بين نبضة قلب وأخرى

By Bellaa71

36.5K 479 70

الكاتبة: أغاني الشتاء More

.
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44

45

2.3K 34 11
By Bellaa71

♥▄الـنـبــ« الأخيـــــرة »ــضــة▄♥

:
:
:

قبل الحادث بســاعة ..~

كان يراقبه بخيبة موجعة...و حزن...و مرار على ذلك الحال الذي لا يعلم كيف وصل إليه..؟!

منذ البارحة...وهو يجلس أمامه ساكن...شارد...لا يتحرك...و لا يتكلم....يراه يغفو للحظة...لكنه سرعان ما يفز من نومه ليسأل عن صبح...و يطلبه الإتصال بخالته كي يطمئن عليها...

سامي يرى هاتفه الملقى على الطاولة أمامه / تميم كسّر جوالك من الإتصالات..ليه ما ترد؟
باسل بضيق و تعب / مابي أكلم أحد
سامي بعد لحظة..يرفع له هاتفه / يتصل علي!
باسل بتحذير / قول له إنك ما شفتني
سامي لا يطاوعه / بيقلقون كذا عليك و أنت من الصبح ما ترد عليه
باسل بإرهاق/ خلاص قول له إني كنت عندك..بس اللحين نايم..طلعت..أي شي..بس مالي خلق اكلمه و لا لي خلق اروح خطبة ساري اللي متصل عشانها

تحدث معه سامي ليتحجج له بكل كذبة تخطر في باله...و حين أغلق منه...عاد ينظر إلى باسل بقلق...
لا يعرف كيف سيخبره...و قبل أن يجد طريقة للبدء...بادره هو بالسؤال...

باسل بقلق / كلم عمتي تطمن على صبح
سامي / خالتي كلمتني اللحين..هي مع تميم رايحين لخطبة ساري
باسل يقف بغضب / وصبح!!! هي وعدتني ما تتركها لحالها!!!
سامي يعترف أخيراً / تقول إنها رفضت تجلس في البيت و راحت بيت أهلها
باسل بمرار و ندم / أنا غلطان اللي طلعت من البيت وصدقتها! كان المفروض ما اطلع لحد ما أقدر اكلمها_بدأ يتحدث مع نفسه بشرود_ماراح ترد علي لو اتصلت..بأروح لها أحسن
سامي يوقفه / باسل..اللي صار مو بسيط...و لازم تنتبه وش لازم تسوي عشان الموضوع ما يكبر أكثر..فكر بصبح و فكر بعد بضي
باسل بقهر / أفكر بضي! والله لو مو بنت عمي و عشانه كان عرفت كيف أرد لها اللي سوته
سامي بصدمة / باسل أنت مو حاس باللي سويته! أنتي مخطي أكثر منها و لازم تتحمل نتيجة هالخطأ معها!!
باسل لا يستوعب / كل شيء أنت عارفه من الأول..هي اللي لحقتني بدال المرة ألف! و أنا ما كذبت عليها و لا وعدتها بأي شي..و هي رضت بكل هذا! مو ذنبي إذا كانت تلعب علي و تخطط لشيء ثاني و أنا قلت لها من البداية إنه ماراح يصير..تتحمل اللحين لحالها اللي رضته على نفسها..!!
سامي بإصرار غاضب / حتى لو كانت هي اللي بدت بس اللي صار خطأكم كلكم
باسل بعصبية / وش صار؟ وش اللي صار يعطيها الحق تخرب بيتي؟ أنا ما خبيت عليك شيء.. إلا إني شفتها مرتين بس
سامي يستغرب بروده حتى بعد معرفتهم بالأمر / و اللي صار بهالمرتين ماراح يخرب بيتك بس! لو عرفوا خوالي..........
باسل يقاطعه / أنت وش تقصد؟_ليكمل بصدمة و قهر_وين راح تفكيرك؟ أنا شفتها صح..بس لمسة وحده ما لمستها!!

حين رأى الصدمة تبهت ملامح سامي...عاد يستوعب في خياله نظرة عمته المذهولة بخذلان...العاجزة عن إستيعاب الأمر....
لينبض قلبه بعنف...و قهر...وهو يتذكر الهيستريا التي أصابت صبح...حينما رأته...و الرعب الذي انتفضت به حين فكر بالإقتراب منها..!!!!

باسل بغضب يتصاعد بروحه..حتى جعله غير قادر على التنفس بشكل طبيعي/ أنتم وش مفكرين إنه صار؟ الـxxxxxx وش قالت لصبح؟؟_يصرخ به_تكلم يا سامي!!!

حين أخبره سامي بما سمع من عمته...أحس أنه بدأ يسمع غليان الدم بعروقه...
هل كان هذا إنتقامها الدنيء على رفضه لها...لترمي بسواد فعلتهما...على بياض حياة انتشلته منها...فلا تكتفي بذلك...
بل تملأ سمعها بذاك الخزي الكاذب الذي رضته لنفسها...فقط لتوجعها به..!!

التقط مفاتيح سامي...ليخرج سريعاً...يكاد قلبه يحترق في صدره...وهو يتخيل الصورة التي تتكسر له في قلبها منذ البارحة...وهو وقف مخذولاً أمام حزنها...ليؤكدها بلا معرفة منه..!!

سامي حين رآه يغادر..لحق به ليمسكه برجاء قبل أن يخرج / باسل وين رايح! لا تروح بهالحال وهي عند أهلها..لا تكبر السالفه و الكل يدري فيها
باسل يبعد يده بقوة / مايهمني أحد..اللي يهمني صبح من البارح وش كانت تظن فيني!!

غادره بسرعة و غضب...و ركض خلفه آملاً أن يلحق به قبل أن يتهور...

♥▓♥▒♥▓♥

كانت تنتفض و تبكي بين يديها برعب...و هي تشاركها الدمع رغم عدم معرفتها لسبب هذا الإنهيار...و تحاول جاهدة بكل مافي عقلها و قلبها من كلمات..أن تُهديء من روعها الذي أخذ يزداد منذ وصلت إلى بيتها...

بدور بقلق / ضي تكفين اهدي و تكلمي..خوفتيني..أحد من أهلك صاير فيه شي؟؟
ضي من بين شهقاتها / مادري كيف قلت كذا!! بس قهرني قهرني يا بدور و قهرتني هي أكثر!..كلهم قهروني و حسسوني إني أحقر من إنهم يلتفتون علي..أنا! أنا ضي! كيف يقدرون يهينوني كذا..!!

منذ أحبته...و هي تبني قصوراً واهمة في خيالها معه...ظنت أن الحلم إذا قدمت له كل هذه التنازلات بسخاء سيتحقق...
تخلت عن حيائها يوماً من أجله حين اعترفت له بحبها...ظناً منها أنه الشيء الوحيد الذي ستخسره من أجل أن تكسب قلبه...
لتتخلى معه رويداً...رويداً...عن كبريائها...و غرورها...و هي تتحمل بروده و شروطه و جفاءه معها...تطمح أن يعتادها يحبها...حتى تصل إلى تحقيق حلمها معه...
لترى نفسها اليوم تخسر كل شيء...لتتخلى عن عزتها...و كرامتها...في سبيل إنتقامها منه...و رد الوجع له...
تشعر بغضب كبير منهما...حين جعلاها تنحدر لهذا المستوى من الإذلال...و المهانة...
حين تخطياها و كأنها لا شيء يستحق...أن يُهتم بمشاعره...لا تستحق حتى أن تسبب لهم الضيق...أو القلق...!

كسر كبريائها أنها بعد كل ما خسرت...لم تستطع حتى المساس بهما...
أو إحداث شرخٍ بسيط في حياتهما...و هي من تحمل داخل صدرها قلباً تهشمت مشاعره...و عزته...و أحلامه...

تذكر بذلٍ مرير آخر لقاء...حين أتته بكامل قلبها...ببهاء لا يُضاهى...تثق كل الثقة بقدرتها على رده إليها...
ليملأ نظرته الإستحقار و الإستنكار...و يجرؤ حتى أن يطردها بكل ذاك الغضب...و كأنه لم يطلب قربها هذا يوماً و يُفتن باللقاء بها..!!
كيف أمكنه تغيير قلبه..؟ و كبريائه بهذه السرعة..!
أي سحرٍ مارسته عليه تلك التي لم تكن لتلفت إنتباه أي أحد...فكيف لفتت إنتباهه...ليتحول معها لشخص آخر..!

حين امسكت بيديه رغبةً منها بهز وعيه...و أن يعود إلى قلبه...أن يعي جمالها و ترفها...أن لا يفرط في فتاة لا تليق إلاّ به...
و جنوناً...و يئساً أصابها تلك اللحظة...لتفكر بإغواءه لأبعد مدى...بهذا القرب...علها تؤثر عليه...

لتشعر بنفسها تتدنى أكثر...و تهان...وهو ينفضها من بين ذراعيه بقسوة...حتى سقطت تحته...ليتركها...لا يلتفت خلفه للحظة...و لايهتم بها أبداً...
جلست ذليلة لوقتٍ طويل...ليكتسيها مرار الإهانة...هي تستمع له يغرق نفسه بالماء...كي يزيل عنه مجرد لمسة لا يحتملها منها!!!...هي..!!!

بدور ترتعب حين رأت شرودها المخيف و عدم ردها على ندائتها..لتهزها بعنف / ضي خوفتيني وش صار؟

اعطتها هاتفها...على ذات الخبر المنتشر...عن الحادث الذي أصاب أحد أبناء رجل الأعمال سعود الـ.......

بدور تشهق / مين ؟ باسل !
ضي تبكي قهراً...و وجعاً / للحين مادري..أخاف إنه هو! أخاف يصير له شيء..أخاف يموت و أنا ظالمته!!! أنا السبب لو مات.. أكيد أنا السبب..!!
بدور بخوف / ضي وش سويتي؟؟
ضي تبكي إذلالها..و ندمها / كيف وصلت نفسي لهالحال!! كيف نزلت لهالمستوى! كيف يوم ارخصوني..ارخصت نفسي زيادة قدامهم!!!

♥▓♥▒♥▓♥

ساد صمتٌ حزين...بينهم...بدى لها أن الثلاثة استسلمن لخدر ذاك الحزن المجهول...لعله يكن أخف وطئة على قلوبهم بمعرفة من قد يخسرون...
لكنها لا تحتمل الإنتظار أكثر...طباعها الحامية لا تقوى مماطلة هذا الخوف داخلها...لكي لا تعي سببه...
و تخشى أن يصلهم خبراً أسوأ...و هي لا تعلم ماذا تفعل مع هذه القلوب المفجوعة...
لذا ابتعدت عنهم...و لم يكن لواحدة منهن أن تنتبه...و هي تغرق في عالم تساؤلاتها...و انتظارها المفزع...

اتصلت به...و لا تدري لما لم تتصل بخالها..!
خشيت أن تسمع ما يرعبها من خالها...كانت تريد سحق مخاوفها قبل أن تدركها...و هي تسمع صوته حين يرد عليها...
لكن تلك الرنات الطويلة...المستمرة...كانت درباً مخيفاً...مقيتاً...لم تجده في آخره..!!
و هي تعيد الإتصال مرة...و أخرى...لكن لا مجيب..!!

♥▓♥▒♥▓♥

يمر الوقت بهم أكثر...فتتناقص الفرحة التي بالكاد يتظاهرون بها أكثر...ليحل محلها المرار...و الندم...و القهر...
رضت لها بهذه الفرحة الشحيحة...المتعثرة بأغلال حقدها لأعوام...لتجد أنها ليست نهاية ذنبٍ كانت تتمنى إزاحته عن قلبها...كلما رأتها...
فيمتد الذنب أكثر...و يعظم بصدرها اللوم...و الندم...و هي ترى سنوات الكره و ما فعلت فيها من أذى و خبث و ظلم...
أتت لتقتص منها هذه الليلة...لتعدم فرحة ابنتها...التي رضت أن تتظاهر بها من أجلها...
إحساس لا يخطيء بقلبها أخبرها أنه لم يتأخر فقط...بل إنه غير قادم..!!!

دارت عيناها تتأملهم بوجع...ترى ملامحاً يجاملون بها صحوتها المتأخرة...والدتها...و شقيقتها...و ابنتيها...
و هم يجلسون بصمت يتأرجح بين حزن...و فرح خائب كان حتى كثيرٌ عليهم...

نهضت بقهر... لتأخذ دلة القهوة...و تصب لوالدتها فنجالاً...و تسكب للبقية تباعاً...و الأعين تراقبها بفضول...

أم مشاري / أم فراس ماراح ننتظر لحد ما يجون!!
أم فراس تقرر حقيقة تدركها بمرار / ماراح يجي..و حتى لو جاء دانه ما عادت تبيه..صح يمه أو لا؟
دانة تتنهد بضيق..لتعترف بصدق عميق أدركته أخيراً / صح يمه جاء أو ما جاء..هالخطبة كلها كانت خطأ

و نهضت لتأخذ الدلة من والدتها و تجلسها لتقبلها على رأسها...و تسكب لها فنجالاً...فتأخذ سلة الحلوى و تقدمها لهم بإبتسامة / ولو سمحتم مابي أشوف أحد ضايق..و مكسور خاطره..دامنا اجتمعنا اليوم خلونا ننبسط

التقت عينا كادي بعين جود التي امتلأت حزن على خيبة والدتها و على فرحة دانة التي لم تتم...
كانت قد اتفقت مع سمو...أن تأتي هنا تشاركهما فرحة لا تقوى سمو على إفتعالها لهما...و هي تقف مع منوة في جبر لكسرها...لتذهل حين تبدل الحال بلحظة...فقد كانت تظن أن الكسر بات هنا...و الفرحة أصبحت هناك...
لتتحدث بمرح...مؤازرة تظاهر دانة...التي عجزت جود عن مجاراته...و هي بالكاد تحبس تلك الدمعات التي تكسي نظراتها...

دانة كانت تتحدث بلا توقف...تملأ خدوش خيبتهم...بفرحةٍ...و راحة...لا تعلم إن كانت حقاً تنبع من قلبها...أم تدّعيها...
تستشعر لهيباً بدأ يحرق بصدرها كل تلك الذكريات التي مضت معه...لكنه هذه المرة بدل أن يكسرها...بدأ يغيرها للأفضل...

كانت هذه الليلة فرحة مغتصبة...ألقوها عنوة بين يديها...لتعرف الآن أنها ما عادت ترغب بها...كما لا يرغب هو بها...

شعرت بالراحة...حين أتاها إتصال خالد...لتبتعد قليلاً عن أي لمحة خائبة بوجه من حولها...
و حين وصلت إليه...و رأت ملامحه الضائقة...علمت أن ليلة خيبتها طويلة...و لكنها ليلة واحدة فقط...
و بعدها سينتهي كل شيء من قلبها...

خالد بضيق / دانه
دانه تبتسم له مطمئنة / نعم
خالد بتردد / فيه شي صار بس مادري كيف.........
دانه تقاطعه / عارفه يا خالد ساري ما جاء..و لا راح يجي....
خالد بحزن بدأت تتبينه بملامحه / ماراح يجون لأنهم بالمستشفى
دانه بخوف / فيه شي؟ مين اللي بالمستشفى؟ وش صار؟!
خالد بعجز / مالك..مالك سوى حادث و مادري كيف بنوصل الخبر لعمتي مزنه!!
دانه لا تصدق / بس جدتي تقول انها حالفه عليه ما يسوق! مع مين سوى الحادث؟
خالد / الله يقومه بالسلامة..تميم بنفسه موصله للبيت عشان ما يسوق السيارة..لكن محد يدري وش خلاه يطلع مرة ثانية و ياخذ من السواق السيارة و يروح!!!

♥▓♥▒♥▓♥

اتصل بوالدته ليخبرها أن عليهما هي و عمته...أن يعودا إلى البيت...فلا فائدة من جلوسهما في غرفة الإنتظار...
حين اغلق الإتصال معها...كان سيتجاهل كل تلك الإتصالات الكثيرة التي وردته...لكنه تفاجأ و عيناه تلتقط إسمها من بينهم...
و يجد إتصال منها قبل دقائق...ليتصل بها...

تميم / هلا جرح
جرح بعصبية / لييييه ما ترد على جوالك! خوووفتني!!
تميم لا يعي سبب هذا الخوف الذي تتحدث عنه...مع ذلك اعتذر لها / معليش كنت مشغول..خير صاير شي؟
جرح بإنفعال لم يهدأ حتى بعدما سمعت صوته / ايه الخبر اللي تبي تخبيه عننا وصل.._لتكمل بعجز_و البنات هنا منهارات و أنا مادري وش اسوي معهم؟ و لا ندري حتى وش صار؟ و مين اللي سوى الحادث!!
تميم يهدأها رغم فزعه بوصول الخبر إليهم أيضاً..وهو يعجل خطواته ليخرج / طمنيهم إن شاءالله ما فيه شي..مالك اللحين بغرفة العمليات بس الحمدلله طمنونا إنه.........
جرح تراقب بصدمة سلام و سمو و تتخيل ردة فعلهما..لتهذربلا وعي / لاااا ما أعرف كيف بأخبرهم!!...ماااابي...ما أقدر أقول لهم..خايفة من ردة فعلهم..بانتظر لحد ما تجون-لتكمل برجاء-خلي أمي تجي بسرعة و هي تقول لهم..لا تتأخرون
تميم يعدها / طيب هدي نفسك..أنا مكلمهم و بنطلع لكم اللحين..ماراح نتأخر

اغلق منها...و لكن إبتسامة خفيفة زاحمت الحزن الذي كسى ملامحه...و سمعه يعيد إليه بوضوح كلمتها (أمي)
هل حقاً نطقتها..؟ هل حقاً في فرط قلقها و خوفها أبى القلب إلا أن يعترف بها...و يحتاجها...و ينادي عليها...

♥▓♥▒♥▓♥

كان يذهب و يجيء بالممر بإرهاق و تعب..قلقاً...متوتراً...ممزقاً بين حزنه هنا...و روحه التي تئن هناك...
يريد الإطمئنان على مالك...ليجد قوة في عقله يقوى أن يتحدث معها بها...لكن تلك العملية أخذت من وقت صبره و خوفه عليها الكثير...ليبتعد قليلاً عنهم...و يتصل بها...و يدعو الله برجاء أن ترد...أن يستمع على الأقل لصوتها...أن تغسل نبراتها العذبة قليلاً من تعبه...و وجع روحه عليها...

هي كانت لا تزال تنتفض في غرفتها برعب...ترفض مغادرة الغرفة...و يرعبها أكثر هذا الصمت الطويل خارجها...
فلا أحد منهم افتقدها ليأتي يبحث عنها...لماذا..؟؟
هل عرفوا شيئاً لا يريدونه أن يصل إليها..!
و هي كيف ستخرج إليهم..؟
بأي قلب داس عليه بالأمس...ستقوى أن تسأل عنه؟؟

كانت تصارع خوفها...و خذلانها المرير منه...و تغرق في أساهما...حين وصلها إتصاله...لتطلق آهة راحة مرتجفة...و ينساب الدمع منها ساخناً...و هي تسد بيدها فمها تمنع شهقاتها أن ترتفع أكثر...
أغمضت عينيها تحمد الله...تريد فقط أن تسمع صوته بدون أذى...لتقوى على أن تتركه يذهب...

باسل حين أجابت إتصاله / صبح......صبح.....صبح لا تسكرين..ياقلبي اسمعيني..اللي قالته لك كله كذب..عمره ما صار لا قبلك و لا بعدك أكيد..صبح أنتي تعرفيني..تعرفيني أكثر من نفسي..كيف تتخيلين إني ممكن أقدر أسوي هالشيء فيك!! بس أنا كنت آسف على اللي صار قبلك..كل ما شوفك كان ودي اعتذر لك عن نفسي اللي قبل..نفسي اللي ما تستاهلك..نفسي اللي خلتك تسمعين كل هالكلام و تتأذين فيه..مو هاين علي دمعك اللي ما استاهله..كبير علي اعرف عذرك لي عن كل هالأخطاء اللي سويتها..كنت أتمنى أصير احسن عشانك..و كسرتني الصورة اللي كنت فيها يوم شفتها بعد ماعرفتك......

طال الصمت بينهما بعد أن تلى جميع إعتذاراته و رجاءاته...
و بالرغم من الوجع الرابض بروحها...إلا أن فزعها من تلك الصور البشعة التي تدمي قلبها عنه...تلاشى...
لكنها مازالت تحمل مراراً...و خيبة إتجاهه...بعد أن تشخّص ماضيه السيء الذي حاولت أن تتناساه...بصورة حقيقية...عرفتها وستذكرها دوماً كلما سمعت عنها...
مازالت تلك الخناجر التي غرزتها بصدرها تسفك دمها بالرغم من إدراكها أنها خناجر وهمية...

صبح بصوت منهك من كل ما مرت به / خلصت كل اللي بتقوله
باسل برجاء / صبح!!!
صبح بتعب...و صوت يرتجف بتلك العبرات التي تتكوم بصدرها / ممكن أسكر اللحين؟
باسل بخوف هائل..وهو يستمع للحزن أرهق صوتها / أنتي مو مصدقتني؟
صبح تبكي بعجز/ مادري يا باسل..ماعندي أي شيء أقوله لك اللحين..و مو قادره اتكلم...و لا أفكر

و أغلقت الهاتف...تبكي بإرهاق...كل تلك القذائف التي تتلقاها منذ الأمس...حتى لو نجت منها...
مازال وجع ارتطامها بقلبها...يُسري رعباً بأوردتها...يجعلها عاجزة حتى عن سماع صوته...

♥▓♥▒♥▓♥

حالما عادوا جميعاً إلى بيت والدتها كما طلبت منهم جرح...رأوا سيارة تميم تدخل الباحة...لتقف أمام المدخل...
كانت سعيدة جداً لرؤيته بخير...لتبدأ أنفاسها تثقل شيئاً فشيئاً...و حواسها تنتبه لكل شاردة لتصل لذاك الإستنتاج الذي يرعبها...
والدتها حين نزلت من السيارة بدت متماسكة..!!
تعرفها جيداً..!!
لو أن سؤاً مس أحداً من أبنائها لن تكون أبداً على هذا الحال..!!
لم تكن لتغادر المستشفى أبداً..!!

