الثالث والثلاثون

171K 4K 395
                                    

ظل عثمان جالس في سيارته منذ أن نزل من المشفي قبل ساعه وعقله شارد لايتوقف عن التفكير في كلماتها التي أثارت جنونه من مغزاها فهي تراه غير جدير بثقتها .... (معملتش حاجة تخليني اثق فيك     ....!!)
سحب نفس مطولا قبل ان ينزل ويصفق باب السيارة خلفه بقليل من القوة ويتجه مجددا الي غرفتها لاينتوي المغادره قبل معرفه سبب نطقها بتلك الكلمات.... حسنا ربما لم يعبر عن مايشعر به بالكلمات ولكن الاتري أفعاله.... لم يخبرها الا تخاف ولكنه فعل ما يطمئنها....!
قال العسكري بتعلثم .... ياباشا مينفعش
وضع عثمان تلك الأوراق الماليه بيده بنفاذ صبر... دقايق مش هتأخر
نظر الي ملامح وجهها والي جلستها الشارده ليتفاقم الشعور بالغضب بداخله فهاهي تتعذب مثله فلماذا تبحث عن المزيد من العذاب له ولها...!
نظرت له ليلي بجبين مقطب  : انت...! ؟ جيت تاني ليه. ؟
ضغط علي اعصابه ليحاول التحدث بهدوء وهو يقول مخالف طبيعته الناريه : جيت أسألك اية اللي انا عملته.. ؟
عقدت جبينها بعدم فهم ليقترب من فراشها بخطي تخبرها كم هو غاضب وهو كذلك بالفعل.... غاضب بشده من حالته الضائعه بسبب بعدها وبسبب كلماتها...لم يريد شئ إلا قربها الذي اصبح دواءه وهي ابعدته عنها بكل قسوة ..!
مال ناحيتها بينما عيناه تهيم فوق ملامح وجهها الواهن وتتوقف امام عيناها الحزينه يسالها بأنفاس لامست وجهها : اية الجريمه اللي انا عملتها عشان تعملي كل ده... ؟
غص حلقها من فحيح نبرته التي تخبرها انها من اوجعته وليس العكس بالرغم انها من تتعذب وليس هو..... كلاهما متألم من الاخر بنفس القدر ولكن اي منهما يضع نفسه مكان الاخر... ؟!
ازدادت نبرته انفعال بينما يسألها وهو يضغط على حروفه : ساكته ليه... اتكلمي وقوليلي انا عملت ايه..؟ 
رفعت عيناها التي ذبلت وارهقها الحزن قائلة بصوت مختنق بالدموع : ينفع انت تقولي انا عملت ايه؟
ازدادت نبرته قهرا وهي تكمل : .... انا عملت ايه عشان يحصل ليا كل ده.... اذيت مين عشان اتأذي بالطريقه دي
نظر الي الدموع التي لمعت بعيونها بشفقه واوجع قلبه صوتها المتألم ولكنه لن يترك جرحها الا حينما ينزع تلك الضماده بقوة  من فوقه لتؤلمها لحظات وبعدها تتعافي.... : اقولك عملتي ايه......نظرت له ليقول بجديه : انتي عملتي الحاجات الصح مع الناس الغلط ظلمتي نفسك قبل ما غيرك يظلمك.....اذيتي نفسك بثقتك الزايدة في ناس خانت ثقتك اكتر مرة..... متعلمتيش الدرس اللي كل مرة الدنيا تديه ليكي اجمد من الاول.....متعلمتيش ان مش اي حد تديله ثقتك وانك لازم تخوني الناس الف مرة قبل ماتصدقيهم.....متعلمتيش انك لو محمتيش نفسك محدش هيحميكي.... غبيه وطيبه وهبله سايبه نفسك للدنيا تغدر بيكي
انفلتت دمعتان ساخنتان من عيونها بينما يضغط عليها بتلك الطريقه ويؤنبها فقط لكونها كانت انسانه... اي ذنب اقترفته من وجهه نظره... انها دافعت عن يوسف.. نعم أخطأت وكررت الخطأ ولكن ماذا تفعل في نفسها التي تقودها كل مرة الوقوع بنفس الخطأ دون أن تتعلم منه كما يقول
تفاجأت بيداه تحيط بوجهها بينما انامله القويه تمسح تلك الدموع وهو يرفع وجهها اليه ويكمل بنبره قويه : اوعي اشوفك بتعيطي تاني لأي سبب...... اللي بقوله ليكي عشان تتعلمي من غلطك مش عشان تعيطي
انتي مرات عثمان الباشا وأم ابنه... .....ثقي فيا وانا هجيبلك حقك بس اعرفي ان مش كل مرة هتلاقى حد يجيبلك حقك  
كفايه ضعف واستسلام خليكي قويه وخدي حقك من كل اللي اذاكي
ارتجفت شفتيها بينما غص حلقها  .... كلامه من المفترض أن يعطيها القوة كما توقع ولكنه ألم قلبها اكثر ولم تري نفسها بعيناه الا انسانه ضعيفه سأم ضعفها
لتهز رأسها فكم هو محق لتقول بصوت مختنق بالدموع وهي تبعد وجهها عن يداه : حاضر هتعلم الدرس
نظر لها لتكمل : مش هثق في حد تاني ولا هتعامل مع حد باللي حاسه بيه..... هكون بالضبط زي ماانت قولت هاخد حقي من كل اللي اذاني وأولهم انت
انصدمت ملامحه وعقد حاجبيه بشده يتطلع اليها بينما يري في عيونها اتهام بأنه اول المقصودين بكلامها
ليردد بنبره باهته : انا اذيتك...؟!
