ألفا القمر الأحمر ..Alpha Red...

By Aisha-kasem40

2.5M 108K 35.6K

في ليلة غير كل الليالي حيث كان القمر المكتمل هو بداية لكل شيء كانت فتاة شابة تجلس أمام نافذتها وهي تحدق به كك... More

مقدمة
الشخصيات
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
31
Note
32
33
34
35
36
37
38
39
40
The End:41
The special part
Instagram account

30

47.2K 2K 1.2K
By Aisha-kasem40

(ملاحظة البارت 12600 كلمة لأني ما حبيت اختصر أبداً بالأحداث والحوارات)

(هذا البارت أهم بارت في الرواية بأكملها أرجو التعليق بين الفقرات حتى أعرف رأيكم بأهم أحداث الرواية )

حلّ الصباح ودخلت أشعة الشمس من النافذة وحطت على وجه إيتن النائم فعقد حاجبيه بانزعاج بسبب عدم نومه إلا لساعات الصباح الأولى ..

حرّك يده ومسح على وجهه وهو يشعر بالصداع يفتك برأسه بينما مدّ ذراعه الأخرى يبحث عن بيرلا جانبه وعندما لم يجدها انتفض جالساً يحدق حوله بقلق ..

ثم استقام وبحث عنها في الغرفة بأكملها إلا أنه لم يجدها عندها سأل بوريشا عبر الرابطة عنها ولكنها أخبرته بأنها لم تغادر جناحه ..

فأسرع وخرج من غرفة النوم ونظر حوله يبحث عنها فجناحه كان كبيراً ويمتد لطابق كامل في القصر فيه عدة غرف منها الشاغر ومنها المقفل ..

وبينما كان يسير في الرواق بهدوء وهو يحاول إيجادها عبر الاستماع لدقات قلبها حدّق بآخر غرفة في الجناح حيث كان بابها غير مغلق بشكل كامل ..

اقترب بهدوء وهو يستمع لنبضاتها المنتظمة وأنفاسها الهادئة وعندما وصل للباب فتحه بهدوء وحدّق بالأرجاء يبحث عنها بعينيه ..

فوجدها تجلس على حافة النافذة الكبيرة وهي ترتدي سترته التي تكاد تغطيها بالكامل بينما رأسها تسنده على الزجاج وتحدق بالخارج بشرود دون أن تنتبه له وهي غارقة بأفكارها ..

فتنهد بثقل من عجزه عن إزالة هذا الحزن من قلبها ثم اقترب منها ووضع يده على كتفها وهو يهمس باسمها بخفوت ..

فحركت حدقتيها نحوه وابتسمت له بخفة قبل أن تردف له بهدوء:

"لم أنتبه على وجودك"

فاستند إيتن على حافة النافذة بجانبها ثم أردف لها بهدوء:

"لقد استيقظت ولم أجدك بجانبي لذا بحثت عنك "

حدقت بيرلا به بهدوء ولكن عينيها كانت تلتمع بالحزن ثم أردفت له:

"لقد خرجت من الغرفة بعد أن غطيت بالنوم كنت أبحث عن نافذة أستطيع بها رؤية القمر ولم أجد سوى هذه وبقيت هنا أراقب السماء بعد شروق الشمس لم أنتبه للوقت آسفة لأنني أقلقتك علي"

رمش إيتن وهو يحدق بملامحها الذابلة للحظات قبل أن يردف لها بدون أن يشعر:

"هل أنت بخير صغيرتي؟"

أنزلت عينيها وحدقت بأصابعها التي تتمسك بالسترة ثم أردفت له بخفوت:

"بخير لا تقلق"

قمعت بيرلا دموعها ثم رفعت عينيها الذابلة له وابتسمت له بخفوت ..

على الرغم من أنها حاولت أن تخفي ألمها وحزنها عنه وتبقى متماسكة قدر الإمكان إلا أن إيتن كان يرى بوضوح حزنها وألمها المختبئ خلف نظراتها البريئة ..

وعندما رأت بيرلا عينا إيتن تحدق عميقاً بعينيها وكأنه ينظر لروحها المكسورة تنهدت بخفة ثم أمسكت بيده وهي تقف باعتدال وهي تردف له بهدوء:

"هيا دعنا نذهب للإستعداد فوقت وجبة الإفطار قد حان وأنا جائعة جداً"

استغرب إيتن من أفعالها وهي تحاول إخفاء حزنها عنه ولكنه بقي صامتاً مراعياً حالتها وسار معها عندما سحبته معها إلى غرفة النوم ..

وعند الإفطار راقب إيتن بيرلا التي لم تضع بفمها حتى لقمة واحدة واكتفت بالنظر لصحنها بشرود فتذكر حالتها في بداية قدومها لعالمهم فقد كانت تحمل ذات النظرات وذات الأفعال مع الجميع ..

وتخفي حزنها داخلها وفي أول فرصة تكون بها لوحدها تنفجر بالبكاء ..

وخاصة عند البحيرة ..

استقام إيتن عن المائدة بضيق دون أن يشعر وخرج متجاهلاً نظرات الجميع ومنهم بيرلا التي خرجت من شرودها وحدقت بصحنه الذي لم يتم لمسه حتى ..

فابتلعت ريقها وهي تشعر بالذنب لأنها تعلم جيداً بأنها السبب في ذلك ثم نظرت لمايا التي وضعت يدها على كتفها وأردفت لها بخفوت:

"هل أنت بخير بيرلا؟"

أومأت لها بيرلا بهدوء ثم استقامت وخرجت من القاعة فتنهدت مايا بحزن وحدقت بجاك الذي يحدق بأثر بيرلا ثم همس لها وهو يمسك بيدها:

"سيجاوزان هذا الأمر حتماً"

"أتمنى ذلك"

همست مايا وهي تحدق به بحزن بينما الجميع ليسوا بأقل منهما حزناً ..

فالجميع يرى حزن الألفا واللونا خاصتهم ..
_______________

أما إيتن الذي كان يسير في مكتبه ذهاباً وإياباً وهو يفكر بحل لما يحدث فهو لن يحتمل رؤية بيرلا مكسورة وحزينة هكذا ..

فبقي يتناقش مع فوكسارد محاولان إيجاد حل لمشكلتهم بأقصى سرعة ..

إلا أنه توقف ونظر نحو الباب الذي طرق بهدوء فقرع قلبه باضطراب عندما علم صاحبة هذه الطرقات ..

وعندما أذن لها بالدخول تفاجأ بها تدخل معها عربة الطعام وتتقدم للداخل بعد أن أغلقت الباب خلفها ..

فابتسمت له بخفوت قبل أن تردف له بتلعثم:

"لقد غادرت قاعة الطعام دون أن تلمس طعامك بسببي لذلك .. لذلك أعددت لك هذا بنفسي "

فابتسم لها بحب وهو يقترب منها وحدّق بالصحون ثم بها وأردف لها وهو يمسح على وجنتها:

"شكراً على اهتمامك صغيرتي ولكني لن آكل إن لم تأكلي معي اتفقنا"

أومأت له بيرلا بخفة ودفعت العربة إلى جانب الأريكة ونظرت إلى إيتن فابتسم لها بخفة وتقدم ثم جلس على الأريكة وهو ينظر إليها ..

وعندما أرادت الجلوس بجانبه تفاجأت به يسحبها إلى حجره وهو يبتسم لها بخبث فرمشت بإحراج وهي تعلم جيداً بأنه يتقصد مشاكستها ..

حتى ينسيها حزنها ..

ولكنها لم تعترض أيضاً فهي كانت بحاجة ماسة لتشعر بحبه واهتمامه لعلها تُهدئ قلبها وشعورها بالذنب حياله ..

ومن دون أن تجادل مدّت يدها وحملت الملعقة وبدأت بإطعامه بهدوء على الرغم من أنه حاول إيتن معها كثيراً حتى تأكل ولكنها اكتفت ببعض اللقيمات بينما بقيت تطعمه باهتمام ..

وبعد أن انتهى إيتن من تناول الطعام وتأكدت بيرلا من أنها أطعمته جيداً نظر إليها إيتن فوجدها تحدق به بعيونها الملتمعة وكأنّ في فمها بعض الكلمات التي تتردد في إخراجها من داخلها ..

فابتسم لها بحب وأردف لها وهو يمسح على وجنتها:

"ما الأمر صغيرتي؟ هل هناك ما تريدين قوله؟"

ابتلعت بيرلا ريقها وهي تحدق بعينيه ثم أردفت له بخجل وتردد:

"هل .. هل يمكنني البقاء معك؟ أقسم بأنني لن أزعجك وألهيك عن عملك فقط أريد البقاء بقربك"

توسعت عينا إيتن بدهشة من طلبها ومن تصرفاتها اليوم وهي تحاول إخفاء حزنها عنه بعد أن بقيت تبكي وتهمس باسم والدها طوال الليلة الماضية إلا أنه لم يمانع الأمر إن كانت لن تعود للبكاء مجدداً ..

فابتسم لها بحنان قبل أن يردف لها بحب:

"كيف لي أن أنزعج وأنت بقربي حلوتي؟ ألم أخبرك بأنني لك بالكامل؟ يمكنك فعل ما تريدينه بي دون أن تسأليني حتى"

التمعت عينا بيرلا بحزن عميق بعد أن سمعت كلماته ومن دون أي تردد عانقت إيتن وهي تتنفس بعمق مدخلة رائحة عطره القوية لرئتيها لعلها تهدّئ قلبها ..

تنهد إيتن بحزن وهو يبادلها العناق ويشعر بأنفاسها المضطربة تلامس جلد عنقه فعقد جاحبيه بينما يسمع فوكسارد يردف له بحزن:

《إيتن لؤلؤتي تحاول حمل همومها لوحدها هي تتألم بصمت ماذا سنفعل لأجلها؟》

《لا أعلم فوكسارد لا أعلم حقاً ماذا أفعل لأول مرة في حياتي أشعر بهذا العجز ليتني أستطيع إحضار والدها لهنا فأنا أعلم بأن شعورها بالذنب لن يتلاشى من قلبها حتى تراه أمامها علينا إيجاد حلّ سريع لذلك》

أردف إيتن بحزن وهو يبادل بيرلا العناق ويستنشق رائحتها العطرة ثم استقام وهو يحملها وتقدم نحو مكتبه وجلس على كرسيه وهي في حجره وقدميها تتدليان في كلا الجانبين ووجهها مقابل لوجهه ..

فقبل وجنتها بحب عندما رأى نظراتها البريئة لوجهه ثم أحاط بخصرها مقرباً جسدها من خاصته فعانقت بيرلا عنقه بيديها وأسندت رأسها على كتفه وهي تتنهد بخفة ثم أمسك إيتن بيده الحرة القلم وبدأ بالعمل محاولاً شغل نفسه عن التفكير ..

وبعد قليل من الوقت شعر إيتن بأنفاسها تنتظم وجسدها يرتخي بين ذراعيه فأبعد وجهها عن كتفه قليلاً حتى يتسنى له النظر إليها فرأى وجهها الشاحب والمتعب مما جعله يشعر بالمزيد من الألم لأجلها ..

فهو كان خائفاً أن تطلب منه العودة لوالدها وتسأله إن كان يعلم بطريقة ما لذلك ..

وهو يعلم جيداً بمكان حجر قلب البحر الذي مع سانسا ..

عندها لن يستطيع الكذب عليها ..

على الرغم من ألمه وحزنه لأجلها إلا أن داخله كان لا يزال متمسكاً بها وليس مستعداً للتخلي عنها بعد كل ما حدث بينهما ..

ولكن كان داخله لا يزال يوجد أمل بإيجاد طريقة ما تجنّبه تركها ..

صحيح بأن ذلك أمر أناني ولكنه لا يستطيع تخيل حياته بدونها ..

ليس بعد كل ما خاضاه معاً ..

ولكنه يعلم جيداً بأنها ستبقى تلقي اللوم على نفسها طوال حياتها إن لم تعد إلى والدها وتقف معه في آخر لحظاته ..

لذا كان في حالة تشتت وضياع في قراراته التي ستحدد مستقبله معها ..

خرج إيتن من أفكاره على طرقات الباب فضم جسد بيرلا جيداً لجسده ثم أذن لجاك بالدخول ..

دخل جاك لمكتبه ومعه ستارك الغاما الخاص بكارل وعلائم وجوههم لا تبشر بالخير ..

فعقد إيتن حاجبيه بقلق وهو يحدق بهما وينتظر تكلمهما فحمحم جاك قبل أن يردف بتوتر:

"أعتذر ألفا عن مقاطعتك ولكن الغاما ستارك طلب رؤيتك لأمر عاجل جداً"

"ما الأمر تكلم؟"

أردف إيتن ببرود وهو يحدق بملامح ستارك المضطربة قبل أن يردف له بتوتر:

"ألفا لقد تمّ مباغتتنا ومهاجمة القطيع البارحة من جيش كبير من المتمردين لم نستطع أن نقف في وجهه بعد خيانة اللونا سانسا وإعطاء والدها معلومات عن مراكز المراقبة والحرس الحدودي مما جعلنا نخسر الكثير من الأرواح وأصيب باقي أفراد القطيع إضافة أن الألفا .. "

صمت يبتلع ريقه بخزي ويحدق بعيون إيتن الموسعة بغضب ثم أكمل له:

"لقد تمّ أسر الألفا كارل أيضاً من قبل المتمردين "

"ماذا؟"

هتف إيتن بقوة دون أن يشعر ثم نظر لبيرلا التي لا تزال تغط في النوم بقلق من إن كانت قد استيقظت على صوته وعندما وجدها لا تزال غارقة بنومها بسبب سهرها لليلة كاملة نظر لستارك ويردف له بصوت خافت وحاد:

"أخبرني بما حدث بالتفصيل الممل"

وبالفعل حكى ستارك ما حدث لإيتن وما دار بين كارل وكليزور بالتفصيل وعندما انتهى استقام إيتن وهو يحمل بيرلا وأمرهما بانتظاره ..

صعد لجناحه ووضع بيرلا برفق على السرير ثم دثرها بالغطاء جيداً قبل أن ينزل بسرعة نحو مكتبه وبمجرد أن دخل نظر إلى جاك وهتف له بغضب:

"ابعث برقية لجميع حلفائنا أريد تمشيط جميع المناطق في كل بقاع الأرض علينا إيجاد كارل قبل أن ينفذ ذلك اللعين تلك التعويذة حتى ولو اضطررنا للتقليب بين التراب بحثاً عنه أريد معرفة مقرهم بسرعة وأعلن حالة الإستنفار في جميع المناطق فالحرب قد بدأت"

على الرغم من أن إيتن كان يعلم بأن هنالك خدعة ما وأن سانسا بريئة إلا أنه اكتفى بإعطاء الأوامر للبحث عن كارل قبل أن يقتله المتمردون ..

فهو الأهم الآن ..

أما باقي الأمر ستتم مناقشتها بمجرد إيجادهما فهو شكّ بنية والد سانسا بأنه سيتركها حرة بعد أن علم بأنه القائد الأعلى للمتمردين ..

ولكن ما حدث مع بيرلا في الغابة جعله ينسى هذا الأمر كلياً ..

ولكن الآن لن يدّخر أي جهد لإنقاذ حياة كارل المهددة بالخطر ..

