قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة...

By RandaAdel4

98.9K 3.3K 917

رواية رومانسية اجتماعية More

التواقيع 🖋
مقدمة 🍒🎶
الفصل الاول 🍒🎶
الفصل الثاني 🍒🎶
الفصل الثالث 🍒🎶
الفصل الرابع 🍒🎶
الفصل الخامس 🍒🎶
الفصل السادس 🍒🎶
الفصل السابع 🍒🎶
الفصل الثامن 🍒🎶
الفصل التاسع 🍒🎶
الفصل العاشر 🍒🎶
الفصل الحادي عشر 🍒🎶
الفصل الثاني عشر 🍒🎶
الفصل الثالث عشر 🍒🎶
الفصل الرابع عشر 🍒🎶
الفصل الخامس عشر 🍒🎶
الفصل السادس عشر 🍒🎶
الفصل السابع عشر 🍒🎶
الفصل الثامن عشر 🍒🎶
الفصل التاسع عشر 🍒🎶
الفصل العشرون 🍒🎶
الفصل الواحد والعشرون 🍒🎶
الفصل الثاني والعشرون 🍒🎶
الفصل الثالث والعشرون 🍒🎶
الفصل الرابع والعشرون 🍒🎶
الفصل الخامس والعشرون 🍒🎶
الفصل السادس والعشرون 🍒🎶
الفصل السابع والعشرون 🍒🎶
الفصل التاسع والعشرون 🍒🎶
الفصل الثلاثون 🎶🍒
الفصل الواحد والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثاني والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثالث والثلاثون 🍒🎶
الفصل الرابع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الخامس والثلاثون 🍒🎶
الفصل السادس والثلاثون 🎶🍒
الفصل السابع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثامن والثلاثون 🍒🎶
الفصل التاسع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الأربعون 🎶🍒
الفصل الواحد والأربعون 🍒🎶
الفصل الثاني والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون.. الأخير ج1
الجزء التاني من الفصل الواحد والخمسون
الفصل_الواحد_والخمسون 🍒الجزء الأخير
الخـــــــــــــاتمة 🍒

الفصل الثامن والعشرون 🍒🎶

1.1K 63 19
By RandaAdel4


الفصل الثامن والعشرون

ومرت سنة
سنة مرت بحلوها ومرها..
بقرب وبُعد..
بجذب وشد..
مرت أيام وشهور ليأتي الوعد بالعودة
كما الوعد باللقى..

....

