ينتبها لتلك العيون التي تراقبهما في الخفية ..
_________________

في وقت لاحق كانت بيرلا تخرج الأكياس من صندوق السيارة وتدخلها للداخل بينما والدها يساعدها في فرز الأشياء ..

فدخلت المطبخ وأجلسته على الكرسي ثم سكبت له كأساً من العصير ووضعته بجانبه وهي تردف له بلطف:

"بابي سآخذ الملابس لغرفتي وأنزل لإعداد الغداء وأنت استرح لأنك تبدو متعباً من التسوق"


أومأ ألكساندر وهو يبتسم لها بحنان وراقبها تصعد السلم وهي تحمل الحقائب بيديها ..

وبعد أن دخلت بيرلا لغرفتها ووضعت الحقائب على السرير بعد أن أفرغتها بعشوائية تنهدت بتعب وهي تحدق بالأشياء التي أحضرها لها والدها بشرود ..

إلا أنها خرجت من شرودها على صوت ضجة غريبة ورافقها تكسر زجاج في الأسفل فالتفتت بذعر عندما سمعت صوت والدها الذي يصرخ بحدة مع أصوات غرباء ..

وبدون أي تفكير ركضت بسرعة خارج غرفتها وبمجرد أن أطلت من على السلم حتى صرخت بذعر:

"أبي"

فقد وجدت خمسة رجال يقفون بالأسفل وأحدهم يثبت والدها على الأرض بيده على عنقه ويرفع يده الأخرى ويلكمه بقوة على وجهه ..

فركضت بسرعة عن الدرج وقامت بدفع الرجل الذي يعتلي والدها وهي تصرخ بقوة:

"ابتعد عنه أيها اللعين"

ثم نظرت لوالدها بقلق وهو يلهث بشدة ويسعل بعد أن كاد يختنق وساعدته حتى يجلس إلا أنها رفعت نظرها للرجال الذين بدؤوا يضحكوا بقذارة وهم يحدقون بها ..

نظراتهم المرعبة والخبيثة أشعلت الخوف بقلبها إلا أنها لم تظهره لهم وهتفت وهي تنقل عينيها بينهم:

"من أنتم؟ وماذا تريدون منا؟"

نظر الرجال ببعضهم بتسلية وخبث ثم اقترب أحدهم وجلس قرفصاء أمامها وأردف بخبث:

"ما أردنا منكما هو بعض المال والمجوهرات التي اشتريتوهم من السوق قبل قليل ولكن والدك العجوز رفض إعطاءنا ما نريد بهدوء فسبب الألم لنفسه"

نظرت بيرلا لملامح الرجال القاسية ونظراتهم المختلة وكأنهم مرضى نفسيين أو مدمنوا مخدرات الذين يسرقون المال من أجل أن يحصلوا على جرعتهم التالية ..

فابتلعت ريقها باضطراب وأردفت بقلق:

"سأعطيكم ما تريدون ولكن ستتركوننا بسلام وتذهبون فوراً"

قهقه الرجل بمتعة وخبث فضحك الآخرون وهو يحدقون بها بقذراة ..

فوقف ألكساندر بمساعدة بيرلا بعد أن التقط أنفاسه وهو يحدق بهم بحظة وقلق وهو يعلم نواياهم القذرة بمجرد أن رؤوها فابتلع ريقه وهو يردف لها بحزم وخفوت ويدفعها خلفه:

"بيرلا اصعدي لغرفتك وسألهيهم ريثما تختبئين وتسدين بابك بأي شيء ثم اتصلي بالشرطة فوراً"

رمشت بيرلا بخوف وهي تنقل بصرها بين والدها وبين الرجال الذين استعدوا وكأنهم يعلمون ما سيفعلون ..

وبمجرد أن حاول ألكساندر الحركة حتى اندفعوا نحوهم فأمسك اثنان منهم ألكساندر وآخران بيرلا وقاموا بإبعادهم عن بعض وسط مقاومة الاثنان وصراخهما ..

بينما وقف الخامس والذي كان كقائد هذه العصابة يحدق ببيرلا التي تصرخ بهم وتحاول الإفلات عندها أخرج مسدس من خصره ووجهه لوالدها وأردف لها بشر:

"من الأفضل أن تتوقفِ عن المقاومة أيتها الجميلة وتدعيننا نتسلى قليلاً معك وإلا سأقتل والدك فوراً وبعدها نكمل معك ولا تقلقِ حتى ولو اتصلت بالشرطة فهي لن تصل لهنا حتى ننتهي منك ومن والدك العجوز"

صرخ ألكساندر وحاول الإفلات والدفاع عن ابنته ولكنه بسبب مرضه كان ضعيفاً ولم يستطع أن يفعل شيئاً إلا شتمهم وتهديدهم بلا أي فائدة ..

وبمجرد أن نطق ذلك الرجل بكلماته حتى نظر لابنته التي تجمدت للحظات وهي تحدق بخوف بذلك الرجل فحاول شدّ يديه مجدداً وهتف لهم بشدة:

"إياكم وأن تفكروا بأن تلمسوا ابنتي أيها اللعناء وإلا سأجعلكم تندمون"

"اخرس أيها العجوز وإلا أخرستك للأبد"

هتف أحد الرجال الممسكين به وقام بدفعه بقوة على الحائط وأمسك بعنقه وبدأ يخنقه ..

