الإلحاد - الإيمان مرساةُ القلوب

ابدأ من البداية
                                    

ومن هنا أتطرق أيضًا إلى مسألة «الكتم عن الأهل» إذ أن العديد من الأبناء والمراهقين خاصةً يكتمون عن أهلهم الكثير، بدءًا من درجاتهم في المدرسة ومشاهدة الأفلام الإباحية وأصدقاء السوء، ونهايةً بالأفكار الإلحادية، نظرًا إلى توقعهم لرد الفعل القاسي وغياب لغة الحوار وعنصر التربية، إذ أن الأهل يتخذون موقف الشخص الذي يعاقب قبل أن يعلّم، وحتى لو عاقبوا فأنهم يعاقبون بأشد الطرق تخلفًا، كالضرب والشتائم والانتقاص ونحوه.

فكيف تتصورون أن يكون انعكاس ذلك على الأبناء؟ ومن ثم كيف نستطيع أن نحسّن من تربية الأهالي فيما يتعلق بهذا الجانب؟ ماذا لو كنتَ أنت الأب أو الأم، وأتاكَ ابنك يفصح عن شكوكه وأفكاره في الإلحاد، كيف ستتعامل مع الأمر؟

من أكثر الروايات تأثيرًا بي أنا شخصيًا والتي تتناول قضية الإلحاد كانت رواية شيفرة بلال لأحمد خيري العمري، وظل في ذهني تشبيهه لنهاية الحياة في انفصال قابس الكهرباء والظلمة المفاجئة، هناك العديد من النظريات الإلحادية في بدء الكون، لكن ماذا عن نهايته؟ ماذا سيحصل بعد الموت؟ ولمَ وُجِد الإنسان أصلًا ولأي هدف؟ جميع هذه الأسئلة لا يجيب عنها الإلحاد، وستظل فيه مبهمة دون جواب.

كما أن خلق الكون دقيقٌ جدًا، كل شيء مخلوق بطريقة متناغمة، الفضاء والأرض وجسد الإنسان وعقله -الذي يعد بحد ذاته معجزة- وكل هذه الأبعاد المصنوعة بدقة شديدة، فكيف قد يكون ذلك مخلوق من العدم؟ هل العدم يصنع المعجزات؟ وهل الصدفة كفيلة بفعل كل هذا؟ كلا، لا بدّ من وجود قوة معينة قد صنعت عالمنا بهذا التناغم  والتفاصيل، قوة كبيرة جدًا أقوى من الكون بحد ذاته، فكي تصنع ما هو قوي لا بد من أن تملك أضعاف قوته.

هناك أسئلة أخرى كثيرة لا يقدم الإلحاد لها جوابًا، ولهذا فإنها تصنع ثغرة كبيرة به لا يمكن تجاهلها، وكما يقول أحمد خيري في روايته على لسان الشخصية كريستين: "الأديان تقدم أجوبةً على الأقل، الإلحاد لا يقدم شيئًا".

وعلى ذكر كريستين، هذه الشخصية ربطت إلحاد البطل بكونه عربي، فنظرًا إلى أن الدين السائد عند العرب هو الإسلام فقد اعتبرت أن إلحاده نوع من العناد مع أصله وإثبات لنفسه بأنه أمريكي تمامًا.

ومن هذا المنطلق فإن البعض يلحد لأنه يكره بيئته أو أصله ونحوه، وبالتالي فهو يتخلى عن كل رابطة تربطه بهم كنوعٍ من التحرر منهم، وهذا قريبٌ نوعًا ما من موضوع "موضة الإلحاد"، إذ أن جمع كبير من الملحدين قد ألحد مسايرةً لإلحاد الكثير، وآخرون يرون أن الإلحاد ناتج عن ثقافة ووعي ويعطي لمعتنقه فخامة واحترامًا كبيرين.

فسؤالنا هو كيف يستطيع المجتمع أن يظهر الجوانب المظلمة وغير المنطقية من الإلحاد ليبدو شيئًا سيئًا؟ وكيف يستطيع أن يمحو هذه الموضة؟ وهل للمجتمع الغربيّ تأثير في هذه القضية؟

امتدت جذور التشكيك لتُبعث داخل أفكار شخصيات قد كونت الكثير من إرثنا الثقافي.
أوجه الضوء نحو الأديب والناقد المعروف طه حسين، فقد تمّ تكفيره واتهامه بالإلحاد وتمت محاكمته، فهل تعلمون أسباب ذلك؟ وأي من كتبه قد كان سبب اتهامه بهذا الشكل؟

قد تسببت قضية الأديب طه حسين تلك استقالته من الجامعة مجبرًا، رغم دفاعه عن نفسه وتبريره لما احتواه كتابه، إلّا أن العديد من طلابه قد نفروه، وهم من كانوا السبب بتكفيره، فما رأيكم بما حصل معه؟

تتنوع مشاهير الأدب والثقافة، فهل لكم أن تضيفوا لنا أحدهم ممن صادفته نفس مشكلة طه حسين؟

للمؤسسات الدينية دور كبير في إيقاف ظاهرة الإلحاد، أبحاث ودورات وفعاليات والكثير من الأمور التي يستطيعون من خلالها أن يرشدوا أبناء المجتمع من خلالها، ونشهد اليوم تقصيرًا كبيرًا من المؤسسات الدينية والشيوخ والمؤثرين دينيًّا.

ومن هذا المنطلق نسألكم: كيف يمكن للمؤسسات الدينية والشيوخ القيام بدورهم بالشكل الأمثل في إيقاف هذه الظاهرة؟ وما دور الحكام والسياسيين في تحسين عمل هذه المؤسسات؟

أعيد من جديد، تفتُّح عين الإنسان على الدنيا يجعله يبغض عدة أشياء تحت مسمى القمع والحبس لحرية الشخص، فما الذي ساهم بانتشار الإلحاد؟ ولمَ العديد من أبناء الجيل الحالي يتخذونه طريقًا لهم؟

وفي الختام، فإن الإلحاد لهو حكم سطحي للغاية على قضية عميقة جدًا ممتلئة بالأدلة، فهو يُزرع داخل عقل وروح الإنسان ويملؤهما بالخواء، خواءٌ روحي، فالعقل يتغذى بالعلوم المختلفة، والجسد بالطعام، لكن الروح تبقى تنهش العقل لإيجاد شيء ترتقي به، فإن كان العقل فارغًا فالروح مصيرهَا الهلاك.

دمتم بودّ وحبّ، نسأل الله تعالى أن ينير بصيرتكم دائمًا.❤

أسوة ٢٠٢٠حيث تعيش القصص. اكتشف الآن