________________

أما في مقر المتمردين كانت سانسا تسير خلف والدها ببرود إلى أن وصلا لغرفة متطرفة تحت الأرض ..

نظرت سانسا حولها باضطراب وهي تراه يدخل إلى الغرفة فدخلت خلفه بهدوء وأول ما وقع عليه نظرها هو السرير سحري الذي يتوسط الغرفة والذي ترقد عليه أماريس ..

توسعت عينا سانسا وهي تحدق بجسدها الشاحب وهي تغط في النوم أو الأصح أشبه بغيوبة على سرير زجاجي ولكنه يشبه الجليد في شكله أكثر وذراة قوى السحرية تخرج منه وتعالج الشرخ الذي لا يزال بصدرها ببطء شديد ..

ابتلعت ريقها بقوة باضطراب من حالتها ثم رفعت نظرها إلى والدها الذي أردف لها ببرود:

"سنقوم بمراسم تجميد قلبك في الغد فاستعدي وبمجرد أن تستعيدي طاقتك ستستخدمين حجر قلب البحر لشفاء أماريس فالحجر سيأخد قسماً من طاقتك عندما سيتم تشغيله لذا عليك أن تكوني في أوج قوتك حتى لا يؤثر الأمر عليك أهذا مفهوم؟"

"أجل"

أردفت سانسا ببرود فرأت والدها يهمهم برضا قبل أن يردف بحقد وغضب وهو يحدق بأماريس:

"سأجعلهم يندمون على ما فعلوه بها ذلك المستذئب اللعين ورفيقته البشرية سأنتقم منهم قريباً وسأنهيهم للأبد بيدي"

التمعت عينا سانسا بغضب عندما سمعت كلماته ورأت اهتمامه لها إلا أنها بقيت صامتة ولم تعلق على الأمر ..

وعندما خرجت مع والدها من غرفة أماريس وبينما كانا  يسيران في الممر المظلم أردفت له سانسا بهدوء:

"أبي هل يمكنني أن أسألك سؤالاً؟"

التفت نحوها ببرود قبل أن يشير لها برأسه أن تسأله فابتلعت ريقها قبل أن تسأل بتردد:

"لما كانت أماريس تريد قتل بيرلا؟ إنها مجرد بشرية كانت تستطيع إرسالها لعالمها ببساطة فلما اختارت التخلص منها؟"

ضيق كليزور عينيه عليها قبل أن يردف لها ببرود:

"لأن تلك البشرية كانت تهدد مكانة أماريس ووجودها بغض النظر عن إنتقامها من نسل هميسورث وأنها كانت تستطيع إرسالها لعالمها كما قلتِ ولكن ما لا تعلمينه بأن حول تلك البشرية كانت هالة غريبة لا يراها إلا الجنيات والكائنات السحرية لذا أرادت التخلص منها عندما وجدتها قد تشكل خطراً على خططها "

عقدت سانسا حاجبيها بغير اقتناع فرأت والدها يردف لها بقسوة:

"انسي روابطك التي أنشأتها في ذلك المكان المقرف أريد أن أرى أمامي ابنتي الصلبة التي لا يهزها أي شيء إياك وأن تخيبي ظني بك سانسا "

فابتلعت ريقها باضطراب قبل أن تردف له ببرود وهي تنزل عينيها للأسفل:

"حاضرة"

_______________

في مكان واسع وفارغ أشبه بكهف جليدي وقفت بيرلا تحدق حولها باستغراب ..

رمشت وهي تحاول أن تفهم أين هي؟ وما الذي تفعله هنا؟ ..

وفجأة ومن اللامكان ظهرت امرأة جميلة بشعر أشقر مائل للبياض وعينان خضراوان لامعتان وترتدي تاجاً كرستالياً مليئاً بالأحجار الكريمة وثوباً غريباً وكأنه يعود لملكة ما وهي تحتضن لجسدها حيواناً غريباً لم تستطع بيرلا معرفة نوعه ..

إلا أنه كان جميلاً بفراء بنفسجي غامق وآذان مدببة كبيرة وشكل لطيف يلفت النظر ويأخذ القلب من أول نظرة ..

رمشت بيرلا وهي تحدق بهذه المرأة الغريبة بذهول وهي تحاول أن تفهم ما يحدث لها؟ ..

للحظة عاد إدراكها وتذكرت أمر الحلم الذي رأت فيه كادري وتحدثت معها ..

ولكنها عقد حاجبيها باضطراب فالمرأة التي أمامها ليست كادري ولا تفهم سبب ولوجها بأحلامها هي الأخرى! ..

"عقلك مشتت كحال قلبك أنت محاطة بين خيارين مهمين سيحددان مصيرك ومستقبلك، رجلان تحبينهما وتريدين قربهما معاً ولكنك لا تمتلكين السبيل إلا لواحد "

صوت المرأة الغريب والهادئ أيقظها من تفكيرها فابتلعت ريقها بتوتر ثم أردفت لها:

"من أنت؟ ولما أنت موجودة بأحلامي؟"

نظرت إليها المرأة وابتسمت بلطف قبل أن تردف لها بهدوء:

"لم يحن الوقت لتعلمي من أنا بيرلا ولكنني أتيت لأساعدك حتى تخرجي من ضياعك هذا وتستطيعي اتخاذ القرار الصائب فوقتك قد شارف على الإنتهاء"

التمعت عينا بيرلا بالدموع عندما تذكرت الأمر وهي تحدق بالمرأة أمامها والأفكار تتداخل في عقلها لحظات وسمعتها تردف لها وكأنها تقرأ أفكارها:

"أحياناً ليس كل قرار نأخذه يكون عادلاً فهنالك شيء في الحياة يسمى التضحية والإيثار ونستخدمه لإسعاد الناس على حساب أنفسنا وهذا ليس أنانية بل هو التصرف الصحيح عند وجودنا بمفترق طرقٍ قد تحدد حياة أشخاص مقربين لنا"

عقدت بيرلا حاجبيها بضيق قبل أن تردف بصوت حزين:

"لقد فكرت كثيراً بهذا الأمر طوال الليل وأنا أفكر بذلك ولكنني لم أستطع أن أتخذ القرار النهائي فداخلي لا يزال يحترق ويتألم وضميري لا يزال يؤنبني لأنني سأظلمه إن تركته"

صمتت تقاوم دموعها ثم أردفت لها بصوت مخنوق:

"هو يتأثر بي ويشعر بألمي وحزني وبأقل فعل أفعله أرى تأثيره عليه سلباً أرى ألمه واضح من عينيه مع أنني أتجنب إيلامه ولكنني أعلم نفسي جيداً أعلم أنني لن أسامح نفسي ولن يرتاح ضميري إن لم أبقى مع أبي في آخر لحظاته حتى وإن كانت أيامه معدودة ولكنني أريد أن أريح قلبي وعقلي من أني كنت السبب في ما حدث له وتركته وحيداً في نهاية طريقه "

انهمرت دموعها وهي تحدق بالمرأة وتخرج الثقل الذي في قلبها وتكمل:

"رغم ذلك أجد صعوبة في الأمر أجد صعوبة بترك إيتن بعد أن وعدته بالبقاء بجانبه للأبد بعد أن أحببته كما هو يحبني، بعد كل ما خضناه معاً إن كان جيداً أو سيئاً، أنا لا أعلم ما أفعله حقاً ولكن ما أنا متأكدة منه هو أنني لو بقيت في هذا العالم وتركت أبي يموت وحده عندها لن أستطيع مسامحة نفسي أبداً ولن أستطيع إسعاد إيتن أيضاً لأنني لن أستطيع أن أكون سعيدة وسأؤلمه بسبب ألمي أستطيع أن أرى تأثيري عليه جيداً وأستطيع أن أرى مدى تعلقه الكبير بي ولكنني وجدت بأني بأي قرار سأتخذه سيكون إيتن المتضرر الوحيد وهذا ما لا أحتمله"

مسحت بيرلا دموعها بعشوائية ونظرت للمرأة وأكملت بحرقة:

"أخبريني ماذا ستكون فائدتي بجانبه إن لم أجلب له إلا الألم والحزن؟ أنا مجرد فتاة ضعيفة وعادية لم أفكر يوماً بالعيش سوى بكنف والدي قضيت حياتي أتجنب الآخرين كنت مكتفية بوجوده بجانبي فهو كان عالمي وحياتي بأكملها ولكن كل شيء قد تغير منذ أن التقيت بإيتن لا أنكر حبي له وتعلقي به ولكني لست مستعدة لأتخلى عن والدي وهو في أمسّ الحاجة إلي أعلم بأنه سيموت في كلا الحالتين وأنه لن يبقى طويلاً ولكني لا أستطيع أن أكون أنانية وأتركه يموت وحده كالغريب وبداخله حسرة رؤيتي أنا لست عاقّة له ولا خائنة لأتخلى عن إيتن ولا أعلم لما يحدث ذلك معنا؟ ولما أنا بالذات؟ مع أنني لم أؤذي أحداً في حياتي ولكنني بتُّ أجد نفسي بأن أول شخصين آذيتهما في حياتي هما أكثر شخصين أحبهما وهذا ما يجعل روحي تقتلع من داخلي"

ابتسمت لها المرأة بعطف ثم استقامت وهي تحمل حيوانها ووقفت أمامها وأردفت لها:

"بيرلا أنت لست سيئة وهذه ليست أنانية ما تفعليه هو إيثار الآخرين على نفسك وهذا يدلّ على طيبتك ونقائك.. هنالك دوماً فرصة ثانية لكل شيء تذكري هذا جيداً واغتنمي فرصتك التي لن تتكرر أمامك وابقي قوية فإن كانا سيتألمان على فراقك فأنت ستتألمين على فراق الاثنين معاً أبقي إيمانك قوياً وتأكدي بأن بعد أي نفق مظلم سنسلكه سينتهي بالضوء الذي سينير حياتنا من جديد "

رمشت بيرلا وهي تحدق بالمرأة التي بدأت تختفي من أمامها بينما سمعت آخر كلماتها لها:

"كوني قوية وواجهي قدرك وسيري كما يخبرك قلبك فقلبك لن يخطئ أبداً ومهما حدث تذكري بأن إلهك معك دوماً"
.
.
.

"بيرلا .. بيرلا .. افتحي عينيك صغيرتي .. بيرلا"

استيقظ وعي بيرلا على صوت إيتن الذي يناديها مراراً وتكراراً فعقدت حاجبيها وهي تشعر بأنامله تسير على وجهها برقة ..

وبخمول فتحت عينيها فقابلتها زرقاويه القلقة فابتلعت ريقها وهي تتنفس بثقل ثم استقامت بجذعها وهي تحدق حولها باضطراب بسبب ما رأته ..

"صغيرتي هل أنت بخير؟"

التفتت نحو إيتن عندما وجدته يجلس بجانبها ويحدق بها بتوتر فرمشت باستغراب من قلقه قبل أن تردف له بصوت مبحوح إثر النوم:

"أنا بخير هل كنت نائمة؟"

وعندما دعكت عينيها حتى تزيل آثار نومها عنها تفاجأت بوجهها الرطب من الدموع فأنزلت يديها عن وجهها وحدقت بها بشرود وهي تتذكر ذلك الحلم الغريب الذي رأته ..

فقد كان حلماً محسوساً أقرب للحقيقة فها هي تبكي في الواقع كما كانت تبكي في الحلم ..

"صغيرتي هل كان كابوساً؟ لقد وجدتك تبكين وأنت نائمة هل أنت بخير؟"

صوت إيتن انتشلها مجدداً من دوامة أفكارها فنظرت إليه بحزن قبل أن توميء له وتعانقه غارسة وجهها في صدره وهي تتنهد بتعب ..

بادلها إيتن العناق وهو يعقد حاجبيه بضيق وعجز مما آلت إليه الأمور ثم نظر لبيرلا التي ابتعدت عنه ومسحت ما بقي من دموع عن وجهها قبل أن تردف له بخمول:

"منذ متى وأنا نائمة؟"


تنفس إيتن بعمق محاولاً تهدئة نفسه وهو يرى ذبولها وإخفاءها لحزنها عنه ثم أردف بهدوء:

"لقد قارب الليل على الإنتصاف لقد نمت طيلة اليوم ولم أرد إزعاجك لأنك بدوت متعبة ولكن بكاؤك فجأة جعلني أوقظك"

نظرت إليه بيرلا بهدوء عندما أحست به يريد أن يعلم ماذا رأته في ذلك الحلم فتنهدت بخفة قبل أن تردف له بخفوت وهي تحدق بيديها:

"كان كابوساً لا أريد أن أذكره"

فابتلع ريقه وهو يحدق بها قبل أن يردف لها بلطف:

"هل أنت جائعة صغيرتي؟"

نظرت إليه بيرلا وهي تنفي برأسها فعقد إيتن حاجبيه بغير رضاً من ذلك وقبل أن يعترض تفاجأ بها تندفع نحوه وتعانق عنقه وهي تهتف له بلطف:

"لا أريد شيئاً سوى أن أنسى ذلك الكابوس هل يمكنك مساعدتي في نسيانه؟"

رمش بصدمة من كلامها وابتلع ريقه عندما شعر بها تحاول إخفاء الأمر عنه بتصرفها هذا ..

بادلها العناق وربّت على ظهرها بخفة وهو يشعر بها تغرس وجهها بعنقه وتتنفس بعمق مما سبب له بقشعريرة سرت في جسده بأكمله ..

فقد كانت بيرلا حزينة لأنها ضيعت يومها في النوم ولم يبقى لديها سوى يومان بجانب إيتن وهي لم تواجهه بعد بقرارها ..

ففي تلك اللحظات وهي تتذكر كلام تلك المرأة الغريبة لها تأكدت من قرارها وأن الحل الأصح لها وله أن تتركه الآن ..

فداخلها كانت مؤمنة بأنها مثلما أضاء لها القمر للمرة الأولى لتلتقي بإيتن فهو سيضيء لها للمرة الثالثة حتى تعود إليه ..

وكلام تلك المرأة قد أكد لها إحساسها ..

لذا وجدت الحل الأمثل أن تفعل ذلك وتعود بعد يومان لعالمها حتى تبقى مع والدها في آخر أيامه ثم تعود إلى إيتن بمجرد أن يضيء القمر بالأحمر للمرة الثالثة ..

قد يبدو ذلك أشبه بالمستحيل ولكن ألم يضيء القمر مرتان خلال شهران متلاحقان؟ ..

أليست هذه إشارة لها حتى تعود لعالمها وتبقى مع والدها في آخر أيامه وتنتظر قمرها ليضيء مجدداً لها لتعود لحبيبها والرجل المقدر لها؟ ..

قد يكون صعباً ولكنه ليس مستحيلاً ..

هكذا حدثت نفسها بالليلة الماضية عندما جلست عند النافذة وحدقت بالقمر الذي يكاد يكتمل ..

وأتى هذا الحلم ليؤكد لها قرارها ..

كإشارة مساعدة من الله حتى يرشدها للطريق الصحيح  ..