"أبي دعه أيها القذر"

صرخت بيرلا وهي تحاول الإفلات بدون أي فائدة وعندما سمعت ضحكات الرجال حولها وعينيها مثبتة على وجه والدها الذي صار أحمراً وهو يحاول إبعاد ذلك الرجل بلا أي فائدة توقفت الكلمات التي بحلقها ..

وعندما ظنوا بأنها استسلمت لهم ابتعد الرجل عن ألكساندر فهوى جسده على الأرض وهو يسعل بقوة ويحدق بابنته بضعف وانكسار لأنه عجز عن إنقاذها من بين براثن هؤلاء المجرمين ..

فتقدم القائد من بيرلا ووقف بجانبها وراقب عينيها المتجمدة على جسد والدها ثم أردف لها بخبث:

"أرأيت لن نؤذي والدك إن استمعت إلينا وفعلت ما نريد يا جميلة؟"

رفعت بيرلا عينيها نحوه وهي تحدق به بجمود وتشعر بداخلها يشتعل بغضب جحيمي لأول مرة في حياتها ..

غضب لأنها رأت ثاني رجل مهم في حياتها وقريب لقلبها ينظر نحوها نظرة الإنكسار والألم ويقف عاجزاً بسببها ..

وغضب من نفسها لأنها ترى لثاني مرة الناس المقربين منها يؤذون وهي أضعف من أن تدافع عنهم ..

اشتعل ذلك الغضب في قلبها الصغير ولأول مرة شعرت بالرغبة في القتل أرادت الاقتصاص ممن آذوا والدها ولم تشعر بنفسها إلا وهي تردف بجمود:

"لن أسامحكم أبداً .. سأجعلكم تندمون لأنكم لمستم أبي"

ضحك الرجال بسخرية من تهديدها ولكن لم تدم ضحكاتهم طويلاً عندما تحولت نظراتهم للذعر بمجرد أن توهجت قلادة قلب العنقاء في عنقها ثم توهج جسدها بالكامل فاشتعل جسد الرجلين اللذين يمسكانها ..

خرجت صرخات الرجلين المتألمة وأرعبت كيان البقية بينما توسعت عينا ألكساندر بصدمة عندما وجدها تنظر للبقية الذين حاولوا التراجع بنظرة غاضبة وجامدة وكأنها لم تعد بيرلا ابنته ..

ولكنها بالفعل لم تكن في وعيها الكامل بعد أن تفعّلت قلادة قلب العنقاء بشكل كامل لأول مرة وخرجت طاقتها المخيفة للملأ ..

حيث خرجت تيارات من النار وأحاطت بيرلا والتمعت عينيها بالنار وهي تحدق ببقية الرجال الذين باتوا يرتجفون من شدة خوفهم فصرخ أحدهم بهلع:

"إنها متوحشة فالتنجوا بحياتكم"

وبمجرد أن حاولوا الركض خارج المنزل حتى أخرجت بيرلا النار من يديها وقذفته فأشعلت النار حولهم قبل أن تنتقل لأجسادهم ..

في هذه اللحظة دخل الرجل الحارس للمنزل ورأى سيطرة القلادة على جسد بيرلا وعقلها بعد أن تفعلت وهذا ما كان يخشاه ويراقبها من أجله ..

فهو علم بأنها قلادة قلب العنقاء ذات القوى الجبارة منذ أن رآها في عنقها ..

ولكنه أعادها إليها بعد أن تقصى عن حياتها وعلم بأنها تعيش حياة هادئة مع والدها ولا يوجد ما يعكر صفو حياتها أو يشعرها بالغضب كما حدث الآن ..

ولكنه لم يعلم بأن هؤلاء اللصوص سيتبعونها مع والدها ويحاولون إيذاءهم إلى أن انفجرت طاقة الجوهرة بسبب غضب بيرلا ..

وبسرعة تقدم نحوها قبل أن تحرق المنزل بهم ورفع يديه وأخرج موجات من الماء بوساطة سحره وقامت بالتدفق في كل مكان به نار وأطفأتها أما هو فصرخ بها بحدة:

"بيرلا توقفي ستقتلين والدك أيضاً"

في حين قاوم ألكساندر آلامه وهتف لها بكل ما عنده عندما وجدها لا تتجاوب مع الرجل الغريب:

"بيرلا طفلتي توقفي"

وبمجرد أن سمعت بيرلا صوت والدها حتى هدأت واختفت النار حولها مع توهج جسدها فأغمضت عينيها بفعل القوة الكبيرة التي تلقتها وعندما فتحت عينيها وجدت نفسها في مكان آخر ..

مكان تراه لأول مرة في حياتها ..

فوجدت نفسها تحمل قلادة قلب العنقاء وتقترب من فتاة غريبة صهباء وجميلة تنظر نحوها بإبتسامة وترتدي فسناناً نارياً مرصعاً بالجواهر ويزيد من بريقها ..