حينما اقترب منها تميم...التفتت له لتحدق في عينيه بصدمة...و هي ترى وجعاً خاصاً يمتد من قلبه لها...

سلام بالكاد تلتقط أنفاسها / مـ مـاااالك!! مــ....

رآها تترنح للحظة...ليهب إليها يمسكها حين رآها بدأت تفقد وعيها...

جرح التي تداركت سلام لتمسكها قبل أن تقع...سحبت يدها التي كان يحتضنها خلف ظهر سلام بسرعة لتبتعد بحرج...
حالما رأته يضمها بين ذراعيه بقلق...
كانت ما تزال ترتجف فهي ما اعتادت على مشاركة غيرها كل هذا الحزن...مشت خلفهم بخطوات تائهة...بين قلقها على سلام التي يحملها بين يديه...و بين حزنها على سمو و هي تنوح بين أيديهم بهذا الشكل...

حين مددها على الكنب رأته يلتفت بعجز...وهو يراهم يغرقون حزناً مع سمو...

جرح تقترب منه / بأروح أجيب لها ماء

نظر إليها بإمتنان...بذاك الوجه المرهق...بتلك العينين اللتيّ امتلأتا حزناً غريباً عنهما...لتتجاهل نبض قلبها الذي لا يهدأ...
و تركض لتحضر الماء له...و تقف قريباً منه تراقبه...وهو يجلس قريباً منها على الأرض يمسح وجهها بالماء بحنان و إهتمام وهو يتلو عليها آيات تهديء قلبها الفزع...

بعد لحظة...أصبحت شبه واعية...و هي تهذي بإسمه...

سلام بهمس ضعيف لا يصل سوى إليهما..و الجميع ينشغل ببكاء سمو/ مالك!! مالك! أنا قلت له يروح..ليه سويت فيه كذا!!!
تميم يقطع هذيانها قبل أن يسمعه أحد / سلام هدي نفسك..مالك الحمدلله تعدى مرحلة الخطر و إن شالله ما فيه إلا العافية

رفع رأسه ينظر إليها...ليخبرها بنظرة رجاء أن تنسى ما سمعته...
لتهز رأسها إيجاباً مطمئنة له...و هي تطلق تنهيدة حزن...و عيناها تنتقل حائرة بين تلك الوجوه الحزينة بضيق...

♥▓♥▒♥▓♥

حينما أوقف سيارته قريباً من المدخل...رأى طيفها ينتظر بسكون عند العتب... لحظة قبل أن تستوعب وصوله و تركض إليه...لينزل من سيارته التي بالكاد اطفأها...و يتلقاها بلهفة...حين رمت نفسها بين ذراعيه...
حين سكنت صدره...أحس بعودة كل شيء في داخله إلى مكانه الصحيح...بعد بعثرة عبثت بقلبه طوال تلك الأيام...
أحس بالألفة...بالأمان...بالإرتياح...و الأهم أحس لأول مرة معها بالإكتفاء لكل شيء...

ساري يهمس بإذنها / كنتي خايفه علي؟
منوة تبعده فجأة لتتحدث بضعف وحزن / أكيد بأخاف...قلبي ما مات يا ساري..و حتى لو جرحتني ماراح أكرهك..و اتمنى لك الشر..!!
ساري وهو يمسك بمرفقيها كي لا تبتعد أكثر عنه / دام هالشيء يجرحك ليه حديتينا عليه؟_و برجاء أطال النظر بعينيها_يله انطقيها يا منوة..قولي إنك ما تبيني اروح...قولي إنك ماتبيني أبعد عنك
منوة تحتد نظرتها بألم و حيرة..لاتفهم رجاءه هذا / أمس كنت تبي دانه و اليوم تبيني!!..أنت ماتبي تقرر ولا تخسر أي شي..ماتبي تخسرني إذا رحت لدانه و ماتبي من نفسك تخسرها و جاي تعلق السبب فيني!! لاااا.. ماراح تسمعها مني يا ساري..أنا اخترت حياتي خلاص و تركتك تختار اللي تبيه...و أنت بنفسك اخترت
ساري يشدد إمساكها حين حاولت الانفلات منه..ليهمس بعمق / ماتركتيني يامنوة! ما تركتيني اختار شي!..واللي صار..وقفني عن أكبر خطأ كنت بأسويه بحقك

أعصابها المرهقة منذ الصباح...و التي تحملت سابقاً فجيعة خبر خشيت أن تخسره به...
كانت قد تآلفت مع كل هذه الآلام...على أنها مرت...و تعدتها بقوة...
و هي تظن أن الحادث صار بعد خطبته...لتكتشف الآن أنه عاد...فتهتز كل الرواسي التي ألقت بها على قلبها...لتتحمل...و تصبر...فتغدو عودته بهذه البساطة أشد قسوة على قلبها من ذهابه...

منوة تنفض يديها منه بقوة لتتراجع خطوة..و تفرغ مابقى من طاقتها بهذا الغضب / يعني راجع لي من باب إنها خيرة !..و لو ماصار كل هذا..؟ كان فرحنا فيك عريس اللحين؟...و تظن إني بأفرح برجعتك! لاااا مو فرحانه..الصدق إني يا ساري مو فرحانه و لا عاد أدري أنا مهتمة تروح أو لا!! بقلبي الوجع منك قد حبك يا ساري..مادري مين اللي صار يغلب الثاني؟

ردة فعلها كانت أقسى مما تخيله...لكن في كلامها حقيقة حين ادركتها...أوجعته...
نعم كان يأخذ الوقت كله لنفسه... ليتأكد من مشاعره...مما يريده...متناسياً مشاعرها هي...!
كان يضمن أنه حين يعود...سيجدها تنتظره بلهفة...و إمتنان...
لكنها تغيرت بكل شيء...حين بنت لنفسها عالماً بعيداً عنه...تغيرت قواعدها...و لم يصبح هو أساساً مهماً بحياتها كما كان...

منوة تكمل إنفجارها و كأنها باتت لديها القدرة على قراءة أفكاره / أنت كنت ضامني.. ضامن حبي لك ضامن تعلقي فيك و متأكد إن مالي أحد و لا مكان بعدك ..ورايح تحلم كل وقتك باللي ماطاله قلبك..كنت منتظر مني اتحمل هالحياة معك كل العمر عشان ماعندي غيرك..حتى يوم سويت نفسي مو مهتمه أنت عشان تبي تصدق صدقت..لأن هالشي يريحك صدقت_ارتفع صوتها بقهر و حزن_قويت تروح و أنت عارف إني كنت أحبك و اموت فيك!..كنت عارف وش كثر بتجرحني اذا رحت لها!..تعرف إن اللي بيبقى لي بعدها مجرد إحسان من شعورك! كنت متخيل كل هذا و رضيته علي! و قدرت تروح! قدرت تتخلى عني!!

غادرته بغضب...بتخلي...و خذلان...كان النقيض تماماً من خوفها و لهفتها عليه منذ لحظات...
عادت به كما كانت...تلف بقلبه بمشاعرٍ متناقضة...حتى تصيبه الحيرة فلا يعود يعرف من المخطيء...و من المصيب بينهما..؟؟
لحق بها...هو في عقله يبحث عن نقطة الأساس...ليبدأ منها...أين أخطأ..؟ مالذي يغضبها الآن أكثر..؟ لما تبدو بعودته..أكثر غضباً..من ذهابه...؟؟

لكن حين دخل إلى الغرفة...و جدها أعلنت النهاية...و طاقاتها بدأت تنتهي...و هي ترتدي بيجامتها بالكاد تسير...ذاهبة إلى سريرها تنوي النوم...

ساري يتأملها بأسف / منوة
منوة حين رأته بدأت تبكي بتعب / اتركني يا ساري..تعبانة و مابي اشوفك..و مابي اتكلم معك..و مابي افكر فيك! تعبت من هاليوم كله و تعبت منك!!

و لم تكن تبالغ...فهي بدت كمن تهذي...و هي تقف أمامه تتمايل بإرهاق...
و إن كان مساء حزيناً مرهقاً لهم...فقلبها المتعب...كان يجاهد حزنه...و فقده...منذ الصباح...
تقدم إليها...ليضمها إلى صدره...و يحس بأنفاسها القصيرة المرهقة...التي تعبره...

ساري يطمئنها / ماراح نتكلم عن شي..خلاص تعالي ارتاحي

أسندها حتى أوصلها إلى السرير...لترمي نفسها بتعب...و تستلقي بإستسلام...وهو يتركها ليذهب يستحم و يبدل ملابسه...
كان يعتقد أنه سيعود ليجدها نائمة...لكنها رغم كل الارهاق البادي عليها كانت تستلقي على جنبها...و عيناها تشردان للبعيد...
ماتزال عنيدة على نفسها كما كانت...و هي تظهر له هذه الليلة بأوجهها جميعاً في ذات اللحظة...

انضم إليها...لتوليه ظهرها...لكن لانية لديه الليلة في البقاء بعيداً عنها...كان يحتاجها...يحتاج قربها بشدة....
كما تحتاجه و تكابر هذا الإحتياج...لذا مد يده من تحتها ليلفها و يقرّبها إليه...

منوة بإرهاق / ساااري!!

ساري وهو يطوقها بين ذراعيه...و رأسها يستقر بين عنقه و صدره...

ساري يهمس براحة و بوعد واثق هذه المرة / أبيك قريبة من قلبي كذا..مهما يصير بيننا يا منوة..اعرفي إن نهاية اليوم هذا مكانك..و ماراح اخليك تتركينه

ساد صمت طويل بينهما...كان يظنها نامت فيه...وهو يروي ظمأه...و شوقه من تلك الرائحة التي تسكن دوماً خصلات شعرها...تمر في خياله...ألف ذكرى و ذكرى لهما معاً...

منوة بخفوت / أنت تخليت عني يا ساري..كسرتني..حديتني على أكثر شي اكرهه و لا اهتميت...ما تمسكت فيني لو لحظة و أنا اترك يدينك..ماراح أسامحك على هالشي يا ساري ماراح أسامحك

كانت تتحدث...و تتحدث بلا توقف...و هي تشكوه...و تلومه...تبوح بكل ألم كانت تكابر عليه...وهو يستمع إليها بصمت...
حتى افضت عن كل ما بداخلها...لتغفو أخيراً...فيتنهد بثقل تلك الطعنات التي غرستها بصدره...

شدد من إحتضانها...وهو يدفن وجهه في شعرها...و يفكر بضيق...و ندم...
كاد يخسرها...كاد يخسرها حقاً لو أطال المشي بدرب أوهامه...التي لطول ما سكنت قلبه استسلم لها على أنها حقيقة..!
و لكنه الآن يعلم ما يريد حقاً..!
لا يريد أكثر من حب هذه المرأة المتقلبة...التي تصيبه بفرط مشاعرٍ متناقضة...تبحر به بأمواج متلاطمة من قرب و بعد...فلا يكاد يرسو معها على حال...

♥▓♥▒♥▓♥

فـي الـغـــد ...~

كانت تراقبه بصمت...و شجن...غير قادرة على الحديث...وهو كلما اقتربت عـقـارب الساعة من موعد عمليتها...بدأت تراه يفقد السيطرة على نفسه...أكثر...فأكثر...

أبوسامي بصوت منهك / مستعدة ؟
راوية تحاول طمئنته..و هي حتى بدأت تنسى خوفها و هي تراقب خوفه / ايه الحمدلله

رغم أنها كانت تكاد تبكي...ليس خوفاً من تلك العملية...التي نستها و كأنها ليست هي من ستدخل غرفة العمليات بعد قليل...
كل ما كان يقلقها...و يهمها...هو هذا الرجل الذي يدعي أنه يريد الإطمئنان عليها...في حين هو من تريد أن تطمئن عليه...
وهو يكابر أمامها...و أمام نفسه...هذا الفزع الذي جعل وجهه شاحباً كالأموات..!
كان لا يتكلم إلا بحروفٍ تنتفض قلقاً...يحوم حولها بخطوات تائهة...متبعثرة...يراقب مؤشراتها الحيوية بذعر...ليفزع في كل مرة يلمح أدنى تغيير فيها...ليستدعي طبيبها في كل مرة...

منذ الأمس لم يفارقها...إلا لذاك الحادث الذي أصاب إبن أنسبائه...و الذي عاد منه بحال أسوأ مما سبقه...
لم ينام أبداً...فقد صحت ليلة البارحة أكثر من مرة لتجده يجلس فوق سجادته التي احضرها...يرفع يديه إلى السماء...يضعها في ودائع الرحمن كل لحظة...لعل قلبه يعرف للإطمئنان سبيلاً..حتى تعود إليه...كانت تصلها همس إبتهالاته...فتمتليء روحها سكينة...و يذوب قلبها غراماً به...

و هاهو يستمر على ذات الحال منذ الصباح...بهوسٍ يزداد...لفت كل الممرضات و الأطباء الذين يحضرهم...
ليفعلوا ما يجب...و ما لا يجب فقط إكراماً له...فالكل أحس بخوفه الذي لا يحس هو به للآن...

أبوسامي بفزع / ضغطك ارتفع_يستدرك نفسه ليطمأنها_مو مرة لا تخافين..بس باروح أنادي......
راوية تهتف بإسمه..بحنان بالغ / طـلال

وقف مشتتاً...ينظر إليها بإستغراب..نطقت إسمه! هل هي غاضبة؟!
لتتعلق نظراته بسماء عينيها الحالكة...يأسره بريق الإحساس الغريب فيهما...

راوية تربت على السرير بجانبها..و بصوت رقيق / تعال اجلس

مشى هائماً إليها كالمسحور...ملبياً ذاك الإحساس الذي خدره بعينيها...
و قلبه يثقل بتلك القصص التي ينسجها بين نظراتهما... لتتعاظم وسط الروح مشاعره...و آماله...
و عقله يفرض أسئلة حائرة..؟؟ فهل بدأ الآن يتوهم من فرط قلقه عليها..؟

جلس لأول مرة قريباً جداً منها...تطوف على ملامحه عيناها...بإحساس أثيريٍ عذب...
تكاد تتكسر على أعتاب أهدابها...خطوات صمته الطويلة...المتعبة...
يكاد يتوه منه قلبه بلا عودة...بلون الزهر الذي يتورّد بخديها...

ظلت صامتة غير قادرة على البوح بأي شيء...تنظر إليه بهيام يتوشحه حزن عميق...
لتدرك أنها أحبته منذ وقت طويل...لكن عزة نفسها...و كبريائها...منعتها من أن تصنف هذه المشاعر التي تحملها إليه...
لذا ركنتها بزاوية الأخوة الآمنة لقلبها...و سمحت له المكوث داخله...مع حضرٍ على مشاعرها أن تمسّه...

طلال بصوت خفيض..عميق بمشاعره لأقصى حد / وش تبيني أفهم من هالنظرة يا راوية؟!
راوية تبتسم بإعتذار و حب / افهم اللي ما قدرت أنا افهمه كل هالشهور يا طلال

نظرتها...ملامحها...صوتها...حديثها...كانت الحلم الذي لا يريد أن يستيقظ منه أبداً...

أحس بيديها تلتف خلف ظهره...و رأسها يستكين على صدره...
حين غمرته بلحظة عشق...جميلة كبدر في السماء...كريمة بإحساسها كالغمام...
ثقل قلبه بصدره كجبل...يمتلأ بكل ما يمكنه من حب...و كأن في حضنها عالم يسع كل أحزانه...و فقدانه...و كتمانه...

أخذ نفساً عميقاً...لتنتشر رائحتها العذبة و تزهر داخل روحه...و يداه تمتد لتصل إلى خصرها ليطوقها بشدة بين ذراعيه...
يكاد يخفيها بين مساحات صدره المشتاقة...يُسكنها مدينة عشق لا تليق إلا بها...فهي من جمعت دمارها و شتاتها...و عمرتها بالحب و الحياة...

راوية بهمس / هدي نفسك و تطمن..كل شي بيمر على خير بإذن الله

امتلأت روحه طمأنية...بإشراقة شمسها في حنايا أوردته...لتشعل بحبها كل ذرة في كيانه...
أعادت له بلحظة ملامح فرحه...و بدأ يتذكر معها شعور السعادة و العشق كيف يكون..؟

كان يأسرها بغرام طال بروحه...لوقت طويل بين يديه...حتى كادت من تعبها تغفو على صدره...قبل أن تصلها تكة الباب الذي فُتح...
حاولت الإبتعاد بحرج...لكنه لم يكن على إستعداد أن يتركها تبتعد عن قلبه...الذي يئن إحتياجاً طال إليها...
شدد من إحتضانها أكثر...حين بدأت تحاول الإنفلات من بين ذراعيه بلا أمل...و لا قوة تملكها الآن تجابه بها تلك الأوتاد التي يوصدها حواليها...

الممرضة بإرتباك / sorry Dr
أبوسامي بصوت عميق / Give us 10 minutes to get ready
الممرضة تتراجع بحرج لتغلق الباب خلفها / OK Dr

حين بدأت تحس بنبضات قلبه القوية...و أنفاسه الثقيلة...علمت أن توقيتها كان سيء جداً...
كانت تريد طمأنته...لتجده الآن غير قادر حتى على تركها...أو التظاهر بالقوة و التماسك...كما كان يجاهد ليفعل...
كم هي حمقاء!!...أتعترف لرجل عاش عامين لا يستوعب الفقد...أنها تحبه و سترحل بعد لحظات لغرفة العمليات..!

راوية برجاء عذب / طلال

اغمض عينيه بوجع...حين ذاب في سمعه صوتها الناعم...
كم بات يخشى إفلات هذه الهدية التي غشت قلبه بمشاعر لم يعرفها من قبل...
أنزل رأسه يدفن خوفه في خصلات شعرها المزهرة دوماً...لأبعد عمق يمكنه أن يغرق بها أكثر...ليهمس بإذنها...

أبوسامي / لا تتركيني يا راوية..أنا أحبك..و محتاجك فوق ماتتصورين

كانت ترتجف وسط صدره...فيدور حولها عالمه بخيالاته...و يقظته...بلحظة سحرٍ قصيرة...ابتدأت من إعتراف عينيها...و يعرف الآن أين يتوق أن ينهيها..
راوية تبعده قليلاً...لتحيط بكفيها الرقيقتين وجهه...ليسري دفء نظراتها في ملامحه...و يتسرب لأنفاسه عطرها الأثيري مع كل كلمة...

راوية / اذكر الله يا طلال..العملية أنت بنفسك قلتي لي إنها بسيطة..كلها كم ساعة و اصحى إن شاءالله

إنها بسيطة...و لكنك أنتِ الصعبة...و فراقك بعد أن نثررتي كل هذا الحب على صدري أصعب...
سحقاً لمسافات الصمت التي أبعدته بكتمانه عنها...لأيام و ليالٍ طوال...
لامس جبينه جبينها...و اقترب يسرق من أوطان شفتيها...أنفاساً يجتاحها بإحتلال..ليغرق معها في نهر من سكر...

♥▓♥▒♥▓♥

كانت تمشي بجانب تميم بخطى ثقيلة..متمهلة بشدة...لتتباطأ أكثر...و هي تصل إلى ذاك الممر البارد جداً...جسدياً...و نفسياً لها...احست بجسدها ينتفض بعنف...ترجو أن لاتخذلها روحها...قبل أن تراه...و تطمئن عليه...

وقفت بعجز...و تميم يلبسها تلك الملابس الواقية...لتبدأ نبضات قلبها تتعالى وتيرتها بعنف...و ألم...
حين دخلت عليه أحست أنها تفقد أنفاسها شيئاً...فشيئاً...تقدمت و عيناها تشخص بوجهه...بتلك الأجهزة الكثيرة حوله...بتلك الكدمة الحمراء في صدره...
تعرض نتيجة لذاك الحادث لكدمات في القفص الصدري...و رضّة في الرئة...و هي ما يخشون من مضاعفاتها..!!
الجميع أخبرها أنه بخير...لكنها تعجز أن ترى خيراً بكل ما فيه الآن..!

وقفت قربه...لا تجرؤ على مسّه...لتشد بيديها بقوة على حافة سريره...تتأمله بوجع وهو مغمض العينين...
أخبرها تميم أنه أفاق للحظات هذا الصباح...و لكنه لم يتحدث...و الآن تراه يغرق في سبات عميق...بعيد...

سلام تتحدث بهمس ضعيف من بين دموعها / مالك لا تموت..تكفى لا تموت..ماراح اتحمل لو صار لك شي..بس أبي اشوفك بخير..تكفي خلني اشوفك و أنت بخير..حنا أذينا بعض كثير..عشان كذا كنت أبيك تروح...أبي ننسى و نرتاح..وجع الفراق اللي عودتني عليه أعرفه أكثر من وجع القرب الصعب اللي تبيه...فراقك كان علي كبير..و غيرني و غير كل الحياة بعيني..تدري يا مالك يوم تركتني وش الشعور الوحيد اللي بقى بقلبي..بعد القهر..و الحزن..و الوجع..و الحقد عليك..الخوف..ذبحني الخوف يا مالك و أنا أشوف نفسي بدونك..حسيت إني ما أعرف نفسي ما أعرف حتى أهلي! فقدتك كثير..فقدت وجهك..فقدت صوتك..فقدت ضحكتك..فقدت كلامك..و أيامي معك..حسيت بخوف و قهر كبير مادري كيف ما ذبحني؟ لا تظن إني نسيت بالساهل..لو تعرف اللي جاني بعدك..لو تتخيله..كان ما طاوعك قلبك القاسي تزيد علي! و تسوي كل اللي سويته فيني من يوم رجعت..أنا سحبتك من قلبي..من كل عرق فيه..من كل نفس فيني..من كل حلم وذكرى..يوم ماصرت فيني..مابقى مني شي....مابقى لحياتي معنى...صرت وحده ثانية..بنيت نفسي من جديد..بديت اتعرف على أهلي و الدنيا...و حاولت اعيش بروح ما تعرفك...و بعد عذاب طويل ارتحت..لكني خسرت قد اللي ربحت...هالروح ما بنيتها بالساهل عشان انسى و اتخلى عنها...عشان كذا يوم عرفت برجعتك مره ثانية!..يوم شفتك!..رجع لي نفس الخوف الكبير..!!نفس العالم اللي هلكت خوف بدونه..خفت رجوعه..ضعت و ضاعت روحي بسببك...ما أقدر أنسى اللي مريت فيه..و لا أقدر ارجع اللي تبيه..
أنا مادري وش العمر اللي عشته معك صح؟ و أنا أعرف إن كل اللي كان بيني و بينك خطأ! و روحتك خطأ! و رجعتك خطأ!

