قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة...

By RandaAdel4

99.7K 3.4K 919

رواية رومانسية اجتماعية More

التواقيع 🖋
مقدمة 🍒🎶
الفصل الاول 🍒🎶
الفصل الثاني 🍒🎶
الفصل الثالث 🍒🎶
الفصل الرابع 🍒🎶
الفصل الخامس 🍒🎶
الفصل السادس 🍒🎶
الفصل السابع 🍒🎶
الفصل الثامن 🍒🎶
الفصل التاسع 🍒🎶
الفصل العاشر 🍒🎶
الفصل الحادي عشر 🍒🎶
الفصل الثاني عشر 🍒🎶
الفصل الثالث عشر 🍒🎶
الفصل الرابع عشر 🍒🎶
الفصل الخامس عشر 🍒🎶
الفصل السادس عشر 🍒🎶
الفصل السابع عشر 🍒🎶
الفصل الثامن عشر 🍒🎶
الفصل التاسع عشر 🍒🎶
الفصل العشرون 🍒🎶
الفصل الواحد والعشرون 🍒🎶
الفصل الثاني والعشرون 🍒🎶
الفصل الثالث والعشرون 🍒🎶
الفصل الرابع والعشرون 🍒🎶
الفصل الخامس والعشرون 🍒🎶
الفصل السادس والعشرون 🍒🎶
الفصل السابع والعشرون 🍒🎶
الفصل الثامن والعشرون 🍒🎶
الفصل التاسع والعشرون 🍒🎶
الفصل الثلاثون 🎶🍒
الفصل الواحد والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثالث والثلاثون 🍒🎶
الفصل الرابع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الخامس والثلاثون 🍒🎶
الفصل السادس والثلاثون 🎶🍒
الفصل السابع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثامن والثلاثون 🍒🎶
الفصل التاسع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الأربعون 🎶🍒
الفصل الواحد والأربعون 🍒🎶
الفصل الثاني والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون.. الأخير ج1
الجزء التاني من الفصل الواحد والخمسون
الفصل_الواحد_والخمسون 🍒الجزء الأخير
الخـــــــــــــاتمة 🍒

الفصل الثاني والثلاثون 🍒🎶

1.1K 56 21
By RandaAdel4

الفصل الثاني والثلاثون

يقال أن القدر قد يمنحك فرصة ثانية..
فرصة لتصحيح وضع.. أو الإساءة إليه..
وهنا يكون الاختبار الحقيقي.

