الفصل التاسع والثلاثون 🍒🎶

1.3K 62 47
                                    

الفصل التاسع والثلاثون

" ليس هناك.. شيء "
وكان هذا صوت بيتر الذي اقتحم الغرفة فيلمح التي في عداد الأموات تمسك هاتفه وتنظر له بذعر فتتقطع كلماته دون إرادة.. 
يقترب بسرعة وازت كلماته المُعنفة.. 
" ماذا فعلتِ يا غبية "
رمت الهاتف مع اقترابه المباغت والذعر يرسم ملامحها وصوت چود يصلهما خافتاً .. مسموعاً .. 
" أين أنتِ ريتا أخبريني..  ماذا يفعل بكِ "
والكلمات المتسائلة كانت كفيلة باشتعال غضبه..  ناره التي ستحرقها.. 
أغلق الاتصال بيد وباليد الأخرى كانت تحيط برقبتها وضغط أصابعه يعزف نهاية خروج روحها التي تجاهد للاحتفاظ بها دون جدوى.. 
وصوته الغاضب يهمس أمام وجهها.. 
" ماذا قلتِ لها.. انطقي "
شهقات..  أنفاس محبوسة.. همهمات مخنوقة تجاهد للخروج تحت ضغط أصابعه التي لا تسمح للهواء بالدخول أو الخروج وهمهماته هو الشيطانية تقرر.. 
" لقد تعجلتِ نهايتك ريتا "
ثم ترك لأصابعه حرية العزف فوق أنفاسها تجبرها على السكون لتعلن نهاية متوقعة بأسوأ شكل من أشكال الموت.. 
تجاهد للحديث..  للتنفس ولكنه لا يدعها تفعل أي منهما.. 
وقبل أن تلفظ آخر أنفاسها تركها.. نفضها سريعا بعد أن أطاح برأسها بعنف لتسقط فاقدة لوعيها في ذات اللحظة وتنفسها يخرج ضعيفا.. 
تحرك مغادرا الغرفة سريعا مقررا اللحاق بالتي علمت مخططه بالتأكيد وسيعود مرة أخرى للقابعة بالداخل ينتهي منها هذه المرة لا محالة..  وصل لخارج البيت التابع لعمله.. 
وبالخارج قابله أحد رجاله فيأمره متابعا تحركه.. 
" هيا بنا "
فتبعه رجله دون نقاش

***

كانت تغلق الباب تسحب حقيبتها لتتوجه للمطار قاصدة جهة سفرها ولكن أتاها هذا الاتصال من ريتا وسمعته.. 
سمعته يصرخ فيها ومن الواضح أن ما سيحدث لن يعجبها.. 
( ويونس!!) 
هتفتها داخلها بارتعاش لتدرك أنها الآن..  في هذه اللحظة.. 
مسؤولة بشكل أو بآخر عن حياة الغائب.. 
الغائب؟!. وبذكره تتذكر كل اعترافاته بحبها.. 
تصريحاته برغبته فيها سواء تحت مسمى الزواج أو بمسمى آخر.. 
وعند هذه النقطة بالذات تعاظمت الأسئلة داخل عقلها.. 
هل كان يقصد ما قال أو هذا نتيجة جرحها له دون أن تفعل. 
أغمضت عيناها للحظات ثم فتحتهما لتحط بهما على الهاتف الموضوع بين قبضتها  ثم نظرت للحقيبة..  للحظات ظلت تقلب نظراتها بينهما وكأنها تسألهما المشورة.. 
وبلحظة حاسمة كانت الانطلاقة لعقلها.. فيتنحى القلب ووجعه قليلا وتكون الريادة للعقل هذه المرة..  ولكنها ريادة تتمنى أن تكون بمسارها الصحيح.. 
فهي لن تتحمل وزر أن يحدث له شيء.. 
سحبت الحقيبة تتوجه لمصعد المنزل ومنه لسيارتها دون تأخير قاصدة وجهة معينة.. 
وجهة بذاتها تدرك أن فيها ستجد أي وسيلة اتصال به أو رؤيته حتى..  وخاصة بعد أن حاولت مهاتفته لتجد الرقم مغلق .. 
وصلت بقيادتها للشركة التي كانت تعمل بها قبل أسابيع قليلة..