" إلى أين ستذهبين "
قالها يونس الجالس وراء مكتبه ينهي بعض من أعماله المكتبية..
فتجيبه چود ململمة حاجياتها ثم تقف تناظره..
" لدي محاضرة "
يضع قلمه بجانب الأوراق بوضع مائل ثم يخفض نظاراته التي يستخدمها منذ شهور أثناء القراءة..
" لا أعلم ما فائدة تلك المحاضرات التي تُدرسينها.. "
ثم يضيف متذمرا بطفولية كارهاً محاضراتها الغالية التي تأخذها منه لوقت كبير.. 
" لا أرى أهمية للموضوع كما أنكِ لا تملكين الوقت "
ولأنها تعلم مقصده تماما من هذا الحوار كما كل مرة.. فتهادنه كطفل صغير..
" بالعكس تماماً.. أملك كل الوقت.. "
تعدل من هندامها تحت عينيه الثاقبتين متابعة..
" لا تقلق أنا أهتم بتنظيم وقتي جيداً .. كما أن هناك طلاب يحتاجون لمثل تلك الفرص للتعلم.. وأنا أكثر من سعيدة أني أستطيع تقديم مثل هذه
الفرص لهم   "
ولعلمه أنه لن يستطيع فرض رأيه عليها يسكت مضطرا.. متذمرا..
ثم يعرض داعما كما كل مرة أيضاً..
" حسنا هيا لأوصلك  "
تبتسم بشعور من الراحة.. والهدنة بينهما قائمة منذ اتفقا عليها قبل سنة..
التقارب.. والتعارف بشكل أوسع..
عدم مدارة أي شيء مهما كان صغيراً ..
" كيف حال تمام "
نشلته بسؤالها من شروده ليجيبها مقرا..
" بخير.. كما تقول أمي "
تلتفت لتنظر له متسائلة..
" ألا تحدثه "
يلوي شفتيه بلا معنى ثم يجيب..
" أحدثه ولكن ليس باستمرار.. "
تقطب ما بين حاجبيها بتساؤل ليجيب تساؤلها الغير منطوق..
" هناك حاجز ما مازال موجوداً .. لا أعلم كيف سيهدم "
سكت كلاهما لا يجد كل منهما ما يقول ..
تعذره.. تعذر خوفه من التقرب حتى لا يجرح ثانية ويكون التقرب ما هو إلا مأساة أخرى في تشكيل حياته..
" أخبرتني أمي أن زوجته حامل..
وخلال أشهر قليلة سيأتي أصغر أبناء عائلة النويري "
تنفرج ملامحها بفرحة يدركها جيدا لإدراكه حبها للأطفال.
" حقا "
يبادلها ابتسامتها بمثلها ثم يرفع إصبعيه ممسكا بذقنها برقة..  ثم يقول ناظرا لعينيها..
" نعم.. من يدري قد نراه سويا "
يرتفعا حاجبيها بشغف منتظر.. مدركة أن ما يقوله سيكون نقلة في علاقتهما سويا..
ترمش بأهدابها تداري لهفتها لما قاله وتحقيقه..
ثم قالت متهربة منه..
" هيا بنا حتى لا أتأخر "
مازال ملامسا لبشرتها يناظرها بارتياح اكسبه له هذا الانجذاب..
هذا التودد..
هذه الموائمة بينهما..
" هيا بنا "
وأثناء تحركهما سألته..
" ألم تصلك أخبار عن شاهر ثانية "
يتحرك بجوارها متجهان لسيارته ثم أجابها..
" أراسله عبر الانترنت.. وسألت عنه عابد صديقنا وقال أنه لا يعلم عنه الكثير خلال الفترة الماضية الأخيرة.. "
نعم هي تعلم عابد لقد حكى لها عنه في مرة من مرات جلساتهما..
أما يونس فشرد لليوم الذي تطفل فيه على صفا وسألها عن شاهر قاصدا معرفة حقيقة ما استنتجه منذ عام مضى بأن صفا تحب الحكيم..
ولكن إجابة صفا بلامبالاة وقولها أنها لم تتمكن من رؤيته جعلاه يشك في استنتاجه..
ما زاد تأكيد شكه ليتحول ليقين هو رؤية العلاقة بينها وبين المدعو مجد
( صاحب أجمل تؤبري قلبي)..
تلك العلاقة كانت كفيلة بجعله يستبعد أن هناك ما يجمع بين صفا والحكيم..
وها هو الحكيم غائبا منذ عام ..
وها هي صفا تنشئ علاقة جَدية بينها وبين مجد كما هو واضح للجميع..
وكم كان يريد إخبار چود بشكوكه تلك والتي تخص صفا وشاهر ولكنه آثر التكتم حتى لا يُسيء لصفا بأي ظن هي بريئة منه..
كما لو أن كان هناك أمرا بين صفا والحكيم كانت چود نفسها ستعلم فهي صديقة صفا قبل أي شيء..
وصل لمكان محاضراتها ثم التفت لها قائلا..
" سأنتهي من بعض الأمور وسأعود لك حين تنهين محاضراتك "
أومأت له ثم همت لتغادر ليوقفها مناديا.. 
" چود "
فتتوقف تنظر له ليتابع عابثا..
" أنت تبجلين عملك وتعليمك للغير.. 
إذاً.. ألن تعيدي التفكير في تعلمي لكِ السباحة "
فتحمر وجنتيها بغيظ قائلة..
" لا.. لن أعيد "
ثم أضافت ترفع سبابتها أمامه وجهه..
" ولا تضع محاضراتي العلمية في مقارنة مع دروسك المنحرفة "
يعض على شفته السفلى بتلميح وقح قائلا..
" دروسي المنحرفة في منتهى العملية أنتِ من لا يعلم "
لتتأفف وهي تغادر السيارة تحت ضحكاته.. وصوتها يصله..
" هيا يا منحرف فلتذهب وسأنتظرك "
يراقب ابتعادها قائلا بصوت هامس يتردد نبضاته داخل سيارته من حوله..
" لا أعلم ماذا فعلت بحياتي حتى أستحق وجودك الرائع بجواري "
وإجابة الكلام أصعب مما يتخيل..
فهناك ديون مازالت صفحاتها مفتوحة ولم تُسدد بعد..

