قلب بين شقيّ رحى ج٣ من سلسلة...

By RandaAdel4

99.6K 3.4K 919

رواية رومانسية اجتماعية More

التواقيع 🖋
مقدمة 🍒🎶
الفصل الاول 🍒🎶
الفصل الثاني 🍒🎶
الفصل الثالث 🍒🎶
الفصل الرابع 🍒🎶
الفصل الخامس 🍒🎶
الفصل السادس 🍒🎶
الفصل السابع 🍒🎶
الفصل الثامن 🍒🎶
الفصل التاسع 🍒🎶
الفصل العاشر 🍒🎶
الفصل الحادي عشر 🍒🎶
الفصل الثاني عشر 🍒🎶
الفصل الثالث عشر 🍒🎶
الفصل الرابع عشر 🍒🎶
الفصل الخامس عشر 🍒🎶
الفصل السادس عشر 🍒🎶
الفصل السابع عشر 🍒🎶
الفصل التاسع عشر 🍒🎶
الفصل العشرون 🍒🎶
الفصل الواحد والعشرون 🍒🎶
الفصل الثاني والعشرون 🍒🎶
الفصل الثالث والعشرون 🍒🎶
الفصل الرابع والعشرون 🍒🎶
الفصل الخامس والعشرون 🍒🎶
الفصل السادس والعشرون 🍒🎶
الفصل السابع والعشرون 🍒🎶
الفصل الثامن والعشرون 🍒🎶
الفصل التاسع والعشرون 🍒🎶
الفصل الثلاثون 🎶🍒
الفصل الواحد والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثاني والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثالث والثلاثون 🍒🎶
الفصل الرابع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الخامس والثلاثون 🍒🎶
الفصل السادس والثلاثون 🎶🍒
الفصل السابع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الثامن والثلاثون 🍒🎶
الفصل التاسع والثلاثون 🍒🎶
الفصل الأربعون 🎶🍒
الفصل الواحد والأربعون 🍒🎶
الفصل الثاني والأربعون
الفصل الثالث والأربعون
الفصل الرابع والأربعون
الفصل الخامس والأربعون
الفصل السادس والأربعون
الفصل السابع والأربعون
الفصل الثامن والأربعون
الفصل التاسع والأربعون
الفصل الخمسون
الفصل الواحد والخمسون.. الأخير ج1
الجزء التاني من الفصل الواحد والخمسون
الفصل_الواحد_والخمسون 🍒الجزء الأخير
الخـــــــــــــاتمة 🍒

الفصل الثامن عشر 🍒🎶

1.1K 52 8
By RandaAdel4

الفصل الثامن عشر

في اليوم التالي

كان المطعم الخاص بالفندق يتسم بالكلاسيكية الفخمة..
و عدد رواده قليل الى حد ما نسبة لهذا الوقت من السنة..

رفع فنجان قهوته بيده السليمة يرتشف منه رشفة بسيطة ثم أعادة لمكانه ثانية..
سمع الضجيج من ورائه مدركاً مصدره..
وصاحب الصوت يحيي العاملين وكأنه يعرف الجميع..

ابتسامة صغيرة مرت على شفتي الحكيم مُعترفا أن يونس قادراً على امتلاك قلوب الجميع من حوله بشقاوته..
رفع وجهه له حين شعر به يقف بجواره ولكن ابتسامته تجمدت حين لاحظ المُقبلة من وراء يونس.. تمشي بجوار صديقتها ببنطال من الجينز الازرق الباهت يحدد ساقيها برشاقتهما وقميص بكمي طويلين بلون رمادي مطعم بخطوط طولية بلون أغمق قليلا..
ومقدمة القميص بلون أبيض ساطع.. كسطوع ملامحها المشرقة التي تجعل قلبه الآن في حالة فوضى..
ازدرد ريقه ثم أدار وجهه بعيداً عنها..
يعلم أن وجوده هنا.. برفقتها معظم الوقت..
وهي أمامه بكل تلك الحياة.. والنعومة.. ستقضي على ثباته في مرحلة ما..
" صباح الخير يا حكيم "
قالها يونس ليجيبه شاهر بثبات ظاهري ومازال على إلتفاتته..
" صباح الخير "
كان هناك عينان تهربان من وجوده المستقر على كرسي..
تهرب بعينيها ..
بل تريد العدو بعيداً عن هيمنته الخاطفة.. السالبة لكل أنفاسها..
همت لتتحرك متجهة لطاولة أخرى.. ولكن صوت يونس أوقفها قائلا..
" صفا إلى أين ستذهبين..
هيا سنجلس جميعا على طاولة واحدة "
ظلت واقفة مكانها للحظات حتى حسمت أمرها فاقتربت لتجلس في الكرسي المقابل لمحور تفكيرها كما أشار يونس ..
جلست چود بجوارها وجلس يونس بالتالي بجوار الحكيم الذي لعن  بداخله عرض يونس وكرمه المبالغ فيه ..
فلم يكن يحتمل وجودها في مكان واحد حتى يجمعه بها على طاولة واحدة..
زفر أنفاسا محبطة لم يلاحظه سواها..
بينما يونس يتابع چود بعينين تلمعان.. وشغف لم يقو على مداراته
" تناولت فطورك "
توجه يونس بالسؤال لشاهر والذي قال باختصار..
" نعم "
ثم التفت يسأل چود..
" ماذا ستأكلين.. "
فتجيله أثناء اطلاعها على قائمة الطعام..
" أعتقد شطائر ستفي بالغرض مع قهوة "
أهداها ابتسامته الخاصة والقادرة على رفع معدل دقات قلبها..
ثم توجه بالسؤال للجالسة بجوارها.. 
" وأنتِ صفا.. "
أجابته صفا بمودة تهديها له.. شاكرة اهتمامه..
" لا شيء سأكتفي بالقهوة.. "
فتزجرها چود بالرد..
" لا تستمع لها.. سأطلب لها شطائر مثلي.. لو اعتمدنا على كلامها فلن تعطي للطعام اهتمام طوال اليوم "
احمرت صفا بحرج من توبيخ صديقتها اللطيف..
أما يونس فأشار للنادل الذي أتى وقبل أن يملي طلباتهم رن هاتفه..
فنظر لشاشة هاتفه للتغير ملامحه بترقب..
غير واعي لعيون ترصدته..
استأذن من الجميع  واستقام خارجا من المطعم بملامح استرعت انتباه چود فاستقامت ورائه..
وقبل أن تتحرك توجهت لصفا بالحديث.. آمرة..
" اطلبي أنتِ الطعام.. وحذار لا تطلبي لك "
وغادرت تاركة صفا تملي النادل طلباتهم تحت أعين تتابع كل شاردة وواردة لها..