وبمجرد أن وقفت مقابلها حتى رفعت القلادة ووضعتها في عنق الفتاة الغريبة وهي تردف لها بهدوء:

"أبقها معك دائماً وأحسني استخدامها عزيزتي"

"شكراً ملكتي"

ردت الفتاة بلطف وهي تحدق ببيرلا التي شعرت بالإستغراب الشديد عندما نادتها بملكتي وقبل أن تسألها وجدت الباب يُفتح وتدخل منه سانسا وكارل ومعهم مايا وأشخاص غرباء تراهم لأول مرة في حياتها ..

توسعت عيناها بصدمة واشتياق وهي ترى تجمعهم حولها مجدداً والسعادة تملأ وجوههم وهي ترى سانسا ومايا تعانقان الصهباء بحب وهما يضايقانها بالكلام عندها أدركت بيرلا بأن الصهباء هي عروس لأحدهم ..

رمشت وهي لا تصدق ما يحدث وقبل أن تتكلم جذب صوت حنون ومألوف مسامعها فالتفتت بسرعة تحدق بالرجل الذي اقترب منها وهو يبتسم لها بحب ..

خفق قلب بيرلا بصخب والتمعت عينيها بالحب والشوق وهي تحدق بوجه إيتن الذي اقترب منها وأحاط خصرها بذراعيه وهو يهمس لها أمام وجهها بحب:

"ما سر هذه النظرات ملاكي؟ هل اشتقتي إلي بهذه السرعة؟"

فرمشت بيرلا تحدق به بضياع ولا تعي ماذا يحدث حولها فقط تحدق به بصدمة واشتياق وهي تتمعن في ملامح وجهه ومن دون أن تشعر همست له:

"أحبك"

فالتمعت عينيه بالأصفر وعادت زرقاء وهو يبتسم لها بحب فرفع يده وأحاط وجهها وأردف لها بنبرته الخبيثة التي اشتاقت لها:

"يفضل أن تخزني حبك لبعد الزفاف حتى تريني إياه لأنك إن بقيت تنظرين إلي هكذا لن أحتمل وسألغيه فوراً حتى أحتجزك بجناحي عندها صديقك اللعين سيجن وقد يشن حرباً علي من أجل المطالبة بعروسه التي انتظرها طويلاً وأنت لا تريدين ذلك أليس كذلك زوجتي الحلوة؟"

رمشت بيرلا عندما سمعت كلماته وعندما ناداها بزوجتي تأكدت بأنه حلم ما فاستدارت على صوت سانسا الساخر الذي يعلق عليهما ثم وجدت شاباً غريباً بعيون زرقاء وشعر أسود طويل مربوط للخلف تقدم وهو يهتف بحماسة:

"أنا من سيوصل العروس إلى المنصة هيا هيا أسرعي فرفيقك بدأ يمل من الانتظار"

احمرت وجنتا الفتاة الصهباء خجلاً وأمسكت بذراع الشاب وخرجوا وتبعهم الآخرون فوراً ولم تشعر بيرلا إلا بذراع إيتن وتحاوطها من خصرها وتقربها إليه قبل أن يخرج خلفهم ..

فسارت بيرلا معه وهي لا تفهم ما يحدث حولها فقط تتابع معهم الأمر إلى أن خرجوا من داخل القصر الغريب ووقفوا أعلى مدرج طويل مغطى بسجاد أحمر ..

فنظرت بيرلا حولها بدهشة عندما وجدت المكان مليء بالمخلوقات إلى أن حطّت عينيها على الرجل الذي يقف على المنصة بجانب الكاهن ومقابله وقفت الفتاة الصهباء

وبمجرد أن انتبه على وجودهم حتى رفع عينيه نحوها وابتسم لها بلطف وسعادة ..

ثم ثبت عينيه على عروسه وعيناه تنبض بالحب والسعادة عندها وسعت بيرلا عينيها وأدركت بأن الصهباء هي رفيقة فليغون ..

لحظات ولم يشعر بنفسها إلا وهي تغمض عينيها بعد أن ضربت ريح خفيفة وجهها وعندما فتحت عينيها مجدداً وجدت نفسها في منزلها وأمامها الرجل الحارس ..

شهقت باضطراب مما رأته أمامها منذ لحظات ثم نظرت حولها بخوف عندما تذكرت ما حدث معها ..

"لقد احترقوا جميعهم بفعل نيران القلادة"

صوت الحارس أعادها للواقع فتوسعت عينيها وهي تحدق به بصدمة وخوف ثم هتفت باضطراب وعي تحدق حولها بجحوظ:

"أنا .. أنا لم أقصد .. أنا لا أعلم ماذا حدث"

كانت خائفة ومضطربة لأنها لأول مرة في حياتها تقتل أحداً فرمشت بصدمة وهي تحدق بآثار النار برهبة دون أن تعي ما تفعل وفي تلك اللحظة سمعت صوت والدها الذي يناديها ..

فاندفعت نحوه بسرعة وعانقته وهي تهتف بارتجاف:

"أبي أنا لم أقصد أقسم لم أقصد فعل ذلك أنا لست سيئة لست قاتلة أنا.."