****

وبالمحاضرة
كانت تقف امام عارضة الكترونية تشير إليها بعصا حديدية..
رفيعة و طويلة..
تشير بها تجاه المعلومات التي تعرضها تلك اللوحة الضخمة..
وتشرح بأجنبية متقنة..
" لابد من الحفاظ على ترتيب اللوحة وتجنب العشوائية بها..
والعمل على تنسيقها "
ثم تشير تجاه نقطة أخرى متابعة..
" مراعاة نظافة اللوحة ودقة الرسم والخطوط "
ثم تشير لاتجاه آخر متابعة..
" مراعاة اختيار الخطوط المناسبة للرسم "
ثم اتجاه آخر متابعة..
" وضوح الفكرة الأساسية للوحة والبيانات الخاصة بالرسم "
ثم تشير لمكان آخر على العارضة قائلة..
" كما أشرت سابقا لأهمية التنسيق لأن من خلاله يتم فهم إلى ما تشير إليه لوحتك "
ثم وضعت العصا الطويلة على طرف العارضة المدبب والمخصص لوضع تلك العصا قائلة ومشددة..
" ولا ننسى إظهار أماكن الظل والنور "
ناظرت الطلاب الجالسين أمامها مبتسمة..
وداعمة فالجالسين ليسوا طلاب بالمعنى الحرفي ولكنهم شباب من سن الثالث والعشرون حتى الخامس والثلاثون يرغبون في احتراف هندسة الديكور عن طريق تلك الدورات التعليمية والكفيلة بإعطاء الشهادات المختصة بعد الانتهاء منها..
وهذا ما رغبته چود..
رغبت في المساعدة..
تكوين شخصية بعيدة كل البعد عن والدها..
والدها!!
والدها الذي وبخها عندما علم بأمر تلك الدورات التدريبية ليس من أجل خوفه عليها ولكن من أجل مظهره اللعين..
ولكنها وعدته ساخرة ألا تقحمه في أمورها..
كما تحاول ألا تستخدم اسمها كاملاً مهما حدث..
أنهت محاضرتها ثم توجهت لمقهى المبنى تجلس في انتظار يونس الذي أمرها حرفيا ألا تتحرك قبل أن يصل إليها..
" مساء الخير "
قيلت بأجنبية مطلقة جعلتها ترفع رأسها لقائلها.. مبتسمة تجيبه
" مساء الخير.. "
فيبادلها ابتسامتها بأخرى رزينة قائلا بعفوية مؤدبة..
" هل يمكنني الجلوس "
" بالتأكيد "
قالتها تشير للكرسي المقابل لجلستها..
" أنت طالب بالدورة أليس كذلك.. "
ابتسم مجيبا.. سعيدا بتلك الفرصة بالحديث معها..
" نعم.. مما يسعني الاشادة بطريقة إلقائك وطريقة طرحك للأفكار والمعلومات "
تجامله بابتسامتها المهذبة وهي تجيب
" شكرا لك.. أنا أحب عملي ليس إلا "
فيفاجئها عارضا بسماحة..
" وبالحديث عن العمل هل يمكنني الاستعانة بكِ إن احتجت رأيك في أحد تصميماتي.. "
تهز رأسها بدعم مهني قائلة..
" بكل تأكيد "
تصمت للحظات تناظره.. ثم تقول ما جال بخاطرها..
" مع إن سنك كبير بعض الشيء على تلك الدورات التعليمية "
فالجالس أمامها يتخطى عمرة الثلاث والثلاثون كأقل تقدير إن لم يكن زيادة سنة او سنتين..
" نعم.. في البداية كان الأمر عبارة عن شغف مؤجل..
أنا أعمل بمجال التوريدات.. ولكن تظل دراسة الفن داخلي حاجة تمنيت أن أحققها يوماً ما.. وها أنا أحققها على يديكِ .. فشكرا لكِ "
تبتسم له بفخر مشجعة..
" أحسنت.. ليس المغزى بالنجاح وإنما بتحقيقه الفعلي..
وفعل ما تحب "
ثم تناظره داعمة..
" أنا موجودة متى احتجت لأي شيء "
هم لشكرها ولكنه توقف حين صدح رنين هاتفها فترفعه مجيبة..
" أهلا يونس.. أين أنت "
تساءلت تحت نظرات الجالس أمامها بتدقيق ثم صدح صوتها ثانية وهي تقول..
" أنا انتهيت بالفعل.. سأخرج لك حالا "
ثم أنهت مكالمتها ناظرة للجالس أمامها معتذرة..
" معذرة .. يجب أن أغادر "
شكرها دون كلام ثم تابعها بنظراته حتى خرجت من المكان برمته..
أما هو فلملم حاجياته ثم استقام من مكانه متجها لوجهته.. الخاصة..