خرجت من أفكارها على صوت إيتن الرقيق:

"ولكن صغيرتي أنت لم تأكلي جيداً صباحاً ولا يجوز أن تبقي بدون طعام هذا سيضر بصحتك"

ابتعدت عنه وجلست أمامه وحدقت بوجهه وهي تردف له بعفوية:

"أنا حقاً لا أشعر بالجوع الآن ولكن أعدك بأنني سأتناول وجبتي كاملة غداً فلا تقلق ولكنني لا أزال أشعر بالنعاس وأريد النوم بحضنك الآن حتى أنسى كابوسي"

تنهد إيتن بخفة وهو يحدق بصغيرته التي تلعب بعداد نبضاته بمجرد كلمات بسيطة منها وتجعله يطيعها بدون أن يشعر فابتلع ريقه وأردف لها بهدوء:

"حسناً ولكن ستأكلين وجبة كاملة غداً اتفقنا"

أومأت له بيرلا بهدوء فرأته يضيق عينيه عليها للحظات وكأنه يفكر بأمر ما ثم استلقى وفتح ذراعيه لها وراقبها كيف اقتربت منه كقطة صغيرة ونامت بين ذراعيه وهي تتمسك بقميصه وكأنه سيهرب منها بأي لحظة ..

عانقها إيتن إلى صدره وهو يتنفس بعمق ويشعر بها تفرك وجهها بصدره وتتمسك به أكثر مما جعله يشعر بشرارات لذيذة تسري في جسده بأكمله ..

ولكنها لم تجعله سعيداً بما فيه الكفاية وهو يرى ذبولها وحزنها المكبوت أمامه والتصاقها به الذي يشعر به للحظات وكأنه وداعٌ أكثر من تقرّبٍ عادي ..

فهو ليس أحمقاً حتى لا ينتبه لنظراتها الحزينة والتي يملؤها تأنيب الضمير! ..

أما بالجانب الآخر كان يظنّ بأن هذه النظرات والأفعال ناجمة عن حزنها الكبير على والدها وأنها تلتجئ إليه حتى تحظى بالراحة والأمان  ..

وإيتن وفوكسارد كانا يرجحان الأمر الثاني أكثر ..

فهما لم يكونا يعلمان بظهور القمر الأحمر بعد ..

مضى وقت وهما على هذه الحالة صامتان كلٌّ منهما غارق بأفكاره ومشاعره المضطربة وعندما شعر إيتن بها تتنفس بتبعثر وكأنها تقاوم البكاء تنهد بثقل ثم أردف لفوكسارد بقلق:

《هذا ليس حلاً فوكسارد يجب أن نجد حلاً لبيرلا إن بقيت تتهرب من تناول الطعام ومنغلقة على نفسها هكذا ستمرض أستطيع أن أشعر بألمها ومشاعرها السلبية هي حتى لا تفكر بمشاركتنا أفكارها وأحزانها رؤيتها لوالدها زعزت روحها وجعلتها تغرق في القاع لذا علينا أن نخرجها من هناك بأي طريقة وإلا سنخسرها أيضاً》

تنهد فوكسارد بحزن ثم أردف بألم:

《معك حقّ إيتن لقد لاحظت ذلك هي غارقة في التفكير مجدداً يبدو أنها لا تستطيع نزع صورة والدها من عقلها وأظن بأنها تخفي الأمر عنا حتى لا تحزننا إيتن لؤلؤتي رقيقة ولن تحتمل الحزن والألم هكذا ولن أسامح نفسي إن كانت ستتألم بسببنا》

عقد إيتن حاجبيه وأردف له بحزن:

《حتى وإن كنا نريد أن ننهي ألمها أنت تعلم أن ذلك بطريقة وحيدة وهي عودتها لعالمها حتى تقف مع والدها في لحظاته الأخيرة فوكسارد أنت تدرك ذلك جيداً وتدرك بأننا فقدنا تلك الفرصة بعد أن غادرت سانسا مع والدها وبحوزتها قلادة قلب البحر التي كانت سبيلنا الوحيد لإرسالها لعالمها وإيقاف ألمها فهل أنت مستعد للإبتعاد عنها في حال وجدنا القلادة؟》

صمت فوكسارد ولم يرد على كلام إيتن فتنهد إيتن بثقل وهو يحدق أمامه بشرود وهو يتخبط بأفكاره كما تتخبط مشاعره داخله ..

فكل شيء بات على عاتقه الآن إيجاد كارل وسانسا والتصدي للمتمردين والوقوف بجانب بيرلا في محنتها ..

لم يعلم كيف سيفعل كل ذلك في وقت واحد؟ وهل سيكون قادراً حقاً على إزالة الحزن من قلب بيرلا بطريقة ما؟ ..

وبينما هو في وسط أفكاره لم يدري كيف أغمض عينيه وغرق في الظلام ..
__________________

أنا في الجانب الآخر كانت سانسا تجلس في غرفتها وتحدق في أضواء الشموع بعيون فارغة وقلب منكسر وعقلها يسبح بعيداً حيث الرجل الذي تحبه في أحد الزنزانات تحت الأرض ..

ضربات قلبها كانت عميقة ومؤلمة ودموعها بالكاد توقفت وهي تتذكر كلماته لها ..

"لما لم تدافعي عن نفسك أمامه سانسا؟"

جاء صوت أنثانيوس من خلفها فرفعت عينيها اللامعة نحوه ثم أردفت بصوت مخنوق:

"ولما علي أن أدافع عن نفسي إن كان أبي قد كتب نص المسرحية بنفسه وأحرق قطيعاً بكامله ليظهرني أمام عيني رفيقي خائنة؟ "

ابتلع أنثانيوس ريقه وهو يحدق بوجهها الحزين ثم أردف لها بهدوء:

"هل استسلمت حقاً سانسا؟"

صمتت وهي تحدق أمامها ثم أردفت له بصوت حزين:

"لقد حسم الأمر بالفعل والفائز هو أبي كلامه كان صحيحاً لا مجال لي من التحرر منه أبداً فهو يستطيع التحكم في كل شيء كما تحكم في حياتي لقد تعلمت درسي منه وتعلمته بطريقة مؤلمة انتزعت ما بقي لي من مشاعر داخل قلبي "

صمتت تبتلع ريقها ثم أردفت بصوت بارد كقلبها:

"غداً سأخسر ما بقي من إنسانيتي وسأصبح كما يريدني أبي سلاحاً مجرداً من المشاعر"

ثم حدّقت بعيون أنثانيوس الذي تناظرها بصدمة مما سمعه ..
___________________

في الصباح الباكر كانت بيرلا تحدق بشرود في وجه إيتن النائم بعد أن عجزت عن النوم مجدداً ..

بقيت تحدق بتفاصيله بتركيز وكأنها تخزنها في ذاكرتها حتى لا تنساها ..

وبينما هي غارقة في التحديق به لم تشعر بنفسها إلا وهي تقترب منه ببطء وتقبله من فكه قبلة لطيفة وطويلة ..

ثم ابتعدت تنظر إليه بحزن شديد وألم لأنها ستتركه فتجمعت الدموع في عينيها ولكنها نهرت نفسها عن البكاء وذكرت نفسها مجدداً بأن تثق بإلهها فهو الوحيد القادر على جمعهما معاً ..

فما كان منها إلا أن تستقيم ببطء حتى لا توقظ إيتن وتذهب للحمام بسرعة ..

إلا أنها غفلت عن عينيه التي تفتحت وهو يحدق أمامه بصدمة بعد أن شعر بها تقبله فجأة موقظة إياه من نومه إلا أنه لم يتحرك كي لا يخيفها واستطاع الشعور بمشاعرها السلبية ..
___________________

مرّت الساعات بسرعة على إيتن الذي كان مشغولاً جداً وبالكاد تناول طعامه مع بيرلا قبل أن يخرج من القطيع ليتجه للقرى والمناطق ويشرف على عملية البحث عن موقع المتمردين بنفسه ..

وعندما كان يسير في إحدى القرى تفاجأ بأحد فتيان السحرة يناديه فنظر للفتى ذو الثلاثة عشر عاماً الذي وقف أمامه وهو يردف من بين أنفاسه اللاهثة:

"ألفا الحكيم فاريس يستدعيك لأمر مهم فوراً"

فعقد إيتن حاجبيه باستغراب من ذلك وسار مع الفتى إلى الحكيم فاريس بعد أن وزع المهام على رجاله ..

مضى الوقت وكان قد وصل لمنزل الحكيم فاريس وبمجرد أن دخل إليه وحدق به ببرود أردف له الحكيم بصوته الضعيف والمهتز:

"اجلس بني"

أومأ إيتن وجلس مقابله على الطاولة وهو يردف له:

"ما الأمر يا عجوز لما ناديتني بهذا الشكل؟"

مسد الحكيم لحيته وهو يحدق بإيتن بهدوء قبل أن يردف له بصوته المهتز:

"أردت أن أنبهك لأمر مهم ألفا إيتن أمر سيكون خطيراً ومصيرياً لك"

عقد إيتن حاجبيه بقلق وتركيز وهو يحدق به بملامح باردة ويراقبه وهو يمسد لحيته ويهمهم بهدوء ثم أردف له مكملاً:

"لقد حدث أمر نادر وغير متوقع لا أدري إن كان الأمر كنذير شرّ أو خير ولكن تلك الظاهرة التي لا تتكرر كل خمسمئة سنة ستحدث مجدداً غداً والقمر المكتمل سيضيء بالأحمر مجدداً وستكون البحيرة بوابة نقل بين الأبعاد فاحذر جيداً وابقِ عينيك مفتوحتين فالشر يتربص بنا من كل الجهات وعليك حماية البحيرة حتى تمر تلك الليلة بسلام"

بهتت ملامح إيتن والتمعت عينيه بالألم والحزن عندما سمع كلمات الحكيم فاريس ..

لم يكن يدري السبب ..

ولكنه شعر داخله بأنها إشارة من الإله له ليجعل بيرلا تعبر هذه البحيرة لعالمها حتى تبقى مع والدها في أيامه الأخيرة ..
________________

أما عند بيرلا التي كانت تحدق في البحيرة بشرود وهي تفكر بإيتن الذي لم يستطع أن يقضي معها آخر وقتها ..

ولم يتسنى لها الفرصة لتتكلم معه حتى ..

ولكن ما آلم قلبها أكثر عندما سمعت ما حصل مع كارل وسانسا من مايا والتي أخبرتها بأن سانسا خائنة عندها لم تشعر بيرلا بنفسها إلا وهي تصرخ في وجه مايا بقوة وهي تخبرها بأنها تكذب وأن سانسا ليست خائنة ..

وعندما حاولت مايا إقناعها بالأمر صرخت بيرلا بوجهها بحدة وهي تخبرها بأن هنالك خدعة وأن سانسا من المستحيل أن تخون كارل وأنهم أغبياء لأنهم ظنوا أنها كذلك ..

لم تخف بيرلا من كلماتها أمام مايا وجاك الذي تقدم مع الغاما بعد أن سمعوا صوت بيرلا المرتفع لأول مرة ..

عندها صرخت بوجههم جميعاً وخرجت إلى البحيرة تختلي بنفسها وتنتظر عودة إيتن حتى تخبره بأن سانسا ليست خائنة وأن هنالك خدعة ما ..

تنهدت بيرلا بثقل وهي تسند رأسها على ركبتيها وهي تشعر بضيق كبير في قلبها ..

الأمور ازدادت تعقيداً وخطورة ..

وهذا ما أخافها وآلمها !..

كانت تعلم بأن صديقتها الآن تعيش أسوأ أيامها وهي عاجزة عن فعل أي شيء أمام والدها ..

ولكن ما استغربته بيرلا وهي تتذكر حديث مايا هو أن سانسا لم تدافع عن نفسها وتقبلت تهمهما بهدوء ..

كانت تعلم بيرلا يقيناً بأن سانسا تكذب ..

وأنها جارت والدها في كذبه ..

ولكن لماذا؟ ..

تساءلت بيرلا داخلها وهي تتذكر كلام سانسا عن والدها وكيف كان يعاملها وكيف كان السبب في موت والدتها ..

رفعت بيرلا رأسها وهي تحدق في البحيرة بملامح منقبضة ..

كانت واثقة بأن هنالك شيء مجنون في رأسها وهي واثقة بأنها لم تفعل ذلك عن عبث فالوقت الذي قضته مع سانسا وكلامها معها جعلها تدرك شخصيتها جيداً وكيف تفكر ..

وبغضّ النظر عما حدث لها ..

إلا أنها من المستحيل أن تسامح والدها على خيانة أمها!! ..

خرجت بيرلا من أفكارها على صوت رقيق ينادي اسمها فانتفضت واقفة وهي ترى كادري أمامها وهي تبتسم لها بهدوء ..

فحدقت بيرلا حولها بتوتر خوفاً من أن يراها أحد أفراد القطيع ثم التفتت نحو كادري التي أردفت لها بهدوء:

"لا تقلقِ بيرلا فقد غلفت المكان بتعويذة لن يستطيع أحد سماعنا "

تنهدت بيرلا براحة وهي تحدق بها بهدوء عندما تابعت لها مكملة:

"لقد أتيت لكي أعلم ردك على الكلام الذي دار بيننا فكما تعلمين هذه الليلة الأخيرة قبل ليلة إكتمال القمر"

ابتلعت بيرلا ريقها بتوتر وهي ترى كادري تفتح كفّ يدها التي تحوي على البذرة السحرية وهي تكمل:

"هذه لك عليك شربها وبمجرد أن تنامي وتستيقظي في الغد ستكونين قد أصبحت خالدة وعندها ستستطيعين حمل قوس إيزورا"

نظرت بيرلا ملياً إلى البذرة التي في كفها ثم رفعت كفيها بهدوء وأمسكت بيد كادري وقامت بإغلاقه وهي تردف لها بهدوء:

"هل يمكنك الإحتفاظ بها لي حتى أعود مجدداً؟"

رفعت بيرلا عينيها إلى كادري والتي وجدتها تحدق بها بصدمة ثم أردفت لها باستنكار:

"كيف ذلك؟ كيف ترفضين الخلود والبقاء مع رفيقك بهذه البساطة بيرلا؟ أنت تدركين بأن قوس إيزورا حلمٌ لكثير من الأشخاص كيف تتخلين عن كل شيء وتريدين الذهاب لعالمك؟"

بقيت بيرلا تحدق بها بهدوء ثم أردفت لها بصدق:

"أنا لا أرفض البقاء مع رفيقي ولا قوس إيزورا أنا فقط أريد أن يحصل الجميع عن الراحة إن كنت سأبقى مع إيتن للأبد فعلي إنهاء العلاقات التي تربطني في عالمي عندها سأعود إلى هذا العالم وسأبقى بجانبه وأدعمه بحبي طوال حياتي"

ارتخت معالم كادري قليلاً عندما سمعت كلمات بيرلا ثم رأتها تنظر إليه بحزن وتكمل:

"لقد فكرت ملياً في هذا الأمر ووجدت أنه الحل الأنسب لكلينا صحيح بأننا سنفترق ولكن سيكون ذلك لوقت قصير وبعدها يمكننا أن نتحد بدون أي خوف أو ارتباك أعلم بأنه سيتألم لغيابي عنه ولكنه سيتألم أكثر إن رآني حزينة أمامه لا أريد أن يلقي باللوم على نفسه أكثر فهو بالكاد توقف عن نعت نفسه بأشياء سيئة لذلك هذا الخيار الوحيد لراحة كلينا"

حدقت كادري بها بحزن ثم أردفت لها:


"ولكن بيرلا ماذا ستفعلين إن فقدت فرصتك في العودة إلى إيتن وبقيت عالقة لوحدك في عالمك؟"

التمعت عينا بيرلا بالدموع وكأنها بالفعل كانت تفكر بذلك إلا أنها قاومت نزول دموعها وأردفت لها بصوت حزين وصادق:

"عندها سيكون قدري أن أعيش منفصلة عنه فإن كان قدرنا أنا وإيتن ألا تكتمل قصة حبنا للنهاية فإننا قد نموت معاً هنا دون أن نفترق هكذا لذا أنا واثقة بأن الإله هو من سيرعانا في بُعدنا وإن كان قد جمعنا مرة فهو قادر على جمعنا مرة أخرى هذا ما أنا مؤمنة به وهذا ما أراه صحيحاً"

ابتسم كادري لها بعاطفة وهي تستمع لكلامها ثم أردفت لها بهدوء:

"أنت حقاً نقية بيرلا فقوة الإيمان هذه لا يملكها الكثيرون أهنئك على شجاعتك وأتمنى من الإله أن يجمعك مع من تحبين أما بشأن قوس إيزورا فسأقوم بإخفائه مع البذرة وسأنتظر عودتك إلي لتطالبي بما هو لك ومن حقك"

ابتسمت لها بيرلا وأردفت لها بلطف:

"شكراً لك كادري وأتمنى أن نلتقي مجدداً"

ودعت كادري بيرلا وغادرت المكان بينما بقيت بيرلا تحدق في البحيرة وهي تحاول التماسك فهذه اللحظات هي أصعب اللحظات التي مرّت عليها في حياتها ..