"اهدئي طفلتي لا بأس أعلم بأنك لم تقصدي اهدئي"

همس ألكساندر بحنان وهو يبادلها العناق وعندما سمعت صوت والدها المتعب ابتعدت عنه وهي تتفقده بعينيها وتمسك بوجهه وتتفحص جروحه وهي تهتف بقلق:

"أبي هل أنت بخير؟ سأتصل بالاسعاف"

وقبل أن تستقيم أمسك بيدها وهو يردف لها بتعب:

"لا حاجة للإسعاف فقط ساعديني للذهاب إلى غرفتي"

ابتلعت ريقها باضطراب وأومأت له وساعدته بالوقوف فوجدته يحدق بالرجل الحارس الذي لا يزال واقفاً أمامهم بنظرات الشك والقلق فأردفت له باندفاع:

"أبي هو ليس شخصاً سيئاً إنه الرجل الذي أخذني للمستشفى بعد أن أصبت"

نظر إليها والدها بدهشة ثم حدق بالرجل الذي تذكر ملامحه وأنه هو نفسه الطبيب النفسي ثم أردف لها بغير اقتناع:

"كيف ذلك؟ أليس هو نفسه طبيبك النفسي؟"

"أبي سأشرح لك كل شيء أعدك ولكن دعني أعالج لك جراحك أولاً"

هتفت بيرلا بسرعة قبل أن يتكلم الرجل للحارس لأنها لم تكن تريد أن يعلم بالحقيقة من شخص غيرها ثم نظرت بالحارس الذي يحدق بهم ببرود ثم أردف لهم:

"بما أن الخطر قد زال فسأذهب ولكن احرصي على عدم حرق المنزل بغضبك فنحن لا نريد أن نثير الشبهات حولك"

فأومأت له باضطراب وهي تسند والدها ثم وجدته يستدير ويغادر ويغلق الباب خلفه ..

فتنهدت باضطراب وهي تحدق في آثار النار التي كانت على الأرض بينما أجساد الرجال قد اختفت وكأنها قد تبخرت ..

إلا أنا قاومت أفكارها وسارت مع والدها لغرفته ثم ساعدته حتى يجلس على السرير ورتبت الوسائد خلف ظهره ثم ركضت للخارج حتى تحضر عدة الإسعافات الأولية ..

عندها سمعت صوت أوليفر والذي حبسه الرجال في غرفة الضيوف بعد أن استدرجوه حتى لا يعيقهم أو يهاجمهم كما حاول في بداية دخولهم للمنزل ..

فأدركت بيرلا أنها من شدة خوفها لم تسمع صوت عوائه ثم اتجهت وفتحت له الباب فركض للخارج بسرعة واتجه نحو غرفة والدها متبعاً رائحة الدم وتبعته هي بسرعة ..

جلست بيرلا أمام والدها الذي احتضن كلبه وهو يحاول تهدئته ثم أردفت له بتوتر:

"دعني أعالج لك جراحك أولاً"

فنظر نحوها بجمود وأومأ لها بصمت فبدأت بيرلا تمسح الدماء التي لطخت وجهه وهي خائفة أن يكون بات خائفاً منها بسبب ما رأى قبل قليل ..

وبعد أن انتهت شبكت أصابعها بتوتر وأردفت له بتردد وخوف:

"بابا هل ستصدقني إن أخبرتك بما حدث معي؟"

وبتردد رفعت عينيها نحوه فوجدته يحدق بها بجمود ثم أردف لها بهدوء:

"بالتأكيد سأصدقك رغم أنني غاضب من فكرة أنك كذبت علي لأول مرة في حياتك هيا تكلمي طفلتي فأنا أعلم بأن هنالك شيء مهم جعلك تكذبين علي كل تلك الفترة"

فأومأت بيرلا بسرعة وبدأت بالفعل تسرد له كل شيء حدث معها دون الخوض بالتفاصيل الدقيقة منذ أن ظهر القمر الأحمر ووقعت في البحيرة إلى تعرفها على إيتن وكيف أحبته وانتهى الأمر بها مصابة وواقعة في البحيرة بعد أن تلقى هو طعنات في جسده ..

وانتهاء بالحارس الذي هددها بجعلها مجنونة أمام الجميع ووضعها في مشفى المرضى العقليين حتى يجعلها تكذب على الجميع ..

فمسحت دموعها بعشوائية وأردفت له بندم:

"آسفة أبي ولكن لم أرد أن أكذب عليك وفي ذلك اليوم بعد أن عدت من البحيرة كنت سأخبرك بكل شيء لولا وصول الحارس وتحذيري من قول الحقيقة أنا آسفة حقاً "

ابتلعت ريقها بتوتر وهي ترى نظراته الغريبة والشاردة بها ثم أردفت له بقلق:

"أبي أنت تصدقني أليس كذلك؟ "

فوجدته يعقد حاجبيه للحظات ثم أردف لها بهدوء وريبة:

"إذاً كما توقعت صورة الرجل والذئب في دفتر رسوماتك هو ذلك الإيتن وذئبه فوكسارد"

توسعت عينيها بصدمة عندما علمت بأن والدها قد اطّلع على دفترها وعندما رأى نظراتها أردف لها بارتباك:

"لقد رأيته مصادفة البارحة عندما أتيت أطمئن عليك لا تظني بأن والدك فضولي ومتعصب ولا يترك لك مساحة خاصة رغم أنني لست مقتنعاً كفاية بفكرة أنك تواعدين رجلين أعني رجل وذئبه سحقاً الأمر أشبه بالمستحيل"

فابتسمت بين دموعها عندما وجدت تعابير وجه والدها الغير مقتنعة بينما شعرت بالراحة لأنها أخرجت ما في قلبها له ولم تعد تخفي عنه أي شيء ..