****

أما عند صفا
فكانت تركب بجوار مجد الذي كان يقود سيارته بين شوارع المدينة.. ليجذبه صوتها المتسائل..
" إلى أين سنذهب اليوم "
ابتسم ثم أجابها دون أن ينظر إليها..
" اليوم الدور عليّ أليس كذلك "
بادلته ابتسامته ثم هزت رأسها تجيبه بحماس..
" نعم.. "
والتناغم بينهما لم بتولد من فراغ فخلال العام المنصرم كان بينهما اتفاق لفظي بمحاربة الحصون بينهما وهذا ما اقترحه مجد بعد ما أبدته من تقبل له ووافقت على عرضه لفظيا..
ومن بعدها كان الاتفاق أن لا يمر أسبوعا إلا ويتدبروا أمر نزهة ما تُقرب بين شخصياتهم..
فكل واحد منهما له أسبوعا بالتتابع عليه أن يفصح عن شخصيته وما يحبه بطريقة أوضح حتى يتم التقارب بينهما بشكل صحى ومتفاهم..
" إلى أين سنذهب "
تساءلت بعدما لاحظت مروره بوسط المدينة باتجاه منطقة حيوية ومشهورة ليأتي رده المختصر مع غمزة تشويقية..
" مفاجأة "
فتبادله الابتسامة وعيناها تراقبان الشوارع من حولها..
" تحمست "
ليهز رأسه ومازالت ابتسامته عالقة بجانب شفتيه..
" سعيد بحماسك "
ليظللهما الصمت بعدها ما تبقى من الوقت حتى وصل لوجهته المنشودة والتي لم تكن سوى..
( معرض عربي للوحات المرسومة )
لأحد الفنانين العرب المقيمين بالبلد..
تجمدت مكانها مع النظرات الأولى للوحات.. تشعر بالرهبة بمجرد دخولها،  وشعر هو بها ليمد يده مدركا ما تشعر به في تلك اللحظة..
أمسك بكفها داعما..
دعم يحتاجه هو قبل أن تحتاجه هي..
يميل برأسه هامسا بجوار أذنها وكأنه يذكر نفسه قبلها..
" هنا تاريخي المنهوب..
وهنا وطني المسلوب "
ترفع عيناها إليه تشعر بالدموع تترقرق بين جفنيها ليضغط على كفها بأصابعه آمرا بعد أن لاحظ تأثرها..
" إياكِ .. إياكِ والبكاء.. نحن أمة لا نُكسر
وإن شوهوا التاريخ.. 
وإن أبادوا الأوطان..
فنحن لنحن وطنا..
و قلوبنا بُلداناً لا تقهر.. "
تناظره بعينين تلمعين ومازالت مأخوذة به وبالمكان فيبتسم لها بمواساة قائلا..
" هيا سنقوم بجولة بين لوحات أوطاني أتمنى أن تعجبك "
سحبها بلطف من يدها لتجاريه بحركته قائلة بعد أن أصبحت بموازاته وتنظر للأمام..
" لمن هذه اللوحات "
يدور بعيناه يمينا ويسارا مجيبا..
" فنان عربي كرس حياته لتوصيل ما يحدث بأوطاننا عن طريق لوحاته وفرشاته .."
تناظر اللوحات بشغف ثم تقول..
" اللوحات تخطف الأنفاس "
ثم أضافت وعيناها تحوم على اللوحات تقرأ بين ضربات ريشاتها معنى الألم..
الفقد..
والهدم..
" لوحة مجسمة من المعاناة "
" تعالي "
قالها متوجها بها لأول لوحة معلقة فيقفا أمامها للحظات..
يتركها لتعي أبعاد الرسمة.. 
ترفع نظراتها إليه لتستفهم بذهول..
" هذا طفل "
وتتمة سؤالها تأتي..
" غـ ـرق!! "
والذهول كان مصحوبا بالألم الذي قابله مبتسما وهو يقول..
" نعم..  طفل..
اسمه آلان كردي  واشتهر في وسائل الإعلام باسم آلان الكردي نسبة إلى عرقيته الكردية.. "
وحين لاحظ اهتمامها تابع..
" طفل سوري صغير لم يتجاوز الثالثة من العمر، مـ ـات
غـ ـرقاً وصعقت صورتهُ على شاطئ تركي ضمير العالم، بعد أن وجده شرطي تركي، حيث كان برفقة والديه وأخيه فيما كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان بواسطة قارب صغير انطلق من سواحل تركيا محملاً باللاجـ ـئين السوريين الهاربين من جحـ ـيم الحرب الأهلية "
راقبها تعيد نظراتها للوضع  تتدقق النظر في خطوطها فتابع حديثه .. 
" وغـ؟ رق في البحر بعد أن انزلق من يد والده عقب انقلاب القارب في عرض البحر وتوفيّ معه في الحادث والدته وأخوه في حادث مأساوي هز العالم أجمع وأعطى بُعداً آخر لمعاناة اللاجئين في كل مكان "
ما تزال تنظر للصورة بتأثر ثم مدت أصابعها تمررها على خطوط الطفل المرسوم وهي تقول هامسة..
" ستحيا بأنهار الجنة يا حبيبي لا تقلق "
وجملتها أثارت بنفسه الكثير والكثير من الشجن.. والحنين لوطن تغرب عنه ولم يتبق له منه شيء سوى صورا باهتة عن شوارع لم تعد..
وميادين أصبحت دون معالم..
وآثار معدومة..
يراقب نظراتها الحنونة للطفل مدركا امتلاكها لعاطفة غزيرة.. 
عاطفة كفيلة بإغراق كل من حولها بها..
مدركا أن صفا ان امتلكت الفرصة لتكون أماً .. ستكون أماً رائعة..
محظوظون أولادها بها..
ابتسم من نفسه ومن انحراف أفكاره مفكراً أن الوقت قد حان لتغيير مسرى علاقتهما.. ولكن ليس اليوم ..
قليل من الوقت بعد..
" تعالي "
قالها ساحبا إياها.. ثم نفسه من لُجة الحنين الذي غرق بها..
توقفا أمام الصورة التالية ليصدمها منظر لطفل يجلس على كرسي برتقالي اللون.. ووجهه مليء بالأتربة وآثار الدماء..
وعينان صامدتان بإيباء مكسور ..
وجميع جسمه مغطى بأثار الاتربة.. وكأنه..
وكأنه!!..
" أُستخرج من تحت أنقاض "
قالها وكأنه شعر بما يجول بخاطرها.. لتنظر له منتظرة حكاية هذا الطفل ولم يتأخر إذ قال..
" اسمعه عمران دقنيش.. تم قصـ ـف منزل أسرة عمران منهاراً فوقهم .."
وكما المرة الماضية وجدها تستمع بكل إنصات.. فتابع..
" بعد ذلك قام مركز حلب الإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعرض الفيديو الذي يظهر فيه الطفل عمران بعد أن أخرجه المسعف  ووضعه في سيارة الإسعاف..
صامتا لا يتحدث ولا يصرخ ولا يبكي ولم تنزل من عيناه دمعة واحدة. "
ارتفع حاجبيها مع حديثه وكأنها انتظرت عكس ما قيل.. فتابع..
" ظل جالسا على مقعد داخل سيارة الإسعاف، والغبار يُغطي جسده والدماء تملئ وجهه كما تريه في اللوحة.. "
تنظر للوحة مرة ثانية وكأنها تقارن ما تسمعه من مجد بالمنظر أمامها..
فتابع الأخير كلامه..
" كان يمسح الدماء عن جبينه بيده الصغيرة ثم ينظر إلى يده بهدوء ويمسحها بالمقعد دون أن يُبدي أي ردّة فعل أخرى من هول الموقف..
ثم يأتي رجل الإسعاف بطفلة يضعها على جانبه ثم بطفل ثالث، ثم يخرج الأب، وجميعهم حالهم مثل حال عمران ولكن وبسبب أخذ عمران للمكان كأول ناجٍ من تحت الركام نال اهتمام الملايين حول العالم.. وما كان يظهره من ثبات يفتقده أعتى الرجال في مواقف أخرى "
فتتفعل قائلة..
" إنهم أطفال بحق الله "
يتحرك متابعا للوحة التالية وهو يجيبها..
" هذه هي سياسة الاحتـ ـلال.. ستجدين أغلب ضحاياه من الأطفال والشباب.. وكأنهم يتعمدون القضاء على كل فرصة تزيد نسل العرب "
تتحرك بجواره تجاري خطواته الرزينة..
ثم وقفا أمام لوحة أخرى مشهورة أشخاصها وقبل أن يقول كانت تبادر هي..
" محمد الـ ـدرة "
يبتسم باستكانة قائلا..
" نعم.. محمد الـ ـدرة ووالده جمال الدرة صاحب جملة..
( لا تطـ ـلق الرصـ ـاص )..
فقد كانت آخر كلمات وجهها جمال  لقوات الاحتـ ـلال
الإسرائـ ـيلي، أملاً منه في أن تنقذ ابنه محمد، ذو الاثنتا عشرة عامًا من القتل بعد أن احتميا خلف برميل اسمنتي، وسط استغاث من الأب وصراخ وبكاء ممزوج بالذعر من الطفل محمد.. لكن الاحتـ ـلال ردّ ببضع طلقات أنهت حياة الطفل. ثم الوالد ليكون هو وابنه ضحية تجبر مُحتل..
لم تكن تلك اللقطة تعبر فقط عمّا يعانيه الشعب
الفلسـ ـطيني، لكنها باتت أيقونة لما يتعرض له أطفال
فلسـ ـطين من قتل ووحشية "
تبتئس ملامحها بحزن ملأها وهي تقول..
" يا الهي.. متى ينتهي هذا الكابوس " 
ليجيبها ببؤس وقلب مفطور..
" حين يستيقظ ضمير العالم أجمع "
تسبقه هي تلك المرة للوحة التالية بلهفة لمعرفة من التالي..
وحين وقفت أمام اللوحة شهقت بذعر وعيناها ترقرقتا بدموع وهمسها يخرج متحشرجا..
" يا إلهي.. إنها رضيعة "
يمد كفه ممسكا يدها محاولا أن يهون عليها ذعرها وخاصة بعدما يسرد حكاية هذه الرضيعة..
"  إيمان حجو.. الرضيعة التي فطمتها نيران الدبابة "
تنظر له وعيناها خانتهما الدمع لتدحرجا على وجنتيها ليسارع بمسحهما قائلا.
" هوني على نفسك صفا.. لقد اعتدنا "
تعود بنظراتها للوحة ثم تنظر له ثانية وهي تسأله..
" ما حكايتها "
ليسرد مجد نغمات سرده الواقعي  الحزين..
"  اخترقت شـ ـظية دبابة جسدها الصغير بعمرها الأربعة أشهر فقط.. 
وقبل إصابتها كانت بين أحضان أمها لتغادر دنيا تاركة دفء جسدها علامة بين ذراعي أمها "
أغمضت عيناها والخيال يعمل على رسم الموقف لتحياه من جديد فتسري القشعريرة بكل جسدها ويلاحظها مجد فيمسك بمرفقها داعما لها..
وهمّ ليغادر بها ولكنها توقفت قائلة بعد أن فتحت عيناها..
" لنكمل "
ناظرها للحظات صامتا فتتحرك هي للوحة التالية مجبرةً إياه على التحرك..
" جميلة "
قالتها وهي تناظر اللوحة المرسمة لطفلة بجلباب برتقالي اللون بحواف بيضاء ..
وشعرها عبارة عن ذيل حصان قصير..
وملامحة منمنمة رائعة الجمال..
" نعم جميلة "
وافقها ثم اهداها الصاعقة.. 
" جميلة مُغـ ـتصبة "
صاعقة جعلتها تشهق تحت مسمع الوافدين للمعرض فالتفت لهما عيون
الجميع مما جعلها تدير وجهها للناحية الأخرى تكتم شهقاتها.. 
" صفا.. هيا بنا "
تهز رأسها دون كلام وما هي إلا لحظات حتى رفعت وجهها إليه تسأله بصوت متحشرج..
" ما قصتها "
يناظرها صامتا دون أن يأتي بكلمة.. وكأنه يتأكد من ثباتها لما ستسمعه..
فكررت سؤالها..
" ما حكايتها يا مجد "
يغمض عيناه للحظات ثم يفتحهما بادئا حديثه..
" الصورة للطفلة عبير قاسم حمزة من العراق هذه الصورة وهي في السابع من عمرها..  "
نظر للوحة ثانية ثم قال..
" وبالرابع عشر من عمر اغتـ ـصبها الجـ ـنود الأمـ ـريكان ثم قتـ ـلوها حـ ـرقا وقتـ ـلوا والديها  "
اتسعت عيناها من هول ما سمعت..  فتابع ملقيا.. 
" خطط أربعة جنود أمريكـ ـيون أثناء شُرب الويسكي
و لعب الورق لاقتحام منزل الفتاة العراقية عبير قاسم والذي كان قريبا إلى حد ما من نقطة التفتيش التي كانوا مكلفين بحراستها...
كان الجنود غالبا ما يشاهدوا عبير تقوم بالأعمال المنزلية من موقع نقطة تفتيش كالاعتناء بالحديقة "
سكت للحظات يستعيد ثباته الانفعالي فتخيل الموقف كفيل بإشعال النار بأوردته..
" دخل الجنود في منتصف النهار إلى منزل عبير ثم قاموا بفصل عبير عن بقية عائلتها في غرفتين منفصلتين..
وقام أحد الجنود بقتـ ـل كلا الوالدين وأختها الصغيرة.. 
بينما تناوب الجنود الأدوار في اغتـ ـصاب الفتاة "
تنفس بعمق تحت نظراتها الذاهلة ثم تابع..
" الجندي الذي قام بقتل أسرتها صرح بنفسه قائلا بأنه قد قتلـ ـهم جميعا ومن ثم تابع في اغتـ ـصاب عبير بنفسه وحين انتهى من اغتـ ـصابه لها أطلق النار عليها في رأسها، وصب عليها مادة الكيروسين المحـ ـرقة، وبالأخص الجزء السفلي من جسمها، ليتم إشعال النار في جثـ ـتها. "
رفعت صفا كفها تكتم شهقة كادت أن تغادر شفتيها ليحذرها مجد بعينه فتهز رأسها له صعودا ونزولا ليتابع..
" شهود عيان، من الذين آثروا الصمت طيلة تلك الفترة،
كشفوا حقيقة ما جرى لعبير قاسم حمزة، وعائلتها وقالوا بأن قوة أمريـ ـكية مؤلفة من خمسة عشر إلى عشرين عنصرا هاجمت منزل  الفتاة وكانوا قد جاءوا من أجل عبير، فلم يكن هناك من شيء قد حصل في المنطقة من أجل تلك المداهمة، و كانت أمها تخشى عليها من هؤلاء الجنود حيث عيونهم كانت تراقبها كلما دخلت أو خرجت من منزلها، عبير وبحسب روايات جيرانها كانت جميلة وبسبب قلق الأم كانت قد طلبت من أحد الجيران أن تبيت عبير ببيتهم..
ويؤكد الجيران أن الطفلة بدأت تنام بصحبة بنات أحد الجيران بالفعل ، ولكن وبعد ليلة واحدة، قضتها خارج منزلها فقط، لم يمهلها الجنـ ـود الأمريـ ـكان أكثر من ذلك، وبدلا من أن يداهموا المنزل ليلا، داهموه في وضح النهار مقترفين جريمتهم. "
سكت لا يملك ما يزيد به تحت نظرات عيناها مراقبا هذه الدموع التي
تحبسها بمعجزة..
رفع عيناه عنها ناظرا للوحات من اولها لآخرها..
ثم عاد بنظراته إليها ليقابل عينيها الحزينتين.. قائلا برفق رغم الألم..
" أنا أجد نفسي هنا.. آتي لهنا باحثا عن هويتي التي تركتها على حدود بلادي لاجـ ـئا مغتربا عن وطني..
أجد هنا بين اللوحات صورة لمسجد هُدم ولم يتبق سوى لافتة إسمه..
أجد بين لطخات الألوان صورة لكنيسة كانت تجاور مسجد مدينتي ولم يتبق منها سوى شظايا زجاج نُقش عليه العذراء مريم..
هنا أجد بين دموع الأطفال دموعي التي ذرفتها يوم فارقتني عائلتي تحت ركام منزلنا لأكون أنا الناجي الوحيد منها ثم أسافر بعدها مضطرا بصحبة جيرانٍ لي فيتكفلوا برعايتي..
أجد هنا أوطانا سُلبت منا كما تسلب الروح من الجسد..
فنظل أحياءً دون روح حتى يُكتب لنا العودة للأوطان فتكتب لنا عودة الأرواح على إثرها "
والرحمة على صحوة مؤقتة لضمير عالمي عاد ليرقد بسلام!..
.
.
بعد وقت كان يجلس أمامها مُمسكا بكوب قهوته السريعة
يراقب تجهمها البادي على ملامحها يعلم أنه كان قاسيا فيما عرضه عليها..
ولكن هكذا هو..
حين يريد أن يبدأ ببناء مستقبل عليه أن يرسخ الماضي بجذوره ليكون المستقبل زاهراً ..
رقتها لم تتحمل تصور تلك اللوحات..
ولكن كان لابد من هذه المواجهة..
" هاااي.. أين شردتِ "
ناداها جاذبا انتباهها لترفع له عينيها مبتسمة بتذبذب..
" أنا معك "
قالتها بتلقائية لتسلب خفقة دون إرادة منه فيميل بجذعه للأمام مستندا بمرفقيه على سطح الطاولة قائلا برفق..
" قسوتُ عليكِ هذه المرة أليس كذلك "
تعلم مقصده ولكن شعورها صعب وصفه..
أين العالم من كل تلك المعاناة التي تعيشها هذه الأوطان..
إن كانت تشعر بقسوة اللوحات فلن تقارن بقسوة حقيقتها ومن عاشها حقا..
لن تقارن بقسوة ما عاشه هو نفسه وهو يفقد عائلته تحت هدم بيته..
" لم تفعل.. بالعكس تماما "
ورعشة صوتها أنبأته كذبها.. فراوغ بخفة مبددا تأثرها..
" ما رايك إذاً "
فتهديه أرق ابتسامة قد يراها في حياته وهي تقول..
" المعرض رائع..
وتجسيد متقن لما عاشه بلاد الوطن العربي من اضطهاد واحتلال "
قالتها لتصيب ثغره ابتسامة اطمئنان جعلته يقول صادقا..
" أنا سعيد بوجودك معي..
تشاركيني ما أحب..
وتقاسميني جزءً مُهماً مِني "
فتبادله ابتسامته ثم تطمئنه..
" أنا أيضاً سعيدة لمشاركتك هذا الجزء منك "

****

وبمكان ما تحديدا غرفة شبه معتمة إلا من نافذة زجاجية يتدلى عليها ستارة فخمة..
والصمت يخيم على المكان إلا من صوت تنفس بشري منتظم..
وكأنه نائم ..
أو..
منتظر..
والانتظار كان الأدق وخاصة مع علو رنين الهاتف الموجود على سطح مكتب يجلس ورائه شخص ما والظلال السوداء تداري ملامحه بغموض مخيف بجلسته المرتخية.. وكأس نبيذه الممتلئ لِرُبعه يقبع بين أصابع يده بغنج .. يميله يمينا ويسارا وكأنه يدلله..
" ماذا فعلت "
أتاه الصوت المتسائل ككل يوم منذ بدأ خطته..
فيجيب أيضاً ككل يوم نفس الاجابة..
" لا تقلق.. كل الأمور تحت السيطرة "
ثم يأتيه التساؤل الثاني أيضا ككل مرة..
" هل تحدثت معها.. "
فتختلف الاجابة هذه المرة قائلا بظفر..
" تحدثت .. بل وأخذت منها وعداً ما إن احتجتها في شيء ستساعدني.. "
فيأتيه الصوت المتآمر.. 
" وبالتأكيد ستحتاج.. "
فتصدح ضحكاته الخبيثة ثم يقاطعه الصوت على الطرف الآخر آمرا..
" لا تتجاوز معها في شيء "
ثم يضيف كمعلومة..
" هي لا تحب ذاك "
فيجيبه هذا الشخص..
متمهلا..
مستمتعا..
" لا تقلق لقد درست ابنة السفير جيدا "

****

وببلدة اليماني حيث الأرض والوطن
حيث النخيل بطرحه المُثمر..
وحيث لمة البلدة فرحة بخلف الشيخ
عقيقة ابن الشيخ قاسم اليماني
حيث الذبائح..
وتوزيع الطعام على الفقراء والمساكين قبل أن يتذوقه أهل البيت..
حيث الجمع السعيد والمستبشر خيراً..
" العقبى لك يا ست دلال "
قالتها زينب التي حضرت بصحبة دلال منذ أيام لتساعد يدا بيد مع الجميع فرحة بالشيخ الصغير..
فتبتسم لها دلال قائلة..
" اللهم آمين يا زينب.. والعقبى لزواجك يا فتاة "
فتحمر الفتاة حرجا تداري وجهها بكفها فتضحك دلال على مظهرها قائلة من بين ضحكاتها..
" هيا.. هيا نتعجل بما تبقى حتى لا تقتلنا أمي "
فتتحرك زينب سريعا حتى لا ينالا توبيخا محتملا إن قبضت عليهما والدة دلال..
وبعد عدة ساعات  كانتا تجلسان بجوار السيدات حتى يتناولان طعام العقيقة بعد أن اطمأنوا لانتهاء الرجال بالخارج..
وبين ثرثرات النساء اللائي شرعن يحكين عن تجارب ولادتهم وسط ذهول دلال وغيرها..
ثم تحولت الحكايات لتجارب حملهن الذي كان صعباً على البعض وعلى البعض الآخر يسير..
أغمضت عيناها متمنية أن يأتي مثل هذا اليوم عليها وتحكي حكايتها مع الحمل والولادة..
يسيرة.. عسيرة لا يهم..
الأهم أن تأتي هذا اللحظة وتقسم أن تتحمل أي شيء..
" والنساء مجانين كانوا يلجؤون لخرافات من أجل الحمل "
الجملة جعلتها تنتفض وكأنها موجهة لها فقد ظنت أن إحدى النساء وجهتها إليها عالمة بِسرها..
ولكن الجملة كانت من أكبر النساء سِناً قالتها معترضة على بعض تصرفات النساء.. فسألتها دلال بتوجس..
" ماذا تعني بخرافات يا خالة "
تترك المرأة العجوز لقمة الخبر من يدها تناظر دلال وفضولها فأجابتها دون حذر..
" هناك خرافات انتشرت قديما وهناك بعض النساء ينتهجونها ظنا منهن أنها ستساعدهن على حدوث الحمل "
تبتلع ريقها بخوف متسائلة..
" ماذا تعنين .. ماذا يفعلن "
ومصمصة الشفتين تسبق الكلمات..
" أمورٌ كثيرة يا ابنتي.. كأن تستحم المرأة التي تأخر حملها بماء غُسل ميت.. "
شهقت دلال بفزع لا تتصور حقا أن النساء قد يفعلن مثل هذا الأمر..
وتابعت العجوز كلامها بعد أن رأت الذهول يرتسم على ملامح ابنة الشيخ..
" لا تتعجبي يا ابنتي فهناك من نامت بجوار الأموات معتقدة
بهذا أن يتم حملها "
والذهول المتعجب والغير مستوعب خرج من بين شفتي دلال المرتعشتين تأثراً..
" يا الهى.. أموات!! "
تضرب المرأة كفيها على بعضهما قائلة..
" نعم..
فهناك خرافة تقول إن تعرضت المرأة لفزع أو خووف شديد يحدث لها حملا خلال ميعادها الشهري الذي يلي تعرضها لهذا الفزع "
شهر؟!
تساءلت داخلها والتمني جعل النجوم تضرب فوق رأسها تشوقا وتخيلا..
تخيلا أن من الممكن أن يفصل بينها وبين حلمها شهر..
شهر.. مجرد شهر واحد.. ثلاثون يوما..
سبعمائة وعشرون ساعة قادرة على عدهم بالدقيقة إن لزم الأمر..
وبعدها يتحقق الحلم..
وهناك الشيطان يزين ويختار ألفاظ بعينها.. متلاعبا بها فوق نقصا يتعشش داخلها..
ولكن لحظة!!..
" فزع.. ماذا تقصدين بأن تتعرض للفزع "
تساءلت دلال بصوت مسموع لتجيب المرأة..
" كأن تنام بجوار قضبان القطار منتظرة مرور القِطار من فوقها "
لتشهق دلال برعب..
" يا الهي هذا جنون "
لتجيب المرأة بقلة حيلة..
" نعم هو جنون يا ابنتي.. ولكن ماذا باليد لفعله.. النساء اليائسات يلجئن لفعل ما يتخيله بشر من أجل تحقيق ما يردن وخاصة ان الناس لا يتركون أحداً بحاله.. "
وهل لا تعلم ذلك..
فالنظرات كفيلة بجعلها تجن ما بال ما يقال من ورائها حيث لا يجرؤ كائنا من كان على قول كلمة واحدة أمامها..
جذبها حديث المرأة ثانية..
" هناك ايضا من تنام ليلة من منتصف الليل حتى طلوع الفجر
بين المقابر "
والشهقة تلك المرة كانت من الصغيرة زينب التي تخيلت أن هناك من ينفذ مثل تلك التخاريف من أجل الحمل..
ثم تتمتم العجوز بابتسامة العارف بالكثير..
" لا تفزعن هكذا.. فمازال هناك من الجهل ما يجعل الرأس يشيب "
ساد الصمت للحظات ربما أو دقائق حتى قطعته دلال بسؤالها المتوجس..
" وهل يحملن يا خالة "
تناظرها العجوز بهدوء قائلة بإيمان راسخ..
" صدقيني يا ابنتي جميعها خرافات..
فقط يصادف أن امرأة قد يرزقها الله الحمل بعد قيامها بأي من هذه التخاريف فتتيقن أن حملها تم بعد تعرضها لأي مخاطرة من هؤلاء مستبعدة كون الحمل رزق والرزق من الله.. "
ثم تلوح بيدها قائلة..
" ثم تشيع الشائعة بين الناس أن فُلانة حملت بعد أن قامت بكذا "
ثم تناظر النساء حولها قائلة تمصمص شفتيها بغير رضا..
" نساء ناقصات عقل ودين صحيح "
ثم انخرط الجميع في الضحكات غير واعيين لدلال التي أخذ شيطانها يتخيل ويهيئ ويزين..
بل يبدع في الصورة الخيالية التي تتمناها
والتي انتظرتها..
متسائلة ماذا سيحدث لو جربت ما جربن هؤلاء النسوة..
نعم مخاطرة..
ولكن من سيعلم..
ستحرص أن لا يعلم أحد..
ثم أخذت تحدث نفسها..
( سأختار أهون الأمور)
( لن يعلم أحد)
( جاسم نفسه غير موجود لسفره لبلد آخر.)
( لن يعلم )
(حتى إن علم أحد هنا فلن يخرج الأمر من بين أهلي )
( هل تخبر أحد )
تناظر الجمع حولها مدركة أن لا أحد سيعينها على ما تريد..
ولا أحد سيشعر بما تشعر به..
ولذلك إن غابت عدة ساعات الليل حتى مطلع الفجر لن يشعر بها أحد فالجميع سينام مرهقا مما قاموا به من أعمال طوال اليوم..
لن يشعر بها أحد بكل تأكيد..
ابتسمت بظفر من نال جائزة اليناصيب مُقررة أن تنتظر منتصف الليل حتى ينام الجميع وبعدها ستخرج لوجهتها.. 
المقابر..

****

Continue Reading

You'll Also Like

132K 5K 20
إنّ النِساء قلوبهُنّ كبيوت الرمل، ناعمة.. هشّة.. وقابلة للعطب.
576K 18.7K 34
فتيـات جميلات وليالــي حمـراء وموسيقـى صاخبة يتبعهـا آثار في الجسـد والـروح واجسـاد متهالكـة في النهـار! عـن رجـال تركوا خلفهم مبادئهم وكراماتهم وأنس...
3.8M 57.2K 66
تتشابك أقدارنا ... سواء قبلنا بها أم رفضناها .. فهي حق وعلينا التسليم ‏هل أسلمك حصوني وقلاعي وأنت من فرضت عليا الخضوع والإذلال فلتكن حر...
1.8K 168 23
لم تَكنْ تدري ماذا حل بها؟! وَكأنْ قلبها تفتق لِنصفين إحداهما مليء بِالسعادة المتقطعة والآخرى قلب حزين كَـأنها تستقبل رياح الشتاء صدمة تلوىٰ الآخرىٰ...