ظنت أنها حين تراه سترتاح...حين تفضي بما في قلبها سترتاح...لكنها كانت كلما تتحدث أكثر...كلما زاد إختناقها أكثر...
كلما رأته كلما زادت ثقوب الوجع و الندم في قلبها...فما عادت تتحمل المزيد...و خرجت..

حينما خرجت...فتح عينيه...كان يشعر بوجودها قريباً منه...يسمع همس حزنها...و نحيبها...لكنه لم يكن يعي ما تتحدث به...
و لا يدري الآن هل كانت هنا حقاً...أو روحه التي تهوى إستحضارها في كل لحظة...هي من أوهمته بوجودها..!

لما عليها أن تفعل كل هذا به..؟؟
أي جنون و جموح يصيب عقلها حين يتعلق الأمر به..؟
كيف تنثال بكل تلك الأوجاع...فوق وجع روحه! و جروحه!
كيف تخشى عليه من الموت..فتقف فوق وجعه تعدمه بكلماتها..!!

هل كانت تفيض بمشاعرها..ليتركها؟ أم تعدد له أوجاعها ليعذرها؟

كثير على قلبها...كل ما مرت معه به...حتى أصبحت لا تدرك أي قلب يسكن جدران هذا الصدر..؟؟
هي لا تشكو لأحد حيرتها...حتى لا تسمع صوتاً غير الصوت الذي يُدينها...و يبعده...و ندمها يعلن الفراق درباً وحيداً للخلاص...
يلتهم النسيان كل ذكرى جميلة مرت يوماً معه...و يتجاهل تلك الغصات و الذنوب و الأوجاع التي تلتحف روحها معه...
لتخشى أن تنسى...لتحس بالذنب لسعادتها معه...
تخشى أن تتخلص من الندم...و الحزن...فيظهر قلبها الذي ما عرف سواه...
تخشى أن تعود لتعتاده من جديد...

♥▓♥▒♥▓♥

كانت قد أفاقت من آثار البنج...قبل ساعات...حين رأت والدتها بجانبها...و أكبر إخوتها و أبنته...تتذكر القليل من عتاب والدتها الطويل...على إهمالها لصحتها...على عدم إخبارها قبل عمليتها...لكنها لا تتذكر ماذا أخبرتها لتهدأ...تتذكر أنها كانت تهذي بكلام كثير..جعل والدتها تهدأ أخيراً...

لتفيق الآن متعبة...تبتسم بإمتنان و هي تلمح ابنة أخيها المرافقة معها...و تتذكرها حين كانت تصحو قبل قليل للحظات...
كيف كانت تهتم بها...و ترد على كل تلك الإتصالات التي تسأل عن حالها...

راوية بصوت مبحوح / راحت أمي
ابنة أخيها تبتسم / ايه..و طردت كل عماني و حريمهم ما يجونك اليوم..تقول ارتاحي احسن...حتى أنا وصتني أقفل فمي و لا اسولف عليك و ازعجك
راوية تبتسم معها/ الله لا يحرمني منك ياقلبي...طلال ما جاء؟
ابنة أخيها بفخر / لا..أبوي قال له يرتاح و يتطمن لأنه ترك بنته السنعة عندك تهتم فيك_لتكمل بإمتعاض_لكن شكله مو مصدق!! اتصل على جوالك أكثر من مرة سفهته..و يوم شفته مو ناوي يفصل رديت عليه قلت إنك للحين نايمة..و ورطني بأسئلته..مية سؤال عنك عيا يخلص و يقفل..و آخر شيء تجي ممرضة تقول الدكتور طلال طلب مني اتطمن على كل شي!! أجل ليه الإختبار اللي تلفت أعصابي و أنا أحاول أجاوب عليه!
راوية تضحك..لتتأوه بألم في الحال / شكل إجاباتك كلها خطأ وهو ياخذك على قد عقلك
ابنة أخيها بملل / والله كنت بأقوله ادخل شوفها و لا تصدع براسي
راوية تنمحي الإبتسامة عن وجهها فجأة / تتوقعين يسويها! عطيني جوالي بأشوف شكلي!!
ابنة أخيها بإستنكار / توك تونين و تعبانه! وين راح التعب؟ احمدي ربك إني أنيقة و معي مرايتي..تفضلي تفرجي على الجمال النائم

رفعت لها المرآة أمام وجهها...لتعبس بغباء حين رأت بشرتها الشاحبة بشدة...شعرها الذابل بلا أي حيوية...و عيناها الزائغة بتعب فقدت أي بريق فيها...و شفتيها الباهتتين...الجافتين...
حين كانت بأعلى مستويات ثقتها...أين كان حبه هذا؟؟ لما عليها أن تكون أمامه الآن بهذا الشكل الذاوي..؟

راوية تبعد المرآة بضيق/ شكلي مبهدل يا ويلك تخلينه يدخل اليوم
ابنة أخيها تهز رأسها بإستخفاف / والله إنك رايقة!

و لكنها كانت و كأنها تستدعيه...حين ذكرت إسمه...ليفتح الباب بعد طرقة خفيفة...فتتوعدها راوية بنظراتها أن تنفذ ما طلبته...قبل أن تغلق عينيها و تدعي النوم...

الممرضة تخاطب مرافقتها / الدكتور طلال بيدخل يتطمن على زوجته..قال لي اعطيك خبر

و خرجت قبل أن يسعفها عقلها بإختراع حجة تبعده...لتلتقط طرحتها على عجل...و راوية تفتح عينيها معاتبة لها...

راوية بهمس عاتب / لييييه ما قلتي لها لا يدخل؟
ابنة أخيها و هي ترتدي نقابها / ماشاورتني!!..و لا عطتني فرصة اتكلم و أصلاً مادري وش أقول!
راوية بطفولية غاضبة / ابلشي فيه أنا نايمة

بعد لحظة صدمتها و هي فعلاً تدعي النوم...رأته يدخل إلى الغرفة...لتبتعد عن سرير عمتها تجلس على الكنبة البعيدة أمام الشباك...

أبوسامي / السلام عليكم
ابنة أخيها ترد بخفوت / و عليكم السلام و الرحمة
أبوسامي حين لمح جسدها المستلقي بتعب...توليه ظهرها..هتف بإستنكار / ليه نايمه كذا؟

وضع ذراعه خلفها بلطف ليسند كتفيها...و يرفعها قليلاً ليضمها إلى صدره...وهو يرتب الوسائد خلفها برفق...
لينزلها من جديد و يجعلها تنام على ظهرها...كان قريباً جداً منها...يحس بدفء أنفاسها القصيرة...
لتعبر عيناه ملامحها المسترخية بشحوب و تعب...عيناه تنشدان كالمغناطيس...لتلك الأهداب الطويلة...التي تركن بسكون على ضفتي خديها...أعاد خصلة نافرة من شعرها...كانت تحجب عنه تلك العينين اللتّي لطالما كانتا كإقتباسٍ عذب لليلٍ ساحر...و مازالت خصلة شعرها...تذوب حريراً بين أصابعه التي يبقيها...بجانب و جهها...تتلمس بشرتها برقة...
ليشرد بها للحظات...عاجز عن الإبتعاد...و مطاولة هذا الليل العقيم بعيداً عنها...

انتبه لنفسه...حين أحس بأعين تلك الفتاة الفضولية الجالسة أمامه...ترتفع لتحدق فيه...

أبوسامي / خليها تنام على ظهرها اريح للجرح..و لأكتافها

هزت رأسها بنعم...فهي كانت غير قادرة على الحديث و هي تكتم ضحكتها...لكل ما تمر به عمتها التي تدعي النوم أمامه...

أبوسامي يكمل توصياته / و إذا صحت انتبهي لا تخلينها تجلس و لا تضغط على الجروح

أكمل إلقاء تعليماته التي بدت لها بدون نهاية...
و بدأ يتأكد من كل شيء حولها...اخفض الإنارة أكثر...و اطفأ التلفاز...و اخفض درجة حرارة التكييف التي كانت عالية...

و حين خرج أخيراً...فتحت عينيها...لكن فكرها ظل شارداً به...و بإهتمامه...
لتتخيل أيامهما...و هي ترسم بغرام...عمرها القادم معه...غير واعية لإنتقادات ابنة أخيها المصدومة حوله...

ابنة أخيها/ أوووف ما بغى يطلع..يووو عمتي كيف متحملته موسوس قووة!! مو جوك أبداً !

♥▓♥▒♥▓♥

بعـد يوميـن ...~

هل أصبحت بين يوم و ليلة إنسانة غير التي يعرفها..؟؟
متى كانت بهذه السماحة و الطيب..لتقوى على أن تغفر له كل ما حدث أياً كان السبب..!
إذن...هل تلك المشاعر المتحجرة...الغاضبة...الصلفة...كانت إصداراً حصريا لقلبه..!!
أين كرهها؟ و حقدها؟ و غضبها؟ أين تلك الشراسة التي تتلبس طباعها حين تتحدث معه؟؟
لماذا تفكر بالعودة إليه..؟ و أي شروط قد تضعها تمحو مرارة ذاك اليوم؟؟
هل تحبه لهذه الدرجة؟؟ أم تكرههم لدرجة الإبتعاد عنهم أياً كان نوع هذا الإبتعاد..؟
هل تفعل هذا من أجل لا نا؟ لأنه والدها!
مهما كان لديها من سبب...لن يجده مقنعاً...و لا حتى معقولاً أبدا...لتعود إليه!!

رآها تمشي في الباحة...عائدة من منزل ساري...و لم تكن مصادفة...فهو يعرف مواعيد ذهابها و عودتها بالساعة...و كان يحوم أمام باب المدخل بإنتظارها...لا يعلم بأي حق أعطاه لنفسه..؟ لكنه لم يكن يهتم...يشعربغضب...و عجز عن الفهم...لكل ما تفعله..! و يطاوعها والده فيه..!!

تميم بلا مقدمات يعلم أنها ستغادره قبل أن ينهيها / جرح..ليه وافقتي فهد يجي اليوم؟
جرح بإستنكار من جرأته / و أنت بأي صفة تسأل!!
تميم لا يهتم لإستنكارها..فهو فقط يريد أن يفهم / وش متخيله إنك بتسمعين منه عشان ترضين بعد اللي صار!!
جرح تجيبه بغيض / حتى لو ناوية ارجع له بدون سبب أو اعتذار..كيفي...هذي حياتي و أنا حرة فيها
تميم ثارت أعصابه حين رأى مدى تقبلها لعودتهما ليرتفع صوته بحده على غير عادته / ردي علي زين..عطيني سبب واحد يخليك تسامحينه
جرح تصرخ به مستعجبة/ أنت صاحي! هالموضوع مالك حق تتكلم فيه من الأساس! عشان تجي اللحين تعترض حتى على طريقة ردي عليك!!

كان قد فقد أعصابه من برودها...و لم ينتبه لصوتهما الذي بدأ يعلو...حتى خرجت عمته و والده...

أبومالك / تمييييم! خير وش فيكم؟
جرح بغضب / فهموااا هالإنسان إن ماله حق يتدخل بحياتي..أحد قال له إني مجنونه و لازم يتأكد من تصرفاتي و يعدلها على مزاجه!!

غادرت غاضبة ليغادر معها والده وهو يهديء عصبيتها الثائرة التي لا تظهر إلا عليه...
وهو وقف بغضب...و إحراج...بعدما استوعب ما فعله...أمام والده و عمته التي مازالت واقفة قريباً منه...
رفع رأسه لها يبحث عن عذر...يغطي به حماقته بالتدخل في حياتها بهذا الشكل...لكنه لم يجده...

ليرى مشاعره التي لم يدركها بقلبه...واضحةً في نظرة عينيها المصدومة...و هي تدركها قبله..!!

♥▓♥▒♥▓♥

كانا ذاهبين لزيارة شقيقتهما...حين أغلق هاتفه ما إن وصلا للممر الذي يصل إلى غرفتها...ليوقف أخاه قبل أن يدخل...

إياد / انتظر لا تدخل
زياد / عندها أحد؟
إياد بإبتسامة محلّقة / بنت طلال عندها و قريبتها
زياد ينظر إليه بتهكم / الحب اللي بدون سبب!
إياد يغيضه / ليه بدون سبب؟ أعرف عنها تقريباً خمس معلومات_يضحك_و شفت نص ملامحها
زياد يسخر منه / يالله! ما بقيت شي في البنت
إياد يلفت إنتباهه / خلك من حبي مالك شغل فيه..وشوف الحرم المصون المستقبلية طلعت

زياد يرى إلى أين يشير توأمه...ليلمح تلك الفتاة القصيرة...التي خرجت لتجري إتصالاً...

زياد لا يفهم / حرم مين!
إياد / حضرتك
زياد بإستنكار / و ليه إن شاءالله؟
إياد يبتسم / لأنها البيست فريند لكادي
زياد يضحك / والله بتحب كادي حبها لحالك! لازم أخذ صديقتها معك؟
إياد يضحك معه / إيه عشان ما تنشب في حلقنا

كان يسخر من حديثه...حين التفت مجدداً لتلك الفتاة و وجدها أنهت مكالمتها لتجلس على الكرسي...تبكي...

زياد يلكز إياد الذي انشغل عنه بهاتفه / هيييه أنت..البنت تصيح!!!
إياد بتفهم / ايه أخوها اللي قبل كم يوم نزل عنه الخبر إنه مسوي حادث..ترى هنا في المستشفى
زياد بسخرية فيها لمحة إستنكار / و البيست فريند وينها ما طلعت معها!!
إياد يضحك / هيييه لا تعصب على مرتي..مزعلتك مرتك روح طبطب عليها

زياد حدق فيه بغيض...وهو يستنكر على نفسه كيف بدأ يجرّه رغماً عنه ليشاركه...مشاعره...و أفكاره...!
رغم ذلك تنهد براحة...وهو يرى تلك الكادي تخرج أخيراً...لتجلسا تتحدثان مطولاً...

زياد / طلعوا يله ندخل
إياد / انتظر لحد ما يروحون عن الباب لأني إن مريت من عندها بأسلم عليها
زياد بإستنكار / خبل أنت! وش المناسبة إن شاءالله..عشان راوية و زوجها يكسرون راسك
إياد يتنهد بهيام / فدوووة
زياد يهز رأسه بإستنكار / خلنا جالسين أحسن

♥▓♥▒♥▓♥

(لا تتصل يا باسل ما أقدر اتكلم اللحين..خلنا فترة نرتاح)

هذه أول رسالة...و آخر رسالة...كتبتها له قبل الأمس...لكنه للمرة الأولى عجز أن يوافقها على شيء...
كلمة فترة...بدت له فضفاضة جداً برعبها...كم ستكون هذه الفترة؟؟ ساعات!! يومين..ثلاثة!! شهر!! سنة!! يخسرها للأبد!!!
و ماذا يفعل هو بنفسه من غيرها؟ ماذا يفعل وهو لايجد حوله غير ذنوبه المقيتة التي اسقطته بعيداً عن قلبها...
إن لم تتحمله هي...فبأي قلب قد يتحمل نفسه؟؟؟
إن لم تسامحه هي!! فماذا يفعل بقهره على تلك الضي التي بالكاد يرده سامي و عمته عن نسفها و تدمير كل شيء..!!

أمسك هاتفه مرة أخرى...لا لم يمسكه...بل هو لا يكاد يتركه يفارق يده دقيقة...لا يسأم من الإتصال بها كل وقت... رغم أنها لا ترد أبداً...
يتحدث معها...كل لحظة بكل ما يفعله...كل ما يفكر فيه...كل ما يخاف منه...كل ما يريد قوله لها...
عن حبه...عن شوقه...عن إعتذاراته الطويلة بحقها...برسائل نصية أحياناً...و صوتية أحياناً أخرى...

سيصيب هاتفها بالتخمة...وهو يكدس به تلك الرسائل...التي كانت تموت...و تقتل معها أمانيه و آماله...
و هي ساكنة بلونها الأخضر...
لكنها منذ هذا الصباح عادت تشرق بروحه...حين رآها أخيراً ترتقي به لذاك اللون الأزرق الذي بدأ يعشقه...وهو يعبر بقلبه أملاً بعفوها...و عودتها...

لكنها للآن تترك رسائله لوقت طويل...يشعر بها تحاول صدها و الإبتعاد عنه...
لكن قلباً أبيضاً تملكه...قلباً يعشقه...لا يطاوعها فيه...
قلباً هو ملاذه منها إليها...قلباً راهن عليه يوماً و كسب الرهان...سيعيده إليها...

♥▓♥▒♥▓♥

بعد يومين ثقيلين جداً...وهو يحس فيها بقربها...داخل أسواره...و لكنه يعجز حتى أن يراها للحظة...و كل أولئك الزوار...يتهافتون عليها كل لحظة...فلا يكاد يلطف حرمانه منها...سوى صوتها الذي سمعه في مكالمات قصيرة...
لترد لاحقاً على أسئلته...برسائل فقط...لعدم قدرتها على محادثته أمام من حولها كل الوقت...
و اليوم أتى أخيراً موعد خروجها...ليتنهد بإرتياح و فرح...وهو يدخل غرفتها بعد مغادرة إبنة أخيها...

لكن حين دخل غرفتها...صدم وهو يشاهد والدتها تقف معها...و هي قد جهزت حقيبتها الصغيرة على السرير...رغم أنهما إتفقا أنهما سيخرجان معاً بعد ساعتين حين ينتهي وقت عمله...تقدم منهما و قلبه الملهوف يتأملها بخوف...و بعد أن سلم على عمته...

أبوسامي يلتفت عليها بتساؤل يملأ عينيه / راوية لازم ترتاحين بعد العملية..و أنا ما أشوفك إلا و أنتي تتمشين طول الوقت!
راوية تطمئنه / لا الدكتور قال امشي احسن..و الحمدلله ما احس بتعب..ارحموني خلاص ترى ما اتحملك أنت و أمي سوا..أنت مجلسني يومين بالمستشفى حرص زيادة و أمي بتنومني أسبوع عندها..ما تخليني اتنفس!

أسبوع...!! كاد يشرق بالهواء الذي ابتلعه دفعة واحدة من صدمته...ليرفع لها نظرات رجاء معاتبة...و ترفع هي كتفيها بإستسلام مشيرة إلى والدتها...

والدتها / ايه يمه خلها عندي محد قاويها غيري..لا تتعبك..و أنت عندك شغل_لم تعطه فرصة للرد أو إبداء رأيه _يلا سندها خلنا نطلع..زياد ينتظرنا تحت
راوية بإعتراض / لا يمه إحراج..من غير شي ممرضات هالمستشفى عيونهم طايره فيني و أنا اتمشى مع البنات..كيف لو معه!
أبوسامي يوافق والدتها الظالمة على الأقل بهذ الشيء / ماراح يشوفون شي أكثر من اللي شافوه قبل

اقترب منها ليساعدها بإرتداء عبائتها...و هو يقف قريباً منها...لا تكاد تبعد عنه سوى بضع سنتيمترات...
يتوق للفها بين ذراعيه...و عيناهما تلتقيان عن قرب...بحوار شوق صامت...وهو يطيل النظر إليها بلهفة و إحتياج...
كم يريد لحظة واحدة فقط بينهما...لم يحصل عليها قلبه المثقل بعشقة...المتعب من ألف حاجز يتخطاها واحداً بعد واحد...و لا يزال لا يصل إليها...

تعلقت يديها بذراعه...و هي تمشي معه على مهل..و والدتها بجانبهما...لتتباطأ خطواته التي لا ترغب بمغادرتها أكثر...
يمشى معها درباً من ورد و شوق...كتفها يلتصق بكتفه...كفراشة هبطت بجانبه...تكاد تنبت الورد في ذراعه التي تمسك بها...بأصابعها النحيلة الباردة...تنثر همساً يذيب الروح فيها أكثر...و يخفق القلب ممتليء بشذرات عطرها الخافت...

أبوسامي بهمس مشتاق / لي يومين مو قادر اشوفك! و اللحين بتبعدين أسبوع!
راوية تعتذر بعذوبة / أمي مثلك ما تثق فيني..ماراح يرتاح قلبها إلا إذا هي اهتمت فيني
أبوسامي بضيق / و أنا كيف بأرتاح؟ مادري كيف طاوعتها و وافقت
راوية تضحك / أنت لك وجه ترفض..أمي كانت تتوعد فيك لأنك ما قلت لها عن عمليتي..بس أنا توسطت لك عشان تسامحك
أبوسامي يتخيل أي حديث قد تسرده عنه / وش قلتي لها عني يخليها تسامحني!
راوية لم تتخيل هكذا سؤال..لكنها أجابت بدلال / قلت إن الدكتور طلال اللي الممرضات يخطبونه فوق راسي..ما كان يفكر فيهم..و لا فيكم..لأنه كان كل الوقت جنبي يهتم فيني..و...
أبوسامي يتنهد بإبتسامة تصل إلى أقصى قلبه..ليكمل صمتها / و يحبك..و مشتاق لك من قبل و أكثر اللحين

تلاشت المسافة في فرحته سريعاً...ليرى والدتها التي كانت قد سبقتهما بعدة خطى قد وصلت قبلهما للسيارة...
و زياد يرمقهما بملل و هما يتهادان بمشيهما بتباطيء شديد...جعل تلك المسافة القصيرة بينهما...تكاد لا تنقضي...

زياد بتهكم حين اقتربا / يا الله على السلو موشن اللي تصورونه! لا تلعب عليك ترى مو لهالدرجة تعبانة
أبوسامي يتنهد ليهمس بإذنها قبل أن تغادر / أنا اللي تعبان منكم..مو هي

ضحكت راوية و هي تربت على يده...قبل أن تتركها مودعة له...ليزفر بغيض وهو يرى زياد يضمها بين ذراعيه...

زياد/ الحمدلله على سلامتك للمرة العاشرة
راوية / قلبي أنت..كم مرة ناوي تقولها!
زياد/ محد قالك تخوفيننا عليك..بتسمعينها لحد ما تتأدبين

كان يقف قريباً منهما...يراقب بضيق أريحيته في ضم ياسمينته العذبة...و هم يخطفونها عنوة من بين يديه...
ليكتم نبضاً لاهثاً يتعطش لقربها...و هي تتركه و جمر اللهفة إليها يتّقد في صدره...مثخنة أوردته بشوق جارف...
أن يأسر لحظاتها...و همساتها بين يديه...تضيء ملامحها ثنايا قلبه...و تبقى بقربه عمراً طويلاً بأيامه...و لياليه...

تركته لتغادر معهم...ليعود لليالي عتمته...تشتاق لضحكتها أحزانه...
يملأه الحنين لملامحها...التي يهوى الغرق...و النجاة...فيها...
يفتقد سمعه عزفاً آسراً...تصله ألحانه من بين شفتيها...
عاد وحده...ممتلئاً حد الثمالة بأطيافها...بنظراتها...بأنغام صوتها...يحصي طول الأيام السبعة منذ هذه اللحظة..!!

♥▓♥▒♥▓♥

كان يحس أن أنفاسه المشحونة...ينفثها ساخنة من صدره المغتاض...وهو بدل أن يسدد له لكمة تشفي غليله...
ها هو يستقبله في مجلسه أمام والده...ليصافحه بترحيب كأنه يستحق..!
لا يدري لما لا يزال يجلس معهما..؟
و لا يدري للآن كيف يساير والده ذلها لنفسها و يجعلها تأتي به من جديد..؟
كيف لا يخشى من تبعات عودتها إليه...على عمته..؟

يشعر بالغضب يتصاعد داخله وهو يرى وجهه من جديد...يرى تلك الفرحة و الحماس تسكن ملامحه...
للآن مرارة تلك الليلة التي ألقاها به...تحرق صدره...فكيف تنساها هي..؟؟
كيف نست تلك الأحزان التي نسفته...بعينيها...!
كيف نست كيف وقفت أمام قلبه بذاك الخذلان و الضياع...!

بدأ يحس براحة حين تأخرت...هل تراجعت عن قرارها..؟ لكن تلك الراحة تلاشت ليسكنه قهر مرير..
ينغرس في صدره كسكينٍ صدئ...وهو يراه يرد على هاتفه...و يخبرهم أنها تتصل به...

فهد / هلا أم لانا.........وينك؟.......ايه أنا عندكم في البيت من نص ساعة........أكيد أنا قلت لك بأوافق على كل شي تطلبينه

صمت للحظات طويلة...رأى فيها ملامحه تبهت...وهو يتعتع بكلمات لا تكتمل...
ليقف و يراهما بغضب...يراه هو بمثله...في حين والده كان يجلس هادئاً...لا يهمه كل ما يحدث أمامه...

فهد بغضب / أنتم تلعبون علي!! كنتم تعرفون وش بتسوي! بنت الـ.....
أبومالك يقاطعه بتهديد غاضب...و يتغير وجهه بلحظة ليظهر أخيراً مدى كرهه و غيضه له / احشم نفسك و لا تقول عنها كلمة..كانك تبي تطلع تمشي على رجلينك

و كان أجبن من أن يضحي بنفسه...فتركهما وهو يختنق بغيضه...يفكر كيف سيصلح ما أفسدته في حياته...

تميم لا يستوعب ما يحدث أمامه / وش صار؟ وش فيه؟
أبومالك بعدم إقتناع / جرح تكلمه من بيته..قدام زوجته
تميم بذهول يحاول الفهم / يعني ما كانت تبي ترجع له؟.....و زوجته ما تعرف إنه...!!!
أبومالك يبرر لها / مع إني مو مقتنع باللي سوته و لا كنت أبيها تنزل لمستواه..بس الحرقة اللي شفتها بقلبها خلتني أطاوعها غصب..قلت لها إني أقدر أربيه لها بأي طريقة..بس هي ما رضت إلا تاخذ حقها بنفسها من عيونهم قدامهم
تميم يستوعب / ليه؟ صار شي منه غير إنه يبي يرجع لها؟!
أبومالك بإستحقار / كان راجع يبيها زوجة بالسر بدون لا يعرفون أهله..يعني اللي سواه ببنت خالته قبل اللحين بيسويه فيها..و هي راحت و كشفته قدامهم

تميم بقهر أنه أفلت هكذا من بين يديه وهو يملك سبباً ليشفي غليله منه / النذل!!! هذا وش شايفها؟؟....._ليستدرك الأهم_هي عندهم اللحين! أخاف ينفعلون عليها و..........
أبومالك بفخر / جرح ما ينخاف عليها_يقف ليخرج_بأروح اطمن جواهر إنها عدت على خير
تميم بقلق / ماراح تكلم جرح؟ تتطمن إنها بخير!
أبومالك يراه بإبتسامة غريبة..وهو يغادر / ارسلت لي يوم طلعت..تطمن أنت

خرج من المجلس...ليحوم حول المدخل كعادة بدأ يكتسبها من أجل لقاءها...لا يقوى على إخفاء إبتسامته التي لا تخفى على أحد...يراقب بعينيه ساعته...وهو يحسب الطريق من بيت عمها...إلى هنا...تبقى لتعود ستة عشر دقيقة...إن كانت لن تذهب إلى منوة...

و بعد وقت بدى له طويلاً...رآها تصل في وقتها...بذات الخطوات القاسية التي تمشي فيها...بغضبها الذي أدمنه...و نظرة الملل التي ترخي أهدابها بها كلما لمحته...لتصد عنه...

جرح حين رأته تهمس همساً كالعادة تحرص أن يصل إليه / لا حول و لا قوة إلا بالله..حشى صاير حارس لهالباب!!
تميم يوقفها بتردد لأنه لا يدري حتى ماذا يريد أن يخبرها / جرح
جرح تقف لتلتفت عليه بهجوم / نعم! وش فيه بعد؟! أكيد مو عاجبك اللي سويته..بس مو مجبورة اسمه نصايحك القيّمة
تميم بإبتسامة واسعة و عينان تعلنان الحب لها واضحاً كشمس النهار / معجبني كل شي..دام قلبك ارتاح و أخذتي حقك منهم

كانت متحفزة بشدة للرد...لكن تلك الكلمات التي لم تتخيلها...جعلت فكرها يتبلد...لتقف تنظر إليه ببلاهة...
لماذا يبدو هذا الأحمق بتلك السعادة..؟
و لماذا هي سعيدة بكلماته التي شجعها بها..؟
لماذا قلبها يخفق بشدة لتلك النظرة في عينيه..؟
لماذا لا تخبره أن رأيه غير مهم...ليقف هنا يثني عليها به..؟
و الأهم!! لماذا مازالت تقف أمامه..؟؟

غادرته بلا أي كلمة...تلوم نفسها على صمتها...على تأثرها به...على سعادتها برأيه...
هل أصبحت مخبولة مثله...ترى الناس و الدنيا جميلة...بعدما استردت حقها منهم..!!
أم هل روّضها...وهو بإصراره الدائم على أنه مسؤولٌ عنها...أصبحت تصدق حتى هي الآن...أن رأيه مهم في حياتها...

♥▓♥▒♥▓♥

بــعـــد أسـبــوع ...~

كانوا ثلاثتهن يجلسن في السيارة ينتظرن بملل...حين تعطلت بهم على الطريق أثناء عودتهن من الجامعة...

سمو / تميم طالع لموقع بعيد يقول لو بيجي بيآخذ ساعة و زيادة
كادي / بأكلم سامي أشوف..إن شاءالله ما عنده محاضرات هالوقت

سمو ترمش بنظراتها بهيام و هي تلتفت على ضحى...لتبعد تلك نظراتها عنها بإنزعاج...حتى بدأت ترخي سمعها بإنتباه...حين تحدثت كادي معه...

كادي بلهفة / هلا سامي......تعطلت السيارة فينا.....ايه كلمهم بس تعال خذنا.......وينك؟ ...........تمام

اغلقت هاتفها...لتتنهد براحة...لا تشبه أبداً شعور التوتر الذي ملأ قلب ضحى...

كادي / الحمدلله قريب مننا عشر دقايق و يجي
سمو بنبرة خاصة / حلوووو حلوووو

و بعد دقائق...وصل لينزلن من السيارة...كان يتحدث معهما بأريحية وهو يسألهما عما حدث...حتى نزلت هي..!
ليبتر حديثه للحظة...و عيناه تتجه لها بصدمة...قبل أن يبتعد بنظراته إلى وجه كادي...و يتحدث معها بصوت يختلف عن سابقه...

حين ركب أخيراً سيارته...احست بحرجٍ لا تعلم ما هي أسبابه...فلا شيء هنا يحدث غير طبيعي...إلا بأفكار سمو و تخيلاتها...لذا هدأت نفسها...فلما عليها أن تتوتر بلا سبب..؟! و لكنه لسؤ حظها أعطاها هذا السبب..!!

كادي / سامي يا قلبي..و قفنا كثير بالشمس نبغى شي بارد
سامي / ابشري

و عندما توقف أمام أحد الكافيهات التي تقدم خدمة طلبات السيارة...سألها ماذا يريدون...
كادي / 3 عصير برتقال
سامي بإندفاع / ضحى ماتشرب عصير البرتقال

ما إن انهى جملته حتى استوعب...ما هذر به..!!
ليطبق صمتٌ غريب على كل من بجانبه..!
زاد الأمر سؤاً ضحكة سمو القصيرة التي انفلتت منها...لتكتمها سريعاً بسعال كاذب...كان أسوأ في تمثيله من فعلتها...

كادي بإرتباك و هي ترى الحرج يجمد ملامح سامي / خلاص اطلب كلنا مويه

أما هي فكانت تحبس حتى أنفاسها حرجاً...و كأن لا حق لها بأخذها قريباً منه...
تحس بحرجه من ثقل نبرة صوته التي يخاطب فيها العامل وهو يطلب ما يريدون منه...ليمتد حرجه إليها فيزيد الضيق عليها أكثر...

اكملوا بعدها الطريق بصمتٍ ازعجها...و زاد من حرجه و حرجها...و هي تخال أنهم حتى يستمعون لدقات قلبها الصاخبة...و تصلهم أنفاسها الثقيلة المتوترة...
لا تدري لما لا يتحدثون حتى تخف عليها غرابة هذا الجو...المعلّق بكلمته...و معرفته الغريبة بما تفضّله و ما لاتفضّله...(الله يستر منك يا كادي شكلك عنده قِربه مقطوعة! مادري وش يعرف عني بعد أكثر إذا هالشي التافه يعرفه؟! )

و أخيراً تنهدت براحة حين رأتهم يدخلون حارتهم...تريد فقط الخروج من هذا الصمت...رغم تأكدها أنها ستجاهد تعليقاتهما المطوّلة على هذا الموضوع...
نزلت و لم يغادر حتى رآها تفتح الباب و تدخل...و ما إن تحركت السيارة حتى تحرك فضولهما معها...

سمو بإنبهار / ماشاءالله يا الذاكرة عندك أستاذ سامي..بسألك كم قيقا؟
كادي تعاتبها / خلاص لا تحرجينه سمسم_لكنها تعود لتلتفت عليه_بس أنت كيف عرفت؟
سامي يبرر / أنتي تقرقين فوق راسي كل شي
سمو بخبث / اممم طيب أنا وش العصير اللي ما أحبه؟ أو الإلتقاطات الثابتة حصرية لناس و ناس!!

لم يجد حلاً لفضولهما...و أسئلتهما الملّحة لنبش خفايا إهتمامه...إلا أن يرفع صوت مشغل الموسيقى عالياً...
لعلهما تعجزا عن الحديث معه...و تعجزا حتى عن التواصل بينهما...و إستمرار مناقشتهما حول قلبه...

♥▓♥▒♥▓♥

صعدت إليها بنفسها هذه المرة...و ملامحها تمتليء بالضيق...بعدما اكتشفت ما كانت تخفيه عنهم طوال تلك الأيام متحججة بسبب حضورها عندهم...أن لدى باسل بعض الأعمال التي سيسافر من أجلها...لكنها حين أرسلت لها ضحى تخبرها أنه أتى و يرغب بمقابلتها...عادت لها لتخبرها أنها تطلب منهم...أن يخبروه أنها نائمة...

كانت تجلس تفكرفيه بشرود...حين انقطعت رسائله التي افتقدتها منذ الصباح كانت تشعر بالقلق...
هل هو مريض؟
هل سأم من إرسالها بلا إجابة منها؟
هل غضب من صدها له و إبتعادها عنه؟
لتتفاجأ به...يعبر حاجز البعد...و الصد...و يأتي بحثاً عن جواب للآن لا تملكه...

صبح تتفاجأ حين جلست والدتها بجانبها على السرير / يمه!!
أم صبح بضيق / يمه وش فيكم؟ وش صاير يخليك تتركين البيت..و يخلي باسل بهالحال!

اتسعت عيناها بقلق...ماهذا الحال الذي ضاقت والدتها و هي تراه عليها..؟ لكنها باتت الآن تعجز أكثر عن الذهاب لتقابله...

صبح تبتسم لها مطمئنة / خلاف بسيط..و بنحله يمه..لا تضيقين..بس خليه يروح مو اليوم نتكلم
أم صبح بأسف / الله يصلح بينكم..طيب وش أسوي معه؟
صبح / مو قلتي له نايمه بيمل و يروح..يعني إلى متى بينتظر!
أم صبح / باسل عارف إنك مو نايمة..و لا ظنيت إنه بيمل أنا جلست معه شوي بعدين تعذرت بشغل و رحت عنه..أبغاه يروح..لكنه قال لي إنه بيجلس هنا لحد ما يكلمك إذا هالشيء ما يضايقنا
صبح بحنق غريب / كان قلتي له ماله داعي هالعناد..يروح و أنا اتكلم معه بعدين!
أم صبح ترمي الأمر عليها لغرضٍ في نفسها / يكفي إنك خليتيني أكذب بوجهه! ماراح اطرده من البيت..ما تبين تتكلمين معه انزلي قولي له هالشيء

ضاقت بقلبه السبل إلى وصلها...فأتى يبحث عن أي طريقة...يحمل بها الحزن عنها...و يعود بها إلى صفاء روحها التي عكرها...

رآها تدخل أخيراً ليقف...مثقلاً بذنوبه كآخر مرة...حين انتشلته بعفوها لحياة أخرى...
و اليوم يأتيها بذنوب أكبر...يقف برجاء قلبها الذي طالما عفى عنه...يأمل أنه لم يصل إلى فرصته الأخيرة معها...

تأمل ملامحها الحزينة...العاتبة...يشعر بشتات مشاعره بين الوجع عليها و الراحة برؤيتها...
يدرك اليوم أكثر قيمتها في قلبه...بعدما عادت به اللحظات لحياةٍ كان يبدو عليها...و ارتقى منها على يديها...
سرت روحه إليها حالما رأتها...ليتبعها بخطوة واحدة...قبل أن تحكم عليه...بقسوة البعد و هي بهذا القرب منه...

صبح تحذره / لا تقرّب!
باسل بصوت امتلأ لهفة / اشتقت لك
صبح تتجاهل تأثير صوته على قلبها..لتلومه / ماكان له داعي هالعناد اللي يخليك تجي لحد هنا! قلت لك احتاج فترة ارتاح فيها..بعدين نتكلم! ليه صعب عليك تسوي شي أنا أبيه!!!
باسل بإهتمام و إعتذار / لأنك حتى أنتي مو مرتاحة..لا تبعدين و تكتمين بداخلك كل شي..إذا زعلانه مني طلعي هالزعل فيني..إذا ضايقة مني تكلمي لحد ما تخلين هالضيقة فيني أنا..أنا السبب بكل هذا و أنا اللي المفروض أتعاقب و اتحمله..ليه أنتي تتحملين كل شي!
صبح بإرهاق..و عجز / باسل تكفى روح اللحين..أمي عرفت إن بيننا خلاف..و مابي أبوي يجي و يعرف بعد
باسل يدافع عن نفسه فوراً..فلا حمل له بعتب جديد / بس أنا ماتكلمت عن شي
صبح أخيراً ترفع وجهها لتتأمله مطولاً و تتنهد بعجز / ما يحتاج تتكلم..وجهك قال كل شي
باسل برجاء / صبح خلينا نسافر..نآخذ عمرة..ماراح اتكلم معك لو ما تبين...ماراح أقرب منك..بس ما أعرف يا صبح ما أعرف انتظر...ما أقدر أصبر و أنا عارف إنك ضايقة و أنا السبب ...لا تكلميني...لا تشوفين حتى بوجهي..بس المهم عندي أسوي لك شيء عشان ترتاحين من أخطاء انتي مالك دخل فيها عشان تضيقين عليها..
صبح تجاريه حتى يخرج / بأفكر و أرد عليك
باسل بإصرار / لا..جهزي شنطتك و نمشي اللحين
صبح تزفر بيأس منه/ باسل أنت شايف شكلك كيف! أنت ما نمت..و مرهق_لترفع لأول مرة صوتها بغضب على حاله_حتى الأكل شكلك ما تاكل مثل الناس!!

صمتت غاصبة...و صدرها يعلو و يهبط بإنفعال...لا تدري إن كانت تلومه على حاله...أم تلوم نفسها...
لهذا لم تكن تريد رؤيته...لكي لا تصلها الحقيقة التي طالما عرفتها...و تأكدت منها...أنه لن يقوى على الإبتعاد عنها...

صبح تلين قليلاً / خلاص بنروح..نمشي العصر..بس تروح تنام اللحين
باسل تبرق عيناه بسعادة / لو إني عارف إني ماراح أقدر أنام..أنا كل هالأيام ما أنام زين مو عشان مابي..عشان مو قادر أنام
صبح تحاول البقاء على شدتها / خذ لك بنادول نايت و تنام..يله روح اللحين

تأملها طويلاً...تحتضنها نظراته بحب و إمتنان لا يستطيع أن يطوقها فيه...
يتوق للإقتراب منها...لضمّها...ليتنفس رائحتها التي سكنت خلاياه بإدمان يشتاق له...
يحتاج أن يرحل بيديها...لأرضه الشاسعة فيها...لتعبرقلبه قصائد العطاء التي طالما احتوته فيها...

باسل يودعها بصوت يثقل بشوقه / بأروح يا صبح بأروح_و يؤكد لنفسه بشوق_و اشوفك العصر

و اخرج نفسه مرغماً من عبق حضورها الآسر...يحمل معه شذى وعدها بالعفو...و اللقاء...

♥▓♥▒♥▓♥

كانت تجلس معه في غرفتها...بعد أن تركت لانا عند سمو...لأنه أخبرها أنه يود الحديث معها بأمرٍ هام...
و حالما رأت ظلمة الحزن في عينيه...عرفت أنه ذاك الحديث الذي دائماً كان يجول بأسى فيهما...
و تتسائل هي متى سيبوح به أمامها..؟

أبومالك / جرح أنا طاوعتك باللي سويتيه بفهد..مع إني ما كنت مقتنع و لا أبيك تعاملينه مثل ما عاملك..بس يوم شفت هالشي بيجبر خاطرك وافقتك عليه..اللحين أبغى تسمعين مني اللي اقوله و عشان خاطري تحاولين تسوينه
جرح بصدق / و خاطرك عندي ماتراهن فيه ياخالي..لو تطلب عيوني عطيتك
أبومالك / تسلم عيونك يبه..بس أنا ودي تنسين اللي راح و أدري إنه ما كان هين عليك..و ترحمين نفسك و ترحمين أمك من هالجفاء اللي بينكم

بدأت نبضات قلبها تزداد بثقل...و وجع...وهو أخيراً يمس ذاك الحديث المرحم بينهما...
لتستمع إليه ساكنة...رغم أن روحها و أوردتها و كل ما بداخلها ينتفض بألم الذكرى الموجعة...و الهجران...

أبومالك يفيض لها بما في قلبه / جواهر ما كانت أختي..كانت بنتي و أنا كنت لها أم بدال اللي فقدتها و هي بعمر صغير..كنت أحبها و اهتم فيها و ادلعها..و النسمة مابيها تجرحها..بس الظروف اللي مريت فيها و المشاكل خلتني اترك البيت و اتخلى عنها..فضلت نفسي و راحتي عليها..و تركتها في البيت لحالها و أنا اللي كنت معودها ما تنام إلا و أنا فوق راسها و يدي بيدها..تركتها عند أبوي الله يغفر له و يرحمه و أنا أدري وش كثر كان قاسي و صعب_بدأ يخفي بعض الحقائق التي ستدمّرها إن عرفتها_صارت مشاكل كثير في البيت بعدي..و أبوي زوجها لأبوك بالغصب و هي ماكنت تبيه..و كانت بعمر صغير ما تتحمل القهر و الخوف اللي عودتها ما تعرفهم..كانت ما تعرف من الدنيا إلا حنا و بيتنا..و أبوك طلع فيها من البيت بدون رضاها و بدون شورنا و اختفوا ماندري وين راحوا..كانت فيه خلافات كبيرة بيني و بينه..و بعد ما أخفى جواهر حلفت إني اذا لقيته بأذبحه..و الحمدلله إنه ماطاح بيدي..بعد شهور رجعت جواهر مطلقة منه..وهو راح..لكن حالتها النفسية كانت مدمرة...خايفة و مرعوبة من كل شيء..لا هي حاسة بالأمان بيننا..و لا هي قادرة تتكلم عن اللي سواه عشان ما تشبني زيادة...كل ما شفت حالها كنت أعرف إنه ماراح يبرد قلبي و قلبها إلا إني اذبحه..بس من قبل تولدك رجع أبوك يطالب ترجع له و يطالب فيك...و أبوي قال له إنه بيعطيك إياه..و لا يبغى يشوف وجهه مرة ثانية..و أدري مالها عذر...و لا لنا عذر نتخلى عنك...و حنا اللوم علينا أكثر لأن جواهر ما كانت بحالة عقلية سليمة أبداً...كانت خايفة من شيء يربطها فيه..خايفه يعاند و يجي للبيت و اشوفه و أنفذ حلفي فيه....لو بتلومين أحد يا يبه على اللي صار أنا..أنا المخطي في كل هذا من أوله لآخره..مخطي مع جواهر قبل..و مخطي مع أبوك...و مخطي معك..