ثم أمالت رأسها جانباً وأردفت له بلطافة:

"بابي إنهما شخص واحد وليس رجلان ثم كيانه جزء منه صحيح بأنه يختلف عنه بالأفعال قليلاً وله فكر خاص ولكنهم شخص واحد وذلك العالم جميع سكانه هكذا فكل كائن له كيانان الشكل البشري وشكل حيوانه إلا القليل منهم يمتلكون جزء واحداً لذا أنا أحب رجلاً واحداً وليس اثنان"

أنهت كلامها بإحراج فرأت نظرات والدها الفضولية تتسلط عليها للحظات قبل أن يردف لها بجدية:

"طفلتي الجميلة أريد أن أعلم بكل شيء عن ذلك الإيتن وكيف أوقعك بحبه منذ البداية لأنني أعلم بأن ابنتي ساذجة جداً ولا تفكر بالحب أبداً وإياك والكذب علي بيرلا"

وسعت عينيها بإحراج من كلام والدها فوقفت وهي تهتف له بصدمة وإحراج:

"بابي ماذا تقول؟!"

رفع والدها حاجبيه بجدية وأردف لها بإصرار:

"أظن بأننا اتفقنا على هذا الأمر وأنك لن تخفي عني أي شيء مما حدث أليس كذلك طفلتي"

فابتلعت ريقها بتوتر قبل أن تردف له محاولة التهرب من إجابته لبعض الوقت:

"حسناً ولكن أولاً علي أن أعدّ لك طعاماً سريعاً حتى تأخذ أدويتك فأنت متعب وتحتاجها بسرعة"


وقبل أن يعترض ركضت خارج الغرفة وذهبت للمطبخ على الرغم من أن ما حدث أرعبها وأشعرها بذنب كبير ولكن لم تستطع أن تضعف وتترك والدها بهذه الحالة ..

فنفضت الأفكار من رأسها وأعدت له طعاماً صحياً وسريعاً ثم أخذته له وأطعمته بيديها وأعطته دواءه ..

ثم جلست تقصّ له ما حدث بينها وبين إيتن وكيف كان قاسياً معها في البداية بسبب خوفه عليها بسبب أماريس وكيف أصبح بأن وقع في حبها وأرادها أن تحبه ..

وشيئاً فشيئاً بدأت تتحدث بيرلا له بمرح عما حدث معها من مواقف مضحكة معه ومع عدم خبرتها في خوض العلاقات ..

فكانت تضحك مع والدها عندما حكت له عن غيرة إيتن العمياء حتى مع ذئبه وكيف افتعل فوضى عارمة في المطبخ عندما جعلته يطبخ لها وحكت له عن الصداقات التي أنشأتها بدأ من سانسا اللصة انتهاء بفليغون عدو إيتن الأزلي ..

مضى وقت ليس بقصير إلى أن حلّ المساء دون أن يشعرا به بسبب حديث بيرلا المتواصل الذي أخرجت به حنينها لهم وأخبرت والدها بكل شيء تشعر به كما اعتادت منذ أن كانت طفلة ..

فابتسمت بحزن وهي تحدق بسوارها ثم أردفت بصوت حزين:

"هذه كانت هديته الأخيرة بابي وكانت وعده لي بأنه سينتظر عودتي لآخر لحظة في حياته"

التمعت عيناها بالدموع وهي ترفع عينيها وتحدق بوالدها ثم أردفت له بتقطع:

"أتظن بأن ما رأيته قبل قليل يعني بأنه حي وأني سأعود لعالمه يوماً ما؟"

فابتسم لها بحنان ومسح على خدها وهو يردف لها بهدوء:

"واثق من هذا طفلتي فقط اصبري وأنا أثق بأن الإله سيجمع كل محب مع حبيبه يوماً ما"

كلمات والدها الحنونة أزالت الثقل عن قلبها وأعطاها أملاً بأن يإيتن لا يزال حياً فابتسمت له بحزن وامتنان ثم عانقته وهي تشكره على وجوده بجانبها ..

بعد ذلك ساعدته في الإستلقاء واستلقت بجانبه وتابعا حديثهما حيث كان ألكساندر يسألها عن الأمور المختلفة في ذلك العالم وهي تجيبه كما قرأت في الكتب عن العلاقات والعادات الغريبة والأجناس وأشياء مختلفة حتى أرضت فضول والدها ..