فرفعت رأسها عالياً تتنفس باضطراب وهي تغمض عينيها ثم همست بصوت مرتجف:

"يا إلهي ساعدني"

_____________________

أما في الجانب الآخر وفي مقر المتمردين تحديداً ..

كانت سانسا تسير خلف والدها قاصدة تلك القاعة التي ستحدث بها الطقوس لتحجير قلبها ..

وبمجرد أن دخلت وجدت أمامها أنثانيوس يقف وينتظرهم في وسط مشاعل للنار والتي كانت تضيء القاعة من الظلام بينما هنالك أمامه شموع مصفوفة بعناية على شكل دائري ..

نظرت سانسا إليه ببرود بعد أن وجدت كل شيء جاهز بالفعل ولم يبقى سوى إحضار كارل ..

وبالفعل التفتت بسرعة عندما سمعت صوت السلاسل بدأت تصدر في القاعة فوجدت حارسان يجران كارل المقيد بسلاسل الفضة من كل مكان في جسده ..

وبمجرد أن التقت عينيها بعينيه حتى رأت الخذلان والألم في عينيه قبل أن يشيح بنظره عنها فتجمعت الدموع في عينيها وهي ترى منظره المريع والضعيف بسبب بقائه مقيداً بسلاسل الفضة طوال الساعات الماضية ..

ضربات قلبها ازدادت عمقاً وألماً وهي تراه يساق إلى داخل القاعة ثم تمّ إرغامه على الجلوس على ركبتيه بعد أن تم تثبيته جيداً من قبل الحارسين حتى لا يفقدوا السيطرة عليه أثناء إلقاء التعويذة ..

فوجوده كان مهماً وجزء من نجاح التعويذة ..

بقيت عينا سانسا تلاحقه بحزن كبير وهي تقمع نفسها بشدة عن الاندفاع نحوه واحتضانه بقوة وهي تخبره بأنها تحبه بشدة وأنها لم تخنه أبداً ! ..

"هيا سانسا تقدمي"

صوت والدها القاسي أخرجها من تخيلاتها عندها التقت عينيها مجدداً مع عيني كارل فتأجج الألم في قلبها إلا أنها حافظت على ملامح وجهها باردة وسارت بصمت حتى وقفت في الدائرة المصنوعة من الشموع المتلاصقة ..

"سوف أبدأ الآن استعدي"

صوت أنثانيوس البارد والذي حمل بعضاً من العاطفة التي لا تكاد تظهر وصل لمسامع سانسا فهزت رأسها بإيجاب وبقيت تطالع كارل بصمت ..

فرفع أنثانيوس ذراعيه وفتحهما وعينيه امتلأت بالسواد بالكامل فاشتعلت الشموع بلمح البصر حول سانسا ..

ارتجف قلب سانسا مع جسدها بمجرد أن بدأت التعويذة تتردد من فم أنثانيوس وهي يحدق بكارل بعيون خائفة ومتألمة عندما بدأت تشعر بتلك القوى تقتحم جسدها وقلبها وبدأت تعبث بخيوط الرابطة الروحية بينها وبين رفيقها ..

توسعت عينا كارل وهو يشعر بإنقباضة متألمة في قلبه بينما يراقب بصمت خانق تقطع رابطته مع زوجته ورفيقة روحه ..

على الرغم من أنه كان غاضباً منها بقدر الجحيم بعد أن كسرت قلبه وخانته إلا أنه لم يشعر بجسده إلا وهو ينتفض بمجرد أن خرج منها تأوه متألم وهي تمسك بقلبها وهي تجثو على ركبتيها بضعف ..

وبمجرد أن حاول الوقوف أمسكته أذرع الحارسان وأعادته لمكانه وقمعت كل محاولة له بالإفلات بينما بقي يراها بكل ألم وهي تستند على الأرض بيد وبيدها الأخرى تمسك بصدرها وأنينها المتألم لا يتوقف عن الخروج من فمها ..

وعندما علا صوت أنثانيوس شعرت سانسا بقلبها يتمزق بشدة ولم تشعر بنفسها إلا وهي تبصق الدماء من جوفها عندها سمعت زمجرة عالية صدحت في المكان بأكمله ..

فرفعت عينيها المتألمة وحدقت بعيني كارل الصفراء والتي علمت بأن ذئبه ليو هو من استلم السيطرة وهاج بشدة وهو يشعر بتقطع روابطه مع رفيقته ..

لهثت سانسا بألم ولم تشعر بتلك الدموع التي ملأت خديها وهي ترى كفاحه للوصول إليها رغم كل غضبه منها ..

أنين آخر خرج مع شهقتها المتألمة وهي تحني رأسها للأسفل بعد أن فقدت القدرة على إحتمال الآلام التي تضرب جسدها وتحجر قلبها ..

وعندما خارت قواها سقط رأسها على الأرض وبدأت تفقد إدراكها ببطء وصوت زمجرات ليو بات الشيء الوحيد الذي تسمعه على الرغم من صوت أنثانيوس الذي يتلو التعويذة باستمرار ..

وبألم وعذاب كان كارل يراقب ما يحدث لسانسا دون أن يستطيع أن يفعل أي شيء لها بعد أن قيده أنثانيوس بتعويذة منعته من النطق والتحول لذئبه قبل أن يتم اقتياده لهذه القاعة ..

على الرغم من ذلك لم يستطع أن يكبح ذئبه من استلام السيطرة ومحاولة إخراج رفيقته من تلك الحلقة وإيقاف آلامها ..

بقيا يتعذبان مع عذابها وهما يشعران بتقطع رابطتهما الروحية مع حبّ حياتهما وزمجراتهما المتألمة والغاضبة تخرج بدون أن يشعرا بعد أن شاهدا عذابها بعينيهما ..

لهث كارل بتعب وألم بعد أن استلم السيطرة مجدداً على جسده وبقي يراقب بعينيه المرهقة وجه سانسا الشاحب وعينيها الناعسة والمتألمة تحدق به إلى أن أغلقت عينيها وارتخى جسدها بأكمله مع آخر جزء من رابطتهما التي انقطعت بالكامل ..

فتلاشى كفاحه وهدأت حركته وهو يراها بانكسار وألم فاقدة الوعي وخفقات قلبها تصبح بطيئة شيئاً فشيئاً إلى أن توقفت بالكامل ..

معلنة عن نجاح التعويذة ..

فابتسم كليزور بقسوة وهو يشاهد ما يحدث ويرى أنثانيوس يتوقف عن إلقاء التعويذة وهو ينظر لجسد سانسا ببرود فما كان منه إلا أن يغادر بهدوء بعد أن أشار لرجاله باقتياد كارل إلى السجن مجدداً ..

وبمجرد أن غادر كليزور اقترب أنثانيوس من سانسا وحملها بين يديه برقة ثم حدّق بكارل بنظرات غير مفهومة للحظات قبل أن يتجه لخارج القاعة بصمت ..

بينما اختفى كفاح كارل بأكمل مع انكسار قلبه ورابطته مع سانسا ومشى ببطء وهوان مع الحراس إلى زنزانته وهو يتمنى أن يتنهي أمره بشكل سريع ..

ويتخلص من هذا العذاب والألم الذي عاشه هو وذئبه ..

__________________

مضى ذلك اليوم وانقضى بسرعة على البعض أما على البعض الآخر فقد مرّ بطيئاً جداً ..

ومنهم بيرلا التي انتظرت بصبر عودة إيتن للقطيع ولكن دون أي فائدة ..

وعلى الرغم من قلقها وخوفها عليه إلا أنها لم تستطع التواصل معه أبداً وكل ما علمته من جاك بأنه يهتم بالإشراف على فِرق البحث لذا سيتأخر في العودة وقد يقضي الليل بطوله خارج القطيع ..

وبعد أن نال التعب منها أغمضت عينيها وأرخت رأسها على ظهر الأريكة وهي تضم قدميها إلى صدرها وغرقت في النوم وهي لا تزال تنتظر عودة إيتن ..

وبعد وقت ليس بطويل فتح إيتن الباب ودخل إلى الغرفة بملامحه المتعبة وهيئته المبعثرة وهو يحدق بجسد بيرلا الصغير المتكور على الأريكة ..

بعد أن تقصد أن يبقى في الخارج حتى تغرق في النوم كما الآن ..

تنهد بتعب وهو يحدق بها بألم ثم اقترب منها بهدوء وحملها برفق واتجه بها إلى السرير ..

وبعد أن استلقى وسحبها إلى أحضانه وهو يلفّ ذراعيه حولها بتملك وعينيه تنبض بالألم ثم اقترب من رأسها وتنفس بعمق آخذاً نفساً عميقاً وكأنه يخزنه داخله كذكرى أخيرة له منها ..

"آسف صغيرتي ولأنني لا أستطيع أن أفي بوعدي لك على الرغم من عشقي الكبير لك وقلبي الذي يرفض التفريط بك ولكني لا أستطيع أن أكون أنانياً معك أنا آسف .. آسف حقاً"

همس بألم وانكسار وهو يشعر بالضيق والتشتت بقلبه والهموم قد أثقلت كاهله فلم يعد يعلم ماذا يفعل خاصة بعد أن علم من خلال رسالة تلقاها من شخص مجهول ما حدث مع كارل ووقف عاجزاً عن إيجاده وإنقاذه مما حدث له ..

ومن جهة أخرى عَلِم بظهور القمر الأحمر وبعد جدال عقيم مع ذئبه اتفقا على إرسالها إلى عالمها مخاطران بفقدانها للأبد في سبيل راحتها وسلامها ..

بعد أن فقدا حجر قلب البحر الذي كان سيكون الحل لإعادتها له في المستقبل ..

ولكن كل شيء تبعثر وانتهى بالكامل ..

فالحرب قد بدأت بالفعل والمتمردين باتوا يشكلون خطراً كبيراً ومثلما استطاعوا الوصول لسانسا وكارل قد يستطيعون الوصول إلى بيرلا ..

لذا قرر إيتن إرسالها إلى والدها حتى تبقى معه في أيامه الأخيرة وحتى يطمئن عليها وينتقم لمن آذوا كارل وآلموه ..

فالأمر لم يكن بمزحة والحرب قد بدأت فعلاً ..

ووجود بيرلا هنا بات يشكل خطراً على حياتها ..

خاصة بعد أن علم بأن أماريس كانت عشيقة كليزور مما جعله يتوقع منه الانتقام بعد موتها ..

وعن طريق بيرلا تحديداً ..

لذا هذا كان الحل الأسلم لكليهما ..

فأنْ تبقى بخير بعيدة عنه أهون عليه من أن تموت بين يديه وأمام عينيه بألف مرة ..

في تلك الليلة بقي إيتن صاحياً يحدق بوجه بيرلا ويقبلها ويستنشق رائحتها بعمق وكأنه يريد إشباع قلبه منها حتى يستطيع تركها تذهب من بين يديه ..

ولا يحتجزها بين ذراعيه ويوسمها في لحظة جنون منه ومن ذئبه ..

وعندما حلّ الصباح عقدت بيرلا حاجبيها وهي تشعر بأنامل إيتن تمشط شعرها برقة وهو يطبع قبلات متفرقة على وجهها ..

وعندما فتحت عينيها ببطء قابلتها عينا إيتن الزرقاء المليئة بالعاطفة والحنان وهو يبتسم لها بعذوبة أذابت قلبها وجعلتها تشرد في ملامحه ..

"صباح الخير حلوتي"

صوته العميق والمحب أيقظها من شرودها به فرمشت عدة مرات ثم أردفت له بصوتها الناعس:

"صباح الخير "

وعندما حدقت بوجهه ورأت علائم التعب واضحة عليه رفعت يدها دون أن تشعر ولمست وجهه وهي تردف بقلق:

"هل أنت بخير إيتن؟ ألم تستطع النوم؟ لقد انتظرتك طويلاً بعد منتصف الليل ولم تأتي ما الذي حدث؟ لما تأخرت؟"

ابتسم لها بحب وهو يراقب تعابيرها اللطيفة وهي قلقة عليه ثم أمسك بيدها التي تلمس فكه وقبلها برقة ثم نظر إليها بهدوء مخفياً حزنه داخله وأردف لها بهدوء:

"لا تقلقِ صغيرتي أنا بخير ولكن اضطررت للتأخر بسبب العمل تعلمين بأننا نمر في وقت صعب وعلينا أن نكون يقظين دائماً"

وعندما سمعت بيرلا كلام إيتن تذكرت أمر سانسا وكارل فانتفضت جالسة بجذعها وهي تحدق به بقلق وتهتف له:

"إيتن لقد سمعت ما حدث مع كارل وسانسا من مايا البارحة صدقني إيتن سانسا ليست خائنة أنا واثقة بأن هنالك أمراً جعلها لا تدافع عن نفسها من المستحيل أن تكون خائنة كما يقولون أنا أثق بها حقاً وأعلم أن هنالك أمر أجبرها على السكوت هي تحب كارل حقاً ولم تخنه أبداً"

التمعت عينا إيتن بالحزن وهو يتذكر ما حدث معه إلا أنه أخفى ضيقه وابتسم لها ليبث الاطمئنان داخلها ثم أردف لها بهدوء:

"لا تقلقِ صغيرتي أنا أعلم ذلك جيداً فقد تكلمت معها بالأمر في وقت سابق وقد أخبرتني هي بالحقيقة كاملة"

رمشت بيرلا بصدمة عندما علمت بأن سانسا وثقت به وأخبرته بالحقيقة فهي بالكاد أخبرتها الحقيقة بعد أن هربت من والدها وأخبرتها بألا تلمح لأحد بمعرفتها بذلك حتى لا تعرض نفسها للخطر ..

ولكنها لم تعلم بأن إيتن أجبرها على الإعتراف تحت طائلة التهديد ..

فعقدت حاجبيها بغير اقتناع وهي تراقبه يستقيم بجذعه ويطقطق رقبته ثم أردفت له بغير اقتناع:

"إن كنت تعلم أنها بريئة فلما لم تخبر الجميع بذلك؟ لما لم تدافع عنها أمامهم؟"

فابتسم لها ومدّ أصابعه نحو جبينها وقام بإصبعيه بالمباعدة بين حاجبيها وهو يردف لها بلطف:

"لا تعقدي حاجبيك صغيرتي هكذا فأنا لا أريدك غاضبة ولا تفكري بالأمر كثيراً لا تقلقِ أنا أتدبر الأمر بالفعل وقد تقصدت إخفاء الأمر عن الجميع حتى يظنّ والد سانسا بأننا وقعنا بفخه وصدقنا خيانة سانسا لكارل"

صمت وهو يحدق بملامح بيرلا التي تملؤها الدهشة ثم أكمل وهو يستند بذراعه على السرير:

"هو يريد أن يجبر ابنته على العودة إليه بعد أن أعلنت له تمردها ولم تهتم لتهديداته لها لذا افتعل ذلك الأمر حتى يظهرها أمام كارل والجميع على أنها خائنة وهكذا سيوقف محاولاتها في التمرد عليه بعد أن دمر مكانتها بيننا ولم يبقى لها مكان تذهب إليه غيره لذا من الأفضل أن نريه بأننا صدقنا خدعته وبمجرد أن نستطيع أن نصل لها ولكارل أستطيع إقناعه بكلمتين وسيسامحها فوراً فهو رغم غضبه منها إلا أنه يحبها لذا ثقي بي واتركِ الأمر علي ولا تقلقِ صغيرتي لن أدعهما ينفصلان عن بعضهما أبداً"

صمت إيتن وراقب ملامح بيرلا الهادئة التي تتابعه باهتمام إلا أنه وسع عينيه وخفق قلبه بصخب عندما وجدها تندفع نحوه وتعانقه بقوة وهي تهتف له بامتنان:

"شكراً لك إيتن شكراً لأنك ستفعل ذلك لا تعلم كم أرحت قلبي عندما سمعت كلماتك شكراً لأنك لم تظلم سانسا كما فعل الجميع معها فهي طيبة القلب حقاً ولكن ما حدث لها في طفولتها جعلها قاسية"

عبس إيتن بحزن من نفسه لأنه أخفى عنها ما حدث مع سانسا وكارل وأن عودتهما معاً باتت شبه مستحيلة ولكنه فضّل إخبارها بذلك حتى يهون عليها ويجعلها مرتاحة القلب

في آخر يوم لها في هذا العالم المضطرب ..

وهو بالفعل أراحها بكلماته فهي كانت قلقة على ذهابها لعالمها قبل أن تعرف مصير صديقتها المجهول بعد الذي حدث ..

فابتعدت عنه وحدقت بوجهه بحب وحزن عندما تذكرت أنه يومها الأخير معه وأردفت له ببحة حزينة:

"حسناً سأذهب للإستعداد فوقت وجبة الإفطار قد حان وليس من الجيد أن نتأخر"

وعندما أرادت النزول عن السرير تفاجأت به يسحبها نحوه بعناق دافئ وقوي فالتمعت عيناها بالدموع إلا أنها بصعوبة كبيرة قاومت خروجها من عينيها ..

وسمعت تنفس إيتن المضطرب بجانب أذنها وهو يقربها منه أكثر وكأنه يريد إدخالها لصدره وعدم تركها فابتلعت ريقها وهي تشعر بحزنه وهمست له بحزن:

"إيتن!"

"فقط ابقي هكذا لوقت قليل صغيرتي"

همسه المتعذب آلامها فبادلته العناق وتمسكت به وهي تشعر بأنفاسه الهائجة تكاد تحرق بشرتها فعضت على شفتها وهي تقاوم البكاء وبقيت تمسح على شعره من الخلف برقة محاولة تهدئته ..
______________________

أما في مكان آخر حيث فتحت سانسا عينيها بخمول وحدقت بالسقف بتشوش للحظات قبل أن تسمع صوت أنثانيوس بجانبها:

"هل أنت بخير الآن؟"

فأدارت رأسها نحوه بخمول وهي تبتسم بخفوت ورأته يغلق الكتاب بيده ويضعه على المنضدة بجانبه ويعتدل بجلسته على الكرسي القريب من السرير بعد أن بقي يراقبها طيلة الليل بعد الانتهاء من التعويذة ثم أردفت له بصوت مبحوح إثر نومها:

"بخير حتى الآن لا تقلق"

ضيق عينيه عليها وأردف لها بقلق:

"سانسا أريد الصدق ولا تقلقِ بما أنك في غرفتي فهي محصنة جيداً ولن يستطيع أحد سماعنا لذا أخبريني بما تشعرين الآن"

فتنفست سانسا بتبعثر وهي تشيح بنظرها عنه وتحدق أمامها بصمت وألم بينما سمعت أنثانيوس يردف لها ببرود:

"من الجيد أنني استطعت قراءة أفكارك بعد أن أزلت تلك التعويذة لوقت مؤقت وإلا لما استطعنا التواصل معاً لقد كنت واثقاً بأنك لن تسكتي عن ما حدث ولكن أنت تدركين بأن وضعك الآن بات خطِر جداً فأنت تعلمين جيداً بأنني تلاعبت بالتعويذة ولم أحجر قلبك ولكنني اضطررت لفعل تعويذة مشابهة جعلت رابطتك تنقطع بشكل وهمي مع كارل ووضعت تعويذة أخرى عليك حتى أخفي نبض قلبك وكأنه توقف وهذا سيضعفك كثيراً لذا علينا التحرك بسرعة وإلا قد تهلكين بسبب بُعدك عن رفيقك"

أنهى أنثانيوس كلامه بقلق فابتلعت سانسا ريقها وهي تحدق أمامها ثم أردفت لأنثانيوس:

"أبي يخطط لقتل إيتن وبيرلا معاً صحيح بأنني لم أستطع منعه من إيذاء كارل ولكنني علي إيقافه عن تنفيذ مخططه بأي طريقة كانت لذا علي أن أكسب ثقته جيداً فأنا لا أزال أرى نظرات الشك في عينيه "

ثم نظرت لأنثانيوس:

"لذا أريدك أن تساعدني في ما سأقوله لك أنثانيوس"
___________________

أما عند إيتن وبيرلا اللذان كانا في حالة شتات وحزن وهما لا يدريان كيف سيفتحان الموضوع مع بعضهما ..

وبصعوبة كبيرة استطاعا إدخال لقيمات قليلة لمعدتهما التي انكمشت من شدة الحزن ..

فحدقت بيرلا بإيتن الذي يحدق أمامه بشرود وعينيه تلتمع بالحزن لسبب لا تعرفه مما زاد على ثقل قلبها ..

كانت تجلس على فخذيه بعد أن أخبرها بشكل غريب بأنه يريد تناول الطعام معها لوحده ..

بأعماقها كانت تشعر بأنه يودعها كما هي تفعل ..

وعندما وجدت نفسها غير قادرة على إخفاء الأمر عنه أكثر همست باسمه بخفوت وانتبهت لقزحيته التي تهتز وهو يضغط على يدها بقوة دون أن يؤلمها ثم همس لها بحزن:

"آسف صغيرتي ولكنني لا أستطيع مشاهدتك تذبلين أمام عيني وأنا عاجز عن جعلك سعيدة "

صمت يبتلع ريقه بصعوبة ثم أكمل وهو يتجاهل النظر لعينيها حتى لا يضعف ويتراجع عمّا سيقوله:

"أعلم بأنك لن تحصلي على راحتك إذا لم تقفي مع والدك في هذا الوقت أنا أدرك ذلك جيداً وأدرك أهمية العائلة بحياتنا لذلك لا أستطيع أن أكون أنانياً معك وأبقيك إلى جانبي أكثر"

"إيتن!"

همست بيرلا بصدمة وهي تنظر إليه بألم عندما سمعت كلماته ومن دون أن تشعر انهمرت دموعها التي تحبسها وهي تراه ينطق كلماته مرغماً وهو يقاوم نفسه ورغبته بها:

"منذ أن رأيت والدك وأنت حزينة وأنا أقف بعجز أراقب ذبولك وحزنك وأنت تلومين نفسك أنا أعلم بأنك لن تحصلي على الراحة إن لم تعودي إلى والدك وتقفي معه قبل موته لقد خسرت فرصة إحضاره لهنا ولا أريد أن أفقد فرصة إيفائي بوعدي لك وجمعك معه بأقرب وقت لذلك"

صمت وهو يشدد على خصرها ويقربها منه ويده تحكم إمساك يدها أكثر ثم أكمل لها:

"الحكيم فاريس أخبرني البارحة بأن اليوم ليلة اكتمال القمر سيضيء القمر بالأحمر وهذه الفرصة قد لا تتكرر ثانية لذا .. لذا عليك العودة لوالدك اليوم"

أنهى كلامه بجمود وهو يحدق بها بتردد فوجدها تبكي بصمت وهي تحدق به بألم وشعورها بالذنب يتفاقم داخلها وهي تراه يضحي بحبه لها من أجل راحتها فاندفعت نحوه تعانقه وهي تخرج شهقاتها وتهمس له بألم:

"أنا آسفة أنا آسفة حقاً لم أكن أريد أن نصل لهنا أنا حقاً آسفة إيتن لم أكن أريد تركك وإيلامك ولكنني لم أستطع أن أفعل ذلك لا أريد أن أتخلى عنك ولكن لا أستطيع ترك والدي لوحده فهو ليس لديه غيري سامحني أرجوك"

ابتلع غصته وهو يبادلها العناق وهو يشعر بها تتمسك به وتدفن وجهها بعنقه وهي تهمس له بأسف فمسح على شعرها وهو يهمس لها برقة وحزن:

"أرجوك توقفِ صغيرتي دموعك الآن تعذبني أكثر من أنني سأتركك تذهبين كل شيء سيكون بخير هذا الأفضل لكلينا عليك أن تكوني قوية حتى تقفي بجانب والدك بمرضه"

"ولكن أنت.."

همست بألم فقاطعها برقة وحزن:

"لا تقلقِ سنكون بخير طالما أنت بقيت بخير حتى ولو كنت بعيدة عنا تأكدي بأن قلبنا سيبقى ينبض طوال ما بقي قلبك ينبض لذا أوقفِ دموعك لأنني لا أريد رؤيتها ليس اليوم رجاءً"

أنهى كلامه وهو يبعدها عنه ويمسح دموعها برقة وهو يراقب وجهها المحمر بسبب البكاء وهي تحدق به بألم وتعابيرها بأكملها تريه قدر شعورها بالذنب ناحيته لأنها ستتركه فابتسم لها بحزن وهو يردف لها:

"صغيرتي أوقفِ دموعك كل شيء سيكون بخير"

فرآها تبتلع ريقها وهي تقاوم الاستمرار بالبكاء وتحدق بعينيه ثم أردفت بتقطع وحزن:

"سأعود إليك أقسم بأنني سأعود "

قوست شفتيها وهي تقاوم البكاء فرأت عينيه تلتمع بالعاطفة وحزن ثم اقترب منها وهو يحيط بوجهها ودمج شفتيه مع شفتيها بقبلة حملت مشاعرهم الجياشة واعتذارتهم لبعض ..

بادلته بيرلا القبلة من بين شهقاتها المكتومة وهي تتمسك بقميصه وتشده ناحيتها أكثر رافضة تركه ..

وبعد مدة فصل إيتن القبلة وأسند جبينه على خاصتها وراقب نظراتها اللامعة الحزينة ووجهها المحمر بعد أن نجحت قبلته لها بإيقاف بكائها ..

فمسح على وجنتها بإبهامه وأردف لها بهدوء:

"صغيرتي بدلي ملابسك بأخرى سميكة ففوكسارد يرغب بالخروج معك"

أومأت بيرلا بصمت واستقامت عن فخذيه وذهبت بسرعة إلى غرفة الملابس بينما بقي إيتن يحدق بأثرها وهو يحاول التماسك للنهاية حتى لا يتراجع عن قراره ..

بينما قرر قضاء ما بقي له من وقت مع بيرلا ونسيان أي شيء آخر غيره ..
___________________

مضى الوقت وكانت بيرلا تجلس مع فوكسارد في المكان نفسه الذي أخذها إليه عندما خرجا في النزهة ولكن كان هنالك فرق بين هذه المرة وتلك ..

فهما لم يكونان سعيدين ومرحين كما في المرة السابقة بل كان فوكسارد يجلس بهدوء وبيرلا تجلس بجانبه وهي تتكئ على جسده الضخم وتمسح على جسده وتحدثه بين الحين والآخر ..

فاحتضنت رأسه بحب وهي تقاوم البكاء وهمست له بحب وألم:

"سأشتاق إليك ذئبي اللطيف"

أخرج فوكسارد عواء حزين ويقرب رأسه من رأسها وكأنه يبادلها العناق بقيا لفترة هكذا ثم ابتعدت بيرلا عنه وابتسمت له بحب وملامحها لا تزال ذابلة وحدقت بعينيه الحزينة ثم أردفت له بلطف:

"لا تحزن فأنا سأعود إليكما بمجرد أن أنتهي من أداء واجبي في عالمي عندها لن يكون هنالك شيء يربطني بذلك العالم ولن يكون هنالك من سيجعلني أبتعد عنكما ثانية أنا واثقة بأن الله سيجمعنا ثانية لذا لا تحزن وانتظرني اتفقنا"

لعق فوكسارد وجه بيرلا عدة مرات وكأنه يخبرها بأنه سينتظرها فقهقهت بخفة ونظرت إليه بعاطفة كبيرة وعادت لمعانقته ..

مرّ وقت ليس بقصير سارت بيرلا مع فوكسارد وحاولت أن تلاعبه وتستمتع معه بآخر لحظاتهم معاً ..

بعد ذلك تحول فوكسارد وعاد لشكله البشري وجلس أمام النهر تحت الشجرة وبيرلا كانت تجلس بين قدميه وتستند بظهرها على صدره بينما ذراعيه تعانقها بخفة وهي تسند رأسها على فكه وهي تشعر به يقبلها بين الحين والآخر ..

وبعد صمت طويل دام بينهما أردف لها إيتن بهدوء بعد أن استلم السيطرة مجدداً:

"بعد أن تعودي لعالمك ماذا ستفعلين؟"

تنهدت بيرلا بخفة وأردفت له بهدوء:

"أظن بأنني سأعود لأسلوب حياتي الهادئ وأقضي وقتي بين الاهتمام بوالدي أو قراءة الكتب "

فابتلع إيتن ريقه وهنالك سؤال يدور برأسه منذ أن فكر بعودتها لعالمها فحمحم بخفة ثم أردف بارتباك وتردد:

"وماذا بشأن وصية والدك الأخيرة؟ .. هل ستنفذينها؟"

عقدت بيرلا حاجبيها بخفة عندما لم تفهم مبدئياً ما يرمي إليه إلا أنها وسعت عينيها وأدارت رأسها تحدق به بانزعاج وهي تردف له معاتبة:

"لما تقول ذلك؟ أخبرتك بأنني سأعود إليك ألا تصدقني؟!"

فحمحم إيتن وهو يتجاهل النظر إليها ثم أردف لها بتردد واضح:

"ولكن قلت بأنك لا ترفضين لوالدك أي طلب ماذا إن أصرّ على الأمر؟"

فاستدارت نحوه بجذعها وهي تحدق به بغضب ثم تذمرت بطفولية:

"إيتن هل يمكنك التوقف عن التفكير بهذه الأمور السيئة فأنا بالكاد تذكرتها وأنت الآن قلق حيالها!"

عقد إيتن حاجبيه وهو يحدق بها بانزعاج وهو بالفعل كان قلقاً وخائفاً من أن تقوم بيرلا بالارتباط برجل غيره فابتلع ريقه وهو يردف ببرود واستنكار:

"ولكن ماذا لو.."

"يكفي توقف لن يحدث ذلك أبداً ولو على جثتي إن كنت وافقت على كلام والدي في السابق فهذا لا يعني بأنني سأنفذه إن عدت إليه الآن حتى ولو أخبرني بهذا الأمر مرة أخرى فأنا سأرفضه بكل بساطة لأن الأمور قد اختلفت الآن ولم أعد كالسابق وقد وعدتك بالفعل أنني سأعود إليك فأوقف غيرتك التي لا يوجد لها أي داعٍ حتى وإن تركتك فأنا لن أنساك أبداً وأتزوج برجل غيرك "

قاطعته بيرلا بغضب وحنق مخرجة كلماتها من دون أن تشعر بها حتى وأنهت كلامها وهي تعقد حاجبيها بغضب من كلامه بينما توسعت عينا إيتن بصدمة من كلامها ونفيها أمر زواجها من جيك ..

وهي تخبره بكل إصرار وصدق بأنها لن تتزوج غيره ..

للحظة شعر بالراحة تملأ قلبه عندما سمع كلماتها المحبة تخرج منها بدون أي وعي فابتسم لها بحب وهو يحدق بعينيها بعمق شديد وكأنه ينظر إلى روحها ..

ثوان وراقب وجهها الذي احمرّ عندما أدركت ما قالته له في لحظة غضب فرفع حاجبيه بخبث وأردف مشاكساً إياها:

"حسناً أظن بأنني سأطمئن عليك بعد أن تأكدت بأنك تحبينني بشدة ولا نية لك بالزواج من غيري وأنك لن تنسيني أبداً وستبقين تتذكرين أفعالي التي ستبعدك عن كل رجل لعين أليس كذلك صغيرتي الحلوة؟"

ازداد إحمرارها وهي ترى عينيه تلتمع بالخبث فهتفت له وهي تستدير وتنكزه بمرفقها على معدته:

"توقف عن إحراجي إيتن"

قهقه إيتن بخفة وعانقها نحوه وهو يقبل رأسها ويستنشق رائحتها الأخاذة ثم همس لها بحب:

"أحبك صغيرتي"

بينما تنهدت بيرلا بخفة وهي تبتسم بحزن عندما سمعته يهمس لها بحب في أذنها إلا أنها لم تستطع أن تخبره بأنها تحبه أيضاً ..

كان هنالك شيء يمنعها عن نطق هذه الكلمات له ..

ربما لأنها تحمل ذنب تركه وأنها ستؤلمه ..

أو ربما كانت خائفة أنه قد يتراجع عن تركها له وقد يزداد عذابه بعد أن تتركه بعد اعترافها له ..

لذلك أرادت أن تعترف له بطريقة غير مباشرة تجعله يثق بعودتها له ..

فمدت يدها إلى جيب سترتها وأخرجت السوار الذي اشترته مسبقاً من السوق ثم أمسكت بيده التي تحيط بخصرها وهي تردف له بهدوء:

"لقد اشتريت لك هذه من السوق في وقت سابق ولم أجد الوقت المناسب لإعطائك إياها"

فرمش إيتن متفاجئاً بها تحدق به وتريه السوار المصنوع يدوياً الذي صنع من رقاقات خشبية تم النقش عليها بزغرفة بسيطة يتوسطها شكل قمر مكتمل ولكن مميزة وتمّ تعليقها بخيوط متشابكة على شكل جديلة جعلته مميزاً ..

على الرغم من بساطته إلا أنه مميز وجميل ..

فابتسمت له بخفة قبل أن تضع السوار على معصمه وتربطها له وهي تردف له بهدوء:

"أردت أن أهديك شيئاً مقابل هداياك في ذلك اليوم ورغم أنني أعلم بأنك تمتلك كل شيء بالفعل ولكنني أردت أن أعطيك هذه فقد أحسست بأنها تمثلنا"

صمتت تتلمس النقش على شكل قمر وهي تحدق به وأكملت بغصة:

"فهذا القمر الذي كان السبب في جمعنا معاً ولهذا أردت اليوم أن يكون هذا السوار رمزاً لوعدي لك بأنني سأعود إليك يوماً ما عندما يضيء القمر مجدداً"

نظرت إليه بعيون ملتمعة وأكملت له:

"حتى يبقى كذكرى مني لك وتتأكد في كل مرة تنظر إليه بأنني سأعود إليك يوماً"

فضيق إيتن عينيه الملتمعة وهو يحدق بنظرات بيرلا الحزينة ثم سحبها نحوه بسرعة وقبلها بقوة وتملك ولم يبتعد عنها إلا عندما شعر باختناقها ..

فراقبها تلهث بشدة وصدرها يعلو ويهبط بجنون وهي تحدق به بتشتت فابتسم لها بحب وهو يحيط برأسها ويردف لها:

"أعدك بأنني لن أخلعها أبداً عن معصمي ولن أنساك أبداً وسأنتظر اليوم الذي ستعودين به إلي مهما طال"

التمعت عينيه بالدموع ولكنه ابتسم لها وهو يحدق حوله ثم أردف لها:

"من الأفضل أن نعود للقطيع فالوقت قد تأخر بالفعل والشمس قاربت على المغيب"

ثم استقام وهو يحملها بين ذراعيه عائداً بها إلى قطيعه ..
___________________

مضت تلك الساعات بسرعة وصعوبة على إيتن وبيرلا وقارب الليل على الإنتصاف بينما هما جالسان في أرض الشرفة يراقبان القمر بقلوب تقرع كالطبول من شدة التوتر ..

فتنهد إيتن بصوت مسموع وثقيل عندما رأى القمر يتلون باللون الأحمر القاني ..

عندها علم بأنه بالفعل قد حان وقت رحيلها !..

فضعط على فكه وهو يشعر بنفسه يهيج بشدة عندما حانت اللحظة التي كان خائفاً منها منذ لقائه ببرلا ..

بينما نظر بطرف عينيه نحو بيرلا التي تنظر نحو القمر بعيون مرتجفة وهي تتمسك بذراعه التي تحيطها وكأنها خائفة من تركه ..

كان يعلم جيداً بأنه إن لم يبادر هو فبيرلا لن تكون مستعدة لتركه لذلك تحاول على نفسه وثقل قلبه وأردف لها بصوت هادئ:

"لقد حان الوقت صغيرتي"

نظرت إليه بيرلا بعيون ملتمعة وخائفة وهي تقاوم البكاء بصعوبة فابتسم لها بحنان وحزن ومسح على وجنتها ثم أردف لها بحب وهدوء:

"تعالي معي أريد أن أعطيك شيئاً قبل ذهابك"

استقام وهو يمسك بها ثم سار معها إلى الغرفة والمطلة على الشرفة وحمل صندوقاً خشبياً كان قد وضعه مسبقاً وتقدم منها وأخرج منه مشط الشعر الذهبي ذو الورود الحمراء التي كانت بيرلا تضعه في حفلة جوليانا ..

فرمشت بيرلا بصدمة وهي تحدق به فابتسم لها وأردف لها وهو يضعه في بين غصلاتها الفحمية وثبته بهدوء:

"هذا المشط احتفظت به منذ تلك الليلة كذكرى لنا في أول ليلة رقصنا بها معاً لقد كنت جميلة جداً في تلك الليلة كالملاك تماماً في ذلك اليوم اعترفت لنفسي بأنني أحبك وأنك ملكي وحدي لذا لم أستطع أن أتخلص منه وأردت أن أعطيك إياه بعد أن أجعلك تحبينني ولكن بما أنك ستذهبين اليوم فسأعطيك إياه الآن كذكرى لتلك الليلة المميزة"

صمت وهو يبتسم لها بحزن وهو يرى نظراتها المصدومة والملتمعة ثم أخرج من الصندوق سواراً ناعم متصلاً بخاتم من الذهب الأبيض ومرصعاً بالألماس ويتصل به من المنتصف شكل قمر مكتمل مرصع بألماسات صغيرة بشكل ناعم وجميل ..

فأمسك بيدها وألبسها الخاتم في إصبعها الأوسط ثم وضع لها السوار وهو يردف لها بهدوء:

"وهذه اخترتها لك في اليوم نفسه الذي ذهبنا به للسوق وأخفيتها كنت أريد تقديمها لك في اليوم الذي أوسمك فيه ولكن شاء القدر ألا يحدث ذلك لذا فالتعديه كالسوار الذي أهديتني إياه وهو وعدي لك بأنني لن أنساك وسأبقى أنتظرك لآخر يوم في حياتي حبيبتي"

أنهى كلامه وهو يلمس وجنتها برقة وهو يراقب الدموع تتجمع في عينيها عندها لم تشعر بنفسها إلا وهي تندفع نحوه وتعانقه بلهفة وحب مطلقة العنان لدموعها وهي تهمس له بأسف:

"آسفة آسفة حقاً"

ثم ابتعدت عنه تحدق به بين دموعها وأردفت له بارتجاف:

"آسفة على أنانيتي لأنني سأتركك الآن ولكن أقسم بأنني سأعود لك ولن أنساك أبداً ولن أنسى حبك لي للحظة أنا لا أستحق حبك هذا لا أستحقه "

نفى إيتن برأسه وهو يمسك بوجه بيرلا ثم أردف لها بعشق وحزن:

"لا صغيرتي لا تقولِ ذلك أنت الشخص الوحيد الذي يستحق محبتي أنت الوحيدة التي تقبلتني بعيوبي كاملة ولم تلوميني يوماً على قسوتي معك بسببك أحببت نفسي بسببك وجدت سبباً أعيش لأجله بعد أن كنت يائساً في الحياة ولن أمانع من انتظارك لنهاية عمري على الأقل سأكون أنتظر ملاكي الجميل الذي سينير حياتي مجدداً بعودته ويدخل ألوان الحب إلى روحي المظلمة"

رمشت بيرلا وهي تحدق به بألم أرادت أن تردّ له جزءاً من الحب الذي أغدقها به أرادت أن تترك له ذكرى تجعله يصبر ويقاوم اليأس حتى عودتها إليه ..

وبينما بقي يراها تحدق به بنظرات عاشقة وحزينة وجدها تحيط وجهه بيديها الناعمة وعينيها تتنقل بين زرقاويه باضطراب ..

إلا أنه وسع عينيه بصدمة وتصلب جسده بأكمله عندما وجدها ترفع نفسها إليه وتسحب وجهه نحوها وتدمج شفتيها بخاصته ..

كما فعل معها من قبل وكما علمها بنفسه ..

بقبلة هادئة وعاشقة عبرت له عن مشاعرها المختزنة وأحيت داخله مشاعراً جياشة هيجت جسده وقلبه فأغمض عينيه وبادلها القبلة كما أرادتها هي ولم يفصلها حتى قامت هي بفصلها ..

ففصلت القبلة وفتحت عينيها تحدق بعيونه المغمضة وحركت أناملها على وجهه ثم أردفت له بصوت صادق وحزين:

"هذا كل ما أستطيع فعله من أجلك الآن وأعدك بأنني سأعود إليك وسأعوضك عن كل الآلام التي لاقيتها بسببي انتظرني فأنا أعدك بأنني لك ولن أكون لغيرك"


على الرغم من كلماتها العاشقة والصادقة إلا أنها كانت بريئة لدرجة أنها لم تعلم ماذا سببت له ولذئبه وهي تعده بأنه له وملكه ..

فقد جنّ جنونهما بعد أن قبلتهما بنفسها وألقت بكلماتها التي أفقدهما صوابهما وكادت أن تجعلهما يتراجعان عن كل شيء ويوسمانها في هذه اللحظة إن تركا مشاعر الألفا الجياشة تتحكم بهما ..

وحتى لا يرتكب إيتن هذا الخطأ ويندم عليه لاحقاً ابتعد عنها بسرعة واختفى من أمامها مستخدماً سرعته الخارقة ليبتعد عنها قدر الإمكان قبل أن يفقد آخر ذرات صبره ويسمح لغريزته بالتحكم فيه ..

في حين لم تفهم بيرلا سبب هروب إيتن وبقيت تحدق في أثره بحزن كبير إلى أن رأت مايا وبوريشا يدخلان عليها لوداعها ..

وبعد ذلك خرجت بخطوات مترددة ومرتجفة من القصر وهي تحدق بتفاصيله وكأنها تودع جدارنه  ..

فقد احتضنها هذا القصر لمدة شهر كامل ..

هذا الشهر الذي غير حياتها بأكملها وعرفها على أشخاص لم تتخيل حتى بأحلامها بأن تلتقي بهم ..

صحيح بأنه شهر واحد إلا أنه حفر داخلها بذكريات ستعجز عن نسيانها حتى آخر حياتها ..

مشت خارجة من القرية وحدها بعد أن فضّلت السير وحيدة حيث كان القمر الأحمر يضيء طريقها كالمرة الأولى التي سارت بها إلى البحيرة ..

في تلك الليلة التي كانت هي بداية قصتها مع إيتن القصة التي تمنت ألا تنتهي بنهاية كهذه ..

تمنت فعلاً أن تستطيع العودة إليه في يومٍ ما! ..

سارت بين الأشجار وذكرياتها مع إيتن تتسابق أمامها مع كل خطوة تخطوها ..

قلبها كان يعتصر بالألم على الرغم من سعادتها بأنها سترى والدها بعد كل تلك المدة ..

لكنها كانت سعادة رمادية ..

خالية من ألون الحياة والشغف ..

ولم تكن مثل السعادة التي كانت تتوقعها منذ قدومها إلى هذا العالم ..

فقد ظنت نفسها ستركض بأقصى سرعتها وهي تضحك بسعادة لعودتها لعالمها ..

أما الآن فهي تشعر بأنها على الرغم من أنها ذاهبة إلى والدها إلا أنها ستترك قلبها وروحها مع إيتن ..

وقفت تغمض عينيها عندما ظهرت صورته أمامها فسقطت دمعة أخرى وهي تشعر بالألم والعذاب لأنها ستكون سبب ألمه لليال غير معرفة العدد ..

فتنهدت بثقل وتابعت طريقها نحو البحيرة وشيء داخلها يخبرها بالعودة إليه إلا أنها كابرت على نفسها وسارت بخطوات مرتجفة شاقة طريقها ..

وعندما لمعت مياه البحيرة أمام عينيها أخرجت شهقة خافتة متألمة فتوقفت واستدارت للخلف تحدق بحزن مودعة القطيع الذي عاشت به تجمل أيام حياتها وتفكر بحال إيتن الآن ..

فابتلعت ريقها وهي تحث نفسها على إكمال طريقها للبحيرة حتى لا تغير رأيها وتعود إليه وهي تهمس لنفسها:

"ستعودين إليه ثقي بإلهك وستعودين إليه"

وعندما أرادت التقدم للوصول للبحيرة توقفت للحظة عندما شعرت بوجود حركة حولها ..

في البداية ظنت بأنها تعود لإيتن ..

ولكن عندما استطاعت تمييز بأنها لا تنتمي لشخص واحد ارتجف قلبها بخوف وهي تحدق حولها بتوتر وتحاول التقدم للبحيرة ..

لحظات وخرجت شهقات خائفة منها وهي تتراجع للخلف عندما وجدت مجموعة من رجال يحملون سيوفاً وخناجر يلتفون من حولها وعيونهم تقدح بالشر ..

إيتن أين أنت؟! ..

ساعدني!! ..

همست داخلها برعب وهي تلتفت حول نفسها وهي تراهم يقتربون منها ببطء ..
________________________

وداخل زنزانة عفنة كان جسد كارل مقيد بأغلال من فضة تحرق جسده وتؤلم روحه المحطمة ..

بعد أن ذاق انكسار الرابطة وألمها بعد أن قررت رفيقته أن تتخلى عنه وتطيع والدها ..

على الرغم مما حصل وكلمات كليزور له وكل ما حدث له حتى الآن ..

إلا أن جزءاً منه تمنى أن تظهر سانسا أمامه وتنفي له ما حدث وتخبره بأنها تحبه وأنها مخلصة له ..

وكان حقاً سيسامحها! ..

ولكن تخليها عنه هكذا كسر قلبه بشدة وجعله يتمنى الموت مراراً وتكراراً ..

وبقدر ما كان يحبها إلا أن داخله نما غصب عارم بقدر ذلك الحب ..

ألم الخيانة والغدر جعلته يتذكر كل فعل وكل كلمة فعلتها سانسا منذ أن التقاها به والتي أكدت له أنها بالفعل خائنة! ..

وأنه كان أحمقاً منذ البداية وانجرف خلف مشاعر الربطة دون التأكد من هويتها ..

فهو لم يظن بأنها قد تفعل به هكذا وتطعنه بظهره وتساعد والدها بالخفية طيلة تلك الأيام ..

شعر بالاشمئزاز من نفسه عندما تخيلها تتقرب منه فقط حتى تجعله يثق بها وتكمل بمخططها ..

وكيف أدخل ذلك الشيطان إلى قطيعه من أجلها؟ والذي تبين بأنه عضو مثلها في جماعة المتمردين ..

شتم نفسه للمرة التي تخطت الألف بكثير وهو يشعر بالضعف وبنحيب ذئبه الذي لا يزال يتألم من انقطاع الرابطة ..

وبعيونه الفارغة واليائسة من الحياة رفع نظره لباب الزنزانة الحديدي عندما سمع قفله يفتح قبل أن يُدفع ويدخل إليه أنثانيوس الذي يحدق به ببرود ..

بقي كارل يحدق به ببرود وكره وهو ينتظر منه أن يقتله بعد أن حجر قلب زوجته واستطاع أخذها لنفسه ..

لم يهتم كارل لمعرفة أن أنثانيوس الآن يقرأ أفكاره ولم يهتم بما سيحدث له فهو لم يعد يهتم إن بقي حياً أساساً ..

فزفر أنثانيوس الهواء بنزق عندما قرأ أفكار كارل المشوشة بسبب ألمه وإرهاقه قبل أن يدفع نحوه ويفكّ له السلاسل بسرعة ..

عقد كارل حاجبيه وهو يحدق به بحدة من فعلته الغريبة وراقب أنثانيوس يخرج من جيب ردائه زجاجة تحوي سائلاً أرجوانياً لامعاً ويمدها نحوه وهو يردف ببرود:

"اشربها"

"أهو سم؟"

أردف كارل بتعب واضح وهو يحدق بأنثانيوس ببرود وحقد فوجد أنثانيوس يتنهد بانزعاج قبل أن يردف له بحدة:

"اسمعني جيداً يا هذا رغم أني أكرهك بشدة ولكن مضطر لمساعدتك لذا إن كنت تريد أن تنقذ صديقك من الموت فاشرب هذا الهكسير سيعالج جراحك ويمدك بالطاقة بسرعة"

"ماذا؟! ما الذي تهذي به؟!!"

انتفض كارل واقفاً رغم ألم جسده فوجد أنثانيوس يحدق به ببرود ثم أردف له:

"لا وقت للكلام اشرب هذه اللعنة وسأنقلك لقصر العنقاء أخبر فليغون بأن هنالك حملة كبيرة من المتمردين ستستهدف قطيع القمر الأحمر وهدفها قتل الألفا واللونا لذا ستحتاج فليغون معكم في هذه المعركة عليكما أن تسرعا قبل أن يحدث ذلك وتخسرا الألفا واللونا وأخيراً انقل سلامي الحار لفليغون"

أنهى كلامه بسخرية قبل أن ينقل كارل الذي لم يستوعب بعد ما أخبره به أنثانيوس ..
_________________________

في قصر العنقاء كان فليغون يقف أمام نافذة مكتبه ينظر للقمر الأحمر القاني بعيون باردة ..

أفكار غريبة كانت تتدفق في عقله لا أحد يستطيع فهمها أو حتى توقعها ..

في حين كان يقف خلفه وزيره ألبرت وهو خائف من هدوء سيده المنذر بالكوارث ويفكر بسبب مزاجه الغريب ..

ولكن ما قاطع تفكيره هو الضجة التي صدحت في الخارج فجأة وقبل أن يركض ألبرت للخارج للتحقق ما إذا كانت هنالك مشكلة ما تفاجأ بكارل يقتحم المكتب بهمجية بعد أن دفع حارسين بقوة على الارض حاولا منعه من الوصول لفليغون ..

زمجر كارل بغضب وهو يحدق بالحارسين ثم نظر لفليغون الذي استدار ينظر إليه ببرود قبل أن يردف له بصوته البارد:

"ما هذه الزيارة الغير متوقعة ألفا كارل؟ لست في مزاج يسمح باللعب هلّا شرحت لي لمَ اقتحمت قصري بهذا الشكل؟"

زمجر كارل بغضب وهو يتقدم ويهتف له بغضب:

"لم آتِ للعب معك بل لأطلب مساعدتك سيتم الهجوم على قطيع إيتن يريدون قتله وقتل رفيقته الليلة وذلك الشيطان اللعين أخبرني بأنك الوحيد من سيساعدني قبل أن ينقلني لقصرك"

عقد فليغون حاجبيه وهو يردف بصدمة:

"أنثانيوس؟"

شتم كارل قبل أن يردف له بضيق:

"هل تعرف ذلك اللعين؟ رغم أنني أمقته ولكنه قد قام بتحريري من سجن المتمردين وأخبرني أن أسرع بانقاذ إيتن قبل أن يتمكنوا منه وأيضاً أرسل إليك تحياته اللعينة معي"

أنهى كار بنبرة ساخرة وغاضبة عندما وجد فليغون شارد بوجهه بعد أن سمع كلماته ..

ولكنه لم يعلم بأن فليغون فهم أمران من وجود أنثانيوس مع المتمردين ..

الأول أنهم واقعون في مصيبة كبيرة في هذه الليلة بالذات ..

والثاني بأن أماريس خدعتهم بموتها وهي لا تزال حية لذا أنثانيوس عاد ليكون خادمها ..

فشتم فليغون بغضب وتوهجت عينيه بالأحمر الناري قبل أن يهتف باندفاع:

"سحقاً لكل شيء لن أسمح لتلك اللعينة بالفوز في نهاية الأمر"
_______________

أما عند بيرلا التي لم تكن تعلم ماذا تفعل وهي تراهم يقتربون منها وعندما أرادت الصراخ وطلب المساعدة تفاجأت بسماع أصوات ضجة وزمجرات عائدة لأفراد القطيع الذين استنفروا للقتال جميعاً ..

بعد أن وجدوا جيشاً من المتمردين يهاجمهم من ثلاث جهات محاصرينهم وهم ينون إحراق القطيع كما فعلوا مع قطيع كارل ..

بل أكثر ..

وعندما أراد اثنان منهم التقدم لإنهاء بيرلا بعد أن توقف البقية يراقبونها بشر تفاجؤوا بإيتن يقفز وسطهم ويمسك الرجالين بقوة وسرعة من أعانقهم وطرحهم على الأرض ولم يستقم حتى مزق عنقهم بمخالبه وفصل رؤوسهم عن أجسادهم وهو يزمجر بغضب ..

"إيتن"

هتفت بيرلا بخوف وهي تنظر إليه فألقى نظرة خاطفة نحوها قبل أن يردف لها بصوت جاد:

"بيرلا سأقوم بإشغالهم عنك واذهبي للبحيرة بسرعة واقفزي فيها ولا تلتفي خلفك"

"ولكن"

هتفت بيرلا بإعتراض ولكنها تفاجأت به يزمجر بحدة ويضرخ بغضب:

"نفذي ما أخبرتك به بدون أي نقاش"

فابتلعت ريقها بصعوبة وهي تحدق بملامحه الغاضبة ثوان وشهقت بخوف عليه عندما وجدت الرجال يندفعون نحوه بقوة ويبدؤون بالقتال معه ..

بينما هو يقاتل بكل قوته لحماية حبيبته ورفيقته الذي عاد راكضاً نحوها وتجاهل كل شيء يحدث حوله عندما أحس بالخطر يهدد حياتها ..

وأن إحساسه كان في مكانه وأن كليزور جاء لينتقم منه عن طريق بيرلا ..

وهجوم الذي على قطيعه ما هو إلا لإلهاء أفراد قطيعه عن مساعدة ألفاهم حتى يتمكنوا من قتله مع بيرلا كما يحاولون الآن ..

لذا كان عليه جعلها تصل للبحيرة بأي طريقة كانت حتى تعبر بأمان إلى عالمها ويستطيع هو قتالهم بكل حرية دون التشتت للحظة ..

بسبب قلقه عليها ..

فزمجر بغضب وهو يطرح اثنين من الرجال الذين حاولوا قطع ذراعه بسيوفهم ولكنهم لم ينجحوا سوى بجرحه بجراح خارجية وليست عميقة ..

وعندما نظر لجراحه التي لم تندمل وأحرقته بقوة عَلِم بأن السيوف مدهونة بسم عناكب أماريس التي تمنع شفاء الجروح وتضعف الجسد وتقتله ببطء ..

عندها شتم عالياً واخرج سحره دافعاً بالرجال جميعاً للجهة الأخرى بعيداً عن البحيرة وصرخ ببيرلا بقوة:

"بيرلا اذهبِ للبحيرة بسرعة"
________________

ومن الطرف الآخر للبحيرة وبين الأشجار حيث كان يقف كليزور مع سانسا يراقبان ما يحدث مع إيتن وبيرلا دون أن يشعر بهما أحد ..

فقد أمر كليزور سانسا بوضع تعويذة تخفي حضورهما في بقعة معينة من الغابة وبقيا ينتظران بدأ تنفيذ الخطة ..

كانت سانسا تقف وهي بقمة توترها وهي تنتظر خروج بيرلا من بين الأشجار بعد تلون القمر بالأحمر بينما سمعت والدها يهمس لها بشر:

"جيد كلام ذلك الكاهن حقيقي والقمر تلون بالأحمر هذا يعني بأن خطتي ستنجح وسأقضي الليلة على ألفا قطيع القمر الأحمر مع رفيقته البائسة ولن أسمح لها بالمرور لعالمها حية بعدما فعلته بأماريس"

ابتلعت سانسا ريقها بغضب إلا أنها حافظت على برودها تحدق بوالدها بحذر عندما إلتفت إليها وتقدم نحوها وأردف لها ببرود:

"بمجرد أن ننجح بإبادة هذا القطيع الليلة سأقوم بالظهور علناً أمام الجميع وإعلان الحرب ضد الفصائل وبيرس وسيزيتو سيقومان بالتخلص من ليوناردو ويجعلان بيار وكاساندرا يذعنان لنا عندها سيكون مصاصو الدماء في صفنا بالكامل وأنت ستكونين إلى جانبي كوريثتي الشرعية وحاكمة مملكة البحر"

أمسك بكتفيها وهو ينظر لها بقوة وأردف لها بخبث:

"ستذهبين إلى مملكة البحر وستأخذين الحكم من اللعين ريغورد كما أخذه مني في الماضي وسوف يرى كيف سآخذ منه كل شيء قبل أن أقتله كما فعل هو معي وأن الحكم الذي أخذه من حقي وإلا لما أصبحت ابنتي هي الملكة وحاملة الحجر الشرعية هكذا سننتقم ممن شردونا طوال حياتنا وسنحكم العالم معاً أنا وأنت ابنتي"

حدقت به بجمود وهي تستمع لكلماته الحاقدة ثم رأته ينزل يديه عنها ويخرج من ردائه خنجراً ذهبي ومرصع بالجواهر ..

أخرج الخنجر من غمده الذهبي وحدق بنصله الحاد الذي عكس شكل وجهه عليه وتعابيره الشريرة وأكمل لها:

"هذا الخنجر الشيء الوحيد الذي ورثته عن والدي والذي لم أدع أخي اللعين يأخذه مني بعد أن سلبني الحكم بسهولة وأخذ معه قلادة حجر قلب البحر التي هي من حقي"

صمت وأعاد الخنجر لغمده وأمسك بيد سانسا وسلمه لها وهو يكمل لها:

"لقد أصبحت قوية وصلبة كما أردتك وتستحقين حمله وإكمال مسيرتي في حكم العالم لذا احتفظي به واقتلي به كل شخص يقف ضدك وأري الجميع من هي ابنة كليزور غاشتلوفا"

أنهى كلامه وهو يرفع رأسه بكبرياء ويناظرها بقوة وقسوة فابتلعت ريقها بصعوبة وهي تتمسك بالخنجر وتنظر إليه ببرود مخفية داخلها القلق من نظراته لها ..

فارتسمت إبتسامة قاسية على محياه جعلت التوتر يزحف لجسدها ببطء ثم سمعته يردف لها ببرود:

"استعدي بمجرد أن ننهي نغل هميسورث ذاك أريد أن أراك تقطعين عنق رفيقك المستذئب البائس وتنهين عذابه للأبد"

وبصعوبة كبيرة حافظت سانسا على ملامح وجهها الباردة وهي تحني رأسها له بطاعة ..

فهزّ رأسه برضاً عنها والتفت يكمل مراقبته بينما بقيت سانسا بعقل مشلول من شدة الخوف والتوتر مما سيحدث في الدقائق القادمة ..

وعندما لمحت بيرلا تخرج من بين الأشجار بدون أن تشعر تراءت صورة والدتها أمام عينيها ..

ومن دون أن تشعر نطقت بصوت بارد كقلبها:

"لماذا؟ .. لما لم تعاملها كما تعامل تلك الجنية؟"

التفت كليزور يحدق بابنته بسخرية وقسوة عندما فهم ما ترمي إليه ثم ابتسم بسخرية عندما وجدها تردف بصوت غاضب وبارد:

"لما لم تنتقم لها كما تريد أن تنتقم لعشيقتك الجنية؟ أريد أن أعلم ما هو الفرق بينهما؟ ولما اخترت تلك الجنية وتركت رفيقتك تموت أمام عينيك بكل سفالة؟ "

اتسعت إبتسامته وهو يحدق بابنته بقسوة ثم أردف لها ببرود وسخرية:

"كنت أعلم بأن ذلك الشيطان سيخبرك بالأمر في يوم من الأيام وكنت أعلم أيضاً بأنك هربت من رؤيتي في ذلك اليوم بعد أن علمت الحقيقة كاملة منه فأنا لست غبياً حتى لا أدرك هذا الأمر"

عقدت سانسا حاجبيها وهي تحدق به بجمود وصدمة عندما أكمل بخبث وقسوة:

"كنت أعلم بأنه سيأتي اليوم الذي ستقفين أمامي وتسأليني عن سبب تخليّ عن تلك الساحرة المسماة برفيقتي لذا لن أكذب عليك أبداً سانسا وسأخبرك لما اخترت الجنية؟ ولم أختر رفيقتي المقدرة على الرغم من وفائها المقزز لي؟"

صمت وهو يحدق بعيني ابنته وأكمل لها بحقارة:

"لأنها وبكل بساطة امرأة غبية وضعيفة وأنا لا أحب الضعفاء كانت عديمة الفائدة ولم تستطع أن تساعدني في شيء بل لم ترد مني أن أنتقم ممن سلبوني حقي وعندما أردتها أن تحضر لي حجر قلب البحر فشلت كعادتها وظنت بأنني أتيت لإنقاذها ولكنها لم تعلم بأنني كنت أنوي قتلها منذ أن حجرتْ قلبي وأن مشاعري لها انتهت منذ اللحظة التي انتهت من تلاوة تلك التعويذة علي "

صمت يحدق بسانسا ويراقب ملامحها التي ازدادت برودة وأكمل:

"أكره الضعفاء وأمقت من يتمسك بالمشاعر والشفقة ما يجمعني بأماريس هو حب الإنتقام لقد كانت تستحق أن تبقى بجانبي كل تلك المدة على الرغم من أنها ليس مقدرتي لأنها كانت تشاركني بأفكاري وتساعدني حتى وصلت لما أنا عليه الآن أنا أكره الضعفاء ولا أتحمل وجودهم حولي حتى أنت لو لم أجدك قوية وصلبة لتخلصت منك منذ زمن طويل ولكني استطعت أن أرى نفسي بانعكاس عينيك ابنتي"

ابتسم بسفالة وقسوة ثم أردف لها ببرود:

"انجابها لك كان حسنتها الوحيدة في هذه الحياة وهذا السبب الذي أوقفني عن قتلها تلك السنوات حتى أتى أخي الصغير ونفذ مهمتي من دون أن يدري حتى بأنها رفيقة شقيقه، انسي تلك المرأة وركزي على مستقبلك لا أريد أن أرى أي ملامح ضعف في عينيك لا تجعليني أندم لأنني لم أتخلص منك كما فعلت مع والدتك"

أنهى كلامه بحدة وقسوة وهو يناظرها ببرود ثم إلتفت وعاد يراقب قتال إيتن مع رجاله ..

في حين بقيت سانسا متجمدة مكانها وكأن دلو ماء مثلج قد سكب عليها وهي تستمع لكلماته القاسية ..

كانت غير واعية لما يحدث لها وهي قد تلقت أقوى صفعة في حياتها ..

كانت كلمات والدها لها كالخناجر التي طعنت روحها قبل قلبها ..

بعد أن رأت اعترافه الصريح لها بما اقترفت يداه بدون أن يرف له جفن ..

خرجت من أفكارها عندما سمعت صوت كارل الذي وصل مع فليغون فعلمت بأن أنثانيوس نجح في إخراجه وإرساله لفليغون كما اتفقت معه ..

راقبت بتوتر كبير ما يحدث وهي تشدّ يدها على الخنجر الذي لا يزال بقبضتها ..

ولكن ما أوقف أنفاسها للحظة هو والدها الذي تحرك نحو شجرة قريبة وحمل قوساً وسهماً كان قد وضعهم منذ البداية وهيأهم استعداداً لاستخدامهم ..

رمشت سانسا ودقّ قلبها برعب عندما وجدته يحمل سهماً ويضعه بالقوس ويستعد لإطلاقه وعندما نظرت إلى المكان الذي يعاين عليه ارتجف جسدها عندما وقع على جسد بيرلا التي اقتربت من البحيرة إلى أن وقفت بجانبها ..

كان يريد قتلها قبل أن تصل للبحيرة وتقفز بها ..

فتحت سانسا شفتيها مخرجة أنفاسها المرتجفة ولم تشعر بنفسها إلا وهي تخرج الخنجر من غمده وتتقدم بسرعة وتطعن والدها بظهره بكل قوتها محاولة إيقافه عن قتل من عدتها أختها الصغيرة ..

فأصرّ كليزور على أسنانه عندما شعر بالنصل يخترق جسده إلا أنه لم يستسلم وحافظ على يديه مشدودة وقام بإطلاق السهم قبل أن تدفعه سانسا ..

"لاااااا"

صرخت سانسا وهي ترفع يدها الحرة وتحاول استخدام سحرها لإيقاف السهم إلا أنها شهقت بخوف عندما وجدت أن سحرها لم ينفع وبعيون متوسعة راقبت السهم يتجه لطريقه بينما همس والدها الخبيث وصل لأذنها:

"هل ظننتِ بأنني أحمق لدرجة الوثوق بك بسهولة كنت أعلم بأنك ستفعلينها وتخونينني لذا جعلت أحد سحرتي يضع تعويذة تحصين على هذه السهام"
____________

أما قبل دقائق عند إيتن الذي لم يستطع وحده فتح الطريق لبيرلا حتى تعبر للبحيرة بسبب قوة الرجال الذين يقاتلهم ..

وبينما كان يقاتل ويتجنب السيوف التي تريد اختراق جسده سمع بيرلا تهتف له بخوف:

"إيتن خلفك"

وقبل أن يلتفت ليمنع تلك الطعنة الغادرة من الوصول إليه سمع صوت زمجرة غاضبة قبل أن يرى كارل يقفز على الرجل بسرعة جازاً أحشاءه بمخالبه ..

بينما وجد فليغون يخرج ناراً من يديه ويقذف اثنين من الرجال الذين حاولوا الإقتراب من بيرلا على حين غفلة ..

فتنفس بعمق وراحة لثوان وهو يرى صديق عمره يقاتل جنباً إلى جنب معه وهو بخير عكس ما توقعه هو ..

عندها زفر بقوة وعاد للقتال بشراسة وهو يرى فليغون وكارل يقاتلون معه ..

ازداد عدد رجال المتمردين وازداد الضغط عليهم مما جعل فليغون يصنع طريقاً من النار كحد فاصل بين الرجال وبين بيرلا التي تراقب بقلب يقرع كالطبل ثم رأت إيتن يهتف لها بقوة:

"بيرلا هيا اذهبِ"

تنفست بعمق وهي تحدق بجسده الذي نال بعض الطعنات من السيوف وهي لا تدري كيف ستذهب وتتركه بهذه الحالة ..

وعندما صرخ بها مجدداً انتفضت وتقدمت بخطوات مسرعة وحذرة من البحيرة وعندما وصلت لها استدارت تنظر إليه بقلق وخوف ..

فكيف ستتركه الآن؟ ..

كيف ستعلم ما أصابه بعد ذلك؟ ..

للحظة تلاشت فكرة ذهابها أدراج الرياح وهي تراقبه يقاتل بشراسة وينظر نحوها كل فنية وأخرى وعندما هتف لها بغضب:

"بيرلا اقفزي في البحيرة"

"لا أستطيع لن أتركك هكذا"

هتفت دون أن تشعر والدموع تتجمع في عينيها فكيف أن تهرب بهذه البساطة وتتركه دون أن تعلم مصيره فهي كانت ستتركه معافاً وسليم وليس مصاباً ويكاد يقتل ..

أما إيتن الذي جنّ جنونه عندما سمع صوتها الرافض لتركه فزمجر بقوة ودفع أحد الرجال على رفاقهم والتفت بسرعة نحو بيرلا ..

وقبل أن يتكلم في شيء لمع أمام عينيه شيء سريع يتجه لها فتوسعت عينيه وتجمد جسده بخوف وهتف لها بغير وعي:

"احذري بيرلاااااااا"

وقبل أن تستوعب ما قاله لها ولا صراخه عليها شعرت بشيء حاد يخترق ظهرها ويخرج من صدرها فخرجت من بين شفتيها شهقة متألمة ومتفاجئة ..

وهي لم تدري بعد ماذا حدث لها؟ ولما شعرت بالنار تشتعل بجسدها بأكمله؟ ..

ومن دون أن تشعر رفعت يدها إلى صدرها بحركة لا إرادية عندما شعرت بالألم والحرق به عندها شعرت بشيء ساخن يلطخ أصابعها ..

خرجت شهقات مرتجفة من شفتيها وهي تحدق بعيني إيتن التي تنظر إليها بجمود وصدمة وعندما أنزلت عينيها إلى يديها ارتجفت عندما رأت الدماء تغطي أصابعها

فأمسكت بصدرها وحدقت بإيتن بأعين ملتمعة وهي تشهق بألم وهي تسحب أنفاسها بصعوبة دون أن تدرك بأن ذلك السهم لم يخترق صدرها فحسب ..

بل كان به سُماً قاتلاً انتشر بجسدها بسرعة وجعل جسدها يرتجف وأنفاسها تثقل وتحرقها كالنار وهي تحدق بإيتن في آخر لحظاتها ..

كان الأمر مجرد ثوان عديدة ولكنها بالنسبة لهما كانت قروناً طويلة لا تنتهي ..

حيث كان إيتن يقف متجمداً وهو يحدق بيرلا كيف شحب وجهها وارتجف جسدها وهي تحدق به برعب ..

كان قد نسي للحظات أين هو؟ وما كان يفعل؟ وتوقف عقله وجسده عن الحركة عندما رأى السهم يخترق جسد رفيقته وحبيبة قلبه في هذا الموضع الخطير ..

وبالعرض البطيء راقب بيرلا تصرخ باسمه وهي تحني جسدها للأمام قليلاً حتى تبقى واقفة دون أن تقع

عندها شعر بنصل حاد يخترق معدته ويخرج من الطرف الآخر ويليه طعنة أخرى من رجلين استغلا جموده ..

على الرغم من ألمه إلا أنه لم ينزع عينيه عن بيرلا التي وسعت عينيها بصدمة وهطلت دمعة من عينيها وهي ترى اثنين من الرجال يندفعان نحوه ويغرسان سيوفهما بجسده بقوة ..

ارتجف جسد إيتن وضعف بعد أن أزال الرجلان سيفاهما من جسده وهو يشعر بقلبه يخترق بألم وذئبه الذي عوى بألم عندما شعرا بتكسر الرابطة بينهما وبين رفيقتهما ..

وبعيون متوسعة متألمة شاهد عينا بيرلا ترمش وجسدها يرتخي فترنحت للخلف ومن دون أن تشعر أغمضت عينيها وسقط جسدها داخل البحيرة جاعلة من المياه تتراشق حولها ودماءها تصعد على سطح الماء قبل أن تختفي بلحظات ..

"بيرلاااااااا"

صرخ بألم وعذاب قبل أن يسقط على ركبتيه وعينيه تمتلئ بالدموع عندما وجدها تغادر لعالمها ميتة ..

فاسودت الدنيا بعينيه مع اشتداد ألمه وارتخاء جسده ولم يشعر بنفسه إلا وهو يسقط على الأرض بقسوة غير قادر على تحريك حتى إصبعه الصغير ..

إلا أن عينيه الحزينة بقيت معلقة على البحيرة ولم تعد تهتم لأي شيء حوله بعد أن بدأ يفقد الإدراك لما حوله إلى أن أغمض عينيه وارتخى جسده بالكامل مستسلماً للظلام ..

في تلك الليلة وتحت ذلك القمر الأحمر ..

حدثت تلك المأساة وبدل أن يفترقا العاشقين بعد أعطيا العهود لبعضهما بأنهما سيعودان لبعضهما مجدداً ..

جاء القدر وأعطى كلمته الحاسمة لكليهما ..

قاطعاً كل السبل في وجهيهما ..

وناهياً قصتهما بهذا الشكل المأساوي ..

أو هكذا ما كان يريد البعض أن يظنوا ..

بأن هذه هي نهاية قصة ألفا القمر الأحمر ورفيقته البشرية ..

التي جعلوها سبيلاً للإنتقام منه مع أنها كانت غريبة عن العالم بأكمله وليس عن الأشخاص فقط ..

فظنوا بأنهم بهذه الطريقة قاموا بإنهاء حياتهما والتخلص منهما للأبد ..

ولكنهم لم يدروا بأن هنالك دائماً فرصة أخرى لكل شيء ..

وأن لا يوجد كائن قد يموت ناقصاً من عمره يوم ..

وأن القدر دائماً أقوى من كل حقودهم وأشرارهم ..

فما هي كلمة الأخيرة للقدر؟ ..

وهل فعلاً هذه هي نهاية قصة ألفا القمر الأحمر؟ ..
_

__________________

آسفة عنجد على قسوتي على الأبطال 😭😭🙏

بارت التكملة رح ينزل بعد الليلة بوقت السحور لا تخافوا😭😭😭

شو رأيكم بالأحداث ..

حدا توقع هاي النهاية ..

أيا أصعب مشهد في البارت برأيكم ..

بيرلا وإيتن ..

كارل وسانسا ..

وقذارة كليزور ..

استنوا البارت القادم فأنا على وشك إنهاءه🔥🔥🔥🔥🔥

Continue Reading

You'll Also Like

2.5M 108K 46
في ليلة غير كل الليالي حيث كان القمر المكتمل هو بداية لكل شيء كانت فتاة شابة تجلس أمام نافذتها وهي تحدق به ككل ليلة إلا أنها لم تعلم بأن هذه الليلة س...
6.9M 444K 69
هي ليست نادرة، ولا آخر فرد من فصيلتها. بل هي لا تملك فصيلة، ولا مجموعة، ولا قطيع. لا تنتمي لأحد. فريدة من نوعها، لم يوجد مثلها من قبل. هي بلا مثيل...
98.7K 5.7K 22
الجزء الثانى من رواية فتاتى الصبيانية♡ دائما ما كنا نسمع عن صداقة تحولت الى حب ولكن هل يمكن لعداوة ان تتحول الى حب؟! ................... "هذا لن يحدث...
43.2K 3K 14
ببساطة كل شئ متعلق بك انت... _____________________________ كل الحقوق محفوظة لي© البداية: 28/1/2017 النهاية: 20/5/2017