أسابيع كانت لها كدرس فائق في وجعه وألمه.. 
وكل هذا لا يقارن ما علمته منذ أيام.. 
يومان فقط كانا الفرق بين معرفتها وجهلها بحقيقة والدها السفير العظيم.. 
كانت تدرك أن هناك خطأ به.. 
ولكن علاقته ببيتر وتشعبها لدرجة أن يتآمر معه عليها وعلى يونس هذا ما لم تتخيله أبداً..  وبالتأكيد عقلها لم يقف عند هذا الحد متخيلا..  ومتوقعا إلى أي مدى الأعمال بينهما وخاصة ما تتسم منها بالقذارة.. 
فمن استحل أن يفعل بابنته هذا بالتأكيد سيفعل الاكثر بشاعة .. 
دخلت ليقابلها الاستقبال لا تعلم هل تصعد له مباشرة.. 
أو تسأل عليه قبلا وخاصة أنها لم تعد تعمل بالمكان. 
" السيد يونس موجود "
وكان هذا قرارها بأن تلجأ لموظفة الاستقبال قبلا تحترم حدودها التي اختارتها بنفسها.. 
" السيد يونس غير موجود هل يمكنني تبليغه بأي شيء "
ماذا تقول..
هل تخبرها أن أخبريه أنه سيُقتل.. 
أم تطلب منها أن تخبره أنها علمت الحقيقة وتقدر ما عاشه .. 
تنهدت تحت عيني الفتاة التي تراها للمرة الأولى فمن الواضح أنها موظفة جديدة.. 
" من فضلك أريد التواصل معه بأي شكل "
ارتسم الأسف على وجه الفتاة قائلة.. 
" لا يمكنني.. أعتذر للغاية.. تستطيعين إخباري بما تريدين وسأوصله له "
" وأنا أريد التواصل معه شخصيا فمن الأفضل أن تخبريني كيف أفعلها "
قالت ما قالت دفعة واحدة وبشكل عنيف مما جعل المقابلة لها تتراجع في خطوتها..  مبهوتة الملامح.. 
" من فضلك ليس هناك داع للصوت العالي.. السيد يونس في زيارة عائلية لوطنه ولا نعلم موعداً لعودته "
عاد؟! 
وطنه؟!
والكلمات داخلها رغم وجع بُعده إلا أنها أسعدتها.. 
نعم سعيدة من أجله.. وعلى يقين أنه استطاع كسر كثير من الحواجز بينه وبين أخيه وعائلته.. 
ضربها الحنين له ولوجوده.. لدفئه الذي لا يعادله دفئا.. 
لعبثه.. وقاحته التي كانت تغذي أنوثتها المركونة لسنوات عِجاف قضتها بصرامة تُشكل بينها وبين أي رجل ألف جدار وجدار ..
ولكن معه.. فقدت كل صرامتها.. 
بل فقدت نفسها.. ذاتها فيه.. 
وما أجمل فقدان مثل هذا. 
" حسنا أخبريني كيف يتواصل معكم لأن رقمه مغلق "
" نعم للسيد يونس رقم آخر ولكن أستطيع أن أعطيه لأي أحد يسأل عنه "
وإجابة الفتاة المتوقعة جعلتها تستشيط غضبا لتهتف في وجهها بعنف.. 
" وأنا ليست كأي أحد "
ثم أعطت لنفسها حق كما فعلها هو سابقاً..
" اعطيني الرقم لأمرٍ هام "
أمرها نافذ..  جامد..  ولكن الأخرى لا تملك من أمرها شيء.. 
" أعتذر لا أستطيع "
" كيف لا تستطيعين ألا تعلمـ... "
" ما رأيك أن تأتين معي "
وجملتها قُطعت بفعل هذا العرض الذي قيل بصوت رجولي تعرفه جيدا.. 
التفتت ببطء لترى صاحب الكلمة..  وصاحب الخطف..
وصاحب قرار القتل.. 
" أنتَ!! "
والذهول في همستها جعله يقترب منها أكثر ممسكا بأعلى ذراعها بحميمية ظاهرية للأعين من حولها.. أما لها فكانت تشعر بقسوة أصابعه فوق لحمها..  وهمسه يصلها متوعدا.. 