كانت تستمع إليه...بقلب ينصهر و يذوب وجعاً بين جوانحها...و مجراً ساخناً سخياً من الدمع...يكتسح خديها بمرار...

جرح بصوت خرج أنيناً مجروحاً..تبحث في قلبها الموجوع عن أسباب للمغفرة / و ليه ما سألت عني كل هالسنين!!!!
أبومالك يزفر بضيق..و هي تقرر حقيقة لم يدركها لسنوات / كانت تظن إنه برا الرياض..ما تخيلت إنك قريبة لهالدرجة..مو هذا السبب بس..لكن جواهر ما نستك بس..هي نست روحها...و فرحتها..و حياتها معك..عمر ضحكتها ما كانت من القلب..و أي فرحة تفرحها تلوم نفسها عليها..اللوم هنا ما كان عليها كان علينا اللي نشوفها بكل هالحزن و ما حسينا بفقدها اللي كانت تعابق فيه نفسها و هي تتخلى ذاك اليوم عنك..

صمتت جرح تختنق بغصة مؤلمة...غير قادرة على الحديث...على السؤال أكثر...فكلما تسأل أكثر كلما توجعها الإجابات أكثر...تحس بوجع هائل...ينبثق من روحها...تملأها مشاعر متناقضة...متناحرة...تمزق قلبها بلا رحمة...

أبومالك بعجزٍ مرير / مادري وش أقولك يبه أكثر..مادري وش أبرر لنا فيه و كل الأعذار تتبرى من خطانا..أدري إن مافيه كلام يسوى السنين اللي راحت..و لا يمحي الوجع فيها..عشان كذا مابيك تفكرين فيها لأنك ماراح تلقين شي يبرد قلبك و قهرك.. إلا إذا حاولتي تنسين و تسامحين..عشان نفسك قبل لا يكون عشانها..لو ظليتي تلومينها على اللي راح من عمرك بتسوين نفس الشيء اللي سوته..و بتحرمين نفسك العمر الجاي معها..أنتي قلبك كبير يبه..بس مجروح..القلب اللي سامحني و حبني..عطيه فرصة يسامح اللي أهم مني اللي قلبها بيموت شوق لك

عصفت بقلبه...و هو يراها تضع رأسها بين يديها بإرهاق و تعب...و كأن وجع السنين الذي فاض به...بدأت تحمله هماً في صدرها...
ضائعة...محتارة...مليئة بالحرمان...و الأسى...
مد يده ليلتقط كفها بين كفيه...و يشد عليها مؤزراً...ليجلس بجانبها بصمت لوقت طويل...و هي مازالت تهدر الدمع بجانبه بمرار...

ليغادرها بعد ساعة ليذهب إلى صلاة العشاء...مطمئناً عليها وهو يتركها برحمة خالقها...و هي ترتدي جلال صلاتها...و تجلس فوق سجادتها...

في ذات الليلة التي لم تغادر فيها غرفتها...رأت زوجة خالها تدخل إليها لتطمئن إن كانت تناولت العشاء الذي ارسلته لغرفتها...بعدما رفضت النزول لتناوله معهم...متحججة برغبة لانا النوم مبكرة...في حين هي من أجبرتها عنوة أن ترقد بجانبها باكراً...فلا طاقة لديها للكلام...أو رؤية أحد...

أم ساري بضيق وهي ترى صينية الطعام / ما كلتي شي يا قلبي
جرح تطمئنها كاذبة / أكلت شي خفيف قبل العشاء..عشان كذا ما اشتهيت
أم ساري تجلس على السرير بجانبها / أكيد يمه مافيه أحد مضايقك؟
جرح بتأكيد يناقض ملامح الحزن بوجهها..و الإحمرار بعينيها/ لا خالتي ما فيه شي
أم ساري بتفهم / براحتك يمه إذا ما تبين تتكلمين بس أنا مابيك تضيقين لحالك..أبيك تتكلمين مع اللي تبين..بس لا تشيلين كل شي بقلبك و تسكتين..هالشيء يذبح و أنا مجربته
جرح تقطب جبينها / ماشاءالله يا خالتي الكل حوالينك..يكفي خالي سعود_لتكمل و الدمع يملأ عينيها من جديد_ما أظن إنك تعرفين الحال اللي أنا فيه أبدا!
أم ساري تتنهد / يا ربي لك الحمد و الشكر على حالي اللحين..بس أنا ما اتكلم عن هالوقت..اتكلم عن الوحدة و الخوف اللي كنت احسهم و أنا بعمرك..عشان كذا يوجعني قلبي عليك
جرح بصدمة / كنتي لحالك؟ ليه؟
أم ساري تجيبها بحزن الذكرى / أنا يتيمة ماتت أمي ما عرفتها..و أبوي كان كل وقته بشغله..كنت طول اليوم في البيت لحالي..اتعلم كل شيء من نفسي..أحاول املأ البيت عليه..و اهتم بكل شي..و إذا ضقت احس الهم من كبره و من وحدتي يعيش فيني عمر

انسكبت دمعاتها...و هي تتذكر حالها أيضاً مع والدها...و لا تصدق أنهما كانتا على ذات الحال...

أم ساري تتابع سرد ذكرياتها حين رأت نظرات عينيها المتسائلة عن المزيد / توفى أبوي بعد..و رحت سكنت عند عمتي..بس بعد أبوي الله يرحمه ماتركني فجأة ما حسيت أبداً بالأمان بعده..كنت أخاف كل يوم تتركني عمتي بعد!! و ابقى بهالدنيا لحالي!!..كنت مابيها تتعب أشيل شغل البيت عنها كله..اروح السوق عنها أخاف يصير لها شي..إذا تعبت كنت أتعب أكثر منها و أنا ما أنام من خوفي عليها..كنت خايفة تروح و لا يبقالي أحد بعدها_تبتسم بحب و إمتنان_لحد ما عرفت خالك سعود..شفت حنيته على خواته و عمته و بناتها..كان كبير بعيني و بقلبي..و يوم تزوجته ما حسيته زوج بس..حسيته أهل و بيت و وطن

ابتسمت من بين دموعها...و هي ترى التقدير و الإمتنان يملأ قلبها...و صوتها...إتجاهه...لتنظر إليها بلهفة...رغبة في سماع المزيد عن تلك الحياة...التي أوصلتها إلى هذا الحرمان...

/ سعود كان هدية أكبر من اللي تخيلتها بأحسن أحلامي..كان رحمة لي من رب العالمين..اخذته بأهله كانت فرحتي فيهم كبر السماء صار لي خوات و عزوة و سند..هو و جواهر و جميلة الله يرحمها كانوا عندي بالدنيا أقدمهم على روحي..بس اللي جاني من مشاكل هد حيلي و هدم فرحتي فيهم..لحد ما حسيت إني فال شين بينهم إني أنا الدخيلة اللي مخربه فرحتهم و بأفرقهم عن أهلهم
جرح بضيق / ليه؟ وش صار؟ صح أنتي تطلقتي من خالي...ليه؟
أم ساري تكمل و الدموع تندي عينيها / الله يسامح اللي كان السبب و يرحم للي مات و يغفر له..ماودي اتكلم ما تجوز على الميت إلا الرحمة..بس أنا تعبت من الشك و الظلم و الإهانات و احس إني بديت حتى اتعبتهم معي..عشان كذا طلبت الطلاق و رجعت لعمتي..
جرح / ما خفتي ترجعين لها و يصير لها شي؟
أم ساري بمرار الذكرى تسقط من عينيها دمعة / كل حياتي من بعد سعود ملاها الخوف..و الحزن..و الندم..و أنا اشوف نفسي رجعت لنفس الوحدة و الهم و التعب..كنت انتظر..كنت ادعي ربي كل يوم تنحل الأمور و نرجع لبعض..بس ذبحني الخوف بعد ما تعبت عمتي و منعوا جواهر من زيارتي و انقطعت عني أخبارهم..مادري للحين يذكروني أو نسوني..حتى عيالي ما صرت اشوفهم و هم ما يرضون يجيبونهم عندي..و لا عندي أي أحد ممكن يواجههم و يطالبهم بهالشيء..عشان كذا عمتي حلفت علي اتزوج أبوسلام حتى هي و هي على فراش التعب كان قلبها ياكلها علي..ما تدري وش بيصير فيني بعدها..و تزوجت ادور الأمان..و عشان اريح قلبها..لكن حتى مع جابر ما حسيت بالأمان لأنه يتيم مثلي..و ذبحني الخوف أكثر يوم حملت منه..و توفت عمتي..صرت افكر لو صار له شي و ين اروح أنا و اللي ببطني!!
جرح تسأل بتردد / و كيف رجعتي لخالي سعود؟
أم ساري تزفر بثقل / بعد ماتعبت أمك وهي حامل فيك وحالتها صارت صعبة خافوا يفقدونها..و لأنها ما كانت متقبلة أحد ارسل لي جدك عشان أجي اشوفها لأنه أخيراً اعترف وش كثر كنت أعني لجواهر..و أنا خفت عليها..جواهر كانت قطعة من روحي..و كل ما رحت لها كل ماختلفت مع أبوسلام..لأنه مايبيني ارجع لبيت سعود..حتى يوم خيرني بين حياتي معه و بينها ما قدرت إلا إني اختارها و أنا اشوفها بذاك الحال اللي ماتهدأ فيه إلا و هي تشوفني أو تشوف سعود..ما قدرت اخليها لسعود بس..لأن الكلام اللي تريح فيه روحها عندي ما تقدر تقوله لسعود..عشان ما تزيد ناره نار
جرح بجمود / قالت لك وش سوى فيها أبوي!!
أم ساري بصدمة / لا أنا...كنت...اتكلم...
جرح تبتسم بمرار / خالي سعود اليوم كلمني عن..أمـ....._بترت الكلمة فلم تقوى على إتمامها_و قال لي إنها تزوجته بالغصب و اخذها بعيد عنكم
أم ساري تضغط على كفها / الله يغفر له و يرحمه. لا تلومينه و لا تلومين أمك..صدقيني يا بنتي كل واحد مننا شاف ظروف قاسية و أخذ قرارات خطأ عاش عمره كله يندم عليها..لأنها ما ضرتنا بس ضرت أعز الناس لنا

أثقل قلبها بحملٍ جديد...و هما يتفقان من غير قصد عليها هذه الليلة...بنثر تلك الذكريات الموجعة فوق صدرها...

أم ساري بتردد / فيه شي بس ودي أقوله لك يا جرح..ترى جواهر تعودت على الحزن و الهم عمرها كله من بعدك..و حنا تعودنا عليه جزء منها لحد ما نسينا نحاول نجبر قلبها الفاقد...و اللحين حنا و أنتي بعد مستمرين بذبحها و مصدقين تماسكها..بس لا...جواهر تموت بالدقيقة مية مرة و أنتي قريبة منها و ما تقدر تضمك..كرهك و جفاك لو بان لك إنها تتحمله تراه يحرق روحها.._لتكمل والدمع ينتثر منها بمرار و عجز_حنا غرتنا فرحتنا فيك و قربك مننا و نظنها مكتفية فيه..لكن تأكدي إنها بكل لحظة تخسر من روحها شيء كبير بحرمانها منك

مضت ساعات و تلك الذكريات المريرة تحوم داخل روحها بلا كلل...حتى بعد خروج زوجة خالها...تحتار المشاعر داخلها بقسوة...تارة تتأثر بحياتهم...و مخاوفهم...و أوجاعهم...و تارة تنوح على حرمانها...و خذلانها...التي دفعت ثمنه من عمرها بلا سبب...

نفتها قسراً من حياتها و هي لا تعرف لها خيالاً في عقلها...
و حينما رأتها منذ سنوات كرهتها بشدة و رمت عليها إثم كل ظلم حل بها...
و حين عادت لها لم تفلح رؤيتها إلا بإيقاظ ألماً و مراراً كانت تهجعه عنوة في غياهب التناسي...
و الآن...عندما رميت عليها من جديد...حصنت القلب ضدها بصروح شامخة من القهر...و اللوم...
كلما كانت ترى حنانها...و طيبتها...كانت تشرّع الذكريات الآثمة بينهما من جديد...لتمحو أي أثر طيب تحاول مسح خذلان السنوات به...
حتى أُرهقت هي من عدائها معها...لترفع راية بيضاء...و هي تتقلبها بلا منزلة في حياتها...بلا تعريف في قلبها...كي تقوى على العيش معها...

لكن الآن تلك الذكريات التي ملأت روحها عنها...و حياتها التي تتعلق نهايتها بها...بدأت تعتصر قلبها شيئاً فشيئاً...
تريد أن تنسى... تريد أن تسامح...تريد أن تتقبلها لا بل تحبها...لكن لاتعلم إن كانت ستقدر على ذلك يوماً...
تخشى أن تحاول فتخسر!!...فينقطع حتى خيط الرجاء الواهي بينهما...

و بعد طول تفكير مرير...عبرت خوفها أخيراً...لتتخذ خطوة إتجاهها...
نهضت من سريرها بآلية...ذهبت إلى مكتبها...و هي تلتقط بعض الأوراق من عملها...و تذهب إليها...
و بالرغم من التردد الذي كان يكبل خطوتها بقيد من حديد...لا تدري كيف أوصلها إصرارها إلى باب غرفتها...
لتطرقه بيد مرتجفة...

حالما سمعت صوتها الدافيء...شعرت بجسدها يهتز بعنف...و أنفاسها تتصاعد بقسوة...مرت لحظة طويلة حاولت جاهدة السيطرة على نفسها...لتفتح الباب و تدخل إليها...

جرح تقف بالباب / ما نمتي؟

كانت تجلس على سجادتها...حينما أنهت وترها...و بقايا دمعٍ سخي...مازالت خديها تحتفظ بمجراه عليها...
اتسعت عيناها لتغدوان بارقة أمل...و فرح...و ملامحها تصدح بفرح عظيم...هي تراها واقفة أمامها...

جواهر توليها جانبها لتمسح على عجل آثار الدمع قبل أن تلتفت عليها من جديد بتلك الإبتسامة الذابلة التي طالما سكنت ملامحها...و التي أدركت الآن حقاً أن لا فرح فيها...و لا سعادة...كانت إبتسامة صادرة من جراح القلب...و ليس فرحته...

جواهر بلهفة..تنهض و تكاد تقع من فرط صدمتها / ادخلي يمه لا توقفين ع الباب

احست بألم عميق يهوي بمناجله على صدرها...و هي ترى بعثرتها...كانت تقاوم البكاء و هي تعض على شفتها السفلى بقوة...حتى احست بطعم الدم ينتشر في فمها...

جرح بصوت هاديء لا يبين إرتجاف الحزن به / كنت بسألك عن أشياء في شغلنا

جواهر يضيء وجهها بألف شمعة و هي تحثها بكل حنان و محبة على الجلوس معها على ذاك الكنب في زاوية غرفتها...
و هي كانت سعيدة أنها أخيراً جلست فما عادت قدميها الواهنتين تقوى على الوقوف صامدة أمامها أكثر...

جلستا و ظلتا صامتتين لفترة من الوقت...و كأن هذا التقارب بينهما...كان منهكاً لدرجة حاجتهما لفسحة من الوقت لإستيعابه...
و لمعاودة الإدعاء بأن تلك الذكريات المغتالة...و الجراح المسفوحة بينهما سوف تجد طريقها للتشافي يوماً...

جواهر بحنين جارف لتسمع صوتها/ وش بتسألين عنه؟

وضعت أوراقها على الطاولة بيد مرتجفة...علها إذا رأت تلك الكلمات التي بالكاد استطاعت قرآتها...تجمع ذهنها المشتت لتسألها كل تلك الأسئلة التي اختلقتها قبل دقائق...لتتحدث معها...

جرح / دامك مديرة لروضة أكيد عندك خبرة بالبرامج اللي بندخلها بمسارنا للأطفال..أبي تختارين اللي بيفيدهم أكثر من هالبرامج

انهت كلامها و هي تمد لها ملفاً قد حضرته مع منوة سابقاً...لتهوي روحها و هي ترى في عينيها تلك النظرة الغارقة حزناً و فرحاً...ندماً و أملاً...
رأتها تأخذ نفساً عميقاً...و هي تجاهد لترسل تلك الآهات التي تملأ صوتها بعيداً...و تبدأ تتحدث معها...بإهتمام عن عملها...و تقرأ بتركيز مطول...و تناقش معها كل فكرة...و تجربة..

لاتدري كم مرَ من الوقت عليها و هي تستمع لها...
حين بدأت تفقد معنى كلماتها و تركز بنبراتها الدافئة...
ينبعث صوتها داخل روحها ليضيء فجوة من السواد التي هوت بينهما لسنوات...
رائحتها التي تحتضنها مع كل نفس تسربلت بها أوردتها لتتلمس حناناً...و حباً...ما عرفه القلب يوماً...
تنهار مخاوفها و حرمانها مع أمانٍ تتوق لتتصفحه بين يديها...

جواهر / بعض هالبرامج مطبقينها عندنا بالروضة..ليه ما تجين بكره تحضرينهم و تاخذين فكرة أوضح عنهم

رفرفت عينيها بشدة...لم تتخيلها ستعرض عليها مثل هذا العرض...أن تعلنها إبنة لها...أمام معارفها...و في عملها...!

جرح بإرتياب / عادي ؟
جواهر تؤكد بفرح كبير / أنا قايله لهم إن بنتي بتفتح حضانة خاصة..و قروب المعلمات اللي معي جميلات و خدومات..هم من قبل يشوفونك يعطوني أفكار و نصايح لك
جرح اهتز قلبها من كلماتها..و بالكاد تماسكت لتجيب واقفة / تمام اقول لمنوة..و نروح بكرة معك

حين وافقت عليها...تساقطت الدمعات التي كانت تأسرها عيناها عنوةً أمامها...لتمسحها فتتساقط غيرها بعناد...

جواهر / زين يمه روحي نامي و ارتاحي شكلك تعبانه من الشغل

لم تستطع أن تتحدث أكثر و هي تراها تبكي فرحها حزناً أمامها...
بلغ بها الإختناق للحد الذي تعجز حتى عن التنفس معه بشكل صحيح...و هي تراقب دمعاتها التي تجري بلا توقف...
خرجت تسمح لها بإنهيار أكيدة منه...لأن إمتداده بدأ يصل إليها فتتحطم الروح بأساهما...و عذابهما...معاً...

ستحاول...ستحاول جاهدة من أجلهما...علّها تصفو الروح لها يوماً...!!!

♥▓♥▒♥▓♥

فـي الـغـــــد ...~

كان يرتدي ملابسه ليخرج...و أفكاره الضائقة لا تغادرها للحظة...وهو يتذكر الأيام الماضية بينهما...
استمع لشكواها عليه طويلاً...كان يجاريها بحزنها لتهدأ....يستقبل كلماتها العاتبة...الباردة...بترحاب اعتادت عليه لتتمادى و هي تبعده أكثر...فلا يجد الطريق إليها...لإعادتها...حتى بدأ صدها يستفز مزاجه السيء...ليلومها على ذنب تبعده و هي في الأصل سببه...
كانت تبتعد عنه بعالم بعيد يأخذها منه...كانت كمن نسي حبه و لا ترغب بمنحه ذكرى تشفع له...
كمن تكتفي بذاتها و لا رغبة لديها بإحتياجها له من جديد...

تشتت عقله و هي تترك مسافة آمنة لقلبها بينهما...لا هي التي تبتعد فيقسى...و لا هي التي تقترب فيرتاح...
تقف مطلة على قلبه...تعبث به...تهيم به...ترغب به...لكن إن مشى نحوها خطى العفو...صدته و أشهرت خذلانه بقلبها...و جرحها...لتبعده..!!
تعامله بمراوغة أرهقت شوقه إليها...و هي تتحدث بما تشاء...وقتما تشاء و إن لم يعجبها إلى أين يؤول الحديث رفعت حواجز الصمت و أوقفته بلا تمام لأي شيء..!

نزل إلى الأسفل...ليراها هذا الصباح تجلس في الصالة..و لا تنوي مشاركته الإفطار...

منوة ببرود / فطورك جاهز
ساري يسأل ليعرف إلى أين ستصل بجفاءها / و أنتي ماراح تفطرين؟
منوة بعفوية / مو مشتهية اللحين
ساري لا يصدقها / صرت حتى أسد نفسك عن الأكل!!
منوة كعادتها تعلن عدم إهتمامها / إذا أكلت بآكل لنفسي مو عشان أبيك أو ما أبيك

يشعر بالغيض من كلماتها هذه...التي تنفيه من أن يمس إحساسها بشيء....تصدر له نفياً من قلبها مع كل حرف تنطق به...

ساري يقف قريباً منها...لينتبه لذاك الشحوب...و الضعف في جسدها ليسأل بقلق / شكلك تعبانه..حاسه بشيء؟
منوة ببرود و صد / ما فيني شي يسوى..افطر و روح لشغلك!
ساري بحنق / روح لشغلك! لا تكلمني! مابي منك شيء! اخطب! لا تخطب! كل شي اسويه على أمرك و ليته بعد كل هذا عاجبك!! خلي فطورك لك مابي شيء منك

و غادرها غاضباً...لتعرف أنها بدأت تفقده حلمه الذي استوعب تجريحها طوال هذه الأيام...و قد يكون معه حق...
فهي كانت تستفزه بغيض...لتمحو جميع هواجسها...و شكوكها حول قلبه...
لتقوى على أن تسمح له أن يخطو عائداً إلى قلبها من جديد...
فهي قد وعدت نفسها أن لا تُجرح...و لا تُظلم بعد اليوم...حتى و إن كان منه..!!

وضعت يدها على بطنها الذي بالكاد بدأ يكبر...لتهمس و إبتسامة حنان تتعرفه لأول مرة تضيء ملامحها / و أنت وش رأيك يستاهل بابا نسامحه أو لا؟

كانت تعيش فرحتها الكبيرة مع نفسها...و هي كما اعتادت تتحدث مع ذلك الطفل الذي اخذها عن العالم...و عنه...و عن كل شيء...لذا صُدمت حين رفعت رأسها...و وجدته قد عاد...و ظلّ واقفاً عند الباب يراقبها...بذهول و عدم تصديق...