أما ألكساندر الذي كان يستلقي على ظهره ويحدق بالسقف بينما يعانق جسد ابنته ويمسح على رأسها بحنان ويستمع لكلامها ووصفها الدقيق الذي أراحه قليلاً وبعد تفكير طويل أردف لابنته وهو يمسح على شعرها برفق:

"طفلتي هل يمكنك أن تجلبي لي شيئاً من الدرج في خزانتي للخاصة؟"

رفعت بيرلا رأسها عن صدره وحدقت به باستغراب للحظات قبل أن تستقيم وتذهب للدرج الذي أخبرها عنه وبعد أن فتحته أتاها صوته الهادئ لإرشادها:

"هنالك ظرف أبيض في الجهة اليمنى من الدرج أحضريه"

حملت بيرلا الظرف وتقدمت بهدوء إلى أن جلست بجانبه على السرير وعندما مدته له ليأخذه تفاجأت به يمسك بيدها ويعيد الظرف لها وهو يردف لها بهدوء:

"احتفظي بالظرف مغلقاً وعندما يحين الوقت وتعودين لحبيبك أعطه إياه وأخبريه بأنه مني وأنني كتبت له هذه الرسالة لأني لم أستطع أن أقابله شخصياً مع أنني وددت رؤية الرجل الذي اختارته ابنتي بنفسها ليكون زوجها وأن أراك تزفين له بثوبك الأبيض حتى أبارك لكما في زواجكما ولكن القدر قد شاء ألا يحدث ذلك وألا أكون معكما في تلك اللحظة لذا أعطه رسالتي وأخبريه بأن يعدها مباركتي لزواجكما وكأنني موجود معكما"

انهمرت دموع بيرلا وهي تسمع كلمات والدها لها ولا تعلم لماذا ..

ولكنها شعرت بأنها كلماته الأخيرة ..

"لا تقل ذلك أبي ستبقى معي وسنعبر للعالم الآخر معاً عندها سنجد علاجاً لمرضك ونعيش معاً للأبد لا تستسلم لمرضك أرجوك"

شهقت بيرلا ببكاء وهي تهتف له بألم قبل أن تنحني وتضع رأسها على صدره وتكمل بكاءها

فابتسم ألكساندر بحزن وهو يشعر باقتراب أجله ثم أردف لها بهدوء:

"لا تبكي طفلتي كل ما نعيشه الآن هو قدرنا الذي لا نستطيع الهرب منه أبداً ومهما كافحنا سيحصل في النهاية لذا علينا أن نكون راضين به وأقوياء حتى نتقبله وأنت طفلتي القوية التي بقيت متمسكة بأملها وإبتسامتها رغم كل الظروف وأريدك أن تبقي هكذا "

صمت وهو يمسح على شعرها بحنان وهو يشعر بجسدها ينتفض مع كل شهقة تخرج منها فتنهد بخفة وأكمل بهدوء وبطء:

"على الرغم من أن ما حدث معك شبه مستحيل إلا أنني لم أستطع أن أكذّبك كما لم أستطع أن أكذّب عيناي التي رأتك بعد أن استيقظت من الغيبوبة وأنت تخبريني أنك لم تتركيني بإرادتك وأنك ستعودين إلي وأن أقاوم المرض وأنتظرك"

فتحت بيرلا عينيها بصدمة وهي تستمع لكلماته فسمعته يتنهد بتعب قبل أن يكمل لها بحنان:

"في ذلك اليوم العجيب رأيتك بجانبي وسمعت كلماتك التي كذّبت كل ما قالوه عنك وأعطتني دافعاً بأن أقاوم وأنتظرك وعلى الرغم من استغرابي من أفعالك إلا أنني لم أقتنع بقصة الخطف وشعرت بأن هنالك أمراً خارقاً للطبيعة جعلك تظهرين أمامي فقط وتختفين دون أن يشعر بك أحد لذا كنت واثقاً بأن هنالك سر كبير خلف ذلك وأنا سعيد بأنني علمت كل شيء وأن ابنتي كبرت وأصبحت واعية وقوية وستكون بخير بدوني"

"لا تقل ذلك أرجوك أنا لا أستطيع أن أعيش بدونك أبي"

هتفت بيرلا وهي تتمسك بقميص والدها فسمعته يتنهد بتعب ثم أردف لها بهدوء وبطء:

"ستستطيعين فعل ذلك وتكونين قوية وصابرة في أقسى الظروف أنا واثق من ذلك فأنت ابنتي وتربيتي وأعلم أنك لن تخيبي ظني بك ولكن كل ما أتمناه أن يجمعك الإله بالرجل الذي أحببته مرة أخرى حتى يستطيع حمايتك وإسعادك حتى آخر حياتك"

أنهى كلامه بخفوت وبطء وهو يتنهد بتعب قبل أن يغمض عينيه ويرتخي جسده بعد أن خرجت روحه من جسده .

أما بيرلا التي كانت تستمع لكلمات والدها ودموعها لا تتوقف عن الانمار بصمت وهي تتمسك به بشدة وكأنه سيهرب منها ..

وعندما شعرت بيده التي كانت تمسح على شعرها بحنان توقفت وثقلت على رأسها توسعت عينيها بصدمة وذعر وكأنها لا تصدق الأمر ..

"أبي هل نمت؟"

أردفت بخوف وارتجاف وهي خائفة من النظر لوجهه فعضت شفتيها وهي تحدق بأوليفر الذي أخرج عواء حزيناً وهو يقرب وجهه من جسد مالكه ..

عندها استجمعت ما بقي من قوتها ورفعت رأسها فسقطت يد والدها على السرير مما جعل شهقات مرتجفة تخرج من فمها وهي تحدق بعينيه المغمضة وجسده المرتخي ..