" دون كلمة.. هيا معي إلى الخارج "
حاولت سحب ذراعها تحاربه بالقول والفعل.. 
" اتركني "
ولكنه لم يتركها بل سحبها بجواره لا يسمح لها بالانفلات من بين أصابعه غير عابئا بهمساتها المعترضة.. 
" أتركني ماذا تفعل "
يجرها يُزيد من قسوة قبضته فتتأوه موازاة لكلماته التي قرأت الاستهزاء بها.. والتهديد.. 
" هيا چود فلدينا الكثير لنتحدث فيه "
ولكنها تعانده بغباء.. 
" لن أتحدث معك في شيء ولن أذهب معك إلى مكان "
تدعي القوة وبداخلها طفلة مذعورة على وشك فقدان حياتها..  كما فقدت فرصة تنبيه من تحب في نفس ذات اللحظة.. 
" ستأتين وإلا تصرفت بنفسي "
ثم شعرت بشيء يضغط على جنبها الذي يجاوره..  شيء تستطيع معرفة ماهيته بسهولة.. 
" ماذا ستفعل.. هل ستقتلني كما قتلتها "
تهمسها دون أن تستطيع النظر إليه فجسدها توقف بل تخشب بمكانه.. 
تعاند نفسها وتعاند خوفها متمسكة بأمل واهي لا تملك له طرفا.. 
" ما الذي يمنعني من فعلها "
قالها ساخراً ..  قاصدا بث الرعب داخلها ولكنها تمسكت بإقراره بالقتل.. 
" قتلتها بالفعل؟!  "
قالتها بعد أن التفتت تنظر له.. عيناها تصرخان برغبة نفيه..  ولكنه لم يرحها بل شدد بأصابعه القابضة على لحمها آمراً.. 
" هيا "
ثم دفعها لتتحرك فتعانده متمسكة بجمود جسدها تهدده.. 
" سأصرخ "
يناظرها ببسمة متهكمة..  ساخرة كوقفتهما نفسها.. 
" لن تفعليها.. هيا "
مُقراً وكأنه يدرك قوتها المزعومة ولن تُظهر ضعفا ولو على سبيل المجازفة.. 
" بيتر "
واسمه من بين شفتيها زعزع ثباته وواجهته للحظات..  لحظات فقط غرق فيها داخل عينيها اللتان ترجوان الانسان داخله..  ولكنها لا تعلم أن الانسان داخله مات..  قُتل بيده وبيد أفعاله.. 
" هياااا "
قالها بعنف يهزها وكأنه يُسلل هزتها تلك لداخله هو علّه يستفيق.. 
يستفيق من غرقه بها.. 
" ماذا كنت تفعلين هنا "
توقف بغتة يسألها..  وسؤاله خرج عابثا بقصد أن يُذكر نفسه سبب تواجدها حتى لا يترك حاله لضعف قد يتسلل من بين بواقي انسان غير موجود من الأساس.. 
" اا.. "
تلعثم حرفها التي أبت الخروج جعله يرسم ابتسامة بغيضة على جانب شفتيه.. يميل على أذنها هامسا بفحيح يتقنه.. 
" كنتِ .. ترغبين بتحذيره.. أليس كذلك "
لم يكن يسأل بل كان يُقر واقعا يدركه ويغضبه.. فأراد الانتقام وبسرد شيطاني يخبرها به مدى بُعده.. كبُعد فرصتها بتحذيره..
" عاد لوطنه "
رفعت عينيها تناظره وقد اغرورقت عيناها بدمعتين لن تسمح لهما بالهطول.. 
" بيتر.. أرجوك "
يهزها وقد زاد غضبه بسبب الضعف الذي رآه مرتسما على ملامحها وداخل مقلتيها..
" ترجوني لماذا "
ثم يُقرب وجهه منه هامسا من بين أسنانه وقد راقه سيطرته عليها هي تحديدا.. 
" أتركك.. أم.. أتركه؟؟ "
سؤال رماه متمسكا ببقايا عقل تسببت هي بفقدانه خلال الدقيقتين الماضيتين والسبب؟!  ..  تمسكها بآخر غائب ولا وجود له بالصورة.. 
" بيـ..ـتر "
واللعنة عليها وعلى اسمه الذي أطاح بتعقل لا وجود له.. 