تقف ببهو الاستقبال بالشركة عيناها تدوران يمنة ويساراً في انتظار ظهور يونس الذي تهاتفه ولا يجيب..
تحركت بخطواتها تجاه موظفة الاستقبال تسألها..
" هل السيد يونس مازال في مكتبه "
ولكن الموظفة تدحض كل انتظارها والذي أصبح غير مُجدي.. 
" السيد يونس غادر الشركة "
والذهول ارتسم على ملامح صفا وترجمه لسانها..
" كيف "
إجابة الموظفة للمرة الثانية تشل تفكيرها للحظات..
" لا أعلم "
ناظرتها صفا بيأس فهذا لم يكن مخططهما..
" حسنا "
خرجت من باب الشركة لا تعلم  هل تبحث عن سيارته لتتأكد من عدم وجوده.. 
أم تسافر هي وكل أوراق المشروع بصحبتها..  أم تصعد للأعلى ثانية تنتظر مجيئه..  ولكن أي من هذه الخيارات سيؤجل الاجتماع الذي سينعقد بعد ساعات من هذه اللحظة..  وهذا قد يضر بالمشروع وسيضر بالشركة حتما.. وبيونس شخصيا وقد يضعه تحت المساءلة القانونية..
" اركبي "
لم تشعر بالسيارة التي توقفت أمامها في خضم حديث نفسها بما هو مفروض أن تقوم به..
كانت تطالع سائق السيارة التي توقفت دون أن تشعر بها بشيء  من عدم التصديق والذهول..
" صفا اركبي "
والنداء الآمر كانت لها الافاقة لتدرك هوية المتحدث، السائق، الآمر.. والذي لم يكن سوى!!..
شاهر دويدار..
" أنت تحلم "
قالتها بشيء من السيطرة الخادعة لنفسها.. تكتف ذراعيها وكأنها تحمي نفسها.. أو تدعم نفسها أيهما أقرب.. لفت وجهها للجهة الأخرى مما جعلها غير قادرة على رويته.. ومما أتاح له التحرك بحرية فنزل من سيارته متجها إليها ممسكا بمرفقها بعزم من سيطرة هو قادر عليها جيدا..
" ابتعد قبل أن أنادي الأمن أو أهاتف الشرطة "
هتفت بجملتها من بين أسنانها تحاول جذب مرفقها ليقف الجسدان متقابلان.. عفوا متناطحان..
" أخبرتك أن تركبي.. "
همسها بهسيس خافت حتى لا يُلفت الأنظار من حولهما.. 
العينان متقابلان..  كل منهما يخوض حربا تخصه.. 
فتارة اشتياق.. 
وتارة عشق.. 
وتارة هروب.. 
وتارة خزلان أليم يشبه خروج الروح من الجسد.. 
" انتظر.. لدي عمل مهم "
ولسانها نطق بها حين أجبرها على الاتجاه للسيارة فيجيبها بلامبالاة سمجة..
" أعلم "
تحارب لسحب مرفقها ولكن أصابعه كانت كالقيد حوله..
" كيف تعلم.. وما شأنك أنت من الأساس "
" شأني أني من سيسافر بكِ "
والإجابة سمرتها للحظات وجعلتها تنطق بحروف زاعقة..
" نعم!! "
ابتسامة منتصرة تعلو شفتيه ويرفع أحد حاجبيه بثقة جعلتها توقن بصدقه قبل أن ينطقه صراحة..
" بالضبط.. سفر عملك سيكون بصحبتي أنا وليس يونس "
والتصريح بتلك الصراحة سمرها.. تناظره بعينين متسعتين وكأنها تكايل ما سمعته وتفاضله وترى أيهما أشد وقعا.. وخطورة!!
ظهوره الآن بهذا القرب..
أم سفره بصحبتها.. وأيضا بهذا القرب!!..
" مستحيل.. اتركني.. أنا لن أذهب معك في أي مكان "
ومازالت تحاول سحب مرفقها وهو وكأنها تحارب حائط صلب لا يتزحزح..
" ليس بكيفك.. سنسافر سويا "
وإقراره وأمره جعلا غيظها يتعاظم بإنذار قابليتها للانفجار..
" سأهاتف يونس وألغي السفر وليذهب العمل للجحيم "
قالت تهديدها أثناء إخراجها لهاتفها لتنفيذ ما نطقت به ولكنها لم تهز به شعرة فقد التقط من بين أصابعها الهاتف بشكل خاطف مما جعلها تهتف بذعر.. وأمر أنعش له روحه معيدا لها الحياة بشقاوة وشباب لقلبه الذي عاش عجوزا لفترة لا يتذكر كيفيتها..
" هااي أنت .. اعطني هاتفي "
وأمرها كان هباءً منثورا مع الرياح ليأتي وعيده هو هذه المرة مخلوطا بتحذير.. وأمنية!!.. وكم يرغب أن يحققها وليحترق العالم بمن فيه سواها..
" هل ستركبين أم أحملك إليها "
شهقت بخفوت وخديها يتلونان بحمرة جذبت ناظريه فيبعدهما عنها مدركا تعاظم الأمنية داخله لشيء آخر.. أو أشياء أخرى..
" لن أركب بالطبع "
وردها كان منتهى الغباء ليبتسم هو بنصر وشيك وعيناه تضيقان تعطيانه هيئة الشرير الذي يتقافز داخله في هذه اللحظة محرضا إياه على أشياء سيجن ويفعلها..
" حسنا "
وبالفعل مال بجذعه مناوشا إياها لتنفيذ وعيده لتتراجع نصف خطوة تهاجمه بالقول..
" هااي انتظر ماذا تفعل.. هل فقدت عقلك "
ليرفع لها وجهه ومازال على ميله ليقرر واقع حدث بالفعل من بعد عودته..
" نعم فقدته "
أو منذ رؤيتها لأول مرة..
" مبارك إذاً "
هتفتها ببسمة سمجة ولمفاجأتها ابتسم بهدوء سرعان ما تحولها لعاصفة مصاحبة لأمره..
" والآن هيا "
بل وتنفيذ أمره إذ سحبها من مرفقها حيث باب السيارة فتحه وأجلسها بحزم رفيق ثم أحكم إغلاقها قبل أن يتجه لمكان السائق منطلقاً بالسيارة بسرعة جنونية مخلفا ورائه ثورة من الغبار الناعم المتطاير بفعل احتكاك عجلات سيارته..
" هل يمكنك الشرح لماذا أنا معك الآن "
سؤالها اخترق الصمت الذي كللهما لدقائق بعد الانطلاق ليجيبها ببديهية وسلاسة وكأنه لم يرمِ قنبلة مدوية.. 
" هذا شيء تأخر كثيراً "
ارتجف قلبها من محاولتها تفسير للإجابة التي لا تحتاج لتفسير.. ولكن منه هو.. هو بالذات تحتاج لكثير وكثير من التفسيرات .. 
" لا أفهم.. ماذا تعني "
تجاهلت كل أحاسيسها في هذه اللحظة وتغابت علّها تحصل على تفسير آخر..
نظر لها للحظات متجاهلا الطريق الفارغ في هذه الدقيقة ثم قال وكأنه يعاتبها متجاهلا طلبها بتفسير ..
" كيف تكونين متزوجة..  وبالأمس خطبتك "
نظرت أمامها بجسد مشدود وكأن سؤاله أخذها على حين غرة لتستفيق من نشوة وجوده وحديثه معها.. مما جعلها تصحح بسماجة..
" بأول أمس "
ليضرب بقبضته على إطار مقود السيارة منفعلا..
" لا تتلاعبي بكلامك وأخبريني "
وأمره بتلك القوة جعلها ترفع أحد حاجبيها بغير رضا من طريقته وقالت متصنعة البرود..
" ماذا أخبرك "
ليسألها بيأس منتظرا إجابتها وكأن تلك الإجابة ستكون له المحيا..
لا يعلم هل يريد تأكيدا لزواجها ينفي خطبتها بالأمس.. بأول أمس..
أم يريد نفيا يوكد به تلك الخطبة التي كانت له كفتيل أشعل بركانا داخله..
ولحظة رؤيته لآخر يقبل وجنتها لا تغيب عن باله..
آخر اقترب ليستحل ما حرمه هو على نفسه بكل غباء..
" ألستِ.. متزوجة "
ورغم قوته الجسمانية.. وطوله وعرضه.. والهالة الوحشية التي ترتسم حوله لكل من يعرفه إلا أن سؤاله المكون من كلمتين خرج مهزوزا.. مهزوما..
" من قال هذا؟! .. أنا لم أقل هذا "
سؤال وإجابة لم يريحاه بالمرة بل زاداه اشتعالا فوق اشتعاله لتخرج همسته القادمة من بين أسنانه بغِل منه.. ومنها.
" أنا سمِعتك "
تلوي شفتيها بلامبالاة
" من الواضح أنك سمعت ما أردت أن تسمعه "
يهز رأسه بعدم فهمه ولسانه يترجم حالته..
" لا أفهم "
انتصبت في جلستها تنظر للأمام تُتابع تَتَابع الطريق من الزجاج الأمامي بعين لا ترى فعليا.. وهمسها يخرج جامدا.. متصلبا.. قويا بقوة جرحها منه..
" وأنا لا توضيح لكَ عندي "
يتملك منه اليأس والحنق في آن واحد ليهتف بفراغ صبر..
" صفا بالله عليك أخبريني "
ورجائه اليائس حرر غضبها منه لتفك ذراعيها تلتفت له منتفضة تهاجمه بالحديث..
" تطالبني بالحديث الآن هاا.. لماذا عُدت أخبرني أنتَ "
تلوح بيدها اليمنى تتابع..
" ولماذا الآن بالذات "
وسؤالها الأخير خرج مقهورا فقد ظنت أنها تستطيع البدء..
الحياة والنجاة بنفسها..
ظنت أن تلك فرصتها.. ولكنه أضنى عليها بتلك الفرصة ويعود فيقلب حياتها رأساً على عقب..
" أوقف السيارة جانبا "
أمرته بحنق ولكنه تجاهل أمرها متابعا طريقه للحظات.. ثم اختار جانبا من الطريق فتوقف ثم التفت لها بهدوء يناقص ثورتها قائلا بتقرير ما سيفعله.. أو ما يرغبه حقاً..
" من الجيد أني عُدت الآن قبل أن تتحول الخطبة لزواج "
وكأنه سحب فتيل قنبلة.. تلتفت له بملامح شرسة..
" سيتحول يا شاهر "
ليجابهها بشراسة من يقتنص حقه..
" لن أسمح لكِ "
فتضرب قبضتها على الباب من الداخل وهمسها يخرج زاعقا.. غاضبا..
" من أنت لتسمح أو لا ها.. من أنت أخبرني "
وأدرك أنه داس دون إرادة منه على وترٍ مشدود قارب الانقطاع.. 
" أنا اا.. "
وانقطع الوتر ..
" إياك!! "
عيناها تتوسعان بتحذير محتوم..
" إياك ونطق شيء فمازال طعنك لشرفي يتردد داخل روحي "
والانقطاع رغم حدوثه لكنه حاول اللملمة..
" أنا آسف "
ورغم خروج اعتذاره سلساً لإدراكه أنه أخطأ بالفعل إلا أنه تسبب حقا في زيادة ألمها لتترقرق عيناها بدموع متحجرة تسأله ..
" أتدري كم مرة سمعت منك أنا آسف منذ أن عملت معكم "
يزفر أنفاسا محترقة.. مشتعلة وخاصة وهو يراقب انفلات خيط الفرصة من بين أصابعه..
" صفا هذه الخطبة لن تكتمل "
وابتسامتها الشريرة كانت علامة قوية لصفا أخرى تسكن داخلها إن أرادت لها الانطلاق ستبيد كل ما تطاله.. حتى نفسها..
" ليس بإرادتك يا شاهر فأنا أحب مجد ولن أتخلى عنه "
يلتفت لها بجذعه تراقب اشتعال عيناه بشرارة غاضبة وهمسته تخرج كفحيح
" أنتِ لا تفعلين "
والشرر ظلل عيناها أكثر وأكثر مدركة أن اللحظة هي لقطة انتقامها الحقيقة..
من نفسها.. منه.. لا يهم ولن يهم..
الأهم أن تؤلمه ولو بسيطا..
" أحبه بالفعل.. والزواج نهاية هذا الأسبوع "
يضرب بقبضتيه على المقود محذرا.. مهددا..
" لن أسمح لكِ بفعلها.. "
تهز رأسها بثقة إمرأة تيقنت من لحظة انتقامها.. 
" أفق يا شاهر.. أنتَ لست بالصورة أصلا "
رفعة حاجبيها زاد هيئة الانتقام المرسومة على ملامحها وتتابع..
" أنت لا شيء بالنسبة لي.. ولن تكون أبدا "
تضرب بقبضتها على صدرها بغل من ماض بعيد وغيره قريب..
" ليس بعد أن اتهمتني بانحلال أخلاقي.. وتسيبي وتعاملي بكل فسوق.. 
أليس هذا معنى كلامك "
يتلجلج وحقيقة ما فعله معها تصوره بعينها هي.. بجرحها هي منه..
لم يتخيل أبدا أن يكون الأمر بهذه البشاعة..
لم يتخيل أن يكون ظلمها..
" لم.. أقصد "
وكل كلمة منه تزيد اشتعالها..
" بل قصدت.. وقصدت أكثر من هذا "
تنخفض نبرتها قليلا والخزي رغم الثقة اختلطا ليشكلا معا سيمفونية حزينة الوقع والتأثير على قلبه..
" أنا لست مباحة بتلك الطريقة التي تتخيلها "
" صفا "
والنداء كان رجاء..إعتذار آخر ولكنها نفضت عنها كل هذا وتحذره ترفع سبابتها..
" لا تنطق اسمي ولا تتحدث معي "
يناظرها بسكون وكأنه لا يصدق ما تحولت إليه.. بسببه كان أو بسبب آخر لا يهم.. الأهم أنها نسخة مغايرة لما رآه عليها قبلاً..
" أنتِ لن تتزوجي هذا السمج "
لا يعلم هل ما نطق به تأكيدا لِحقه بها.. أم أراد تأكيدا لنفي نطقت به مرارا خلال الدقائق الماضية..
" سأتزوجه أتعلم لماذا "
والكلمات وازاتها بسمة انتصار تخللتها شرود لطيف لغائب..
" لأنه تعامل معي كإنسانة.. تعامل معي كروح..
تعامل معي بعيداً عن كل ما يفرضه مجتمعنا لتشويه صورتي .. "
وتزيد تأكيداً لما لا يفهمه ولا يفهم سببه.. 
" صورتي التي شوهتها أنت قبلا "
تلوح بيدها وكأنها تستحضر بعصا سحرية خيال يحميها عن كل شيء حتى عن الجالس قبالتها..
" مجد كان سنداً لي وقت غياب الجميع وأولهم أنت..
كان الصديق الذي احتجت.. كان الرجل الذي أعطاني كل مشاعره ولم يبخل بها عني "
تشير تجاهه باستخفاف بإصبعي السبابة والوسطى متجاوران..
" أما أنت يا شاهر دويدار فلا شيء.. "
تهز رأسها بتأكيد يُزيد يقين كلماتها.. 
" أتسمعني؟!  .. لااااا شيء بالنسبة لي "
ثم استدارت عنه تعطيه جانبها وكأنها لم تحطمه بكلمات كانت طعنات لقلبه الغارق فيها..
" والآن إما أن توصلني لمكان عملي.. أو أغادر سيارتك واستقل أخرى "
وأمرها كان بجمود يشبه جمود ملامحها، في هذه اللحظة تخط بلسانها كلمة النهاية..
ولكن أي نهاية ستكون..
ما خطته هي.. أو ما خطه القدر؟!..

***

تجلس بغير راحة منتظرة ظهور لوالد أمر بتواجدها في هذا المكان..  ونفذت دون لحظة تأخير مدركة أن طلبه لها لن يحدث إلا إذا حدثت كارثة..
  ترفع هاتفها تحاول الاتصال به ولكن لا مجيب..
" أين أنت أبي "
هتفتها بيأس وعقلها لا يسعفها تخيل ما يريد..
تضع الهاتف مرة ثانية على الطاولة وعيناها تدوران حولها بقلق  منها أشده ..
" هل يمكنني الجلوس "
ترفع نظرها للذي وقف بجوار جلستها بأدب مبالغ فيه..
" أنت!! "
والذهول في نطقها أنعشه للحظات سرعان ما خبأه تحت قشرة الأدب والرقي..
راقبها تستقيم من مكانها تلملم حاجياتها في محاولة منها للمغادرة ولكنه اعترض طريقها..
" انتظري أرجوكِ "
رفعت عيناها تناظره بشراسة وهمسها يخرج مشتعلا..
" كيف تتجرأ على الظهور أمامي.. وماذا تريد من الأساس "
ومازال محتفظاً بقناع الرقي الخادع..
" هل يمكننا الجلوس لدقائق "
" مستحيل "
وإجابتها القاطعة أججت داخله براكين لكبرياء مهدور ولكنه فصل ما بداخله عن خارجه.. يميل برأسه جانبا وهمسه يخرج مشاغبا كقط يتدلل على صاحبه قبل أن ينقض ملتقطا طعامه..
" وكيف سأخبرك كيف تجرأت على الظهور أمامك وماذا أريد هكذا ونحن واقفان.. "
نظرت إليه ممعنة نظراتها فيه وكأنها تقرؤه..
" أرجوكِ "
ورجائه اليائس بنعومة أحرجها..
فنطقه بهذا الشكل وتلك النبرة لن يكون إلا إذا كان الأمر يستحق وإلا ما تنازل رجل بسنه على أن يرجوها هي..
جلست ممتعضة الملامح تحاول إرسال رسالة ما بملامحها إليه وأنها لا تطيق حقا التواجد بصحبته..
" ماذا تريد "
قالتها بفراغ صبر لا تستسيغ الجلوس هكذا..
" الاعتذار "
باغتها وأخذها على حين غرة لتنظر له متسعة العينين وحين راقب ذهولها أقر بسلاسة متصنعا الحزن.. بل الحنق منه..
" نعم أنا أعتذر فلم يجدر بي على التعامل معكِ بهذا الشكل.. 
ولذلك أنا آسف "
وسلاسة نطقه أحرجتها لتعلو وتيرة توترها.. والاعتذار نفسه نقطة ضعف بالنسبة لها.. لا تفضله.. 
" حسنا إذا كنت انتهيت.. سأغادر "
وترغب حقا في المغادرة.. بل الهروب.. هي جاءت لمقابلة والدها..
اممم أين والدها؟!
طاف السؤال بخاطرها فتأخره هو ما وضعها بهذا الموقف..
" لا لم أنته "
مصمم هو على ادهاشها.. ولكن إن ظنت أنها دُهشت فعليها الانتظار للقادم..
" چود أنا معجباً بكِ .. وهذا ما جعلني أفعل ما فعلت "
رمى قنبلته قاصدا.. بنبرة لا تخلو من اللؤم الخبيث الذي لم تستشفه
" كيف.. أنت.. أنا "
وتلعثمها له كان كدرجة أخرى لحوار يرغب إطالته عن قصد..
" حين التقيتك بالمطعم رأيتك ورأيت كيف كان هناك رجلاً آخر يتقرب منك.. بل ويلاطفك وهذا ما أظهره تعاملك المريح معه..
لقد غرت "
هتف آخر كلماته ببساطة جعلتها تهتف دون ترتيب أو وعي..
" ولكن هذا ليس أي رجل "
ونظرته المتسائلة جعلتها تتابع..
" إنه بحكم خطيبي "
وتصنعه الدهشة هذه المرة لم يكن من فراغ فلم يتخيل أن تنطقها صريحة بهذا الشكل..
" عفواً !! "
لتجيبه موضحة موقفها وكلامها..
" بالفعل أحبه .. أحبه كثيرا ولذلك تعاملي المريح معه كان له سببه وهو علاقتنا "
ورغم أن الموضوع من بدايته لعبة إلا أنه لم يستطع إلا أن يحقد على الغائب الحاضر بين كلماتها.. ففي النهاية فاز ابن النويري بمن لا يستحقها..
وفي هذه اللحظة بالضبط تعاظم شعوره بالكره فيونس يستحق فعلا ما يخطط له..
" أنا آسف.. لم أكن أعلم "
والبراءة التي تصنعها لمستها لتشعر في لحظة بالإشفاق عليه رفعت يدها تلاعب بأصابعها  اليد الصغيرة لفنجان قهوتها وهي تتابع باعتذار دون أن يستحقه..
" آسفة أنا الأخرى لتحطيم آمالك ولكن كما أخبرتك أنا أحبه "
ليتها لم تنطقها بهذه الصراحة وهذه القوة اللتان أشعلتاه..
" كنت أتمنى أن يكون هناك فرصة لنا معاً "
شيطان هو في لعبة طرفيها بين أصابعه فأجاد التحكم متمتما.
" أتمنى لكِ التوفيق في حياتك يا چود وسأظل موجودا إن
احتجت أي شيء "
ختم كلماته ممسكا بيدها بدعم خادع.. انتفض داخلها للحظات من هذا التقارب الغير مُحبب فسحبت يدها ببطء تهرب دون أن تُشعره بذلك..
وهناك آخر مختبئاً وراء أحد الجدران لم ير سحبها ليدها ولا تخبطها الذي حدث حين إلتفت أحد المارين المحتكين به.. 
وحين عاد بنظراته إليهما وجدها متراجعة بظهرها بعد أن ترك الآخر يدها.. عاث الشيطان بخياله أفعالا وأقوالا مهيئا البساط الرحب لتآمر اثنين أحدهما ظنه صديق في يوم ما.. والأخرى حبيبة.. معشوقة كانت دون النساء أجمعين..
رفع هاتفه ضاغطا على اسمها.. يأتيه الرنين المتكاسل وعينيه لا تنفصلان عن هيئتها يراقب إخراجها لهاتفها ثم ابتسامتها التي لا معناً لها..
" أهلاً حبيبي "
واللعنة عليها وعلى همسها الذي كان يوما كتعويذة على غضبه من دنياه..
" أين أنتِ چود "
يراها تلتفت لشمالها حيث الجدار الزجاجي العاكس للشارع ثم إجابتها الهادئة..
" أنا بالخارج "
فيكرر رافعا أحد حاجبيه وكأنها تراه..
" بالخارج "
" نعم "
وأسئلتها التالية تمعّن في تفسيراتها..
" هل هناك شيء؟!  .. هل سافرت "
" نعم.. لقد مررت بمكتبك ولم أجدك.. أين ذهبتِ "  
"  ذهبت لرؤية ابي "
والإجابة إن كانت صادقة من طرفها فمن طرفه هي أجادت الكذب والخيانة..
" حقا!! "
والتهكم المنطوق لم تلحظه فأكدت..
" نعم "
" حسنا چود.. أراكِ بعد عودتي "
ونهاية المكالمة كانت منه كما ستكون نهاية هذه المهزلة..
ولكن أي نهاية ستسطر الحكاية.. ما يخطه هو..
أو ما سيخطه القدر..

***

انتهى العمل بإنتهاء الاجتماع الذي حضرته هي بمفردها نيابة عن يونس..
والآخر..
الآخر الذي لم تره منذ خطت قدماها خارج سيارته بعد أن أوصلها ومن وقتها لم تراه.. بل هي شاكرة للظروف أنها أخفته عن مجال رؤيتها.. توقعت أن يحضر الاجتماع ولكنه خيب ظنها كالعادة..
ولكن ماذا ظنت حقا بعد ما قالته.. فهي من أبعدته أميالا لا مجرد اجتماع بصحبتها.. 
وصلت خطواتها لمنصة الاستقبال في الفندق الذي ستقيم فيه ليلتها وبالغد لديها اجتماع آخر بعد الظهر ثم ستغادر عائدة.. 
"من فضلك" 
قالتها لموظف الاستقبال الذي قابلها مبتسما.. 
" نعم "
وبِرقة طبيعتها طلبت..
" هل يمكنني طلب العشاء بالأعلى " 
" بالتأكيد "
ابتسمت شاكرة ثم تضيف..
" ومعه فنجان من القهوة من فضلك "
أومأ لها الموظف محررا تعليماتها..
شكرته  ثم غادرت مكتب الاستقبال غافلة عن عيون ترصدتها..
عيون كان صاحبها يجلس على كرسي مقابل للبار الموجود بالساحة السفلية للفندق الذي يقيمون به لحين انتهاء العمل..
وقلبه.. ااه على قلبه..
قلبه وكأن قبضة من نيران تعتصره دون رحمة ..
وكأن روحه انخلعت عنه منذ مواجهته بها..
عَرَته.. أماتته..
أحيته بقرب ظنه فرصة للفهم ليفاجئ أن القرب كان ثأراً ..
ثأر لها منه وأجادت هي الأخذ بثأرها..
بل تفننت في تشكيل طعناتها داخل قلبه..
طعنة تخبره بحقيقة أنها كانت متاحة له وبغبائه  خسرها..
طعنة تخبره أنها خُطبت لآخر..
طعنة تخبره أنها تحبه.. والمقصود بضمير الغائب هنا هو غريمه..
وطعنة كانت الأشد تخبره بها أن ستتمم تلك الخطبة لزواج سيحرمه منها أيضا..
ثم ختمت طعناتها بأعظمهم ألما بأنه (لا شيء) بالنسبة لها..
كيف.. كيف وهي كل شيء..
" هل تشرب شيئا سيدي "
قالها فتى البار مبتسما رغم رؤيته لشرود زبونه..
" أي شيء "
والنبرة شاردة كشرود عقله فترك للفتى حق الاختيار.. 
وكان أول اختياراته خمر يذهب العقل..
كأس يتبعه آخر ليكون اللاوعي سيد الموقف..
ويكون عدم الاتزان هو السمة الواضحة لهيئته..
والثمالة هي المحرك الرئيسي لجسده..
وحالته تزداد سوءً مع ترديد عقله لكلماتها التي لا تُذهبها خمر أو سُكر..
غادر مكانه دون تخطيط فائضا به الشوق والوجع وكلامهما يتغذيان على روحه.. لم يدر أي وِجهة يخطوها..
ولم يدر أي اتجاه عليه أن يسلكه..
كل ما كان يعلمه أن وجع قلبه هو ما يحركه في هذه اللحظة..
وصلت خطواته لبابها الذي عرف به بعد وصوله للفندق وتبديل بيانات يونس ببياناته هو..
الخمر يلف عقله لا يعرف فعل من رد فعل.. أيتخيل وقوفه هنا أم هو بالفعل أمام بابها..
طرق على الباب الخشبي بتثاقل متخيلا أنه يفصلها عنها أميالا لن تسمعه..
يسقط في هوة اللاوعي والتي دوما ثمنها باهظا..
" شاهر!! "
الهمسة المذهولة مع اطلالتها بتشوش كانتا حُلماً..
" ماذا تفعل هنا "
والسؤال الثاني لم يكن بذهول بقدر ما كان إدراكاً لحالته..
" هل.. خُطبتِ .. حقا "
سؤاله هو خرج متلعثما لهيئة ظنها خيال.. فأعادت سؤالها قلقا عليه
"شاهر ماذا تفعل هنا"
ترى عدم اتزانه بعين قلبها لا عينها المجردة..
" أخبريني.. كيف.. تتم ..  خطبتك.. وأنت متزوجة"
وحروفه كانت تخرج متقطعة.. متلعثمة مع تمايل ملحوظ بجسده ليستند على الحائط ولكن يخونه كتفه ويكون الداعم له الفراغ.. فتشهق بخوف على حالته..
" شاااهر "
واسنادها له لم يكن إلا رد فعل.. دعمته بجسدها وأسندته لا تعلم ماذا تفعل.. ولا كيف تتحرك به..
وبتهور كان سِمة التصرف خطت به لداخل غرفتها تحاول إفاقته عله يعود له عقله..
كان ذراعه يحاوط كتفها.. تحت ذراعه يشعر بها فلا يدري هل خياله بها يئن لدرجة أنه حقا يشعر بوجودها هنا.. قرب قلبه..
مال تجاهها متشمما عبير وجودها المنعش له وبخطوة خير محسوبة قرّبها منه أكثر محتضنا إياها بذراعين كانا كطوقين من حرير رغم قوتهما وحزمهما وكأنه يخشى الإفاقة من خيال لم يعش سواه ..
" شـ.. ـاهر.. أنت.. لست.. بوعيك "
وتلعثمها هي كان إثارة لم يكن سُكرا.. يقرب وجهه من جانب أذنها هامسا باشتعال روحه قُربا وغيرة..
" أتعلمين كم تعذبت.. كم تلك الفكرة مزقت روحي "
والأسئلة في ثوب اعترافات تهدي روحها أنينا لاهثاً .. 
" عشقت.. امرأة.. ظننتها.. متزوجة "
والاعتراف هذه المرة كان صريحا دون أي زيف..
" من؟!.. أنا "
مذهولة باعترافه الغير متوقع بالمرة.. الاعتراف بحقيقة تمنتها وعاشتها حُلما..
تشعر به يقترب.. يميل.. يهمس..
وهي بين ذراعيه عذراء.. بِكر رشيد روحا وجسدا..
" نعم أنتِ "
يديرها بين ذراعيه بغتة وبقوة ما تسمح به جسده المخمور..
" أنتِ.. أنتِ.. أنتِ "
همسها بتكرار لخيال ساكن بين ذراعيه يتوق لأن يسكنه.. لأن يقترب..
لأن يقتنص ما يراه حقه هو..
" شاهر.. ماذا تفعل هنا "
وسؤالها ليس من فراغ فعيناه تحكي ما يريده ولن تخطأه..
" كيف.. كيف تفعلين هذا "
هزت رأسها بضياع فيه.. وسؤاله القادم مس ما بداخلها..
" ألم تلاحظي ما يعتمل داخلي "
وألم يلاحظ هو ما يعتمل داخلها.. أحرقتها عيناها قهرا منه ومن غباء قلبها..
تململت في وقفتها.. تسجنها يديه يمسكان بأعلى ذراعيها من كلا الجانبين..
" شاهر أرجوك غادر الغرفة "
همستها بذعر مخلوطا بريب لا يغادرها.. فقد ايقنت أن دخولها به غرفتها كان قراراً خاطئاً
" لن أغادر.. قبل أن أقول.. ما يهيج داخل صدري "
هزها قليلا فتفلت من بين يديه مبتعدة عنه فيعود مقترباً منها لا يعي شيء سوى أنها أمامه.. هي.. من يحب..
يراقبها من بين جفنين منغلقين تتراجع مذعورة
فيقترب بخطوات متعثرة قائلاً ..
" سأحاسبك على كل ما تسببت به لي "
تتسع عيناها من هول تهديده فتقول من بين شفتين مرتجفتين..
" شاهر.. أنت مخمور "
وكفهد انتظر لحظة الانقضاض اقترب منها فجأة محتويا خصرها بين ذراعيه.. دافنا وجهه بين رقبتها وجيدها.. هامسا بصوت مبحوح..
" نعم أنا مخمور.. ولكني مخمور بكِ "
والشهقة وازت انتفاضتها المذعورة فهذا الاقتراب
وهذه الثورة في حديثه وأفعاله غريباً عليها.. وعليه..
" شاهر أرجوك ابتعد "
وكأنها لا تتحدث.. وكأنها لم ترجوه.. مال نحوها قاصدا شفتيها فتبتعد برأسها يمينا ويسارا ورائحة خمره تثير في نفسها الغثيان..
ولكن همسه المبحوح نشلها من احساسها..
" لن أقوى على الابتعاد ثانية.. لن أقدر "
فتنظر لعينيه الشبه منغلقتين هامسة ترجوه..
" شاهر أرجوك اتركني "
وكأنه لا يسمع فيفك ذراعيه ويهيئ لها في لحظة أنه سينفذ فعلا ما طلبت ولكنها كانت مخطئة إذ حاوط خصرها بأحد ذراعيه والأخرى احتوت يداه وجنتها وهمسه المشتعل بالغيرة عليها ومن آخر قبّل وجنتها..
" كيف طاوعتك نفسك لتهبي روحك لرجل آخر وخلال أيام ستكونين له " 
وذكر مجد بينهما كان خطأ منه إذ جعل شعور غريب بالاحتقار يملأها..
فتتجمد بين ذراعيه للحظات قبل أن تستفيق لحالها وجسدها الملاصق لجسده بتلاحم لا ينم عن أي براءة.. فتذكره بنبرة خاوية.. جامدة..
مرددة على مسامعه المفقودة في هذه اللحظة إلا من احساسه بها..
" أنت تركتني "
تنظر له وتكاد تقسم أنه لم يع لهمستها مثقال ذرة ولكنها لم تأبه بذلك وتابعت..
" أذيتني.. أوجعتني يا شاهر "
تبتعد عنه بغتة بعد أن أبعدته بكلا كفيها.. وهمسها يخرج كعهد.. قسم لن تتنازل عنه..
" وأنا لا أنظر ورائي مرتين "
يناظرها من بين جفنيه بسكون وكأنه يتدارك ما قالته حقا..
وكأنه يحاول استيعاب ما نطقته..
" كوني.. لي "
همسها يقترب خطوة فتراوغه بغيرها خطوات مبتعدة عن مداه..
يلتفت لها ملوحا بيده وكأنه يفتش عن وجودها..
" فلتنهي تلك الخطبة وتكونين لي "
صُدمت مما قاله فناظرته بذهول..
" شاهر أنت لا تعي ما تقول "
لإدراكها بثمالته الواضحة.. ورجائه الأخير
" كوني لي أرجوكِ "
أنبأها أنها لن تتحمل ضغط وجوده أكثر من هذا..
" هيا يا شاهر لنذهب لغرفتك حتى تنال قسطا من الراحة وبالصباح سنتحدث "
فيعاندها كطفل يراوغ أمه..
" فلنتحدث الآن.. أنا أعي لكل شيء "
وكأم فعلا تدرك مصلحة ابنها..
" أنت لا تعي لأي شيء وإن تحدثنا الآن فلن تتذكر في الصباح ما حدث
.. هيا "
اقتربت منه تمسكه هذه المرة بمليء ارادتها الكاملة.. ترغب بابتعاده لتنال راحة غابت عنها دوما.. راحة ظنت أنها ستجدها بجوار مجد ومعه فيأتي الذي تجره الآن جراً خارج غرفتها ليحيل بينها وبين تلك الراحة..
" شاهر هيا فلتساعدني "
قالتها حين شعرت بتثاقل جسده عليها وكأنه خُيّل إليه أنها الفراش..
ثقل جسده جعل رأسه يميل تجاه رقبتها فيشعلها إثارة بأنفاسه القريبة
" شاهر.. ابتعد "
كان يميل على وجنتها يقبلها بغير وعي.. يدفن وجهه بين حنايا رقبتها جاعلا قدميها كالهلام..
وصلت لغرفته فمدت يدها لجيب سرواله بحذر تخرج مفتاح غرفته فلم تجده فتابعت بحثها داخل سترته وحمدا لله وجدت بطاقة الفتح الخاصة بغرفته..
تابعت خطواتها للداخل.. أسقطته على الفراش ولم يتركها بل تمسك بها بكلا ذراعيه.. 
وجهها مقابلا لوجهه.. وعيناه لا تحيدان عن عيناها.. يتنفس عبير أنفاسها فتزيد سُكره سُكراً.. 
" عينـ ـاكِ "
ازدردت ريقها بصعوبة
همسها بتحشرج متعثر نتيجة ثمالته التي تزداد مع زيادة تأثير الخمر بين شرايينه..
ازدردت ريقها بصعوبة وهمسها المتسائل تستقبله عيناه..
" ما.. بهما .. "
يتثاقل جفنيه بنعاس يقاومه وحروفه تخرج ثقيلة..
" عينـ ـاكِ.. أسرتـ ـني "
تغمض عيناها تتشرب اعترافه الفريد.. والمثير ثم تفتحهما ثانية مع همسه..
" منذ النظرة الأولى إليهما.. وأدركت حينها أني لن أكون كما كنت "
كفه على خصرها يمنعها التحرك بينما صوته المتثاقل يتابع اعترافاته الغير محسوبة..
" كنت أظن أن عيناكِ تشبهان عيناها "
تثور أنفاسها كثورة دقاق قلبها الذي ينبض حاليا فوق صدره بجنون.. غافلة عما نطق.. بينما يكرر هه بغياب ذهني..
" كنت.. أظن.. أن عيناكِ.. تشبهان عيناها "
وهاء الغائب جاءت كشعلة نارية تسببت في صعقها.. ليخرج سؤالها الحَذِر من بين شفتيها بصعوبة..
" عيناها.. من ..هي "
تأتيها إجابته المتقطعة والقاطعة لسؤالها وقلبها في آنٍ واحد.. 
" زوجـ ـتي "
تكررها بغباء.. والكلمة تغور بقلبها تسطر مكانتها ووضعها..
" زوجتك!!  "
ولحظها سمعها.. بس اخترقته ليسهب في توضيحه..
" ولكنك بعيدة كل البعد عنها "
اغرورقت عيناها بضعف.. ضعف الادراك..
" هل.. كنت.. متزوجاً؟! "
وسؤالها وصله بين غياب وعي لن يستمر..
"  نعم.. وماتت.. ذهبت دون أن انقذها "
ثم أمرها
" أنظري "
وأصابعه تعمل على فتح أول زرين لقميصه بعد أن أحل أحد ذراعيه من حولها
نظرت لصدره.. فوق قلبه تحديدا لتجد جزء ما مشوه الجلد فتتغضن ملامحها بألم من مظهر بشرته ..
" أتـ ـرين "
سألها وتثاقُل جفنيه يزداد
" ما هذا "
" اسمها.. وشمت اسمها فوق صدري بعد وفاتها "
سؤال بسيط منها يناقض نارية إجابته لتتحشرج أنفاسها أكثر.. بل تكاد تنقطع وهي تشعر بيده ترتفع محتويا جانب وجهها وهمسه المحترق يخرج لافحا وجهها..
" خلال سفري محيت هذا الاسم لأن غيرها سكنته "
يقرب وجهها منه بغيا تقبيلها متابعا من بين أنفاسه..
" سكنتِ ووشمتِ قلبي بكِ وبوجودك " 
والوضع أصبح مريب.. بل غريب..
معادلة بالناقص والزائد مجهولة الحل وهي في وسطها لا تدري مكانها.. هل داخل المعادلة أم إجابتها..
" شاهر..  يجب أن أغادر "
رأت انغلاق جفنيه بتثاقل فتابعت..
" أنت تشعر بالنعاس ولابد أن تنام وترتاح "
فيردد تميمة عشقه.. 
" نعم أنا أريد أن أنام.. فمنذ عرفتك وأنا لم أذق طعماً للراحة "

**

وبغرفتها
وتحت جلد نفسها.. دخلت حمامها بكامل ملابسها تقف تحت شلال الماء مطهرا روحها منه ..
جسدها من غزوه..
وعقلها من كلماته..
كلمات أسعدتها.. وكلمات طعنتها..
رأي فيها غيرها..
أحبها من أجلها هي هذا إن كان صادقا بالفعل..
ورغم هذا تشعر بصدقه.. فالمخمور في قمة سكرته لا يكذب..
ولكنها لا تستطيع منع نفسها من السؤال الذي يتردد داخلها..
السبب الذي جعله يعشقها كما قال..
أنها تذكره بمن أحبها..
أم أنه عشقها كما قال أيضا من أجلها هي..
أغمضت عيناها تحرر دمعتين من سجن جفونها المنطبقة فيختلطا بالماء المنهمر مداريا ضعف تملك منها..
فتحت عيناها على اتساعهما حين تذكرت غائب ينتظر عودتها من أجل زفافها عليه والذي طلبته هي في لحظة غباء منها..
تريد الهرب.. العدو بعييييدا جدا بشكل قطعي لا يجعل أي كان يستطيع العثور عليها..  
أغلقت الماء مقررة ما ستفعله.. ستهرب حقا ولو لأيام حتى تستطيع العثور على نفسها ثانية..
والعمل!!..
فليذهب العمل للجحيم..
أو يتممه الذي غزاها دون ذرة إدراك..

***

بأرض الوطن
بقرية العمايرية..
يخطو لجناحه الخاص قاصدا غرفة نومهما مدركا أنه سيجدها بالداخل فلم تغادر الغرفة منذ أمرها بذلك قبل أيام..
تتحاشى وجوده.. كما يتحاشى هو التواجد في محيطها..
ولكنه دون إرادة منه أراد رؤيتها.. أراد معرفة حالها وماذا حدث معها منذ ما حدث.
دخل غرفته ليتوقف مبهوتا بما يراه ويسمعه..
دوما ما تثير دهشته..
مثيرة هي حتى في أخطائها..
ولكن كل دهشته الماضية شيء وما يراه الآن شيئا آخر..
شيء ممتع له.. ولثأره معها..
فدلال ترتدي مأزر صلاتها وتسجد..
تسجد وصوتها يعلو بهمهمات باكية....
" سامحني يارب.. أستغفرك يارب من كل شرك "
تشهق ببكاء ثم تتابع حديثها العفوي..
" يارب سامحني أنا فقط ضعفت.. وأخطأت.. "
شهقات متتابعة تقطع حديثها لثوان ثم تتابع راجية..
" يارب لا تغلق باب رحمتك بوجهي فليس لي سواك يارب "
يكاد يقسم أن خفوت نبرتها وهي تقول..
" تغلب عليّ شيطان نفسي ولجأت لغيرك.. ولكن لم أقصد أن أشرك بك يارب.. "
خفوت ما هو إلا خزي من نفسها وفعلته..
حبيبته ومعشوقته ليست بناكرة لفضل ربها.. هي فقط ضعفت كما قالت..
وهذا هو متيقن منه قبل أن يسرد عقابها.. ومع ذلك كان لابد من وقفة..
إنذار بتغير المسار فما كانت تفعله هو باب من أبواب الشيطان..
" يارب لا تغضب عليّ أرجوك "
ورجائها رغم أنه مس قلبه العليل بحبها إلا أنه لم يمنع ابتسامة شقت شفتيه لإدراكه أن حبيبته أدركت بالفعل خطأها..
" يارب سامحني يارب لن أكررها.. فلقد سلمتك أمري "
هنا تيقن بالفعل أنها تعلمت درسها..
ففطرتها الطيبة لم تتقبل كونها تعدت حدود الله..
أنهت صلاتها وحين همت لتقف ترنحت يمينا ويسارا تفقد اتزانها رغما عنها..  همت لتستند على خزانة ملابسها لتجد أن ما يسندها لم تكن الخزانة وإنما جسد بشري صلب تحت كفها.. 
رفعت عيناها لتقعا على وجهه الرجولي المليح..
وجهه الرجولي الذي لم تره منذ أيام وكأنه أراد زيادة وتيرة عقوبتها..
فتحت شفتيها لتهمس باسمه ولكنها ابتعدت ببطء عنه دون حديث..
ابتعدت وسحبت يدها من فوق صدره على مضض لكليهما..
" هل أنتِ بخير "
توجهت لجانب الغرفة تضع المصلية وتخلع عنها مأزر صلاتها والذي كان يخفي عنه ما يبهجه..
منامة أنثوية بديعة التفصيل.. والتفاصيل..
وهو.. هو رجل التفاصيل قديم العهد بها..
" نعم "
يناظرها بتدقيق وجمودها أصابه في مقتل.. يلاحظ ملامحها الباهتة فيسألها باهتمام صادق..
" هل أحضر الطبيب.. ملامحك شاحبة لا تنبئ أنك بخير "
بالتأكيد لن تظهر له دوران تشعر به الايام الماضية.. ولا غثيان أصبح ملازماً لها.. 
" لا شكرا لكَ "
ابتعدت عنه بمقدار ثلاث خطوات تصل بهم إلى فراشها ثم تقول مدعية اللامبالاة.. تغلبت أنوثتها على سلامها النفسي..
" لا تهتم بي أنا بخير.. بل بأفضل خير.. فلتهتم أنت بعروسك الجديدة "
رمت اهتمامه في وجهه وببرود نبرتها أعلنت انتصارها اللحظي.. فناطحها هو الآخر ببرود مماثل..
" لديكِ حق.. ها أنا عريس بعد كل شيء "
وإن ظن أنه أغاظها بما قال فهو مخطئ.. فالنساء كيدهن عظيم..
" مبارك لكَ إذاً "
ضربة موجعة ومسددة برمية ممتازة.. 
" حقا مبارك لي!! "
والذهول في صوته أنبأها أن رميتها أصابت هدفاً لم تخطط له.. هي فقط تركت الأمور لخالقها يسيرها كيفما يشاء..
" نعم يا جاسم مبارك لكَ ..
أنت أدرى بأمور حياتك كما أتمنى لك كل الخير "
أي خير هذا يا مجنونة..
هم بنطقها ولكنه ابتلعها مع طلبها..
" والآن من فضلك فلتطفئ الانوار وإغلق الباب "
ومن الواضح أن القدر سيكون له كلمة عليا هنا..

***

في اليوم التالي
خارج البلاد..
استيقظ بتثاقل لا يشعر بكل جسده
يتثاقل جفنيه يشعر وكأن شاحنة عملاقة دهسته ليلة أمس..
دار بعينيه حوله ليدرك مكانه..
بغرفته
كيف دخلها وكيف وصل إليها لا يعلم.. بل لا يتذكر..
ترى ماذا حدث له وكيف أتى لهنا..
نظر حوله ثانية حتى وصل لفراشه..
ملقى على الفراش بشكل عرضي وزرين علويين من قميصه الأسود مفتوحين..
رائحته بشعة!!.. كيف انساق لشرب ذلك السائل المحرم..
كيف سقط في القاع بهذا الشكل..
أغمض عيناه للحظات سرعان ما فتحهما وخيال ما يسطو على تفكيره..
خيالها هي..
خيال صاحبته تغنت بعشق آخر بكل قوة..
بكل صفاقة تخبره أنها ستتمم زفافها به..
وهو؟!.. هو لا شيء بالنسبة لها..
هو مجهول..
غادرها ظنا منه أنها ملك آخر.. ليعود فيجد نفسه مخطئ وبالفعل ستكون لآخر..
استقام من مكانه متجها لحمامه يرغب في تطهير جسده مما فعله بالأمس..
وأثناء مروره لمح صدره العاري فتقع عيناه على وشمه.. وشمه بإسم المتوفية فعله في لحظة ضعف بعد موتها..
تحمل ألم الوشم وكأنه يعاقب نفسه على موتها مقصرا في حقها..
وتحمل ألم الوشم ليظل اسمها ملازما جسده..
ولكن حين نبض هذا..
رفع يده لتحط على موضع قلبه.. موضع مشوه بإرادته..
حين نبض قلبه لأخرى رأى أن هذا الوشم ليس بمكانه فسيكتفي بوشم اسمها داخل جزء من قلبه.. جزء سيكون للراحلة بكل ذكريات مضت..
بكل مساوئ فعلها.. وكل محاسنها هي معه..
كل هذا سينزوي في ركن ما بعيييد داخل قلبه لن يراه سواه..
رفع عيناه ناظرا لعينيه في المرآة وكأنه يبحث عن شيء ما..
شخص ما..
لحظات مرت في صمت..
صمت جسدي.. روحي.. فكيري..
يزفر أنفاسه متخطيا المرآة في اتجاهه للحمام..
غير مدركا في هذه اللحظة أن هناك ما حدث بالأمس افظع من شربه للخمر..
.
.
بعد انتهائه من حمامه غادر غرفته متجها للاستقبال يسأل عنها ليخبروه بسفرها من بكرة الصباح..

****

وبشركة يونس
كان يجلس على كرسي مكتبه تظلل هيئته غيوم دخان تبغه الذي عاد له وبقوة..
قوطعت وحدته حين خطت هي بمرح رآه مبالغ فيه..
" لم أصدق حين أخبرني الاستقبال بوجودك "
" حقا!! "
ونالت تهكما لم تلحظه.. تقترب من جلسته قائلة بفرحة زينت نبراتها..
" نعم "
ثم تزيد اهتماما رآه مصطنعا بمهارة..
" هل عدت من السفر.. "
ودون أن تنتظر إجابة حطت نظراتها على مِطفأة سجائره فتتغضن ملامحها باشمئزاز ثم تتابع تساؤلاته..
"  ولماذا عدت للتدخين بهذه الشراهة ألم تُحد من تدخينك "
تجاهل السؤال الثاني وأجاب على الأول بخفوت مدروس..
" لم أسافر من الأساس "
انعقد حاجباها بذهول تردد على مسامعه اهتماما في غير محله..
" حقا وأين كنت.. ولماذا لم تهاتفني كنت أتيت إليك "
ناظرها للحظات بملامح ساكنة كسكون جسده على كرسيه.. ثم استقام ببطء يدور حول المكتب ثم جلس بساق واحدة على طرف مكتبه من الخارج..
مال برأسه يمينا يناظرها بسفور تعجبت له ثم سؤاله.. 
" تأتيني إلى أين "
ازدردت ريقها وشعور بالقلق تسرب لداخلها لا تعلم له معناً أو أساس.. ورغم هذا إجابتها كانت قاطعة.. صريحة..
" اي مكان تكون فيه "
" بيتي مثلا؟! "
لم يكن يسأل بل كان يُعرض..
نعم يرمي الطُعم الأول منتظرا التقاطها له..
" أيا كان أخبرتك.. يكفيني الاطمئنان عليك "
ظل مكانه مبتسما.. ابتسامته كانت غريبة لعينيها .. لم تكن تعلم أنها تحت الاختبار..
حك جانب فمه وابتسامته خالطها شر طفيف ظهر في نبرته..
" أتعلمين يا جود "
ناظرته بتساؤل فيتابع بنفس ذات النبرة..
" طيبة قلبك هذه ما أبدلت حياتي "
افتعلت ابتسامة تحت عينيه كما تصنعت دلال لا يليق بالموقف..
" تعلم أني طيبة بالطبع "
وقبل أن تبتعد كان كفه يسحبها من مرفقها لتقترب بغتة تحتك بساقة المستندة لسطح المكتب فتتوتر ليهديها رداً مبحوحا تكميلي للمشهد الذي يريد الوصول إليه..
" نعم أنت طيبة..  هذا لا شك فيه "
هل تخللت نبراته السخرية أم هيء لها!!..
" إخلاصك وشخصيتك وكيانك المستقل.. كل هذا ما جعلني أعيد نظرتي للحياة وحياتي بالأخص "
ورغم سخرية الموقف إلا أنه كان صادقا.. صادقا بغباء موجه لنفسه..
فالمخلصة لم تكن مخلصة..
" وكل هذا جعلني أسلم قلبي لكِ "
تزدرد ريقها مرة أخرى وقد لمست تغيراً واضحاً فيه لكنها لم تستطع وضع يدها على مواطن تغيره..
" قل إنك أحببتني "
همستها بمشاغبة وقد أخطأت الاختيار..
أخطأت الكلمات وأخطأت الشعور.. وأخطأت في استمرار وقفتها هنا في هذه اللحظة..
فالشيطان عاد من جحيم ماضيه لينتقم..
وهي أول رقعة في لعبته..
لم يجيبها بل ناظرها بصمت جامد دون الاتيان بأي رد فعل..
سلط نظراته على عيناها وكأنها يمرر لها ما يريد بسلاسة خادعة..
" أخبرتك بها قبلاً "
لم يمنع نبرة الأسف في كلماته ولحظها هذه المرة قرأتها بوضوح وتعجبت له ولكنها لم تظهر ذلك..
استقام من مكانه ومازال يحتفظ بوجودها قريبا.. قريبا للغاية..
كان يشعر بارتجافها ولكنه تغاضى عنها قاصدا فارتجافها هذا أنعشه دون أن تعلم..
اقترب منها وعينيه تخبراها بأن هناك أمراً جللاً قد حدث.. أو سيحدث لا تعلم..
ازدردت ريقها بصعوبة ثم تقول تحاول عدم الالتفات لما تشعره.. تحاول التغاضي  عن تلك الذبذبات التي تخرج منه..
" نعم أخبرتني "
حاولت التملص من بين يديه.. وتركها..
تركها لمصيدة أكبر لا تعلم مخططها..
" لماذا لم تسافر "
" لماذا برأيك "
سؤال وسؤال كشقي رحى وكل منهما يمسك شق منهما يدور برحاه في مداره.. وفيما يخصه..
" هل هناك مشكلة بالعمل "
سألته تحاول سبر أغوار حاله ولكن نفيه الكسول وصلها ممطوطا مغيظا..
" امم لا "
رفعت نظراتها تحاول قراءته..
" إذاً لماذا "
همستها بيأس فلم تستطع التوصل لأي شيء..
" ألم يأت بعقلك أني مشتاقاً لكِ مثلا "
والعبث بنبرته لم يكن وقته من وجهة نظرها.. ولكنها لا تعلم..
" والعمل؟! "
وإصرارها خاطئ.. ولكنها أيضا لا تعلم..
" لن يطير وصفا تستطيع التعامل مع الأمر كما أن شاهر معها "
تتغضن جبينها ونظرة مشاغبة تزين ملامحها متخيلة أنه فعلها حقا من أجل أن يكون بصحبتها..
" متى رتبتها بهذا الشكل "
" امم لا أعرف.. قد يكون القدر الذي أراد أن يجمعني بك "
وتورية كلماته لا تعلمها.. لا تعلم أي شيء.. فحقا القدر أراد أن يجمعه بها.. ولكن يجمعه بها أين..
" حسنا يونس.. سأذهب "
همستها سريعا كسرعة خطواتها لباب المكتب المغلق على كليهما..
ولكنها لم تكد تصل إلا ووجدت كفه تعيق فتحها للباب.. شهقة لم تغادر شفتيها.. وهمسه يلامس أذنها من الوراء..
" إلى أين "
تجيبه دون أن تلتفت له..
" هناك.. عمل متراكم.. يجب أن أنهيه "
" ألم.. أخبرك.. أني.. مشتاقاً.. لكِ "
وبين كل كلمة وكلمة.. لمسة.. همسة ثم قبلة أذابت دفاعاتها للحظة وشعر هو بهذا فأدارها ببطء مهلك هامسا لعينيها برغبة لم تخطئها..
" فلتبقين.. معي.. قليلا "
كلماته وازت حركة كفه علي خصرها مزيدا فوق اشتعالها اشتعالاً ..
" اتـ ـركـ ـني "
همستها المتقطعة أنعشته.. وجعلت شعوره بالانتصار الوشيك يعلو مصاحبا مفرقعات مدوية..
كان يلعب بغير شرف.. ولكن من لعب معه بشرف..
هم من بدأوا والبادي أظلم..
" لماذا "
" حـ ـتى.. أستـ ـطيع البقاء "
كانت تبعد كفه عن خصرها ولكنه كان يعاندها فعلا وقولا..
" تستطيعين البقاء وأنتِ بين ذراعيّ "
لم تستطع إبعاد يده فقررت أن تبتعد بكلها..
" لا.. فلتبعد ذراعيك قليلا "
واللعبة كبيرة عليها فهو المخضرم فيها..
" ما رأيك أن أجعل لذراعيّ فائدة أفضل من احتضانك "
نظرت له بنظرات مذعورة لا تعلم أنها خطت أعتاب قفص الوحش دون أن تعلم أسباباً لهيجانه..
" يونس.. ماذا تفعل "
شعرت بيده تلمس خصرها من تحت قماش قميصها الحريري الوردي اللون.. وسؤالها لم يثنيه عن المتابعة.. بل علّى وتيرة لمساته جرأة..
تتململ بعصبية تحت يديه وهمسها خرج بلسعة بين جفون عينيها..
" يونس أرجوك "
" ماذا "
وذهول أداة استفهامه لم تكن استفسار.. ولا استفهام..
فلقد أمسك لسانه عن المتابعة ( هل تتمنعين عليّ أم هناك من سبقني)..
وعند هذه النقطة كانت حركاته تزاد جرأة .. وهمسه يخرج وقحا..
" ما رأيك أن تستسلمين لي وأجعلك تصرخين بطريقة أكثر متعة "
" ابتعد "
دفعته بكلا كفيها فيتمسك بها أكثر متابعا..
" لماذا.. هل جربتِ قبلاً لتحكمي.. "
ثم يتمم عرضه بسخاء النبرة المغوية..
"  سأتيح لكِ التجربة الآن حتى يكون رأيك مُنصفا فقد تعجبك التجربة "
دفعتها القوية له أبعدته بحركة عنيفة وازت عنف كلماتها
" ماذا تقول أنت " 
" أقول ما أرغب به "
قالها فارداً ذراعيه بطول جانبيه بشكل هزلي.. مسرحي مبتذل..
" ولكن أنت تعلم  "
نطقتها بنبرة ضعيفة أشعلته.. أشعل كل شعور به.. أماتته ثم أحيته.. وها هي تميته مرة أخرى ولكنه رماد وما تفعله ما هو إلا نفخ في رماد مازال يحتفظ بسخونته.. فيشتعل مرة أخرى ولكن حقيقته أنه سيأتي له الوقت ويخمد.. ينطفئ.. ولكنه لن ينطفئ بمفرده.. سيطفئ الجميع..
الجميع دون استثناء ولكن بعد أن يعيث فيهم إشعالا يبيد الأخضر واليابس..
" أعلم ماذا  "
والخطوة التالية كانت مفاجأة لها..  ولكنه درسها جيدا.. 
اقترب منها سريعا محتويا وجهها بين كفيه ثم مال مقتنصا شفتيها بقوة.. 
يقتنص حق رآه خاصا به.. 
حق سيكون له حتى وإن كان غصباً..
استطاعت افلات شفتيها من غزو شفتيه الضاري..
" ابتعد يا يونس.. ماذا بك "
قالتها متمسكة بأخر حبال العقل بينهما.. تتلمس له عذرا لا تعلمه.. ولكنه يظهر جليا على ملامحه وتصرفاته..
" يونس أنت تعلم أني لا أرغب بهذا القرب إلا برباط شرعي.. "
قالتها تذكره بنقطة ضعفها.. وقوتها التي تحافظ عليها لمحاربة ماض أسود..
"  لن أسلم جسدي لأحد إلا وإن كان زوجي "
تذكره بعهدها عله نسى.. ولكنه فاجئها قائلا ببساطة.. 
" حسنا حددي موعد الزواج "
تناظره بذهول.. فعرضه رغم انها سمعته قبلا ولكن الآن تشعره مهين..
تشعره ثمن لشيء يريده..
" لماذا تنظرين لي هكذا.. "
ثم يؤكد لها ما خطر على بالها منذ ثانيتين..
  " أنا أرغب بكِ..  وأنتِ لا ترغبين التجربة إلا برباط شرعي فهيا نتزوج "
تصلب داخلها ينزف دما.. حُباً ظنته حياة..
" وهل سنتزوج من أجل ما ترغب به فقط "
همستها بثبات انفعالي تُحسد عليه..
" أنتِ من تحسبيها هكذا "
حافظت على جمودها تسأله..
" بمعنى "
وإجابته السلسلة سبقها وضع أحد يديه بجيب بنطاله بغرور وعنجهية أجادهما..
" بمعنى إن كان الحصول عليكِ وعلى جسدك عن طريق رباط شرعي وهو الزواج فليكن "
والطعنة غائرة.. عميقة عمق جرح كلماته..
" يونس أنت لا تقصد ما تقوله.. أليس كذلك "
وتلك كانت محاولة أخيرة منها تتمسك بمشاعر ظنتها حقيقة..
" لا تقصد ما تحاول أن توصله لي "
يتراجع خطوة يغض الطرف عن الألم بصوتها.. كاذبة.. مخادعة.. تجيد التمثيل واللعب به..
" وما هو "
وسؤاله خرج عاديا وكأنهما يتحدثان بشان الطقس مثلا..
" أن كل ما ترغب به هو جسدي.. علاقة جسدية فقط "
لم يجب فناوشت بما كانت متيقنة منه في وقت مضى..
" أنت تحبني وترغب الزواج بي ليس من أجل علاقة..
أليس كذلك "
اليأس تخلل كلماتها برغبة في إجابة منه قاطعة تثبت ما قالت..
التفت لها ملوحا بيده الحرة..
" مال الحب وحديثنا "
تحشرجت أنفاسها داخل صدرها تنبئها أن الطعنة هذه المرة فاقت كل توقعاتها.. واحتياطاتها.. فاقت كل الطعنات التي تقبلتها في الماضي..
" أخبرتني من قبل أنكَ تحبني "
هذه المرة لم تكن تسأل.. بل كانت تقر واقع حدث بالفعل..
يلوي شفتيه بلامبالاة..
" بكل تأكيد.. أحبك "
ورغم تلكؤه إلا أنها تمسكت بأمل كلماته..
أمل دُحض ودُفن بكلماته التالية..
" أحبك بالقدر الكافي الذي يجعلك تستسلمين لي وتجعليني
أنال ما أرغب به "
وكأنه أشعل كل هواجسها.. كل مخاوفها.. اقتربت تهاجمه بشراسة.. قبضتيها تضربان صدره الذي رحب بضرباتها.. نعم فلم يمنعها..
بل تركها تفرغ ما سببته كلماته المقصودة.. 
" أنت بكل تأكيد تهذي "
" هل جننت "
" ماذا تظنني حتى تقول ما قلته "
هجوم.. هجوم.. هجوم..
وبلحظة كان مرفقيها بين قبضتي أصابعه يمنعها التمادي فهذا يكفي..
" لمَ هذا الهجوم ظننتك سترحبين بالفكرة "
تتملص من قبضتيه في محاولة منها لصفعه.. وكلماتها تنزل كصفعات فعلا.. ولكن على قلبه..
" أنت وقح مغرور إن ظننت أني سأنفذ ما تريد "
تسحب مرفقيها بقوة متابعة هجومها وكلماتها كأنها بصقات على وجهه..
" من الواضح أني أخطأت في الاختيار حقا.. ظننت إنك ستتغير.. 
وظننت أنك عكس ما تظهر "
تتراجع خطواتها وداخلها الحمم تعلو تقارب الانفجار الذي سيطالها قبله..
" ظننت أنك إنسان يستطيع أن يحب.. ولكنك أناني لا تحب سوى نفسك ورغباتك  ..  "
تحرقها عيناها فتمنعهما بقوة..  بجبروت إمرأة مغدور بها.. 
" صدقتك حين تركت العنان لقلبي ولكنك أثبتّ الآن خطأي "
تضرب بقبضتها على صدرها متابعة تحت عيناه..
" خطأي الذي لن أغفره لنفسي أبداً "
تشهر سبابتها تجاهه ثم تزيد   
" قط يا يونس "
وكأنها توصل له أنه الخطأ المذكور..
تصل خطواتها لباب المكتب وقبل أن تخرج أتمت تلك المسرحية بحكمة ومغزى السرد..
" في يوم ما اعترفت لكَ بحبي وبالمقابل طلبت منكَ ألا تكسر قلبي.. 
ولكنك كسرته يا يونس.. فهنيا لك لقد فعلتها وبامتياز "
ثم استدارت تفتح الباب وصوته من الوراء يصلها..
" جود انتظري أنا.. "
نصف التفاتة منحتها له بتكبر وصوتها يتشربه الوعيد.. 
" أنا سأنتقم منك يونس النويري وبأصعب طريقة قد تتخيلها "
ثم تابعت تحركها للخارج تتبعها نداءاته المتكررة..
" جود "
" جوووود "
وغادرت مندفعة للخارج يصلها صوت تكسير فقد أطاح بذراعه كل ما كان على سطح مكتبه..
وأُسدل الستار على اختبار من جهل البشر..

***

Continue Reading

You'll Also Like

16.2K 255 28
رواية للجميلة الكاتبة هاجر حليم أرجو أن تستمتعوا بقراءتها.. حقوق الملكية محفوظة للكاتبة "هاجر حليم"
1M 10.1K 5
افوت بشارع اطلع مِن شارع وماعرف وين اروح المنو اروح ويضمني عنده صار بعيوني بيت خالته وساسًا ما عندي غيرها حتى الجئ اله اابجي واصرخ شفت بيتهم مِن بع...
3.2K 61 20
قالوا في الشدائد لا يبقى الا الرجال قالوا في الفرصة لا يقتنصها الا الاذكياء قالوا في المواجهة لا يدخلها الا الواثقون قالوا في الحب لا يخضع الا العشاق...
15.1K 892 18
ما بين الماضي و الحاضر خيط رفيع يسمى الحيرة هل يستطيع قطعه؟ ليمضي للمستقبل، عليه أن يتقبل ماضيه، ليعيش حاضره، و لكن عندما يتدخل الماضي في المستقبل تص...