****

خرج يونس لمكان منعزل عن المطعم.. كان الرنين قد سكت.. ليعاود اتصاله هو بها تلك المرة..
" اشتقت لك أمي "
قالها بصوت لم يخل من الحنين..
" كيف حالك يا حبيبي "
سألته والدته بلهفة الاشتياق..
" بخير حبيبتي اشتاق لكم فقط.. "
وبسبق لم يحدث قبلا..
ودون أن يعي يونس لهفوة لسانه..
( قال لكم وليس لك..)
" أخبريني ما هي أخباركم.. "
سألها وعقله يجبره على تذكر لمحات من الماضي بحلوه ومره..
وإجابة والدته تأتي لتخرجه من بؤرة ماضيه..
" في نعمة يا حبيبي.. "
ثم تتابع وفرحتها تزين نبراتها.. 
" هاتفتك لأخبرك أن زوجة أخيك وضعت مولودها.. "
وتتابع والتأثر يحيي صوتها الحبيب لقلبه..
" رزقه الله بطفلة مثل البدر "
يسكت للحظات مستجمعا شتات قلبه النابض بعنف..  متخيلا طفلة صغيرة تزين حياة أخيه.. 
يسكت مبتسما لخياله الجامح والذي زين له مشهد يلاعبها فيه .. ويهديها أجمل الهدايا ..
وصوته خرج مهزوزا دون إرادة منه..
" أسعدتني بهذا الخبر أمي.. "
و والدته وكأنها قرات رغبته.. أو أمنيته لرؤية الصغيرة..
" سأطلب من أختك إرسال صورة لها تعلم أني لا أفهم في مثل هذه الاشياء.. "
يبتسم بعاطفة.. باشتياق.. حنيييين أصبح يغزوه ويهاجم برودة قلبه مؤخراً..
" لا عليك حبيبتي.. سأعلمك إن أردتِ "
تضحك مدركة أنها لن تتعلم حتى لو أرادت فيكفيها أنها تعلمت تهاتفه وتجيبه  .. صمت ثقيل لفهما للحظات.. أو دقائق قبل ان يقطعه يونس قائلا بصوت أجش..
" لقد سعدك من أجل تمام يا أمي "
فتجيبه والدته مدركة ما يعيشه ولد في هذه اللحظة..
" أعلم يا حبيبي أعلم.. "
ثم يتابع لسانها نطقه.
كلمات هي تمني في هيئة دعاء بل رجاء من المولى أن يسمعه من قلب أم لا يرغب سوى في رؤية أولادها حولها..
" أثق دائما أن الله سيردك لي.. بل لنا.. "
وقلبه يرتج داخل ضلوعه متخيلا عودة لوطن كانت دوما أبعد من تخطيطاته..
ثم تعاود والدته هدم ثباته..
" ألن.. تبارك.. لأخيك "
يسكت للحظات لا يجد ما يجيب به..  قبل أن يلتفت برأسه للوراء..
فيقابل عينيها الفضوليتين مجفلا..
وتتشبع عيناه برؤياها..
يجفل مرتبكا وكأنها اخذته على حين غرة..
و تغيب عن مسامعه صوت والدته..
فقط نظراتهما متصلة بجدال ظاهره الصمت أما باطنه بركان خامد تفجر بلحظة مواجهته لنظراتها وكأنها ضبطته بالجرم المشهود..
ويصارعها بالقول الصامت..
( أن كيف تقتحمي خصوصيتي )
أو بقول آخر
( كيف تجرؤي على رؤية لحظاتي الخاصة..)
( كيف ترين مني وجها لا أريد لأحد أن يراه..)
( كيف تخترقين جدار مشاعر لا أعترف بها لأحد..)
أجاب والدته ومازال عيناه تناظران عينيها..
" لا أعلم أمي.. لا أعلم "
يصمت للحظات وكأنه يراجع نفسه فيما سيقول وخاصة أمامها..
مدركاً أنه عليه التفسير.. لو سألت..
وكم يتمنى أن تتجاهل فضولها القططي هذا..
" انتبهي على حالك وصحتك حبيبتي.. و أوصلي سلامي للجميع "
يصله ردها ولكنه لا يميزه .. حتى ختامها للمكالمة لم يسمعه..
دس الهاتف بجيبه ولم يتحرك من مكانه بل ظل يتبادل معها النظرات وكأنه اا..
" لم أظن أني سأرى منك يوما مثل هذا الوجه "
وهذا بالفعل ما جعله يقف كالصنم لا يريد الحراك..
التفت بوجهه بعيداً عن نظراتها المدققة وكأنها تخترقه.. لا تنظر إليه فقط..
سألها بصوت مهزوز رغما عنه وكأنه مازال سجينا للحظاته..
" لماذا.. خرجتِ "
وصوتها ينتشله رويداً رويداً..
" لا أعلم.. "
ثم تتابع وهي تقترب خطوة اخرى من وقفته..
" ولن أكذب عليك فلقد تعجبت ملامح وجهك حين صدح رنين هاتفك "
حينها لم يمنع نفسه من إجباره لروحه على الخلاص..
أخرج أحد سجايره نافثا فيها اهتزاز روحه.. 
ثم يقول ساخرا.. مستعيدا قناعه الذي بتلبسه طوال الوقت حتى أصبحت عادته وطباعه.. 
" غيرة  ؟؟  .. "
ضحكت بأنوثة قادرة على سحق رجولته بلحظة..
وقولها من بين ضحكاتها يأتي عذبا.. رقراقا لداخله.. 
" أنت خفيف الظل يا يونس .. أتدرك هذا؟! "
فيجيب ملتفتا لها قائلا بشقاوته التي عادت لكيانه في تلك اللحظة..
" نعم أدرك .. و أدرك ما هو أكثر من خفة الظل "