فأمسكت بوجهه في كلتا يديها وهتفت له بانهيار وهي تهزه:

"أبي أرجوك افتح عينيك لا تتركني أبي أرجوك عد إلي لم يبقى لي في هذا العالم غيرك أنا لا أزال بحاجتك إلى جانبي أبي أتوسل إليك لا تتركني وحيدة بابا"

صرخت بكل قوتها في نهاية كلامها وعندما لم تجد الرد منه وضعت رأسها على صدره للمرة الأخيرة وهي تشهق وتبكي بقوة ..

غير مصدقة بأن اللحظة التي كانت تخشاها قد أتت وأنها فقدت والدها للأبد ..

وباتت وحيدة في هذا العالم بدون سند ..
_______________

في العالم الموازي وفي البُعد الثاني عشر تحديداً ..

كان ذلك العالم في حالة إضطراب شديدة بعد أن اشتعلت الحرب من جديد لتشمل جميع الفصائل والتي لم ترحم لا حجر ولا شجر ..

فقد كانت حرب تطهير للأجناس كما سماها إيتن ..

حرب طهر كل مناطقه التي كانت له والتي ضمها له بعد الحرب من كل خائن وجاسوس يعمل للمتمردين أو لأماريس ..

وذلك كان بمساعدة سانسا التي أعطتهم كل المعلومات التي بحوزتها والتي كان السبب في اختلال ميزان القوى بين الكفتين ..

فعلى الرغم من كثرة عدد المتمردين الذين كانوا يتمركزون في أماكن بعيدة مع رجال أماريس إلا أنهم ضعفوا بشدة بسبب خسارتهم لكليزور وبيرس منذ بداية الحرب ..

ولكن ما غطى عن تلك الخسارة هو خروج بيار للعلن وخيانتهم وانضمامه للمتمردين الذين أصبحوا بقيادة سيزيتو بعد موت بيرس فوراً ..

فهو كان يساعد بيرس في كل شيء ..

ولكن لم ينضم بيار للمتمردين إلا بعد أن قتل الملك ليوناردو وأخذ معه كمّاً هائلاً من أتباعه وأبناء جنسه ..

مما جعل مصاصو الدماء يعيشون أسوأ لحظات تشتتهم وانقسامهم ما بين أخيار وأشرار ..

لذا أصبحت كاساندرا قائدتهم منذ تلك اللحظة بعد أن ظهرت نوايا باقي المستشارين وخيانتهم وكان ذلك بعد أن أسرعت لعقد تحالف مع إيتن حتى يدعمها ويمنع بيار وسيزيتو من الضغط عليها حتى يرغموها على الإنضمام لهم ..

وذلك حفظاً على ما بقي من أبناء جنسها وخوفاً عليهم من الزوال بسبب الحرب الطاحنة ..

وفي قصر العنقاء حيث كان الملوك وقادات الأجناس يعقدون اجتماعاً بسبب الأحداث التي وقعت مؤخراً وانضمام كاساندرا لهم ..

كان فليغون يجلس على كرسيه الملكي على رأس الطاولة ويقابله من الجهة الأخرى إيتن وهما يحدقان بالبقية ويستمعان بملل شديد ..

طرق فليغون أصابعه على كرسيه بقلة صبر وهو يسمع للأخبار المخزية عن خيانة بيار وموت ليوناردو وضيق عينيه وهو بالكاد يقمع نفسه عن إطلاق ناره وإحراق الجميع ..

فمع مرور الوقت بدأ الجميع يلاحظ انقلاب مزاج فليغون إلى مزاج حاد وناري كناره الحارقة التي باتت تخرج بدون أن يشعر بمجرد أن يشرد بأفكاره ..

أما إيتن فكان يزداد بروداً أكثر من أي وقت مضى وبات بالكاد تخرج منه كلمة أو اثنتين في حين أصبح متعطشاً للقتل والقتال وكأنه يخرج بؤسه وحزنه في المعارك .

مما أكسبه زيادة صلابة في جسده وملامحه التي زادت حدة وقوة ..

وعلى الرغم من ذلك إلا أن علاقته بفليغون أصبحت أفضل بكثير وتقبل أفعاله بشكل كامل عكس الماضي وباتا يتفقان في كل شيء ويقاتلان معاً دائماً ..

إلا أنه كان ينزعج ويغضب من رؤيته مكتئباً منذ أن تركت بيرلا عالمهم ..

فداخله كان يشعر بأن فليغون يكن مشاعر لبيرلا وهو بات حزيناً على فراقها كما هو حزين أيضاً ..

وهذا ما أغضبه بشدة ..

على الرغم من أنه حاول معرفة ما في عقله إلا أن فليغون لم يبح بأي كلمة يستطيع بها إيتن أن يفهم ما يدور في عقله ..

وفي وسط الإجتماع وبينما كان الجميع مندمجين به اشتعلت النار فجأة في تمثال حجري موجود في القاعة على شكل عنقاء تفرد جناحيها ..

حدق الجميع بها للحظات بهدوء ظنناً منهم بأن فليغون قد أشعله دون أن يشعر إلا أنهم صمتوا بصدمة عندما وجدوا فليغون يقف على قدميه وهو يوسع عينيه بصدمة ..