" انطقي "
خرجت كزعقة دون إرادة منه وكأنه أراد لها أن تستفيق وتعي لمن يجب أن تختار.. 
" اتـ..ـركـ..ـه "
وتقطعت الحروف كتقطع قائلها ومقصدها..
وهو؟!  .. اللعنة عليه لو نفذ كلماتها وتركه.. فبلفظها بهذا الضعف وهذا الرجاء جعلاه يقسم أنه لن يتركه إلا وقد أغرق يداه بدمه.. 
" هيا بنا "
قالها بجمود وقد لاحظت تبدل حاله
ناظرته بضعف ولم تشعر بيده التي تسللت لرقبتها ممسكه بمحقن ما.. صرخة خافتة خرجت من بين شفتيها وبعدها لم تشعر بجسدها الذي سارع في التهاوي وكلمات بيتر تصلها بين وعي وفقدانه..
" لم يتحمل هو الآخر رؤيتك مِلكا لغيره "
واستسلمت..
استسلمت بجسد فقدت التحكم به.. وبوعي غاب في لعبة سيطرة..  هيمنة والضعف هنا لا وجود له فالحاكم والمتحكم هو صاحب اللعبة.. 
راعٍ لكل أطرافها.. 
" هات متعلقاتها.. واترك سيارتها هنا "
قالها آمراً رجله الذي سارع بالتنفيذ بينما بيتر حملها بين ذراعيه متوجها بها إلى سيارته الواقفة غير عابئا بنظرات المارين حوله شاكرا لمجتمع كل من به يقول نفسي وفقط..
أسقطها على الكرسي الخلفي للسيارة ثم جلس بنظيره الأمامي وعقله لا ولن ينسى ما سكن نبراتها من أجل غريمه.. 
نعم غريمه وسيظل إلى أن يقض عليه.. 
إلتفت لها بعد أن جلس على كرسيه يناظرها بنظرة عميقة..  غريبة..  مدققة وحاقدة على غائب مستنكر كيف يفوز بها هذا الآخر بعد كل ما فعله.. 
كيف تكون جائزته امرأة بكل هذه الشجاعة وكل هذا النقاء.. 
عاد بنظراته للأمام وعقله يغزل ويفكر بخططه التي تصب كلها في اتجاه واحد.. 
(كيف التخلص من يونس النويري)
أهم خططه وأكثرها عداوة.. 
" ما هذه "
قالها لرجله الذي جلس بجواره على كرسي السائق مُجيباً .. 
" حقيبة يدها "
قلبّها بيتر بين يديه..  عاد ببصره للنائمة خلفه وكأنه يتأكد من غفوتها ثم وبتسلط إجرامي لم يمنع نفسه من فتحها.. 
قلم شفاه.. مفاتيح.. هاتف قام بإغلاقه تماماً .. 
ثم جواز سفر وتذاكر طيران.. 
وبنظرة واحدة لتذاكر الطيران وجواز السفر الخاص بها.. 
ولا جواز غيره..
وبدأت الأسئلة تتوالى على رأسه
كيف لعروس بعد زواجها بأيام أن تذهب لرجل آخر كان حبيبها يوماً حتى لو كان لغرض انساني.. 
كيف لعروس أن تغادر بيت الزوجية بمفردها.. 
أين تذاكر طيران الآخر.. 
أين الآخر نفسه من صورة تحكم هو بها منذ دقائق خاطفاً أحد مكونات تلك الصورة الهزلية لثنائي حديث التزوج..
وشيطان تفكيره كان كفيل بربط بعض الخيوط وتشكيل الكثير من التخمينات.. 
رفع هاتفه بيد ومازال الورق بين أصابع يده الاخرى.. 
" إسمع.. هناك زواج منذ أيام هل يمكنك التأكد من حدوثه أم لا "
وحين أتاه الإجابة بـ نعم تابع بيتر حديثه آمرا.. 
" سأرسل إليكَ البيانات وهناك اسم بالتحديد عليك معرفة أين هو وكل شيء عنه حاليا "
ثم أرسل له صورة تذاكر سفر واسم الزوج الغائب عن الصورة والمقصود بالبحث الذي سيكون كالقنبلة التي ستبيد الجميع دون استثناء..

قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة والعمر يحكي بقلمي راندا عادل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن