الفصل الثاني والثلاثون 🍒🎶

1.1K 55 21
                                    

الفصل الثاني والثلاثون

يقال أن القدر قد يمنحك فرصة ثانية..
فرصة لتصحيح وضع.. أو الإساءة إليه..
وهنا يكون الاختبار الحقيقي.

تقف ببهو الاستقبال بالشركة عيناها تدوران يمنة ويساراً في انتظار ظهور يونس الذي تهاتفه ولا يجيب..
تحركت بخطواتها تجاه موظفة الاستقبال تسألها..
" هل السيد يونس مازال في مكتبه "
ولكن الموظفة تدحض كل انتظارها والذي أصبح غير مُجدي.. 
" السيد يونس غادر الشركة "
والذهول ارتسم على ملامح صفا وترجمه لسانها..
" كيف "
إجابة الموظفة للمرة الثانية تشل تفكيرها للحظات..
" لا أعلم "
ناظرتها صفا بيأس فهذا لم يكن مخططهما..
" حسنا "
خرجت من باب الشركة لا تعلم  هل تبحث عن سيارته لتتأكد من عدم وجوده.. 
أم تسافر هي وكل أوراق المشروع بصحبتها..  أم تصعد للأعلى ثانية تنتظر مجيئه..  ولكن أي من هذه الخيارات سيؤجل الاجتماع الذي سينعقد بعد ساعات من هذه اللحظة..  وهذا قد يضر بالمشروع وسيضر بالشركة حتما.. وبيونس شخصيا وقد يضعه تحت المساءلة القانونية..
" اركبي "
لم تشعر بالسيارة التي توقفت أمامها في خضم حديث نفسها بما هو مفروض أن تقوم به..
كانت تطالع سائق السيارة التي توقفت دون أن تشعر بها بشيء  من عدم التصديق والذهول..
" صفا اركبي "
والنداء الآمر كانت لها الافاقة لتدرك هوية المتحدث، السائق، الآمر.. والذي لم يكن سوى!!..
شاهر دويدار..
" أنت تحلم "
قالتها بشيء من السيطرة الخادعة لنفسها.. تكتف ذراعيها وكأنها تحمي نفسها.. أو تدعم نفسها أيهما أقرب.. لفت وجهها للجهة الأخرى مما جعلها غير قادرة على رويته.. ومما أتاح له التحرك بحرية فنزل من سيارته متجها إليها ممسكا بمرفقها بعزم من سيطرة هو قادر عليها جيدا..
" ابتعد قبل أن أنادي الأمن أو أهاتف الشرطة "
هتفت بجملتها من بين أسنانها تحاول جذب مرفقها ليقف الجسدان متقابلان.. عفوا متناطحان..
" أخبرتك أن تركبي.. "
همسها بهسيس خافت حتى لا يُلفت الأنظار من حولهما.. 
العينان متقابلان..  كل منهما يخوض حربا تخصه.. 
فتارة اشتياق.. 
وتارة عشق.. 
وتارة هروب.. 
وتارة خزلان أليم يشبه خروج الروح من الجسد.. 
" انتظر.. لدي عمل مهم "
ولسانها نطق بها حين أجبرها على الاتجاه للسيارة فيجيبها بلامبالاة سمجة..
" أعلم "
تحارب لسحب مرفقها ولكن أصابعه كانت كالقيد حوله..
" كيف تعلم.. وما شأنك أنت من الأساس "
" شأني أني من سيسافر بكِ "
والإجابة سمرتها للحظات وجعلتها تنطق بحروف زاعقة..
" نعم!! "
ابتسامة منتصرة تعلو شفتيه ويرفع أحد حاجبيه بثقة جعلتها توقن بصدقه قبل أن ينطقه صراحة..
" بالضبط.. سفر عملك سيكون بصحبتي أنا وليس يونس "
والتصريح بتلك الصراحة سمرها.. تناظره بعينين متسعتين وكأنها تكايل ما سمعته وتفاضله وترى أيهما أشد وقعا.. وخطورة!!
ظهوره الآن بهذا القرب..
أم سفره بصحبتها.. وأيضا بهذا القرب!!..