نسي كل ذاك العتاب الذي أعاده...ليرمي به على قلبها...قبل أن يخرج...كإنذار يستفز أمنها بصبره...
و كل أحاسيسه المبتورة معها...تجد لها إمتداداً آمناً وثيقاً بين قلبه و قلبها...
كل شعور تائه...كامن...في قلبه أصدره صريحاً بملامح وجهه...وهو يقترب منها...

جلس قريباً جداً منها و لم يكن ليهتم لحواجز الصد التي تشهرها بوجهه منذ أيام...
لكنها حتي هي هذه المرة عجزت أن ترفعها بينها و بينه...و هي تعبر بعينيها مدن الفرح التي شمخت بملامحه...
ساري يضع يده فوق بطنها..ليبتسم وهو يحدق بملامحها التي لا تكاد تبتعد عن وجهه / حامل؟

ابتسمت بفرحٍ عميق...و قد تساقطت من قلبها كل رواسب الحزن الذي زرعه فيها...و هي ترى فرحتها الكبيرة لها إنعكاسات أكبر...و أعظم...في ملامح وجهه...
وضعت كفها فوق كفه التي مازالت تتحسس بطنها بفرح...لتهز رأسها مجيبة بنعم...
ليغرقها بسيل جارفٍ...مشتاق...من قبلاته...ليتمم لها هذه الفرحة التي كانت تكبر بقلبها كل يوم و هي تعجز عن إحتواءها بصمت...و يختم من قلبها أي شكوك كانت تجابه حبها له بها...

همس لها و وهو يسند رأسه على كتفها يتأمل بطنها مبتسماً / يا قسوتك يا منوة و أنتي تحرميني افرح معك هالفرحة!!
منوة/ قدّر خوفي يا ساري..لا تلومني على كل اللي سويته..أنت أكثر واحد تعرف كل اللي مريت فيه..تعرف خوفي و قهري وشعور الخذلان اللي قاسيته دايم بحياتي
رفع رأسه عن كتفها...ليحتضن وجهها بيديه/ كل هذا شيء و راح يا منوة..أنتي اللحين قوية بنفسك قويتي حتى على اللي سنين ما قويت عليه..لحد ما خليتيني أقوى عليه معك و عشانك..أنتي ما تغيرتي بس..أنتي غيرتيني غيرتي مشاعري رتبتي أولوياتي من جديد..ما أبيك تشكين بهالشيء للحظة بعد اليوم..الماضي انتهى من قلبي و لا عاد له أي أهمية عندي..و إنك عندي بالدنيا كلها

♥▓♥▒♥▓♥

بعد أسبوع كامل...كانت تهدر ليالي قلبه شوقاً لها...لم يكن يجد لضيقه إتساع إلا بسماع صوتها...ينسكب بسمعه كالشهد...
لتملأه غراماً فوق غرامه...وهي تعطيه بأحاديثها جرعة سعادة تطفئ لوعة حرمانه...و تُقيد حنيناً أكبر لملامحها العذبة التي يفتقدها...يتناقص يوماً بعد يوم صبره على هذا البعد الذي كان يسليها...و هي تخبره أن يعتبره...(فترة الملكة) التي تخطياها...ليخبرها بل إنها فترة عقاب له...لأنه أنكر على نفسه روعة الهبة التي اهداها الله لقلبه...فلم يتهجأها على مهل...لتجيء بقوة عشقها الآن...مهلكة لقلبه المحروم....

و أخيراً...رآها تدخل مع كادي التي كانت طوال اليوم تجهز لها حفلة صغيرة بمناسبة عودتها سالمة...
ليتوقف العمر حين رآها على لحظة...أخذت من قلبه مساحةً كبيرة من الذكرى...و الفرح...و الهيام...
كانت ترتدي فستاناً أسوداً ضيقاً...بدى مثالياً لحُسنها...و ترف أنوثتها...
عادت خصلات شعرها القصيرة...التي تكمل فتنة عنقها الطويل و هي تنثر قبلاتها الشقراء عليه مع كل إلتفاته..
ملامحها منحتها جاذبية لا تضاهى بهذا المكياج الداكن...الهاديء...لتجيء أناقتها هذه الليلة خرافية إلى أبعد حد...

إنها هنا...هنا حقاً...أخيراً بجانبه...تعطي الليل أناقةً خاصةً بها...
كم يريدها هذه الليلة وحدها لقلبه...
يملؤه ألف إشتياق ألف إحتياج...ألف غرام...و ألف حديث يريد أن يستمع له بصوتها العذب...الساحر...
رغم ذلك حين اقتربت لم يستطع بوجود كادي...إلا أن يحتضن أكتافها...ليطبع قبلة خفيفة...على خدها...

أبوسامي / نورتي البيت
راوية برقي و عذوبة / منور بوجودكم

جلسوا ثلاثتهم معاً...يتأملها بوله و يطبق عليه الشوق بصمت...وهو يراها تتحدث مع كادي...و تشكرها بإمتنان على ما فعلته لها...
تحتضن باقة الورد الأصفر على صدرها برقة...و ملامحها الهائمة بلونه تنثر سحراً معقوداً على قلبه...

حين ضحكت...كادت تزلزل القلب و تهز أركانه...و هو يغرق بأمواج من فتنتها الشهية...لتستبيح روحه التي تهوي لأعماق بحر غرامها العذب...فيدرك أن غرقه فيها هو الحياة...

كادي تقف حين أتاها إتصال / هذي سمسم..بنروح لضحى عشان نكمل مشروعنا
راوية بصدمة / لازم تروحين اللحين! ما ذقتي حتى كيكة سلامتي
كادي/ بالعافية عليكم..الحمدلله رجعتي لنا بالسلامة..بس ضروري نخلصه اليوم عشان بنسلمه بكرا

و بتلك الخطة المدروسة سابقاً في نفسها تركتهما...أخيراً لوحدهما...عوضاً لتلك الأيام و الليالي التي حرما نفسيهما فيها الحب...و الفرح...إكراماً لحزنها...و فقدها...

حين خرجت كادي...التفتت أخيراً ناحيته...

ليرى في عينيها ليل عشق طويل نذرته من أجله...يرى في إبتسامتها المغرمة به...سماء تسمو بقلبه لمشاعر أكثر فيض و رحابة...
اقترب منها أكثر...حتى اكتست روحه بدفء وجودها...و أنفاسه تنشر عطرها داخل أوردته...تزفها لقلبٍ أهلكه الشوق إليها...

راوية تبتسم بدلال يليق بها / ليه ساكت؟ و أنت كنت تخترع السوالف يوم تكلمني عشان ما تخليني أقفّل
أبوسامي يتنهد بغرام فاق حدود قلبه / وللحين بقلبي كلام بأسهرك الليل بطوله عشان أقوله
راوية تتأمله بإهتمام / يلا ابدأ بأهم شي

و كان أن بدأ...وهو يحتضنها في أعماق صدره بعظمة اللهفة التي سكنت طويلاً صمت قلبه...لتذوب بغرام بين ذراعيه...
ليراهن بكل عمرٍ مضى قبلها...مساوياً به...ما تنثره على قلبه من غرام و أمان هذه الليلة...
معها بدأ يعرف حياةً جديدة...عمراً آخراً لا يشبهه...و لحظات تزهو بغرامها وسط قلبه...

♥▓♥▒♥▓♥

بعـد أيــــام ...~

كانت تقف أمامه بكل قوة جمعتها من حزنها عليه و شتاتها...بالكاد تتشبث بآخر حبل تقوى مده للفراق...
لرحيل لا تدري الآن إن كانت حتى ستقوى عليه...و إن كانت بعده ستجد في قلبها متسعاً للحياة...و في روحها طاقة للبدء من جديد...

منذ خروجه من المستشفى منذ ثلاثة أيام...على مسؤوليته...وهو يتصل كثيراً بها فلا تقوى على الرد...ليخبرها برسائله أنه يرغب في لقاءها...و أن هناك كلاماً كثيراً يجب أن تستمع له منه...و يطلبها المجيء...
و هي لم تكن ترفض رغبة بالرفض...بل كانت غير قادرة على رؤيته...غير قادرة على الصمود على موقفها أمامه...
غير قادرة على التأكد من إحساس واحد...من فيض الأحاسيس التي تعصف بها منذ أيام...

و ها هو أمامها الآن ممدداً على سريره المنخفض...يرفع رأسه و أكتافه بتلك الوسائد الكبيرة خلفه...لينظر بعينيها التي تهرب من وجهه إلى كل مكان في الغرفة لتتحاشاه...و هي لا تحتمل تلك النظرة المنهزمة في عينيه...
و بعد صمت طويل...عاندت قلبها الذي كان يخبرها مع كل نبضة أنه لايبدو أبداً بخير...و يرجوها أن ترفق به...

سلام بجفاء كانت هذه المرة تجاهد لتبدو عليه / وش الكلام اللي تبي تقوله يا مالك؟ إذا كان هالشيء بيريحك أنا بأسمع كل اللي تبيه

كان معها حق إنه متعب...متعب جداً...و هي تراه بدأ يتحدث بصوت خفيض...مجهد...

مالك بتعب شديد جعل حصونها العتيدة تتكسر مع كل كلمة يئن بها / لا تروحين يا سلام..لا تتركين أهلك و حياتك عشاني...أنا خلاص بأروح عنك..بأرجع لجده..بأختفي من حياتك..و ماراح تشوفيني بعد اليوم

كادت أن تقع حين رمى تلك النهاية الموجعة في وجهها فجأة...!
و هي التي أتت تدفن عن وعيها ألف شعور كان يريده أن يستبقيها بآماله الراسخة بهما...لتبقى...

سلام بألم الصدمة / قلت تبغى تتكلم معي كلام كثير..بس هذا اللي كنت بتقوله؟!!
مالك بهمس ضعيف / لا...فيه كلام كثير لي سنين مخنوق فيه..كان ودي اقوله لك لو شفت منك لمحة اهتمام..بس أنتي بايعه يا سلام...بايعة و لا اظن انك مهتمه تسمعينه..عشان كذا اختصرته لك بالكلمة اللي تتمنين تسمعينها عشان ترتاحين..الكلمة اللي بتخلصك أخيراً مني

نعم...هذه الكلمة هي كل ما كانت تتمناه...هي خلاصها...و ختام سنوات الندم و العذاب...
لكن رغم كل هذا...خانتها قدماها...التي لم تقوى على الحراك...لتبحث بأسى عن سبب يدعوها للبقاء...

سلام بيأس يهوي في قلبها / دام هاللحظة آخر شي بيننا تكلم يا مالك..خلنا ننهي كل شي هنا..عشان ما يبقى شي نفكر فيه

مالك ينثال بشرود و ضعف لا تعرف إن كان يعي ما يقول...أم أنه يهذي من أثر الحمى / مادري من وين ابدأ ياسلام متكدسة فيني أشياء كثير لحد ما طاحت و طيحتني..أنا ما أذكر شعور بالدنيا ما مر علي معك..الخطأ قبل الصح..ما اذكر شي المفروض اسويه عشان أنساك ما سويته..و لا أذكر شي المفروض اسويه عشان تبقين معي ما سويته..يمكن هذي دعوة عذاري علي! يمكن عشان صح عليك اللي سويناه خطأ ما يتصلح..بس أنتي تعرفين كيف كنا ياسلام؟ كيف كانت حياتنا بين أهلنا؟ أنا و أنتي ما كان لنا إلا بعض ! طريقتنا صح أو خطأ ما يهم..محد كان حاس فينا..محد مهتم..محد يفقدنا و حنا نغيب مع بعض بالساعات......يمكن لقيتي أحد بعدي ضمك لصدره..احتوى حزنك و خوفك و فقدك..أحد اهتم يعلمك الصح من الخطأ..لكن أنا بعدك مالقيت شيء!.........بعد ما اتهمني أبوي فيك! بعد ما صرتي الذنب اللي بيفرق بيني و بين أهلي! خفت بينكم..خفت منكم.......صرت أشك بحب أبوي لي..أشك بحب اخواني لي لو عرفوا وش بيننا؟ شكيت حتى بجنونك يكون تحدي عندك تكسريني فيه قدامهم...لأنك كنتي واثقة و لا يهمك لو دروا؟! مادري جهل فيك..أو عناد!..أو حب!......لكن أنا كنت متأكد انهم لو دروا بتنتهي حياتي بينكم للأبد..و بأخسرهم و اخسرك........مثل ما خفتي مني يوم رجعت..مثل ما تلومينني..مثل مارميتي بوجهي أخطائي و أخطائك..كانوا هم بيسوون كذا.........مادري وش كنت اهرب منه و أنا بكل حالاتي كنت خسران..خسران...... راح العمر مالقيت له غيرك دواء..نسيت إنك بأول العمر و صرتي تفكرين ببدايات جديدة..تعبت و هلكت و عيت تبرد حرتك فيني يا سلام...كل اللي صار..و اللي يصير لي اللحين...عيا يكفر بعينك الخمس السنين اللي تركتك فيها !! ..
_اغمض عينيه بألم و إستسلام_
خلاص أنا اللي باتركك يا سلام..العمر اللي ما زان بأوله ماراح يزين بتاليه
_أكمل بصوت مبحوح بدأ يخفت من شدة تعبه..لدرجة أنها كانت تجاهد لفهم ما يقوله_
آخر شي باطلب منك آخر طلب..اللي بهالغرفة كله لك..خلصيني منه..لأني من سنين مو قادر اتخلص منه!!

بصعوبة اخرج المفتاح من جيبه بيده السليمة...ليمد يده ملقاة على السرير وهو يمسكه...و غفى.....!!!

لم يكن مهتماً بردة فعلها على كلامه..!!
لم يكن مهتماً إن كانت ستأخذ هذا المفتاح أم تتجاهله..!!

افضى بكل بوح بداخله...و تركها لنفسها التائهة...غير قادرة على فهم الكثير مما قاله...
برأسها ألف سؤال...ألف إستنتاج...ألف فكرة و حيرة...و آلاف الذكريات تتدافع بشراسة داخل روحها...

كانت ترتجف بشدة في مكانها...حاولت أن تنادي عليه..أن تيقظه...أن تنطق اسمه...فلم تقوى على ذلك...
توقف كل شيء فيها مع توقف حروفه الأخيرة..!
عيناها المحترقتين بفيض دمعٍ تحبسه...ابتعدتا عن وجهه أخيراً...لتركز على المفتاح الذي سقط من يده...

ذهبت تجر نفسها...بعد أن استنزف روحها بحديثه...تمسك بيدٍ مرتجفة ذاك المفتاح...لتبحث عن إجابات لم تصلها بحديثه المبهم..حتى دخلت إلى الغرفة الصغيرة الضيقة...الملحقة بغرفته...شعرت بجوها الخانق...لا تعلم كم من سنة أغلق عنها الضؤ! و الهواء!

حين اشعلت الأنوار...وقفت مذهولة...و هي ترى ذكرياتها...و أيامها المنثوره هنا..!
تزخر الغرفة بطفولتها...تعبق برائحة عشق كان هو شعورها الأوحد...لتتطاير من حولها الذكريات...و الأيام...و الأحلام...

أخذت يداها بلا شعور...تتفحص كل كا تمر عليه...لتتذكر تلك الأيام...و مشاعرها فيها...لتبدأ بالتأثير عليها من جديد...
حين كان عالمها الصغير...يقتصر عليها...و عليه فقط...
حين كانا طفلين سعيدين...بسبب أحدهما الآخر....
لتمر أمامها كل ذكرياتهما السعيدة...و الحزينة...الحلوة...و المرة...و المخجلة...

دفاترها المدرسيه!...صورها..! هل حقاً يحتفظ بها جميعها؟ متى اخذها ؟ كيف قام بجمعها طوال تلك السنوات؟؟

أحست أنها تغوص ببحر عميق...هي من جمعته قطرة...قطرة...لكنها تناسته...لتغرق الآن فيه من جديد...
عادت لذات الدروب التي مشتها في صباها...
عادت لها فرحتها الكبيرة التي ما عرفت غيره سبباً لها...
عادت تسمع صدى أحلامها و أمانيها معه...
لتفتش بين ثنايا أيامها...و أحلامها...و ضحكاتهم...و أحاديثهم...و أحاسيسهم...عن كل ما مرّ فيها و أصبح ذكرى منسية...
لكن لا شيء يخصها..مر عليه النسيان معه...كل مانسته عاش محفوراً لسنوات في قلبه..!!

فتحت صندوقاً...لترى رسائلها إليه تملأه...
عرفت تلك الأظرف الوردية المنقوشة...كانت تشتريها بكميات كبيرة...لهوسها بها...و به...
جلست على الأرض...اسندت ظهرها على الجدار...ممدة ساقيها...و هي تحتضن الصندوق فوقهما...
لتفتح أول رسالة...تتبعها أخرى...و أخرى...لتراها مازالت تحوي دفء مشاعرها...و حروفها...و جنونها به..

تذكرت أول قصيدة حب كتبتها...و تذكرت حتى تلك القصائد التي جمعتها و لم تكتبها...
نثرتها أمامها...تذكرتها...عرفتها...باتت تتلمس حتى التفاصيل الصغيرة التي خلفها...التي كانت قد تاهت في زحام ذاكرتها المجروحة ...

لتعيش ذاك العمر من جديد...عمرها الذي اخفته بعيداً...
قتلت الحب من قلبها بالقوة...دفنته جمراً في قلبها...يلهبها...
طوته بالأيام...و المسافات...حتى أصبح لايأتيها إلا على هيئة وجع...
ذاكرتها الصعبة...دفنته بعيداً لترجو الأمان...و الراحة...من بعده...

و بدأ يخونها النسيان...لتتذكره في اللحظة...ألف مرة..!!

إنها ذكرياتها...و إن لم ترضى عن كل مافيها...
مهما كانت حزينه...مهما كانت سيئة...
ستظل جزء من عمرها...لا يمكن أن تنكر أنها عاشته...برغبتها...و مشاعرها...
مهما حاولت النسيان...مهما حاولت النكران...مهما طوتها بسنوات البعد و الخذلان...

لكنها ذكرياتها...و أيامها...و مشاعرها...مازالت باقية فيها...
إنها هي بكل طفولتها و برائتها...بكل صباها و جنونها...

كانت تحتاج أن تأتي بها من بعيد...تحتاج أن يُذكرها بها...لتسترجعها...و تسترجع ما تعني لها...
مثلما استعادت منذ سنوات رحيله كل ما يحزنها و يجرحها لتغضب منه...لتقوى على نسيانه...و محوه من خيالها...
لقد اسقطت من ذاكرتها كل الأشياء الجميلة معه...احتفظت بالأسوأ فقط...
تشبث قلبها...بأشواك هجره و قسوة رحيله...و نسى عطر ذاك الورد الذي لطالما ازهر قلبها بسببه...

ستستعيد اليوم...جميع ذكرياتها السعيدة معه...لتسترجع حبها الأزلي لـه...
سيعتاده نبضها...الذي عاندته...سيعود ليتذكر الأيام الجميلة...ليسترجع مكانته في قلبها...

بعد ساعات غابت فيها...عادت إليه و حين رأته نائماً اقتربت منه بهدؤ...لتجلس على السرير قريباً منه...تتأمل عن قرب وجهه المتعب...و عيناها تهدر دمعاً مريراً على كل ما فعلت به...
منذ أن أخبرها يوماً أنه أمانةً بين يديها...لا أحد رغب بتحملها غيرها...
كم من السنوات بعدها أشقته فيها..؟؟وهو كما كان يهدر العمر بين يديها بلا حسبان..!

مدت يدها المرتجفة...لذاك الشيب الذي يملأ صدغه...تتذكر حين كان عالمها يمتليء بالألوان فقط من ضحكته...
يداه الدافئتان...كانت بيتها و أمانها...و من تلك العروق البارزة فيها لطالما كانت تستمد قوتها...و تحديها...

فتح عينيه بتعب...بعد أن احس بلمستها الدافئة على وجهه...
ليرى تلك الدموع التي تكتسح وجهها...تتزايد حين التقت بنظرته...حتى بدت تنوح..

رمت برأسها على صدره...ليغمض عينيه و يشد على أسنانه بقوة...من الألم الذي سببته لتلك الضلوع المصابة..
لكنه كتم آهته...حتى لو قتلته...يريدها هكذا متكئة على قلبه...
جاهد أن يرفع يده...يريد ضمها له أكثر...لكن و إن جاراه قلبه بتحمل الوجع...تلك اليد أبت...و خارت قوتها لتتهاوى بجانبه...

احست بين دموعها...و شهقاتها...بتلك اليد التي انسلت عن أكتافها...لترفع رأسها بفزع...ترى ملامحه الشاحبة...المتألمة...و تتذكر ما فعلت به للتو..!!!

لتشهق وهي تضع يديها على وجهها...فتنزلهما لتتحسس صدره العريض بلطف...

/ اوجعتــك؟؟

بصوت خفيض..حروفه تنتفض بوجع..لكن فرحةً صافية تطغى عليها / أوووججعي جعلني ماأشوف الراحة بدونك

لم تحتمل كلماته...لتغطي وجهها بيدها...و تعود لبكائها من جديد...
شهقاتها تمنعها من أن تتحدث بصوت واضح...
لا تدري بأي كلمات تخبره كل تلك الأحاديث التي تخنقها...
تريد أن تحدثه عن مرار تلك السنوات من بعده...
تريد أن تسمع أشياءً كثيرة منه...لكنها لا تجد للحديث مجال بينهما...
لا تستطيع حتى ضمه...و طمأنته...وهو بهذا الحال...
لذا انحنت لتضع يدها بلطف على قلبه الذي كان ينبض بقوة...و تسارع...
و تتكأ بمرفقها على السرير...لتغرقه بقبلة طويلة...لتخبره بكل ماتعجز عن قوله...


بعد وقت طويل قلقت فيه...من تأخرها عنده...و الصمت يطبق عليهما...ذهبت لتراهما...
دخلت إلى غرفته...لتجده ممددً كما كان على سريره بتعب...و تراها تجلس على الأرض قريباً منه...و رأسها يغفو على السرير بجانبه...