اومات له بدون تردد : كونك شايف انك مأذتنيش بعد كل اللي عملته ده في حد ذاته اكبر اذي ليا
انفلتت اعصابه ليهتف بانفعال : ليييه.. اذيتك في ايه
اغمضت عيناها وضغطت علي جفونها تمنع دموعها من الانفلات ليردد بقسوة بينما تقبض يداه علي ذراعها :سألتك انا غلطت معاكي في ايه.... عملت اية اي واحد في مكاني مكانش هيعمله
هتفت بانفعال مماثل وتركت لدموعها العنان ;وانا اللي في مكاني تعمل ايه
.... ها قولي.... اللي في مكاني تعمل ايه وهي  مش قادره ولا عارفه تبقي قويه...... خايفه من جواها وملهاش حد وواقفه تترجاك تسمع تهدي... تتفاهم.... تعمل اي حاجة بس تطمنها لما لجأت ليك
رفعت اصبعها ووكزته تجاه قلبه باتهام ;قولتلك خوفت منك و مهانش عليك تقولي متخافيش..... سبتني لوحدي في اكتر وقت انا محتاجك فيه
هتف بدفاع عن نفسه : مشفتش قدامي غير اني اشوف ازاي اقدر انقذك
هزت راسها بعتاب قاسي : ماكنش فارق معايا حاجة وقتها غير انك تكون جنبي
بس انت مش شايف حد ولا حاجة غير نفسك وبس...... انت صح مش بتغلط ابدا
هتف بعصبيه شديده بينما تمسكت باتهامها له انه الوحيد المخطيء بكل شئ :غلطت في اييييه..؟
هتفت بانفعال من بين دموعها التي انسابت وقد غاب من عقلها كل شئ إلا مواقفه معها التي مرت امام عيناها مشريط سينمائي  : في كل حاجة......غلطت كل حاجة معايا وانا زي الهبله سامحت..... واجهته بعيناها الحمراء من كثره البكاء  :سامحتك في كل اللي عملته معايا من غير حتى ماتطلب..... فهمتك واحتويتك وانت مش عارف تقرر انا ايه اصلا في حياتك.... كنت جنبك لما حسيتك محتاج ليا وبرضه دوست وجرحت من غير حساب
وثقت فيك واستأمنتك علي نفسي وقت ماانت كان لسه في شك في قلبك من ناحيتي
مهانش، عليك حتي تعتذر وانا برضه رجعتلك.... جرحتني ووجعتي اكتر لما قولت بمنتهى البرود مجاتش مناسبه اقولك انك ينفع تخلفي... سامحت في كل حاجة وخلقتلك أعذار وتبريرات مفكرتش تنطق بيها ولسه برضه عمال تدوس تدوس ولا كأني بتوجع اصلا
قست نظراتها بالرغم من ضعفها الشديد الذي تملك من قلبها وهي تكمل : اقولك انت ليه دلوقتي جاي تتكلم  عشان انت عاوز تتكلم مش عشاني..... الباشا مبسوط رايق هادي يبقي ليلي تكون مبسوطه وهاديه وبلاش عتاب ولا كلام إنما ليلي تشتكي ليه اصلا هي مين عشان تتكلم...... خليكي قويه واجهي خدي حقك بس انا هدوس وهوجع واقبلي واتحملي
انا ولا حاجة بالنسبالك.....