" مستحيل.. اتركني.. أنا لن أذهب معك في أي مكان "
ومازالت تحاول سحب مرفقها وهو وكأنها تحارب حائط صلب لا يتزحزح..
" ليس بكيفك.. سنسافر سويا "
وإقراره وأمره جعلا غيظها يتعاظم بإنذار قابليتها للانفجار..
" سأهاتف يونس وألغي السفر وليذهب العمل للجحيم "
قالت تهديدها أثناء إخراجها لهاتفها لتنفيذ ما نطقت به ولكنها لم تهز به شعرة فقد التقط من بين أصابعها الهاتف بشكل خاطف مما جعلها تهتف بذعر.. وأمر أنعش له روحه معيدا لها الحياة بشقاوة وشباب لقلبه الذي عاش عجوزا لفترة لا يتذكر كيفيتها..
" هااي أنت .. اعطني هاتفي "
وأمرها كان هباءً منثورا مع الرياح ليأتي وعيده هو هذه المرة مخلوطا بتحذير.. وأمنية!!.. وكم يرغب أن يحققها وليحترق العالم بمن فيه سواها..
" هل ستركبين أم أحملك إليها "
شهقت بخفوت وخديها يتلونان بحمرة جذبت ناظريه فيبعدهما عنها مدركا تعاظم الأمنية داخله لشيء آخر.. أو أشياء أخرى..
" لن أركب بالطبع "
وردها كان منتهى الغباء ليبتسم هو بنصر وشيك وعيناه تضيقان تعطيانه هيئة الشرير الذي يتقافز داخله في هذه اللحظة محرضا إياه على أشياء سيجن ويفعلها..
" حسنا "
وبالفعل مال بجذعه مناوشا إياها لتنفيذ وعيده لتتراجع نصف خطوة تهاجمه بالقول..
" هااي انتظر ماذا تفعل.. هل فقدت عقلك "
ليرفع لها وجهه ومازال على ميله ليقرر واقع حدث بالفعل من بعد عودته..
" نعم فقدته "
أو منذ رؤيتها لأول مرة..
" مبارك إذاً "
هتفتها ببسمة سمجة ولمفاجأتها ابتسم بهدوء سرعان ما تحولها لعاصفة مصاحبة لأمره..
" والآن هيا "
بل وتنفيذ أمره إذ سحبها من مرفقها حيث باب السيارة فتحه وأجلسها بحزم رفيق ثم أحكم إغلاقها قبل أن يتجه لمكان السائق منطلقاً بالسيارة بسرعة جنونية مخلفا ورائه ثورة من الغبار الناعم المتطاير بفعل احتكاك عجلات سيارته..
" هل يمكنك الشرح لماذا أنا معك الآن "
سؤالها اخترق الصمت الذي كللهما لدقائق بعد الانطلاق ليجيبها ببديهية وسلاسة وكأنه لم يرمِ قنبلة مدوية.. 
" هذا شيء تأخر كثيراً "
ارتجف قلبها من محاولتها تفسير للإجابة التي لا تحتاج لتفسير.. ولكن منه هو.. هو بالذات تحتاج لكثير وكثير من التفسيرات .. 
" لا أفهم.. ماذا تعني "
تجاهلت كل أحاسيسها في هذه اللحظة وتغابت علّها تحصل على تفسير آخر..
نظر لها للحظات متجاهلا الطريق الفارغ في هذه الدقيقة ثم قال وكأنه يعاتبها متجاهلا طلبها بتفسير ..
" كيف تكونين متزوجة..  وبالأمس خطبتك "
نظرت أمامها بجسد مشدود وكأن سؤاله أخذها على حين غرة لتستفيق من نشوة وجوده وحديثه معها.. مما جعلها تصحح بسماجة..
" بأول أمس "
ليضرب بقبضته على إطار مقود السيارة منفعلا..
" لا تتلاعبي بكلامك وأخبريني "
وأمره بتلك القوة جعلها ترفع أحد حاجبيها بغير رضا من طريقته وقالت متصنعة البرود..
" ماذا أخبرك "
ليسألها بيأس منتظرا إجابتها وكأن تلك الإجابة ستكون له المحيا..