ثم اقترب بخطوات بطيئة ووقف أمام التمثال وهو يراقبه يحترق بصمت قبل أن يطلق ضحكاته السعيدة وهو يصفق بيديه ويردف وكأنه يحدث نفسه:

"رائع وأخيراً لقد تحركت"

وقف إيتن عن كرسيه وسار ببطء وهو يحدق باستغراب بملامح فليغون التي عادت مرحة ثم أردف له ببرود لاذع:

"ما الذي دهاك؟ هل فقدت عقلك أم ماذا أيها الأحمق؟ أطفئ نارك ودعنا نكمل اللعنة حتى ننصرف"

بقيت إبتسامة فليغون مرسومة على وجهه ثم أردف له بهدوء غريب:

"إنها ليست ناري بل نارها التي اشتعلت أخيراً بعد أن فعّلت القلادة بشكل صحيح ولن تخمد حتى توقف تدفق قوتها"

توسعت عينا إيتن وتجمد جسده عندما فهم من كلامه بأن بيرلا قد فعلت قلادة قلب العنقاء فلم يشعر إلا بزمجرة قوية خرجت من فمه قبل أن يندفع نحوه بسرعة ويمسكه من مقدمة ملابسه وهو يهتف له بغضب أعمى:

"أيها اللعين أوضح كلامك قبل أن أقتلع رأسك بيدي كيف تقول أنها فعّلتها وهي قد ماتت أمامي؟ قد يكون سبب هذه النار شخص غيرها لا تتلاعب بي وإلا مزقتك"

بقي فليغون يبتسم بهدوء وهو يحدق بإيتن الذي اشتعل من الغضب لأول مرة منذ موت بيرلا ثم أردف له بهدوء:

"عزيزي ألفا الجليد قلادة قلب العنقاء لا تعمل سوى مع الشخص الذي يقوم الملك بمنحه إياها وأنا لم أمنحها سوى لرفيقتك لذا من المستحيل أن تعمل مع غيرها أما النار التي تشتعل الآن بسبب الرابط بين القلادة والتمثال والذي يشتعل بالنار كلما تفعلت القلادة لذا لا يوجد حل آخر غير أن رفيقتك اللطيفة بيرلا نجت من الموت ذلك اليوم وها هي توقظ طاقة قلادتي لأول مرة ففرح ولا بقى بائساً فرفيقتك لا تزال حية"

أنهى كلامه وهو يزيل يدي إيتن ويربت على كتفه عندما وجده تجمد بصدمة كحال كارل  والبقية الذين يشاهدون ما يحدث ..

فالتفت إيتن يحدق بالنار بأعين متوسعة مصدومة وسعيدة عندما اشتعل أمل كبير وجديد كإشتعال النار بإعادة بيرلا إليه مجدداً ..


وبقي واقفاً هو وفليغون يراقبان النار تشتعل بالتمثال وكلٌّ منهما ضائع بأفكاره ولكنهما كانا سعيدان لمعرفتهما بأن بيرلا حية ولم تمت ..

_____________________

كيف كان البارت ..

شو رأيكم بالأحداث ..

بظهور الحارس الغريب ..

والرؤية التي رأتها بيرلا والتي كشفت القليل من سر فليغون وأظن فهمتو ليش مهتم ببيرلا والي رح وضحوا أكثر في الأحداث القادمة لما تعرف ليش شافت هذه الرؤية ..

وانتهاء بمعرفة إيتن بأن بيرلا لا تزال على قيد الحياة ..

الفصل القادم سيكون تتمت الأحداث مع بيرلا وشو حيصير معها بعد موت والدها وكيف رح تلتقي بإيتن في النهاية ولكن أظن بأني رح أتأخر بنشر البارت بسبب العيد لذلك أخبرتكم حتى لا تقلقوا ..

وبمجرد انتهاء العيد سأعود للروتين القديم بتنزيل الفصول أيام الثلاثاء والجمعة ..

وأخيراً أشوفكم ببارت قادم😘😘😘😘😘😘😘

Continue Reading

You'll Also Like

713K 40.5K 44
تتحدث القصة عن القدر الذي جمع رفيقين من عالم من مختلف أقوى ألفا في العالم يجد أن رفيقته فتاة بشرية لا يستهان بها هل ستوافق البشرية على قبوله كرفيق ؟...
525K 39.7K 37
أنتَ الآن في عام 2070 . حيث التطور الذي طرأ على المُجتمعات ، لتختلط الاجناس والمخلوقات فبعد إن كان شائع بأن البشر هم الحُكام الوحيدين على الأرض ،مُح...
6.9M 444K 69
هي ليست نادرة، ولا آخر فرد من فصيلتها. بل هي لا تملك فصيلة، ولا مجموعة، ولا قطيع. لا تنتمي لأحد. فريدة من نوعها، لم يوجد مثلها من قبل. هي بلا مثيل...
2.5M 108K 46
في ليلة غير كل الليالي حيث كان القمر المكتمل هو بداية لكل شيء كانت فتاة شابة تجلس أمام نافذتها وهي تحدق به ككل ليلة إلا أنها لم تعلم بأن هذه الليلة س...