لم يكن ليحس بجدته حتى حين دخلت إلى منتصف غرفته التي بدأت تظلم و الشمس تميل للمغيب...
كانت روحه و قلبه و عيناه يهيمون بملامحها المسترخية قريباً جداً منها...و هي تنام قربه بتعب مسندة خدها على كفيها...
و يده تحتضن رأسها طوال الوقت...تعبث بخصلات ليلها الفاتن...تتنفس عطرها أصابعه و هي تغفى بأمان قربه...
بسكونها هذا بجانبه كانت تشرق بقلبه كالشمس...تداوي جراح الصبر و الأمس...و تنهيداتها الخفيفة نسائم تمحو أسى الخريف...لتتورد الروح من جديد بربيعها...

بكت طويلاً أعذب نهر من عينيها...تساقطت لآلئه بين يديه...لتعيد لوعدها...قداسته...
ليشعر أن كل ما مر لم يمر...و هي قربه...لا يأسى على كل ما خسره و فات...
المهم أنها عبرت الغياب إليه...لتحط رحالها وسط قلبه...تنهي سنين الفقد...و ليالي الشوق...و عمراً طال بالحرمان...

جدته بصوت خفيض / نامت؟
مالك و عيناه الهائمة لا تغادر ملامح وجهها..رد بهمس / ايه
جدته / أخاف أهلها يقلقون عليها
مالك يطمئنها / ارسلت لتميم..بأصحيها إذا أذن المغرب..بس خليها ترتاح شكلها ما نامت البارح

خرجت جدته مطمئنة عليه بين يديها...و صوته الذي غابت نبرات السعادة منه لسنوات...يعود ليرن طرباً في سمعها...

بعد لحظات آسرة لم يكن يريد لخدرها أن تنتهي...تنهد بعمق الراحة التي أنسته أوجاع جسده...
وهو يملأ نظراته لساعات بملامح عشقها عمراً كاملاً...أتته كالسحر بعدما كان يشل اليأس قوته ليعجز حتى عن التمسك بها...

مالك بهمس عميق..يترنم حباً بحروف إسمها / سلام

فتحت عينيها المثقلة بالنعاس للحظة...ليلمح وسطهما الشفق الأحمر الذي عقب بذخ تلك الدمعات التي تساقطت منها...
كان الحزن بقلبه يعظم...وهو يرى في عذابها ما فعله في حياتها...هو من كان لا يسمح لنسمة الهواء أن تعبث بها...كيف كان يقوى أن يوجعها بذاك الإصرار القاسي على قلبها المجروح ببعده أعوام...

أفاقت و هي تتفاجأ بإنتشار الظلام من حولهما...لترفع رأسها...فيطبق يده مكانه على كفيها الدافئتين...

سلام بنعاس و تعب / كيف نمت؟ كم الساعة؟
مالك بضيق من حزنها و تعبها الذي جعلها تغفو من غير إدراك / ما نمتي البارحة؟
سلام تسقط من عينيها دمعة / مو بس البارحة من آخر يوم شفتك فيه و أنا مو قادرة أنام..و لا ارتاح..بعد اللي صار لك مني!
مالك يرفع يده لوجهها بتعب..ليمسح دمعتها فتشد بكفها على تلك اليد التي تجاهد ألمها لتصل إليها / خلاص يا سلام لاتفكرين باللي راح و لا تلومين نفسك على شي..دامك رجعتي للقلب ما فيه شي من اللي راح يهم اللحين
سلام ترجع يده على السرير ليرتاح/ خلاص نتكلم عن اللي جاي_لتكمل برجاء_ارجع للمستشفى يا مالك..أنت تعبان...تعبان كثير بس تكابر
مالك يطمئنها بتعب / إذا هالشي يريحك بأرجع
سلام تمد يدها لتشعل الإضاءة بالقرب من سريره / أنا تأخرت بأروح.....
مالك يقاطعها برجاء / كلمت تميم و قلت له إنك هنا..خليك لحد ما يجي ياخذك
سلام بإستدراك / لكن السواق ينتظرني تحت
مالك/ بأكلمه يروح
سلام / ليه؟!
مالك بصوت أصبح مبحوحاً من تعبه / ليه! أنا لو بيدي قفلت عليك بوسط قلبي ما طلعتك

صوته المتعب...أوصد قلبها بقلقها عليه...و كلماته تشكي لها حرمانه الطويل...

سلام تطمئنه مبتسمة بحب رغم الدمع الذي يملأ عينيها / بأروح أصلي..و اشوف عمتي مزنه
مالك بتهديد تعلم بحزن أنه لايقوى عليه / ارجعي...اذا ما رجعتي بأجيكم أنا

عادت إليه بعد وقت مر عليه كدهرٍ شحيح بإنقضاءه...و حين رأى إبتسامتها...كاد يهوي قلبه...حين عادت لملامحها ذات الفرحة التي سكنتها لأعوام حين تراه...نظرتها العذبة عادت لبريقها الذي تخصه فيه...و تخلصت أخيراً من سهام الخوف...و اللوم التي كانت تغرسها في قلبه كلما رأته...

جلست بالقرب منه...تنظر إليه بتفحص...و قلق...

سلام / عمتي تقول وقت علاجك_التفتت لترى تلك الأدوية المصطفة بقربه_وش أعطيك منهم؟
مالك يلف وجهها إليه / خليني بس أشوف وجهك و أنا ارتاح..مابي علاج غيره
سلام تمسك يده لتنزلها حتى لا يجهد نفسه..و تؤنبه/ يله مالك خذ علاجك عشان نتكلم
مالك يتنهد براحة..و كان حقاً يناقض حال التعب الذي كان يبدو عليه قبل قليل/ ما بعد صوتك علاج يا سلام
سلام يأست منه...لتمسك بأدويته بين يديها / هذا أو هذا أو هذا ؟
مالك يبتسم و يجيب من أجلها / هذا

اعطته دوائه...و لم يكن ليهتم...سوى بدواء قلبه و روحه...وهو يحس بها قريبة منه...يلمح وجهها و إهتمامها بكل همسة...و لمسة...

سلام بأمر / كلمت تميم..و كلم دكتورك..اللحين بترجع للمستشفى..وش تبغى اجهز لك؟

ماذا يريد..؟
يريد عمراً طويلاً يقضيه بين يديها...
يريده كما ابتدأ بها...ينتهي بها...
يريد أن ينثر لها ملايين الأحاسيس التي كان يأسرها بأسى صدره...
يحكي لها طول الأحاديث التي كان يهذيها بينه و بين نفسه أعواماً...
يريد ليالي طويلة يسهرها...على نغم صوتها..و ضيء عينيها..لا يغمض عينيه لحظة عن رقة ملامحها...
يتمنى أن يخرجها من روحه التي خبئها سراً بها لأعوام..ليحميها من نفسه...و من ظلمه...و من أخطائه...
لتزهو بغرامه أمام عينيه عشقاً...يغرق بها بين أحضانه دفئاً...و يُشهرها حقاً أمام كل لوم و عتب أبعدها عنه...

♥▓♥▒♥▓♥

:
:

بعـد ثـلاثــة أشـهــر ..~

كانتا تجلسان مع ساري في بيته...تنتظران منوة كي يذهبن إلى المصممة التي أخذوا موعداً لديها...لأخذ قياساتهن لفساتين زفاف مالك و سلام...

سمو ماتزال ترثي منوة بضيق من شدة فرطه بدى مضحكاً لهما / معليش أنا ودي أتعود على السالفة..بس كل ما سمعتها من جديد..أحس بنفس الروعة اللي حسيتها بأول مرة..!! ياعمري عليك يامنوة! ماتستاهلين هالمرمطة! حشى عقوبة هاذي مو وحام!!

كان ساري بالكاد يقاوم ضحكته...و سلام تمسح دمعاتها التي تساقطت من شدة الضحك...و هي تسمع عن الأمر للمرة الأولى...كان مع سمو حق...الأمر مضحك حد البكاء حزناً على حالها...

دخلت منوة...و كعادتها حين تنتهي من تلك الزيارة و تصل إلى منزلها تبدأ بالبكاء...بكاءها الذي أصبح هذه المرة أشد...و هي ترى تعابيرهم الغريبة...التي تتماوج بين الشفقة...و الضحك...

ذهب إليها ساري...ليحتضن أكتافها...و يقبل خدها...و هي تنوح بين يديه...ليجلسها أمامهما على الكنب...و يجلس بجانبها وهو مازال يحتضن كتفيها بذراعه...رغبة في مواساتها...و رغبة أكثر أن لا تلمح شبح إبتسامة قد تفلت منه بالأخص بوجود سمو...

منوة بقهر / والله العظيم ما اروح مرة ثانية
سمو تنبهها و هي تكاد تبكي بطريقة مضحكة / مووني هذي ثالث مرة تحلفين!! بيجي رمضان و أنتي ما خلصتي صيامك كفارة هالحلوف!!
منوة تضرب صدر ساري بحنق / كله منك أنت! يعني ما رحت تخطبها إلا و أنا حامل عشان تبليني و اتوحم عليها!!
ساري يصحح لها / أنتي اللي خطبتيها لي مو أنا
سمو تهز رأسها أسفاً / شكل وحامك فيها بادي قبل حملك!!
منوة بغيض / لو شفتوني ثاني مرة بأروح لهم..قفلوا علي الباب
سمو تشهق / لا يا خبله بعدين يطلع البيبي يشبه لها..عاد تبلشين طول عمرك بدانه صغيرة قدام وجهك..مثل ما أنتي بالشتها اللحين كل أسبوع ناطة بوجهها..اشغلتي البنت و هي وراها ملكة!!

تعالت ضحكاتهم من حولها...لتذرف دمعها من جديد...!!

منوة تمسح دموعها لتخبرهم / اي صح ملكتها الأسبوع الجاي
ساري / و ليه تقولين لنا..يعني مسموح لي أروح؟
سمو تجيب بدلاً عنها بإستخفاف / اي طبعاً تروح..يا زينها ترفض و هي ما بقى إلا تخيّم عندهم!!
منوة ترمقها بغيض / و الله محد منبسط بهالوحام مثلك أنتي و أخوك! أنتي شبعتي ضحك وهو متحمس يبي اجيب بنت تشبه لها
سمو تغيضها / تستاهلين..اللحين عندك أنا وش ملحي! وش خفة دمي و دايم بوجهك و تحبيني ماتوحمتي علي! و رايحة تتوحمين على بنت موضي!

كان يضحك معهم...و إستنكار غريب يملأ عقله و تفكيره..!!
كيف كان ذكرها محرماً على قلبه لسنوات..؟حتى من حوله يتحاشون ذكرها كذنب لا يغفر..؟
و لم يكن ليتخيل أبداً...أنه في يوم من الأيام...قد يضحك من تلك الأوجاع...و الخذلان الذي سكنه لسنوات...كمزحة..!
لكن هذا الجنون لم يكن ليتحقق لولا تلك الجالسة بجانبه...التي قلبت موازين حياته...و جعلت اللامعقول معقول في قلبه...

♥▓♥▒♥▓♥

بـعــد سـتـــة أشـهــر ...~

حالما دخلا الحارة...احست بشيء غريب يثقل صدرها...و عيناها التي لا إرادياً امتدتا بنظرها إلى بيته...لمحت سيارته...لتتوتتر نبضات قلبها و تتسارع...
كان يكفي معرفتها بوجوده...لتعاودها مرارة الندم...و الحزن على ما فعلته به...و بينهما...و لم تكن تتخيل أن تراه هو أيضاً...
ما إن اقتربوا من منزلها...رأته ينزل من سيارته...و يدخل إلى منزله سريعاً...و بالتأكيد رآهما...

ارخت نظراتها بضيق...رغم فرحها بزيارته لأهله...كانت تتمنى أكثر أن تعود حياته بينهم...ليصلح ما أفسدت فيها...
أفاقت من شرودها و هي تحس بالسيارة التي لم تتوقف...ليكمل الطريق...

سلام تلتفت إليه بإستغراب / ليه مشيت؟
مالك يبتسم لها بحب / ما شبعت منك نآخذ لفة و نرجع

تلك النظرة التي سرعان ما هرب فيها بعينيه...أعلمتها أنه أدرك ضيقها...

سلام بإعتراض / بتذبحني ضحى إذا تأخرت
مالك بتملّك / تحمد ربها سمحت لها تاخذك..و تخرب علينا شهر عسلنا
سلام تضحك / خلص الشهر وزيادة!
مالك ينظر لها بهيام / نبداه من جديد..ما عندي مانع و اسحبي عليها
سلام لا تطاوعه / لا..بس تذكرت محل تحب الكب كيك اللي يسوونه..بنروح نجيب لها رضاوة التأخير عشان ما تهزأني
مالك بحماس / وين محلك؟ إن شاء الله إن بعيد
سلام ترمقه بملل و إستكار/ والله كل شي بيطلع بعيد على سرعتك هاذي!

رمقها بتسلية...ليبطيء من سرعته أكثر...رغبة في إغاضتها...لتشغل بالها في عتابه...و إحتجاجاتها...عما ضاقت به...
يعبر قلبه الأسى على جراح لم تلتأم في قلبها...لا يريدها أن تخادع نفسها بتظاهرها...ليتفاقم الضيق بخفاء في قلبها...
يعلم أي لوم يثقل روحها...هو أيضاً ذاق طويلاً هذا الكأس...و لم يستشعر الراحة من عذابه...إلا حين وصله خبر زواج عذاري...
لقد تزوجت من رجل أرمل...لديه طفلةً صغيرة...يعلم أنها بحنانها...و إهتمامها ستغدو أماً حقيقةً لها...ستعطيها الحب الذي طالما ملأ قلبها...و أضناها الحنين طويلاً لطفلة تغدقه عليها...


كانت زيارته الأولى لأهله...فطوال تلك الأشهر كانوا هم من يأتون إلى زيارته...وهو يتحجج بإنشغاله...و عدم حصوله على إجازة تستحق عودته...و ها هو في أول عودة له...يقابل ما يخشاه...و القدر يلقيها بوجهه...

كان يجلس في غرفته...حين انهى سلامه على أهله...و صعد بحقيبته للأعلى...حين رآها تدخل عليه الغرفة...

شوق / يوسف محتاج شيء؟
يوسف / لا يعطيك العافية..بس تعالي باسألك عن شيء

و حين جلست بجانبه...

يوسف بهدؤ..و بساطة / وش أخبار سلام؟
شوق بإرتباك تعترف / مادري..بس إن شاءالله إنها بخير
يوسف يعقد ملامحه بضيق / ما تشوفونها؟
شوق تتهرب من عينيه بحزن/ لا من بعد إنفصالكم ما عاد شفناها هي ابعدت و حنا ابعدنا..لكن صبح و ضحى يجون عندنا أحيانا
يوسف بحيادية من أي مشاعر لطالما سكنته مع اسمها / ليه؟
شوق تعود بنظرها له لتتفحص عينيه تبحث عن سبب هذه الأسئلة بقلق / يوسف ليه تسأل عنها؟
يوسف يزفر نفساً ثقيلاً / شفتها مع مالك جايه لأهلها
شوق بصدمة..رغم أنها أزالت الضيق الذي كدر قلبها منذ وصوله / أنت عرفت إنها تزوجت!!
يوسف / إيه أبوي قال لي
شوق تسرد ماحدث بحزن / حنا ما عرفنا إلا قبل ماتتزوج بشهر لأنها ما سوت ملكة و لا بلغتنا
يوسف بإندهاش/ و لا حضرتم زواجها؟
شوق بكدر على ذاك اليوم و على حالهم / لا..مع انها ارسلت لنا صبح قالت انها تتمنى اننا نحضر..بس طلبت نسوي اللي يريحنا و هي عاذرتنا بكل شي..و بصراحة ما قوينا نروح..و ما قوينا للحين نشوفها
يوسف يتنهد ليصمت وقتاً طويلاً قبل أن يتحدث / هي عند أهلها اتصلي و روحوا شوفوها و باركوا له
شوق حتى لو كانت تتوق لرؤيتها..لا تريد أن تذهب بحضوره هنا / يوسف......
يوسف يقاطعها / و أبي تقولين لها شيء
شوق بإستغراب / وش تبي أقول لها؟
يوسف / قولي يوسف يقول لك ألف مبروك..و يدعي الله يهنيك بحياتك لأنك تستاهلين كل خير..و قوليلها إني خطبت
شوق سعيدة بتقبله لزواجها بهذا الشكل..لكنها كانت قلقة مما يشعر به حقيقةً / و ليه هالكذبة عاد!
يوسف يرفع حاجبيه مستنكراً / مين قال إنها كذبة؟
شوق تتسع عينيها بحماس/ جد! خطبت! مين؟
يوسف بإبتسامة مودة..و عينان تخفيان الكثير / نجلاء..بنت عمي
شوق بفرح غامر ملأ قلبها له...و لها / ألف مبروك ياقلبي..تستاهل نجول قلبك الطيب

♥▓♥▒♥▓♥

بـعــد تـسـعــة أشـهــر ...~

كانت قليلاً ما تنزل إلى الدور الأول...بعد منتصف الليل...ففي غرفتها الواسعة جّهز خالها لها حتى مطبخاً تحضيرياً صغيراً...كي لا تحتاج للتجول أكثر في المنزل...

ارتاحت و هي ترى المنزل مظلماً...ساكناً...لتذهب إلى المطبخ...لكن قبل أن تدخل...تراجعت بسرعة و إرتباك حين رأته يجلس على الكرسي و يوليها ظهره العريض...كانت ستعود أدراجها و هي تحمد الله أنه لم يراها...لكن إستدراكها التقط شيئاً غريباً وسط صدمتها بوجوده...لتقترب من جديد تطل عليه من الباب لتتأكد...

لتشهق بفزع...و هي تتأكد مما رأته سابقاً...و تتقدم مرتعبة منه...و هي تراقب بذعر تلك المناديل الممتلئة بدمائه...على الطاولة...

جرح تقف فجأة أمامه لتسأل بقلق و عصبية / وش فيك؟
كاد أن يفز حين ظهرت من العدم أمامه..ليحدق فيها بصدمة لا تستوعب وجودها / جرح!

إنها المرة الأولى التي يقابلها فيها...بعد (ملكتهم) التي كانت منذ شهر كامل...رغم أنهما يعيشان في ذات المنزل...لكنها تتقن فن إبعاد نفسها عنه...بجدارة...
اختفت كالحلم بعد تلك الليلة التي جمعته فيها...حين جلست أمامه...بهالة مرهفة التأثير...تناقض جفاء حديثها...
حين سألها عن مشاعرها..؟
لتخبره بصراحة...أنها تزوجت به لأنها لا تستطيع رفض طلب لخالها...
و حين سأل فقط..؟؟
أجابته بإجابة أسوأ من سابقتها...و هي أن موافقتها عليه ستصلح وضعهما المعقد في منزل واحد...
لتتركه مع يأس تلك الإجابتين وحده...بلا وصل...و لا لقاء...ينتظر بلهفة صدفة تجمعها بها...لم تتحقق أبداً له...

و في اليوم الوحيد الذي يأس فيه أن يراها...في اليوم الذي كان يظن أنه انتهى بسؤ حظ و ذاك العامل الأخرق الذي كان يعمل معه لتعديل إضاءة الملحق الخارجي...يهوي بغباء على رأسه بتلك الإضاءة التي استبدلها...يراها تقف أمامه..!!
و في هذه اللحظة بات يشكر ذاك العامل و غباءه...يشكر الإضاءت المعطلة...يشكر إصابته...إن كانت هي ستكون ختام كل هذا...

جرح بعصبية / ليه ما رحت المستشفى؟
تميم يطمئنها / الجرح بسيط ما يسوى_يبعد تلك المناديل التي ارعبتها_لا تخافين من هالدم! بس كنت بأرتاح شوي و اقوم انظفه
جرح لا تصدقه و ترفع صوتها بغضب / يعني جاي من برا و داخل البيت بهالشكل عشان تروعنا! ما كلفت على نفسك تمر ع المستشفى لو بس يطهرونه لك!! وش هالمخ اللي عندك!!!..............

كانت تتحدث بغضب...و عصبية كعادتها...و هي تفتح الأدراج تبحث عن شيء ما...وسط ذهوله...
من حضورها...من وجودها...و من كل تلك الكلمات الغاضبة التي توبخه بها كطفلٍ صغير....
ليكتشف أنها أحضرت...منشفة صغيرة مبللة...و قطن... ومحلول مطهر...لتقف أمامه...قريباً جداً منه...تمسح الدم الذي سال على وجهه بتلك المنشفة...لكي تبدأ بتعقيم الجرح...و تتأكد منه...
كانت كلمات سبابها التي مازالت ترميها عليه مع غضبها الذي لا يهدأ...تناقض نعومة كفها التي امسكت فيها ذقنه لترفع رأسه..و هي تطهر جرحه...

كان ساكناً بين يديها بقربٍ لم يتخيله...يتأمل وجهها بكثب...لا تنتبه لنظراته الهائمة و هي تركز على ذاك الجرح فقط...
هل تجهل! أو تتجاهل كم هي أنوثتها خطيرة على قلبه..بهذا القرب! بهذه البيجاما الخمرية و أزرتها العلوية مفتوحة لتكشف عن صفاء نحرها الأبيض...الذي تزينه تلك السلسلة الذهبية الرقيقة..تسكره تلك الرائحة المخملية التي جعلتها كبتلة ورد تدنو من صدره...و تمتلكه بكل حواسه...

حين انتهت تركته بجفاء...و ذهبت لتغسل يديها حتى تغطي جرحه...و حين عادت إليه وجدته يساعدها بفتح علبة لاصقة الجروح...ليمدها لها...
لكن أعصابها المصدومة من كل تلك الدماء التي شاهدتها...مازالت تحتاج لتنفيس...فغضبها كعادته يشتعل سريعاً...و لا يزول بسهولة...و لأنها إن لم تغضب...لا تعلم أي حديث سيجمعها به...

جرح و هي تلتقطها منه بعصبية..لتضعها على الجرح / الجرح مو عميق بس ياليت حضرتك...تروح بكره لـ.....

قطعت حديثها...حين امسك كفيها...و ثبتها بكفيه على مسندي الكرسي الذي يجلس عليه...
لتنحني قليلاً و تدنو منه بشدة...فتقابله وجهاً لوجه...

جرح بغضب يتزايد من جرأته التي لم تتخيلها تصدر منه / فكني يا مجنون..أنا من زمان اقول إنك مو صاحي..بعد هالضربة شكله طار عقلك
تميم بعتب / بس خلاص من دخلتي و أنتي تسبين!
جرح بإستنكار / احمد ربك باللي سويته..و إذا مو عاجبك.....
تميم بتحذير / لا تردين الكلمة بعشر! ما تعرفين تقولين ايه و تسكتين
جرح بعناد زاد من توترها وهي بهذا القرب منه / لا ماراح اسكت والله أنا أقول اللي بخاطري مو أنت....
تميم بتهديد / إذا ما سكتي بأسكتك أنا
جرح و كل حديثه يصدمها..لتحتد / لا والله هذا اللي ناقص..تمسكن لحد ما تمّكن!!..و كيف بتسكتني إن شاءالله
تميم بسخرية و عيناه تراها بخبث / ما تشوفين أفلام و مسلسلات! ما تعرفين الطريقة الأزلية اللي يسكت فيها البطل البطلة

لم تكن لتذكر آخر مرة رأت فيلماً...أو اهتمت لأحداثه...و حديثه السخيف عن الأفلام وقت غضبها...جعلها تتأكد أنه أحمق...

جرح / فكني مابي اسمع شي من خبالــ......

أراد معاقبتها بطبع قبلة صغيرة فقط على شفتيها ليُربكها...فيهدأ غضبها المتطاير من حوله...
لكنه استعذب نكهة الحلوى بشفتيها...ليأسرها لوقت أطول...

ابتعد عنها...ليراقب ملامحها التي كانت مذهولة للحظة...قبل أن يبدأ الغضب يلتمع بنظرتها من جديد..و هي تشد يديها من يديه بقوة...و يزداد غضبها وهو يقاومها بعناد...و لا يسمح لها بالإنفلات...فهو بعد جفاءها الشديد معه...سيستغل حتى أقصى درجة...الفرصة التي منحته قربها فيها...لأنه يعلم أنها ستعاقبه بشدة بعدها...فمدام ميتاً ميتاً بجفاءها...فليمت شجاعاً...

جرح ترفرف أهدابها بشدة و أنفاسها الغاضبة تلفح وجهه / ياا حـ....
تميم يقترب وهو يرفع لها حاجباً بتهديد..يناقض الغرام العذب بعينيه / تعرفين من اليوم وش عقابك اذا سبيتي أو عصبتي علي

كان يراقب بتسلية شفتيها المرتجفتين تنفرج ثم تعود لتزمها بحنق...و هي تبحث بعقلها عن كلمة لا تغضبه من جديد...
حسناً أيتها الغاضبة الحلوة...يجب أن أملك من اليوم أسلحتي الخاصة...التي أواجه عنادك فيها...حتى ترضخين...و تلينين على القلب قليلاً...

جرح يتصاعد الحرج داخلها حين لم تقوى على إفراغ غضبها..لترخي نظراتها عن وجهه..و تهمس بإرتجاف اربكه هو / تميـم اتركني
تميم يتنهد بغرام / لا والله اللي ما تركك تميم و أنتي تنطقين اسمه كذا!!

و قبل أن تنتبه...رفع يديهما عن الكرسي...وهو لا يزال يتمسك بها...ليلفها للخلف بين يديه بلحظه و يجلسها بحضنه...
شهقت بقوة وحاولت المقاومة...لكن لا أمل لها وهو يعقد ذراعيه حولها بشدة و لايزال يطبق على كفيها بكفيه العريضتين..

أسند ذقنه على كتفها...ليهمس قريباً من أذنها...كل الحديث الذي يتوق أن يخبرها به...و هي لا تعطيه أدنى فرصة...بجفاءها...و إنشغالها في بداية عملها...و وجود أهلها دائماً حولها...حتى إذا اتصل بها...سرعان ما تجد ما تغضب منه بسببه لتقفل الخط...بعد إتصلات كثيرة لا تجيب عليها...

تميم بصوت منخفض مهتم / ما تعبتي من هالقسوة يا جرح؟ ما تعبتي من عنادك و عصبيتك؟ ليه شايله الدنيا على راسك و أنتي بهالعمر!الحياة حلوة..عيشيها ببساطة..مو ضروري تفكرين بكل شيء..مو ضروري تردين على كل كلمة..ما فيه شي يسوى تضيعين هاللحظات الحلوة بعمرك مع اللي تحبينهم..عصبيتك معي..عصبيتك مع أمك..و مع لانا..و في الشغل..كل هالأشياء أنا متأكد إنها تتعبك قبلنا.._أحس بإرتخاء أكتافها بإستسلام ليكمل_الكل يحبك و يهتم فيك والكل بيتحملك..بس أنتي بتحسين نفسك بعيدة عن الكل و هذا شعورك..ابدأي بنفسك يا جرح و حبيها ريحي بالك من كل شي لا تعطين الموقف أكبر من حجمه سايري و طنشي..أنا كل اللي أبيه اشوفك دايم فرحانة و مرتاحة..فكري بكلامي زين و حاولي تجربين

أرخى يديه قليلاً تاركاً لها الفرصة للخلاص...لأنه يعلم أن جرأته فاقت حد إحتمالها...ليبتسم بحب حين رآها ما تزال تجلس شاردة في حضنه لا تنوي النهوض...
ليزفر نفساً عميقاً وهو يتراجع قليلاً يتأمل عنقها و خصلات الشعر النافرة من تلك الشريطة التي تجمعه بها تنساب بحريرية عليه...اسند خده على يده وهو يميل بجسده جانباً إتجاه الطاولة...ليلمح منتصف وجهها...و يرى بريق دمعٍ يسكن أحداقها...

احس بها تنتفض من شرودها العميق بعد كلامه...لتنتبه لنفسها...و تقف بسرعة و تلتف لتغادره...لكن حين مرت بجانبه...امسك رسغها بقوة ليوقفها بجانبه للحظة...حتى التفتت تنظر إليه لأول مرة بعينين مثقلتين بمشاعر كثيفة...و حيرة...

تميم همس لها بكل حب / ما قلت لك اللي أهم من هذا كله

كان في نظرتها الساهمة ترقب...و إنتظار..!!

تميم ينظر لها بوله ويعترف بصوت عميق / أحبـــك

سحبت يدها من يده...و هي تتركه لتخرج من المطبخ...لا تذكر لما نزلت...و ماذا كانت تريد...
صعدت إلى غرفتها...لتتنفس أخيراً بشكل طبيعي بعد أن ابتعدت عنه...لا بل كانت تظنه طبيعي...بينما لا شيء فيها يبدو على طبيعته...بعد لقاءه هذا..!!

اعتادت عليه...يعاملها بحذر...و لطف دائماً...لذا لم تهتم و هي تجلس معه لتطهر له ذاك الجرح الذي أفزعها...و نسيت حتى أن تسأل عن سببه...لم تتخيل تلك الشخصية المندفعة التي ظهرت عليه فجأة...ليتجرأ على تهديدها! إنتقادها! والإقتراب كما يحلو له منها!

وقفت مستندة على الباب الذي اغلقته...تشعر بالغرابة من نفسها...يجب أن تكون غاضبة على كل ما قاله...و فعله بها...
لكنها كانت تشعر بهدؤ...و سكينة...غريبين..! لا تدري كيف تسللتها كل هذه الراحة بعد حديثه..!
أين غضبها؟؟
أين قوتها؟؟
أين رأيها به كمتطفل دائم على حياتها؟؟
هل لامس قلبها حديثه...و إهتمامه...هل هزه إعترافه بحبها..!
لما تحس بقلبها يحلق عالياً حين تتذكر عينيه...و نظراته لها...
تحس بأمان غريب و هي للآن تشعر بدفئه و حنانه...الذي احتضنها به...
مازال تأثيره باقي عليها...كرائحة عطره التي وشمها به...

♥▓♥▒♥▓♥

بـعــد سـنـــة و ستة أشهر ...~

كانت الليلة جميلة كجمالهما معاً...و الكل يحمل بقلبه فرحةً مضاعفة من أجلهما...
كان منظرهما الذي لطالما اعتادت عليه الأعين...و هما معاً لا تفترقان...أبهى بكل تلك الأناقة...و الأنوثة...و تلك الفرحة...

راوية تقف بجانبها بإعتراض / ياعمري يا كادي اشغلتها جميلة و عفستها! و مو راضية تتركها و تجي معي!!

جواهر تراقب كادي بحنان...التي أصبحت منذ عدة أشهر كأم...لا تراها إلا و هي تحمل أختها الصغيرة بين يديها...
و تلك الطفلة...لا تقتنع بأي أحد بوجودها...

جواهر تضحك / و لا يهمك أنا أحاول آخذها منها..إن شاء الله تقتنع فيني

ابتسمت راوية و هي تراها أخيراً تتقبل أحداً...لتذهب معه من بين يدي كادي...
فجواهر تملك هالة دفء و مودة...لها القدرة على جذب أي طفل...بحنانها الفياض بملامحها...و رقة حديثها...

جواهر تصل إليها...لتكشر جميلة و تتعلق بجواهر مبتعدة عنها...

راوية تضحك عليها و تعاندها بإستنكار رغم أنها لا تعي ما تقول / من زينك! أصلاً ماراح أخرب كشختي و اشيلك
جواهر تضحك / الله يخليها لك

كانت قد اعتادت حتى ملت...على الأطفال...و محبتهم...و الإهتمام بهم...و هي ترعى أبناء و بنات إخوتها واحداً تلو الآخر منذ طفولتها...لتتعامل الآن مع طفلتها بندّية...و هي تقاسمها الدلال...و الحب...في قلب أبيها...
في حين أتت طفلتها إليهم كفرحة كبيرة جداً...فرحة طال إنتظارهم لها لسنوات...ليعاملوها بكل ما للدلال أن يسمح به...
فلا تكاد تراها تمشي على قدميها...و هي تنتقل بينهم من حضن أبيها...إلى أخيها...إلى أختها...
كانوا ينتظرونها بشوق...و حب...و حين اسمتها جميلة من أجلهم...كادوا يجنون بها...

جواهر تقاطع تفكيرها / يلا نخلي العرسان يدخلون
راوية بإعتراض/ الله يهديم إلا يملّكون مع بعض..و حاسوا علينا الترتيبات كلها..مادري اروح اسلم على مين!
جواهر تضحك / الله يخليهم لك..و يديم المحبة بينهم

ذهبت إليهما راوية...لتفترقا أخيراً...فرغم إجتماعهما أمام أهلهما بتلك الكوشة التي صممتاها معاً لتجلسان بها معاً...
كانتا قد جهزتا لكل واحدة منهما كوشة خاصة مستقلة لإلباسها الشبكة...
و هذه الترتيبات التي كانت تصيب راوية بالصداع...لكن كانتا هما سعيدتين بها...و هما ترتبطان بذات الليلة...بتوأم...أشد إرتباطاً ببعضهما...

سمو تمسك كادي قبل أن تذهب لتسأل بتوتر / تعالي اللحين حقي مين؟ زياد أو إياد! والله للحين الخبط..أخاف أجيب العيد قدامه!!
كادي تعقد حاجبيها بعدم تصديق..لا تدري إن كانت تمزح أو جادة في كلامها / المفروض إنك مستحية و لا تنطقين إسمه
سمو بحماس / صح! فكرة إذا تورطت بأسويها

كانت تجلس معهم...هي و جود...حين بدأت جواهر تتأملها بإعجاب...و محبة...

جواهر بتلميح / ما بقى إلا نفرح فيك يا ضحى..ما بقى غيرك أنتي و سامي حتى هو ما فرحنا فيه
ضحى بلا مبالاة..تجيبها بتأكيد / لا خليه ينتظر لحد ما اخلص دراستي و اشتغل
جواهر تضحك / و لا يهمك ينتظر قد ما تبين أهم شي إنك موافقة

احمّر وجهها بشدة...حين ضحكوا جميعاً بصدمة على تلك الموافقة التي اعلنتها قبل أن تطلب منها...
كانت لكثرة ة ما تسمع من تعليقات كادي و سمو عليها يومياً بدى لها الأمر معتاداً...طبيعياً...
لاتريد أن تلتفت لترى وجه والدتها بالذات التي لأول مرة تسمع هذا الخبر...و هي أمامها تعطي موافقة أكيدة...سريعة...بلا خجل...لخطبة جواهر التي كانت مجرد تلميح...!!

ضحى تهمس لجود / فيه مجال نختفي!!
جود تكتم ضحكتها..لتسحبها و هي تتحدث معهم / بنروح نجهز مفاجأتنا لكدّو و سمّوي

♥▓♥▒♥▓♥

بـعـــد سـنـتيــن ...~

عاد إلى المنزل كعادته...محملاً بتلك الأكياس الفاخرة...التي لا يكاد يدخل يوماً بدونها...لتركض له تلك الطفلة التي تعدت العام بعدة أشهر...لتصله بخطواتها المتعثرة...يحملها بين يديه يغرق وجها الصغير بالقبل...

ماسه تحجب خديها عنه / بث خلاث أنا بعد أبي أبوثك
باسل يعطيها خده / أحلى من يبوس بابا أنتي_و أكمل مبتسماً حين رآها تتقدم منهما_بعد ماما طبعاً

طوقها بذراعه وهو يطبع قبلة عميقة على خدها...

صبح بإعتراض دائم عجز أن يجد إجابة منه / قبل أسبوع جايب لها فساتين و هي حتى مالحقت تلبس اللي عندها
باسل/ خليها إذا مالبست ماسة باسل مين اللي يلبس و يتدلع..أنتي مو راضية تجيبين لها أخذت هالمهمة اللي مادريت إنها تفرّح عنك
صبح تمازحه / واضح انك متحمس بقوة! تجيب اللي مقاسها و اللي مو مقاسها
باسل لا يهتم/ تكبر حلوة أبوها و تلبسه..و اللي تمل منه تصدقي فيه نكسب أجره

هزت رأسها بيأس أن يقتنع...يلومها على عدم شراء شيء لها...و كأنها تبخل عليها!
لكن الشراء في الحد المعقول الذي اعتادت عليه...يعتبره هو تقصيراً بحق مدللته...و حين لم ترضخ له...تكفّل هو بكل ما يخص فتاته ليحضر لها ما تحتاجه و لا تحتاجه...

على كثرة ما غيرت به من طباع...بقي هوسه في الشراء و إسرافه بأناقته...طبعاً لا يتغير فيه...
ليمتد الآن لفتاته المدللـة...وهو يغرقها يومياً بالملابس و المجوهرات و الهدايا...التي أصبحت تتعدى حتى المناسبات التي تخرج فيها...

ليست فقط طفلتها...هي أيضاً رغم أنها للآن تحافظ على طبيعتها في إختيار ملابسها...بحدود الأسعار التي تراها معقولة في نظرها...إلا أنها تملك عدداً كبيراً من تلك الأشياء التي تذهلها أسعارها...هدية منه...

مازالت لا تقتنع بمبالغته...و لا يقتنع هو بزُهدها...وهو الأمر الوحيد الذي لن يتفقا أبداً عليه..!!

♥▓♥▒♥▓♥

:
:

بعـد ثمانية أعــوام ...~

في إجتماعهم الكبير...يوم العيد...خرجت مع سمو لتبحث عن إبنها...تنهدت بغيض حين وجدت ذاك البشت الصغير و شماغه...مرميان على عتبات الدرج بجانب حذائيه...لتنحني بصعوبة لتلتقطهما...فهي أصبحت بنهاية الشهر السابع من حملها الثاني...

منوة بغيض / شوفي سعّودي بس وش مسوي! الله يصلحه خرب كشخة العيد!!

و حين نادت عليه...رأته يركض إليها...ليصل لاهثاً...

منوة تعاتبه / مو قلت لك تنتبه لملابسك! ليه سويت فيهم كذا؟ و أنت للحين ما سلمت على عمانك!
سعود بإستعراض طفولي / ماما كانوا بيضربون (ممود) و رحت أدافع عنها..خافوا مني كلهم و تركوها
منوة تكشر بإمتعاض / عشتوا يا عنتر زمانك! ياخيبتي فيك و أنتي حافي تركض ورى بنت دانه!!
سمو تضحك/ هههههه تدرين حتى أمي تجيها حموضة بالمعدة إذا سمعت إن سعود يحب موضي
منوة تبتسم معها لتكمل بغيض/ حشى وراثة هالحب بين العائلتين! تتناقله الأجيال!

♥▓♥▒♥▓♥

بعـد ستة عشر عـامــاً ...~

في زمن آخر...و مكان آخر...
كان العيد في بيت جدهما جابر أكثر بساطة...مما اعتادا عليه...في قصر جدهما سعود...
و إن كانت تلك الأجواء الصاخبة...الباذخة..تناسب مآسة...فهو يجد الحياة هنا...و الألفة...تروق له أكثر...

راقب أناقتها المترفة...التي تبدو ملفتة في هذا المكان...و حديثها المدلل...و نظرة الكبرياء التي ورثتها من عمه باسل...
تبدو بملامحها...و غرورها...كنسخة أنثوية مصغرة منه...لا تكاد تشبه خالته صبح بلطفها و رقتها بشيء...

التفت يرى شقيقته الصغيرة...تعود من الشارع مع خالته فجر...التي ذهبت بالصغار...إلى بقالة الحي...و هي تحتضن قطة بيضاء لطيفة...

رغد / راكان..شوف وش لقيت!!
راكان يتحدث مع فجر / لمين هالقطوة؟
فجر / لبنت جيراننا هاللحين تجي تدورها..لا تسكرون الباب.._تلتفت لمآسة_يلا يا برنسيسة تعالي شوفي وش جبت لك
مآسة التي رفضت الذهاب معهم لأنها تخاف من المشي في الشارع بدون أبيها / إذا لونه مو وردي مابيه
فجر تدفعها أمامها / و تتشرط بعد!

غادروه ليبقى مع رغد...و تلك القطة...ليحضر لها صحن سكب به بعض الحليب...و يجلسان يراقبانها و هي تشرب بنهم...و راكان يمسح على ظهرها بحنو...لتبدأ تمؤ برضا و دلال...

كانا ينشغلان بها...حين أحس بتلك الفتاة التي تقف فوق رأسه...

ملك / هذي قطوتي

رفع رأسه إلى مصدر الصوت الرقيق...و تلك القطة تنسل من بين يديه لتركض إليها...فتنحني لتلتقط كتلة البياض بين يديها...
ابتسم بلا شعور...وهو يتأمل عينيها العسليتين...الناعستين بشدّة...تزم شفتيها المكتنزتين برقة بين خديها الممتلئين...و شعرها المموج بشكل فوضوي أنيق...تحيط وجهها بعض خصلاته البندقية المتمردة من تلك الفيونكة الكبيرة التي تميل على رأسها...

رغد / تجنن وش اسمها؟
ملك بفرح حين رأت إنبهارها بقطتها / مادري..للحين ما سميتها..أبغى أدور لها اسم حلو
رغد / أنتي وش اسمك؟
ملك / ملك يوسف
رغد بحماس / سميها ميمو على اسمك
ملك/ لا ابغى اسم حلو يناسبها..ما أحب الأسماء العبيطة مومو كوكو
راكان يقف ليبتسم لها / سميها سحابة

رفعت رأسها عالياً لتبلغ طوله...الذي كان أطول من سنواته الخامسة عشر...لتخجل و لا ترد عليه...و هي تنظر له بوجل...
و تذهب بسكون...تجر ذيل فستانها الطويل من التل الملون...تشابه الأميرات الخياليات بتلك الأجنحة اللامعة التي ترفرف على ظهرها...


بعـد خمسـة سنـوات ...~

كان قد خرج قبل والدته...و أخواته...ليقف أمام سيارته ينتظرهم...حين اندفعت له من بعيد...كتلة الضياء المتوهج...وسط ظلام المكان...
اقتربت تتجول بين قدميه...لينحني و يلتقطها مبتسماً حين تذكرها...و يسألها بغباء إن كانت تذكره أيضاً...

لحظة مرت...قبل أن تخرج تلك الفتاة على عجل خلفها من المنزل المجاور...و تتلفت و هي تبحث عنها...

ملك / سحاااابة وينك؟؟

كاد يعتصر القطة بين يديه...وهو يرى تلك الطفلة...أو التي كانت طفلة...تتقدم إليه بعدما سمعت مواء قطتها...
تباطأت خطواتها المتعجلة...شيئاً فشيئاً...و هي تراه يقف أمامها يحمل قطتها...
لتقف على بعدٍ قليل منه...لا يرى منها سوى تلك العينين الناعستين و كانتا بذاك الكحل...و جيش كثيف من الرموش...كافيتان لسلب قلبه الغض...

♥▓♥▒♥▓♥




~و استقر القلب أخيـراً... و استمر في الخفقان ××♥
ღسينبض دائماً في قلوبهم ღ كلما كانت نبضاتهم تنبض في ذاكرتكم ღ

:

:

:

Continue Reading

You'll Also Like

13.4K 254 48
فضاءات اليأس والأمل للكاتبة : أنفاس قطر قراءة ممتعة للجميع مستمرة موعد التنزيل كل احد وثلاثاء وخميس وسبت
863K 14K 98
تعتبـر الرواية ﻭﺍﺣﺪﻩ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺒﺪﻳﻌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗُﻌﺘﺒﺮ ﻋﺎﻟﻤًﺎ ﺧﺎﺻًﺎ ﻓﻲ ﺣﺪ ﺫﺍﺗﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻭﺍﺣﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻣﺘﻊ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﻳُﻤﻜﻨﻚ ﺁﻥ ﺗﺒﺪأ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺗﻬﺎ ﻭﻟﻦ ﺃﺑﺎﻟﻎ...
12.3K 425 42
(( صيته ظبي النفود )) بقلم/ نبض أفكاري مكتملة
211K 3.2K 17
تحكي قصة عشق لفتاة لقيطه و جعها القدر تلتقي باناس اصبحو له اكثر من اهل .. عاشت مرا الحياه .. عاشت الصراعه مع دموعها .. ندمت حظها لانه انقذت نفسها م...