لا يعلم هل يريد تأكيدا لزواجها ينفي خطبتها بالأمس.. بأول أمس..
أم يريد نفيا يوكد به تلك الخطبة التي كانت له كفتيل أشعل بركانا داخله..
ولحظة رؤيته لآخر يقبل وجنتها لا تغيب عن باله..
آخر اقترب ليستحل ما حرمه هو على نفسه بكل غباء..
" ألستِ.. متزوجة "
ورغم قوته الجسمانية.. وطوله وعرضه.. والهالة الوحشية التي ترتسم حوله لكل من يعرفه إلا أن سؤاله المكون من كلمتين خرج مهزوزا.. مهزوما..
" من قال هذا؟! .. أنا لم أقل هذا "
سؤال وإجابة لم يريحاه بالمرة بل زاداه اشتعالا فوق اشتعاله لتخرج همسته القادمة من بين أسنانه بغِل منه.. ومنها.
" أنا سمِعتك "
تلوي شفتيها بلامبالاة
" من الواضح أنك سمعت ما أردت أن تسمعه "
يهز رأسه بعدم فهمه ولسانه يترجم حالته..
" لا أفهم "
انتصبت في جلستها تنظر للأمام تُتابع تَتَابع الطريق من الزجاج الأمامي بعين لا ترى فعليا.. وهمسها يخرج جامدا.. متصلبا.. قويا بقوة جرحها منه..
" وأنا لا توضيح لكَ عندي "
يتملك منه اليأس والحنق في آن واحد ليهتف بفراغ صبر..
" صفا بالله عليك أخبريني "
ورجائه اليائس حرر غضبها منه لتفك ذراعيها تلتفت له منتفضة تهاجمه بالحديث..
" تطالبني بالحديث الآن هاا.. لماذا عُدت أخبرني أنتَ "
تلوح بيدها اليمنى تتابع..
" ولماذا الآن بالذات "
وسؤالها الأخير خرج مقهورا فقد ظنت أنها تستطيع البدء..
الحياة والنجاة بنفسها..
ظنت أن تلك فرصتها.. ولكنه أضنى عليها بتلك الفرصة ويعود فيقلب حياتها رأساً على عقب..
" أوقف السيارة جانبا "
أمرته بحنق ولكنه تجاهل أمرها متابعا طريقه للحظات.. ثم اختار جانبا من الطريق فتوقف ثم التفت لها بهدوء يناقص ثورتها قائلا بتقرير ما سيفعله.. أو ما يرغبه حقاً..
" من الجيد أني عُدت الآن قبل أن تتحول الخطبة لزواج "
وكأنه سحب فتيل قنبلة.. تلتفت له بملامح شرسة..
" سيتحول يا شاهر "
ليجابهها بشراسة من يقتنص حقه..
" لن أسمح لكِ "
فتضرب قبضتها على الباب من الداخل وهمسها يخرج زاعقا.. غاضبا..
" من أنت لتسمح أو لا ها.. من أنت أخبرني "
وأدرك أنه داس دون إرادة منه على وترٍ مشدود قارب الانقطاع.. 
" أنا اا.. "
وانقطع الوتر ..
" إياك!! "
عيناها تتوسعان بتحذير محتوم..
" إياك ونطق شيء فمازال طعنك لشرفي يتردد داخل روحي "
والانقطاع رغم حدوثه لكنه حاول اللملمة..
" أنا آسف "
ورغم خروج اعتذاره سلساً لإدراكه أنه أخطأ بالفعل إلا أنه تسبب حقا في زيادة ألمها لتترقرق عيناها بدموع متحجرة تسأله ..
" أتدري كم مرة سمعت منك أنا آسف منذ أن عملت معكم "
يزفر أنفاسا محترقة.. مشتعلة وخاصة وهو يراقب انفلات خيط الفرصة من بين أصابعه..
" صفا هذه الخطبة لن تكتمل "
وابتسامتها الشريرة كانت علامة قوية لصفا أخرى تسكن داخلها إن أرادت لها الانطلاق ستبيد كل ما تطاله.. حتى نفسها..
" ليس بإرادتك يا شاهر فأنا أحب مجد ولن أتخلى عنه "
يلتفت لها بجذعه تراقب اشتعال عيناه بشرارة غاضبة وهمسته تخرج كفحيح
" أنتِ لا تفعلين "
والشرر ظلل عيناها أكثر وأكثر مدركة أن اللحظة هي لقطة انتقامها الحقيقة..
من نفسها.. منه.. لا يهم ولن يهم..
الأهم أن تؤلمه ولو بسيطا..
" أحبه بالفعل.. والزواج نهاية هذا الأسبوع "
يضرب بقبضتيه على المقود محذرا.. مهددا..
" لن أسمح لكِ بفعلها.. "
تهز رأسها بثقة إمرأة تيقنت من لحظة انتقامها.. 
" أفق يا شاهر.. أنتَ لست بالصورة أصلا "
رفعة حاجبيها زاد هيئة الانتقام المرسومة على ملامحها وتتابع..
" أنت لا شيء بالنسبة لي.. ولن تكون أبدا "
تضرب بقبضتها على صدرها بغل من ماض بعيد وغيره قريب..
" ليس بعد أن اتهمتني بانحلال أخلاقي.. وتسيبي وتعاملي بكل فسوق.. 
أليس هذا معنى كلامك "
يتلجلج وحقيقة ما فعله معها تصوره بعينها هي.. بجرحها هي منه..
لم يتخيل أبدا أن يكون الأمر بهذه البشاعة..
لم يتخيل أن يكون ظلمها..
" لم.. أقصد "
وكل كلمة منه تزيد اشتعالها..
" بل قصدت.. وقصدت أكثر من هذا "
تنخفض نبرتها قليلا والخزي رغم الثقة اختلطا ليشكلا معا سيمفونية حزينة الوقع والتأثير على قلبه..
" أنا لست مباحة بتلك الطريقة التي تتخيلها "
" صفا "
والنداء كان رجاء..إعتذار آخر ولكنها نفضت عنها كل هذا وتحذره ترفع سبابتها..
" لا تنطق اسمي ولا تتحدث معي "
يناظرها بسكون وكأنه لا يصدق ما تحولت إليه.. بسببه كان أو بسبب آخر لا يهم.. الأهم أنها نسخة مغايرة لما رآه عليها قبلاً..
" أنتِ لن تتزوجي هذا السمج "
لا يعلم هل ما نطق به تأكيدا لِحقه بها.. أم أراد تأكيدا لنفي نطقت به مرارا خلال الدقائق الماضية..
" سأتزوجه أتعلم لماذا "
والكلمات وازاتها بسمة انتصار تخللتها شرود لطيف لغائب..
" لأنه تعامل معي كإنسانة.. تعامل معي كروح..
تعامل معي بعيداً عن كل ما يفرضه مجتمعنا لتشويه صورتي .. "
وتزيد تأكيداً لما لا يفهمه ولا يفهم سببه.. 
" صورتي التي شوهتها أنت قبلا "
تلوح بيدها وكأنها تستحضر بعصا سحرية خيال يحميها عن كل شيء حتى عن الجالس قبالتها..
" مجد كان سنداً لي وقت غياب الجميع وأولهم أنت..
كان الصديق الذي احتجت.. كان الرجل الذي أعطاني كل مشاعره ولم يبخل بها عني "
تشير تجاهه باستخفاف بإصبعي السبابة والوسطى متجاوران..
" أما أنت يا شاهر دويدار فلا شيء.. "
تهز رأسها بتأكيد يُزيد يقين كلماتها.. 
" أتسمعني؟!  .. لااااا شيء بالنسبة لي "
ثم استدارت عنه تعطيه جانبها وكأنها لم تحطمه بكلمات كانت طعنات لقلبه الغارق فيها..
" والآن إما أن توصلني لمكان عملي.. أو أغادر سيارتك واستقل أخرى "
وأمرها كان بجمود يشبه جمود ملامحها، في هذه اللحظة تخط بلسانها كلمة النهاية..
ولكن أي نهاية ستكون..
ما خطته هي.. أو ما خطه القدر؟!..

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل Où les histoires vivent. Découvrez maintenant