فتعاود الضحك.. قائلة من بين ضحكاتها وتهز رأسها بيأس منه..
" لا فائدة.. "
للحظات ظللهما فيها الصمت.. وكأن كل منهما يحاول اختراق عالم الآخر والخروج بأقل الخسائر غير واعيين أن الخسائر مُقدرة لكل طريق يختاره ابن آدم.. 
قطعت چود الصمت قائلة بحذر..
" امم.. يونس.. لو أحببت أن تتحدث.. سأسمعك "
التفت لها منتفضا وكأنه لم يتوقع أبداً ما قالت..
دارت حرب النظرات مجددا وكل منهما متشبث بأحقيته في مهاجمة الآخر بتلك النظرات..
وحين يأس منها عاد ملتفتا عنها يحاول استعادة كيانه وواجهته التي يصدرها للجميع..
" ليس هناك شيء.. فقط اا..  "
حثته قائلة..
" فقط ماذا "
فيتابع بصوت أظهر التأثر مما جعل قلب چود يرتعش بين ضلوعها من أجله..
" أخي..  رزقه الله بطفلة "
" حقا "
قالتها بدهشة ممزوجة بالسعادة البالغة..
فيلتفت لها منتفضا وهمستها العفوية تخترقه..  فقد قالتها ببهجة أصابت قلبه.. وكأنه يرى في بهجتها المنطوقة صدى لبهجته التي لا يستطيع التعبير عنها..
" نعم..  "
همسها مأخوذا بالذاهلة أمامه.. وكأنه غارقا بها وفيها..
" يا الهي.. أنا أحب الاطفال جدا "
قطب ما بين حاجبيه مستعيدا مظهرا وهي تلاعب أطفال انطوان.. 
" أعلم أنك تحبينهم "
صوته خرج مرتعشا.. متأثرا بتلك التي تزيل عنه قشور جموده.. ولامبالاته..
" من أين تعلم.. "
وجملتها خرجت باستفهام واضح يشوبه التفكير العميق والذهول..
وخاصة وهي تراقب شفتيه تزينها ابتسامة أقل وصف لها أنها رائعة..
وأكثر وصف لها أنها إنسانية..
" طريقة محادثتك وملاطفتك لأطفال انطوان..  أتتذكرين؟! "
وكأن ابتسامته عدوى.. ابتسمت هي الأخرى مستعيدة ملامح أطفال بريئة..
كما تذكرت والدهم المحب.. والرائع..
" نعم تذكرت "
سكتت قليلا ثم أضافت..
" صديقك رائع هو وأطفاله "
تأفف يونس بغضب لا يعلم سببه وهو يقول..
" ما من سبب لذكرك لصديقي نحن نتحدث عن الأطفال "
لم تفهم سبب تحوله وحدته..
" لم أقصد شيء.. ولكن الرجل بالفعل رائع.. "
رسم الاستياء ملامحه قائلا باشمئزاز..
" لا وجود لتلك الروعة أنت تبالغين "
ضحكة ذاهلة خرجت من بين شفتيها غير واعية للواقف أمامها يكاد يقذفها الآن من فوق تلك الصخرة المطلة على مياه المحيط..
ثم يسافر لـ.. ذلك الـ رائع الذي تتشدق بروعته قاضيا على ما تبقى من حياته..
جذبت عيناه حين وقفت أمامه بتحدٍ قائلة دون وعي وكأنها تدافع عن رأيها..
" الرجل رائع لعلمك..
قاضي.. والد لأطفال رائعين مثله.. يدللهم ويسعدهم ويلبي طلباتهم دون أن يفقد شغفه بالحياة "
وصلت لمسامعه بضع من كلماتها المذبذبة بين تيهه وادراكه..
وكل هذا بسبب تلك الشفتين اللتان تذوق رحيقهما مرة من قبل..
كلماتها التي قالتها لم يدرك معظمها ولكنه كان مدركا تماما لمغزاها ومقصدها..
تسلطت عيناه على شفتيها المذمومتين بتبرم.. فيصرخ جسده حاجة لفعل شيء تاق له.. وسيجن ويفعله الآن..
ولكنه تمالك نفسه متحدثا بخفوت عنيف..
" أقسم إن لم تكفّي عن التشدق بروعة رجل آخر بتلك الشفتين.. سأقبلك حتى أزهق أنفاسك وبعدها سألقيك من فوق تلك الصخرة التي تقفين عليها ثم سأرمي نفسي ورائك متنعما بموت إلى جوارك في قاع المحيط "
ورغم عنف كلماته
ورغم بشاعة حديثه
ورغم هسيس حروفه التي أرسلت القشعريرة لأطرافها..
إلا أنها شعرت بنفسها كورقة في مهب ريحا عنيفة تقذفها لترطمها بأي الجدران التي تقابلها وأقواها..
هتفت متلعثمة..
" أنت.. أنا.. يا الهي.. أنت لا تطاق "
هتفتها مستعيدة قوتها المبعثرة..
و تراجعت عنه قائلة بتوبيخ..
" أنا المخطئة التي خرجت لأطمئن عليك..
أنا المخطئة..
أنت لا تطاق..
يا الهي..
أنا المخطئة "
كانت تنطق كلماتها أثناء ابتعادها عنه.. ومع آخر كلماتها كان الصوت يخفت لبعدها عن مكان وقوفه..
ولكنه كان قادرا على رؤيتها بعين خياله..
كما كان قادرا على رؤية اضطرابها بسبب ما قال..
ولا يفهم سببا لما قاله هو أيضا..
كل ما فهمه أنه لم يتحمل حديثها بمميزات رجلا آخر..
" ماذا تفعلين بي يا چود "
همس سؤاله بشرود ومازالت عينيه مرتكزتان على مكان دخولها للمطعم واختبائها عن عينيه..

***

قبل دقائق..

بداخل المطعم.. كانت الطاولة تكاد تشتعل تأثرا بتلك الجلسة التي جعلتهما بذلك القرب..
" بماذا شردت "
(  فيكِ )
عقله نطقها دون أن ينطقها لسانه.. ولكنه تمالك نفسه مجيبا..
" بالعمل "
ثم أضاف كاذبا.. مناقضا لنفسه..
" تركت عمل كثير ولولا إصرار اندرو ما كنت أتيت "
تطلعت إليه وكم شكرته على نظره الذي أخفضه يتطلع بشرود لفنجان قهوته الفارغ.. فتستطيع النظر له كما يحلو لها..
ولكنها لم تكد تنظر له حتى فاجأها برفع عيناه لها يتبادل معها نظرات شغوفة من جهتها..
وصمااااء من جهته..
ليس صمماً بالمعنى الحرفي وإنما نجاة
فأي كلام سيمنحه الراحة بجوارها؟! ..
ولو على الراحة فيكفيه رؤيتها رغم أن راحته متشحة بالنيران..
ولكن لا بأس..
همت بالحديث مرة أخرى ولكن استوقفها يده الممسكة بفنجان قهوته
لتهتف بجزع لم تقصده..
" ما هذا "
يتطلع لمكان نظراته ليعلم أنها تقصد يده المربوطة برباط خفيف متشع ببضع قطرات من الدماء ليخلع قلبها من مكانه خوفا عليه ..
فيلوح بيده السليمة قائلا..
" ليس بالشيء المهم "
ولكنها بعفوية مدت يدها لكفه تحاول تفحصه وقولها يسبق حركتها..
" كيف ليس بالشيء المهم.. سنسأل إدارة المكان على طبيب وسـ "
" أخبرتك أنه ليس بالشيء المهم "
قام بنزع كف من يدها بعنف مع آخر كلماته...  فتتنظر له بصدمة غير مستوعبة لردة فعله المبالغ فيها..
لا تعلم أنه حارب نفس كي لا يتمسك هو بيدها بل يجرها لأحضانه ينعم بهذا الدفء الذي يغللها ويكسو كلماتها قبل أفعالها..
" لم أقصـ..ـد.. فقط اا.. "
سكتت لم تجد ما تقوله وفي نفس اللحظة كان عودة جود ويونس من الخارج نجدة لها فابتلعت باقي حروفها قسرا..
" ألم يأت الطعام أكاد أموت جوعاً .. "
قالها يونس بشغبه لتبتسم جود بتفكير تلك المرة.. بل عن يقين مدركة ما يخفي يونس تحت تلك القشرة العابثة..
رغم ما حدث بينهما بالخارج.. ورغم ما أسمعه لها..
إلا أن انسانية نظراته وهو يخبرها بولادة ابنة أخيه أصابت قلبها..

وماهي سوى لحظات وحضر النادل بالطعام.. وبينما چود ويونس يتناحران هزلا هناك أثنين بجوارهما يلوم كل منهما الاخر..
صفا لم تنظر له بل ركزت كل جهودها لطبقها مقررة نفض أي شيء يعكر صفو سلامها حتى وإن كان هو..
" هل جلبت ثوب السباحة الخاص بك "
سألتها جود لتتابع حديثها الحماسي..
" حمام السباحة بالخارج ممتع "
لينظر لهما شاهر باستنكار هاتفا دون إرادة ..
" ستسبحان!! "
لتهز چود رأسها بلامبالاة..
" وماذا فيها "
ليجيبها يونس بعبثه وشقاوته..
" يمكنك السباحة بأي ثوب ولكن تحت اشرافي "
ثم أضاف بجدية ممزوجة بهزله وهمس لا يصل لسواها..
" ولن يراك غيري "
ذيل كلماته بغمزة متلاعبة جعلتها تضحك بصخب غير واعية للنار التي شبت في جسد آخر متخيلا تنفيذ ما يدور من كلام..
" صباح الخير "
قيلت بصوت رجولي ولهجة شامية محببة للنفس..
رفع الجميع نظراته تجاه الواقف بجوار الطاولة..
يونس ينظر له بترقب.. وتدقيق..
شاهر ينظر له بعداء داخلي قديم.. تحديدا منذ أن لامس خصلة شعر (الغزال)..
چود تناظره مبتسمة بترحيب.. بل شاركته ترحيبه..
" صباح الخير مجد "
ابتسم لها المدعو مجد بعينين تلمعان جعل يونس يتحفز في جلسته.. ولكن الأخير شعر بارتخائه حين وجه المدعو مجد حديثه لـ صفا..
" كيف حالك صفا.. "
لترفع له صفا نظراتها الرقيقة كعادتها مع الجميع..
الجميع دون استثناء وهذا أمراً يجعل ( شخصا ما )  يريد عزلها عن العالم أجمع وخاصة اا.. . 
" بخير مجد..  لقد سعدت بوجودك بالرحلة "
حسنا سيقتلها قبلا وبعدها سيعزلها.. 
ابتسم الشاب ببشاشة جعلت الحمرة تزحف لوجنتي صفا
وخاصة مع رده  ..
" أنا موجود إن احتجت أي شيء "
وقبل أن يبتعد كان أحد مسؤولي الرحلة يقف بجوار طاولتهم قائلا..
" سنتحرك في منتصف اليوم لرحلة سفاري .. كونوا مستعدين "
وابتعد الرجل ومجد يشمل الجميع بنظرة عابرة أما صفا فقد خصها بنظرة لها مغزى تجعل (شخص ما) يحترق..
بل يشتعل حيا وهو يسمعه يخصها بالحديث..
" ما رأيك أن نتحرك سويا.. سأنتظرك ببهو الفندق عند منتصف النهار "
أومأت له مبتلعة ريقها بتوتر لا تعلم سببه..
ولا تجد له مبررا..
الجميع يراقب انصرافه ماعدا صاحبة الشأن وصديقتها التي كانت ملهية في تناول فطورها
إذاً فالمراقبان اثنين..
أحدهما له مبرره وخاصة بعد آخر كلمات متطفلهم وعرضه السخي ..
والآخر لتباسط النارية معه..
راقب انخراطها في الطعام دون الاهتمام بما يحدث له..
فضربها بقدمه من تحت الطاولة لتنتفض ناظرة له بحدة..
قائلة من بين أسنانها..
" ماذا هناك "
هل لو غرس تلك الشوكة التي تتناول بها طعامها بين عينيها ويتخلص منها سيحدث شيء..
تساءل في نفسه وقطب ما بين حاجبيه ملاحظا أن النزعة الاجرامية داخله تزداد كلما اقترب منها..
وهذا شيء لا يريييييييده..
وعكس إرادته همس سؤاله من بين أسنانه..
" من هذا "
لم يكن يسأل عن هوية الشخص فهو يعرفه.. ولكن سؤاله رغم قِصره إلا أنه يختص بالعمومية أو الكينونة..
ابتسمت بحالمية مصطنعة قائلة..
" هذا مجد.. من بلاد الشام.. ويعمل بالمحاسبة بشركتك "
ثم أضافت متصنعة ( التسبيل)..
" صاحب أجمل ( تقبري قلبي )  "
رفع إحدى حاجبية بشر ودون شعور غرس السكين أمامه بخشب سطح الطاولة.. ولكنها لم تعره اهتمام متصنعة اللامبالاة.. 
وتابعت تناول طعامها..
ثنائي ظريف لطيف خفيف
أليس كذلك؟!
عكس ثنائي انتهج المكابرة والشك وسوء الفهم..
وكان هذا ما يدور بخلد شاهر ..
أما صفا فجمعت أشياءها واستقامت متوجهة بالحديث لچود..
" سأتنزه قليلا حول المكان.. إن أردتِ شيء هاتفيني "
ثم أضافت أثناء تحركها دون أن تنظر لأحد..
أي أحد..
" بعد إذنكم "

وغادرت تصاحبها عينان بلون العقيق الأسود..
وقلب يكاد يقفز وراءها مناديا
ولكن له من حالة الانكار باع لا يقارنه بأحد..

****

أما هي فتوجهت للخارج مقررة عدم الانصياع لذلك الضعف تجاهه..
هي نوت القدوم لتلك الرحلة والاستمتاع..
فلديها ما يكفيها من المسؤوليات والبؤس داخل حياتها..
وصلت لساحة الفندق الخارجية ليقابلها حمام السباحة الذي ذكرته چود
لتهفو روحها للسباحة..
فتقرر أنها ستسبح بالفعل ولكن ستختار الوقت المناسب..
خرجت تتنزه حول الفندق.. فقابلها سياج طويل ملتف حول مضمار للجري أو المشي..
تخطت السياج مقررة أنها ستتمشى قليلا..
وبجوار كل شجرة تجد نفسها تقف تلتقط صورة لها..
وتكررت الكرة عدة مرات غير واعية لزوجين من العيون يتابعونها..
أحدهما بشغف.. وحيرة..
والآخر بتقييم عقلي بحت..
اقتربت لمستودع كبير الهيئة.. ولكن مع اقترابها أكثر اكتشفت أنه لم يكن سوى اسطبل للخيول..
فتبتهج ملامحها بلمعان وتلهف لخوض تجربة فريدة كم تمنت تحقيقها..
اقتربت أكثر حتى قابلها الحارس للمكان..
فيرى لمعان نظراتها فيبادر سؤالها..
" أتريدين التجربة يا جميلة "
رغم الشيب الذي غزا رأس الرجل ولكنها ارتبكت بل وتوترت بحرج فيقترب منها الرجل ثانية قائلا بمودة..
" سأختار لك حصان هادئ "
ليزداد لمعان عينيها بترقب.. فتجده يبتعد قليلا ليختفي داخل الاسطبل وما هي سوى دقيقتين وخرج لها ساحبا ورائه
حصان بلون الحليب ممزوج ببعض لطخات بنية كلون القهوة..
وكأنه خُلق ليعدل المزاج..
والدليل هي..
اقتربت برهبة في البداية من جسد الحصان ليفاجئها مائلا عليها برأسه وكأنه يحتضنها فتضحك من قلبها..
ضحكة لم تعرف طريقا لشفتيها منذ سنوات من شدة صفاءها..
فتزيد قُربها منه محتضنة إياه متنعمة بدفئه وملمسه الرائع..
بينما هي تتنعم متلمسة رأس الحصان.. وخصلات شعرها ثائرة حول وجهها بعشوائية بفعل الهواء معطية إياها مظهر مُهلك للناظر الذي يتابع كل سكناتها وتحركاتها بقلب شغوف..
وعينين تحتضناها..
إنما عقل ينفي كل تلك المشاعر الثائرة داخله..
ولكن مع اقتراب الرجل منها يحاول حثها ومساعدتها على امتطاء الحصان..
هنا تحديدا..
فليسكت العقل ويتنحى جانبا..
تاركا للأعين والقلب  حسن السير والتصرف..
اقترب منها وبركانه الثائر الداخلي على وشك الانصهار وهو يراقب الرجل يمد يده لها ليساعدها على الركوب..
وتزداد حمم بركانه وهو يراقب ترددها في إعطاء يدها للرجل ولكن قبل أن تضع يدها بيد الرجل..
وجدت يد أخرى دافئة..
متملكة..
حنونة..
تمسك بيدها فتلتفت منتفضة ناظرة لصاحب اليد لتجده
صاحب ( قلبها)..
تشهق بخفوت من هول المفاجأة..
وتزداد مفاجأتها
وتزداد ضربات قلبها..
وهي تسمعه يخاطب الرجل دون أن يحيد بنظراته عنها ..
" شكرا.. سأساعدها أنا "
يبتعد الرجل تاركا الساحة لهما..
يقفان متقابلان..
والأعين في اتصال عنيف لا تريد البعد..
واليدين متشابكتان بتملك متسما بالدفء..
بالنجاة..
بالحاجة للوطن..
نعم هذا هو احساسهما حاليا وكأن كل منهما عاش كل ما كان يفتقده في تلك اللحظات..
لمسته وكأنها اعتذار غير مقصود عما بدر منه داخل المطعم..
ولكنها لا تعلم..
لا تعلم كيف يشعر..
ولا كيف يحجم ثوراته..
ولا كيف يناقض تصرفاته بأفعاله..
لا تدري هي عن حربه شيء..
ولكن الحصان الواقف بجانهما يستكثر عليهما تلك اللحظات
فيقترب برأسه من صفا متلمسا لوجهها مخرجا لها من بين تلك الفجوة الزمنية التي عاشتها للحظات في كنف دفئه الغامر..
التفتت للحصان بارتباك تتلمسه بيدها فيستكين صاهلا بفرحه..
" يغار "
قالها شاهر بصوت أجش جعل القشعريرة تسري على كل جسدها..
التفتت تنظر له بجوع ..
متسائلة عن كل تلك المشاعر التي تعيشها في تلك اللحظة.. 
أكل هذا من كلمة قد تبدو عادية..
إذاً ماذا سيحدث إذا تغزل بها..
" هيا.. سأساعدك بالركوب "
قالها مخرجا لها من تلك الحالة المثيرة..
لتنظر له تزدرد ريقها بتوتر وهمساتها تخرج سليمة رغم أن داخلها ينهار شوقا له..
" لن أركبه.. فقط سأتصور بجواره "
استرجع الصور التي إلتقطتها أثناء سيرها..
فترك يدها ثم بسطها أمامها لتنظر له بتساؤل فيجيب..
" هاتي هاتفك.. سأصورك أنا "
فتمد يدها لجيب بنطالها تخرج هاتفها ثم تضعه على كفه المبسوط أمامها تترك الهاتف حاقدة عليه..
نعم تحقد على قطعة حديد تقبع بين أصابعه الآن..
ولكنها في نفس الوقت ستكون أغلى قطعة حديد ( هاتف ) امتلكتها او قد تمتلكها يوما يكفى أن أصابعه احتضنته يوما ..
أعطته الهاتف المحظوظ بعد أن ضبطته على الكاميرا ليبدأ في التقاط صورها..
و يلعن داخله رقتها الغير مفتعلة..
وسحرها الآخاذ
وفتنتها الآسرة دون أي مجهود يُذكر..
دقائق كثيرة..  أو قليلة لا يعلم مرت دون أن يلاحظ وهما يتبادلان الكلمات القليلة..
وبعد أن انتهى أعطاها الهاتف فتأخذه تدسه بجيب بنطالها ثم تلتفت للحصان تحتضن رأسه وكأنها تشكره بهمسات تخص كليهما ودون وعي منه..
بل كان مسلوبا الارادة ليخرج هاتفه الخاص يلتقط لها وقفتها بجوار الحصان الذي ( يغار عليها ) ويتلمس دفئها وكأنه يغيظه..
انهى التقاطه سريعا ثم دس الهاتف بجيبه.. دون أن ترى ما فعله..
وتوجه لها بالحديث قائلا بتفكر..
" لما تكثرين من التقاط الصور "
التفتت له سريعا وكأنه باغتها بسؤاله متسائلة هل رآها بكل مواضع التقاطها للصور أم يقصد هذه المرة فقط ..
ظلت تنظر له للحظات تحاول قراءة المغزى من سؤاله وحين لم تفلح أجابته بعد ان عادت تنظر للحصان..
" أحاول صنع ذكريات جديدة لي بكل مكان أذهب إليه "
صدمته نبرتها الحزينة ليفاجئ أكثر بقلبه الذي يكاد ينخلع من أجلها..
فيقترب خطوة يدرك أنه سيندم عليها..
هامسا وكأنه يريد أن يداوي جراحها مهما كانت..
" وبالنسبة.. لذكرياتك الماضية "
تتوتر وترتبك وكأنه واجهها بأكثر ما تتمنى نسيانه..
تبعد نظراتها عنه ثم تتحرك تنوي الهرب منه ومن محيطه..
" أعتقد.. أن.. چود.. ستبحث.. عني.. سأذ..."
وتحركت بالفعل ولكنه فاجئها ممسكا بمعصمها.. فتقف تنظر إليه تكاد تذوب من فرط شعورها الآن وما تريد الهروب منه..
وهمسته المخترقة لروحها تفاجئ كليهما..
" ماذا عنها "
والسؤال كان يخص ذكرياتها.. وهي أدركت ذلك جيداً ..
ولكنها كانت أجبن من أن تجيب..
فتزدرد ريقها بتوتر و سحبت معصمها من بين أصابعه الدافئة تجيبه متهربة..
" لابد.. أن أمشي "
و تحركت بالفعل مبتعدة عنه.. تاركة له يتخبط  كالمرجل بين ضمير يئن صارخا بالذنب..
وبين قلب يهفو للقرب..

****

في الموعد المحدد للقاء تجمع الكل دون استثناء..
ثم اقترب المشرف العام للرحلة قائلا..
" خلال دقائق سننطلق.. فقط سنتجمع جميعا وبعدها سنتحرك "
بدأ الجميع في الاطمئنان على مستلزماتهم وحقائبهم..
بينما كانت چود تقف بجوار صفا في انتظار الجميع ولحظة الانطلاق..
لتلاحظ چود ارتباك صديقتها فتسألها بتوجس..
" ماذا بك "
التفتت لها صفا محاولة التماسك قائلة بابتسامة مزيفة..
" بخير لا تقلقي "
نظرت لها چود بتشكك وكأن اجابتها عكس ما يظهر من توترها ولكنها آثرت الصمت وعدم الضغط عليها..
أما صفا فالتفتت عنها تحاول النظر لأي شيء عدا عينان بلون العقيق الأسود يناظرانها في كل لفتة منها لا يبرح هيئتها وكأنه أقسم أن لا ينظر لأي شيء سواها ..
وكأنه يبحث عن إجابة لسؤاله الذي عبثا ألقاه غير مدركا ما أجج داخلها بعد هذا السؤال..
راقبت اقتراب مشرف الرحلة منه يتبادلان الحديث  ثم خرجا سويا وفي نفس اللحظة التفت لهم المشرق قائلا..
" هيا.. سنتحرك.. فلينقسم الجميع على الحافلتين الموجودتين بالخارج "
ودون إرادة منها ناظرت خروج شاهر الذي شيعها بنظرة تقسم أنها تروي ألاف وألاف من السطور المزدانة بتلك اللهفة الصارخة بها عيناه..
ولكن السؤال الذي طفح على صفحة تفكيرها كان..
هل ستقوى على مواجهته بكل ما حدث..
أم تهرب!!
تهرب من احساس النقص داخلها وتأكدها من عدم قدرتها على المواجهة..
لم تسمع چود التي حثتها على التحرك في خضم حديث نفسها فلم تتحرك..
" لما تقفين هكذا "
كان سؤال خرج بصوت رجولي لم يكن سوى مجد الذي ناظرها بتدقيق ثم تابع سؤاله..
" ماذا هناك "
نظرت له بتيه قليلا وكأنها تتذكر من هو.. ثم همست بصوت شارد..
" لا أريد الذهاب "
وتحركت تحمل حقيبتها الصغيرة صاعدة لغرفتها تحتمي بها..
لا قوة لديها لصد ما بداخلها تجاهه..
ولا قدرة لديها على تجاهله..
ارتمت بجسدها على فراشها بثقل وقلة حيلة..
أدمعت عيناها وهي تحاول حصد فرصها.. فتجد أنها منعدمة..
نعم منعدمة فكيف ستكون نظرته هو بالذات لها إذا علم بوصمة عارها..
أطبقت جفنيها أكتر وكأن بتلك الحركة تشتد عزيمتها ولكن هيئات فالقلب يصرخ بين الضلوع شريدا مطالبا بحق اللجوء..
لا يعلم أنه مجرد حق وهمي طالب به لمجرد شعوره أنه يحتاج
لـ وطن..
والوطن عال .. عال علو السحاب في السماء..
شهقة بكاء خرجت من بين شفتيها دون السيطرة عليها..
دمعاتها تسابقت لإثبات وهنها فلم تتأخر في المعطيات مقررة أنها ستعش لدقائق جلد الذات لتنهي تلك الوصلة الحزينة من يومها وبالمساء ستنزل للأسفل وتحاول تغير أجواءها الكئيبة بالبحث عم أي شيء يبهجها ويعدل مزاجها.. 

***

وعلى أعتاب تلك الغابة توقفت الحافلتين  لينزل ركابها..
ولكن شخص ما
كان يدور باحثا عن إحداهن بين الركاب بعد أن تفحص حافلته ولم يجدها فظنها بالحافلة الأخرى..
نزل يتفقد الجميع.. فها هي چود تأتي.. إذاً فبالتأكيد ستكون معها..
ولكن خاب أمله وهو يناظرها تسير بصحبة يونس..
والأخرى ليس لها وجود..
تلفت يمينا ويسارا باحثا بعيناه عنها..
ولكن النتيجة كانت واحدة..
ليست موجودة..
إذاً أين هي؟!
سؤال كطعم العلقم وأسوأ التصورات تغزو عقله مع عِلته القديمة فيتكاتف تفكيره ووسواسه عليه بأن أصابها مكروها..
ولكن لحظة!!
أين زميلهم بالمكتب..
دار بعينيه ثم تحرك باحثا عنه فلم يجده..
إذا الاثنان لم يأتيا..
إذا؟!!
توقف مذهولا من نتيجة تفكيره..
وما آل إليه استنتاجه..
أيعقل أن يكون عدم وجودهما دليل على أن يكونا بصحبة بعضهما البعض؟!
أشرست ملامحه عند هذا الخاطر..
وشعر بكيانه كله يغلي منددا بهذا التساهل الذي تنتهجه.. 
" هيا سيد شاهر سنتأخر "
أخرجه من عتمة تفكيره تلك الجملة التي قالها مشرف الرحلة.. فيلتفت له متحركا باتجاهه..
مضطرا..
كارها لتلك الرحلة التي لا طعم لها..
دونها !!..
ولكنه توقف بغتة يناظر الجميع يتحرك لمكان استقرارهم..
وبلحظة كان قراره بالعودة يتشكل أمام عينيه فارضا على عقله وجسده  التنفيذ..

****

في بلدة العمايرية يجلس كل من الشيخ عثمان ، قاسم.. وجاسم بمجلس دار العمايرية..
قاسم الذي أقسم أن ينال حقه بنفسه... ولن يتأخر أكثر من هذا..
يكفيه ما مضى من عمره..
شرد بعقله لحواره قبل يومين مع والده حين جالسه بمجلس بيتهم قائلا..
" أبي ما رأيك.. أرغب في المضي قدما في أمر زواجي "
فيتابع ببديهية..
" والحمد لله لقد اطمأنا على دلال وعودتها لبيتها.. "
ثم يزيل كلامه بسؤاله الذي لم يخل من الرجاء..
" ها يا أبي ما رأيك "
سكت ابراهيم اليماني قليلا ثم سأل ولده..
" وماذا ستفعل مع والدتك.. هل سويت الأمر معها "
فيرد قاسم من بين أسنانه محافظا على أدبه في حضرة والده..
" يا أبي بالله عليك.. إنها حياتي "
ثم يضيف مصمما..
" وإن لم تكن الانسانة التي اخترتها فلن يكون هناك سواها "
سكت اليماني متطلعا لولده وتصميمه الذي رغم أنه أنعش قلبه إلا أنه أدماه لمعرفته ما سيلاقيه قاسم في مواجهة والدته..
استقام الشيخ اليماني واقفا.. متوجها لباب المجلس ليفتحه ثم ينادى..
" يا أم قاسم "
تبعه قاسم متسائلا بحيرة..
" ماذا تفعل يا أبي "
ولكن والده أجابه دون أن ينظر له..
" عُد لمكانك وانتظر "
طالعه قاسم بدهشة.. والقوة التي دبت بين أواصر والده تنبئه بأن الأمر جلل..
عاد قاسم مكانه ثم جلس متابعا والده ينادي ثانية بصوت أعلى وأعنف..
" يا أم قاسم "
" نعم.. نعم يا شيخ.. نعم "
سمع صوت والدته المُجيب بلهفة وسرعة..
وصوت والده يقول أثناء عودته لمكان جلوسه..
" تعالي يا أم قاسم.. أريدك في أمر هام "
تطلعت أم قاسم لكليهما بريب ثم جلست أمام زوجها قائلة..
" ماذا هناك يا شيخ.. خيرا أن شاء الله "
فيضرب اليماني بعصاه الأرض بخفة قائلا بقصد..
ومغزى..
" بالتأكيد خيرا.. فهل هناك خيرا أكبر من زواج قاسم.. شيخ عائلة اليماني "
ازدردت أم قاسم ريقها بتوجس.. وقلق..
" ماذا.. تعني.. يا شيخ.. "
يضرب الشيخ بكفه فوق عصاه.. ثم يقول آمراً..
" أعني أن قاسم خلال يومين سيكون ببلدة العمايرية ليتفق على زواجه من الفتاة التي يريدها "
انتفضت والدته واقفة تنظر لهما بغضب متناسية مع من تتحدث..
" هل تعقلان ما تتفوهان به.. كيف سأُدخل تلك الفتاة بيتي "
حينها انتفض الشيخ إبراهيم من مكانه قائلا من بين أسنانه مستعرا بغضبه..
" أم قاسم "
دب في أوصارها الخوف مستشعرة فداحة ما تفوهت به..
وصوت زوجها يأتي متوعدا..
" ولدك سيتزوج من اختارها زوجة له..
وهذا البيت بيتي.. وبيت ولدي من بعدي..
وإن لم تحترمي قراره وتسانديه بل وتهددي بمن يدخل بيتي ومن لا يدخل فأخبريني من الآن حتى اختار أنا الآخر من يظل به ومن يخرج منه "
ارتدت ام قاسم للوراء قليلا هامسة بعتاب..
" تهددني يا شيخ.. بعد عِشرة عمري معك "
فيعاود الشيخ ضربه بعصاه أرضا ثم عاد قائلا..
" نعم أهددك يا إمرأة إن تحكم به الكِبر ونسيتِ فضل الله ونِعمه علينا ورده لولدنا كما يحب ويرضى.. وأنت تتعنتين وتظلمين فتاة ليس لها أي ذنب "
أخفضت المرأة رأسها حرجا من توبيخه.. وصوته يأتيها محذرا..
" ابنك سيتزوج بمن اختارها.. وأقسم إن أسأتِ للفتاة بأي شكل سترين مني وجه لم تتخيلي وجوده يوما "
ازدردت ريقها خوفا.. بل رعبا..
فهذا الوجه من زوجها لم تره يوما.. 
وتلك النبرة لم تسمعها منه قبلا..
" سمعتِ ما قلت "
قالها غاضبا مصاحبا لضربة بعصاه أرضا لتنتفض في وقفتها.. قائلة بتلعثم..
" سـ.. سمعت.. أمرك يا شيخ "
وخرجت من الغرفة تتابعها نظرات قاسم الآسفة..
التفت لوالده قائلا..
" لقد قسوت عليها يا أبي.. كنت سأحاول اقناعها "
أجابه والده وهو يعاود الجلوس مكانه..
" لم تكن لتقتنع يا ولدي "
ثم أضاف بعد أن استند بكلا قبضتيه لرأس عصاه..
" لابد من الشد والحزم إذا أحسست أن الأمور تنفلت من بين أصابعك "
رفع نظراته لولده متابعا بخبرة صبغها الزمان بالشيب..
" توسط الحبل يا ولدي.. واجعل طرفيه في مأمن من قبضة يدك..
إذا أحسست بميل جنب عن جنب عد للوسط ثانية مع تفادي ما وقعت فيه بسبب ميل ذلك الجانب "..
ثم رفع سبابته متابعا..
" دلل يا ولدي ولا تُفسد
اقسو و إرحم فالرحمة كنز القلوب  "
عاد من شروده على صوت الشيخ عثمان العمايري..
" أنرت مجلسنا يا قاسم "
قالها الشيخ بحكمته التي استشعرت تأخر قاسم في البوح..
" أكثر الله فضلك يا شيخنا.. "
فيباغته جاسم بالسؤال..
" قاسم.. هل أنت متأكد مما تريد فعله "
" كل التأكيد يا جاسم لا تقلق.. إرسل وهات والدها..
واترك هذا الأمر لي "

****

Continue Reading

You'll Also Like

5.7M 164K 107
في قلب كلًا منا غرفه مغلقه نحاول عدم طرق بابها حتي لا نبكي ... نورهان العشري ✍️ في قبضة الأقدار ج١ بين غياهب الأقدار ج٢ أنشودة الأقدار ج٣
7.7M 379K 73
" سَــتَتركينَ الـدِراسة مِــن الــغدِ.. لَــقد سَـحبتُ مـلفاتكِ مِــن الـجامعةِ بـالفعل ..! " " مـالذي تَــهذي به..!؟ " " هــذا مــا لَـدي... لاتَ...
7.2K 124 10
بخطواتٍ عاشقة سارت على رمال قلبه، ونسيت أن الرمال تمحي الأثر✨❤️
418K 34.3K 14
في عالمٍ يملأهُ الزيف غيمةً صحراويةً حُبلى تلدُ رويدًا رويدًا و على قلقٍ تحتَ قمرٍ دمويْ ، ذئبا بشريًا ضخم قيلَ أنهُ سَيُحيى ملعونًا يفترسُ كلُ منْ ح...