كان يتابع أنفعالها بملامح وجهه لاتفسر بينما هي تلقي الاتهامات هنا وهناك وكأنه وحش، بلا قلب..... ربما أخطأ ولكن اهو تمادى لتلك الدرجه... هو اخطيء وهي بلا أخطاء... هي تحملت وهو لا.. هي قدمت وهو اخذ بلا مقابل.....
هتف بضياع بينما صورة الوحش تلاحقه مع الانسانه الوحيده التي يجاهد نفسه العصيه لتتغير من أجلها : للدرجة دي شايفاني وحش.. ؟!
رددت بضياع مماثل بينما تري انهم بطريق مسدود كل منهما لن يتوقف عن السير به الا بعد ايلام واوجاع الاخرر
: انا خلاص مبقتش، عاوزة اشوف اي حاجة
انا تعبت من كتر ما بحكم غلط علي الناس
اومأ لها باصرار : فعلا انتي بتحكمي غلط علي الناس وأولهم انا..... انتي اتعودتي تعيشي ضحيه وعشان كدة انا في نظرك لازم اكون الجلاد
امسك ذراعها وقربها اليه ليتابع بقسوة : عارفه نطقتي كام مرة انك لوحدك وانتي مش شافه اني في كل مرة كنت جنبك....جايز مبنطقش تبريرات واعذار زي مابتقولي بس انا عمري ماسبت حد محتاج ليا مابالك بواحدة شايله اسمي
اغمضت عيناها وهتفت بعناد : وانا مش عاوزة راجل ابقي شايله اسمه عاوزة راجل اكون حياته.... يكون بيحبني.... لما احتاج ليه يكون جنبي مش واحد معتبرني بس واحدة شايله اسمه.... طلقني ياعثمان..!
انصدمت ملامحه بقوة اكثر من صدمته بكل حديثها : تطلقي
اومات له : اه ... عشان مش هعرف اعيش بطريقتك..... مش هعرف اكون زيك واخون كل الناس ولا هعرف اقسي علي اقرب الناس ليا...مش هعرف اكون قويه عشان استاهل اشيل اسم الباشا
تفاجأت بهذا الجمود الذي غلف ملامحه لحظة بينما جابت صورة امه بعيناه.... هاهي ستتركه بوسط الطريق كما فعلت امه من قبل... هاهي ستترك يده وتتخلي عنه..!
هز راسه بجمود : تمام.... عاوزة تكملي صورة الضحيه كمليها ماهو اصل انا فعلا غلطان كان لازم اخدك في حضني واقعد اعيط جنبك زي النسوان واقولك بلساني اطمني بدل ما اعملك كل اللي المفروض يحسسك بالأمان
ازدادت يداه قبض علي ذراعها بلا وعي منه وقد تملكت عقده الفقد منه بينما يكمل بقسوة : بس اقولك علي حاجة..... انا مغلطتش..... الدنيا علمتني ان وقت الشده مبيبقاش في وقت لا لكلام ولا لاحساس
عشان لو كنت حسيت واخدت اخواتي في حضني بدل مااقف في وش الدنيا عشانهم كان زمانهم مكانك بيعيطوا مستنين الدنيا تدوس عليهم اكتر
قست ملامحه بشده وتابع : انا طبعي كدة عاوزاني ولا عاوزة واحد يشبعك كلام حلو ومع اول موقف يجري ويسيبك زي الصرصار اللي كنتي مخطوبه  له..... عيطي اكتر وقولي كل اللي انتي عاوزاه بس انا متعودش اعيط زي النسوان في اي موقف ولا اتعودت اكون ضعيف
نفذت سهامه المؤلمه لقلبها ليجهز عليها وهو يكمل بينما يترك يدها لتترنح للخلف : بكره هطلعك من هنا وهاخد حقك بس اقلمي نفسك علي طبعي عشان ده اللي مش،هيتغير ابدا.....
ويكون في علمك طلاق مبطلقش..!
تركها وانصرف وكلاهما أوجع جرح الاخر اكثر واكثر..... لم تري كم هو متألم وبحاجة اليها  وهو لم يشعر بألمها ولم يشعر بحاجتها اليه والسبب ان لا أحد منهم وضع نفسه مكان الأخر....كلاهما يريد الدواء من الاخر دون تقديمه.!..
........

القاسي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن