الختام

357 14 4
                                    


الختام
__________
تأمل "ماكس" صديقه الذي يقف مستقيما وقد تعلق بصره على نافذة زجاجية كبيرة بغرفة العناية المركزة في المستشفى الجراحي الكبير الذي يقع في ولاية "فرجينيا"
اقترب منه وربت على كتفه ثم قال بأسى لم يستطع أن يخفيه:
- هون عليك يا صديقي وارتح قليلًا فجرحك ما يزال حديثًا

قال "ريسين" بهدوء مريب دون أن يرفع بصره عن غرفة العناية المركزة:
- كيف أفعل يا "ماكس" ؟ ، الا ترى ما أصابها ؟، انظر إليها إنها تصارع الموت، قلبي ينفطر لأجلها يا رفيقي

اطرق "ماكس" رأسه بحزن وقال:
- اعلم ذلك ولكن لا يجب أن تفعل هذا بنفسك، كن قويًا

ابتسم الآخر بسخريته المعهودة ولكنها كانت إبتسامة باهتة حيث قال:
- لو لم أكن قويًا لما استطعت احتمال رؤيتها هكذا

تنهد بحزن ثم تابع قائلًا:
- قال الطبيب بأن إحتمالات نجاتها ضعيفة، تلك الطعنة كادت أن تصيب قلبها

تهدج صوته وهو يستطرد :
- لقد كنت أنوي أن أعرض عليها الزواج بعد أن تهدأ الأوضاع ولكن ..

بتر جملته فجأة فمسح "ماكس" وجهه في حركة عفوية عبرت عن حزنه الشديد، ثم قال بإبتسامة بسيطة في محاولة للتهوين على رفيقه:
- لقد قبضنا على "ويليام" وهو يحاول الهرب بعد أن أخبرنا "جان" بمكانه .. وسيقدم للمحاكمة في أسرع وقت، وسيحاسب على كل جرائمه التي اقترفها .. أليس هذا أمرًا جيدًا ؟

لم يجبه "ريسين" فأكمل بهدوء:
- لا تيأس يا "ريسين"، لا تنسى أن العناية الإلهية موجودة .. والمعجزات شئ وارد

ساد الصمت للحظات، إلى أن قال "ريسين" بصوت متهدج:
- لن أنعم بالراحة ابدًا إذا ما أصابها مكروه

خُيل لـ "ماكس" أن عينيه تخدعانه، أو أن عقله يمارس إحدى الاعيبه، فقد بصر لأول مرة في حياته دمعة تترقرق في عيني صديقه الذي لطالما عهده أصلب من الصخر ..

مرت الأيام تتلوها أيام، و"ريسين" لا يمل ولا يكل من زيارتها، يحدثها من خلف زجاج غرفتها عما يشغل تفكيره .. وعن إشتياقه لرؤيتها، وعن سكونها الذي بات يمزق قلبه، يحدثها عن رغبته في عودتها من جديد .. في فتح عينيها المغلقتين، يعتذر لها مرارًا عن خداعه الذي أغضبها وأثار إستياءها

إلى أن أتى ذلك اليوم الذي افاقت به، وفتحت عينيها الذي ادمى غلقهما قلبه، كان يومًا مثيرًا منذ أن اخبره "ماكس" بذلك الخبر، هذه المرة أسرع إليها بسعادة حقيقية، وسابقت قدماه الريح ليصل إليها كما فعل سابقًا، ولكن هذه المرة لم يكن في الأمر خدعة

دلف إلى غرفتها بعد أن تم نقلها إلى غرفة أخرى، فوجدها ترقد على الفراش، ورأسها غارق في خصلاتها الذهبية، ولكن الأهم من ذلك أن عينيها مفتوحتين، تحركهما بوهن لتتفقد الغرفة، وكذلك الأجهزة الكثيرة التي تحيط جسدها

اقترب نحوها وجلس بهدوء فوق مقعد مجاور للفراش، والتزم الصمت ليتحين ردة فعلها
أما هي فقد حركت بصرها نحوه ثم ما لبثت أن ابتسمت بخفة، وحركت شفتيها لتنطق اسمه بخفوت، زفر بإرتياح عندما رأى ما فعلت ثم قال وقد لمع بريق خاص في عينيه:
- هل أنتِ بخير؟

هزت رأسها ببطء فتابع قائلًا:
- أنا سعيد لذلك

تسائلت بهدوء:
- اين انا تحديدًا ؟

= أنت في أكبر مشفيات الجراحة بولاية "فرجينيا"، ولقد تكفلت المخابرات بنفقة علاجك كاملة

تابع قائلًا:
- لا بد بأن السيد "ريوك" في طريقه إلى هنا للإطمئنان عليكِ

ابتسمت بلطف وقالت:
- هل تمت مهمتنا بنجاح أيها المقدم؟ .. اعنى هل أنهيتم ما بقي ناقصًا ؟

اومأ بهدوء ثم اردف بحبور:
- أجل، لقد انتهت المهمة وأُغلق ملف "الجوبلن" تمامًا دون رجعة

ظهر الرضا على ملامحها وصمتت للحظات ثم قالت وكأنها تذكرت شيئًا ما:
- اشكرك أيها المقدم على إنقاذك لي .. إنني أدين لك مرتين حتى الآن

كاد أن يعقب على قولها لولا دخول "ماكس" المفاجئ، اقترب الأخير وقال بإبتهاج:
- الشكر لك يا إلهي لرؤيتي هذا اليوم، أرى أنكِ بخير أيتها المقدم

ابتسمت بخفة قبل أن يستطرد قائلًا:
- استعيدي صحتكِ سريعًا لتعودي إلينا مرة أخرى فجميعنا نشتاق لذلك

حركت حاجبيها كعلامة ما، ولكن "ماكس" أسرع يحث صديقه على النهوض قائلًا:
- دعنا نخرج الآن يا "ريسين" لنتح الفرصة للسيد "ريوك" للإطمئنان عليها

نهض "ريسين" وخرج بصحبة رفيقه، اوقفه "ماكس" بعد أن تأكد من أن لا أحد يراهما، ثم أخرج ورقة مطوية من جيبه ليناوله إياها وقال:
- خذ هذه الورقة ومزقها أيها المقدم

تناولها "ريسين" بتعجب بينما يتمتم بسخرية:
- أنت تعلم بأنني لم أعد مقدمًا يا صديقي

ربت على كتفه بإبتسامة مشرقة وقال:
- ستكون كذلك ما أن تمزقها

قطب "ريسين" حاجبيه ثم فتح الورقة ليتبين أمرها، وسرعان ما اتسعت حدقتاه وقال:
- هذه ورقة إستقالتي ! .. الم تسلمها إلى السيد "ريوك" ؟

هز الآخر رأسه نافيًا ثم أردف:
- كنت أعلم ان ما تمر به هي غيمة ستنقشع لا محالة، لذا قررت ان انتظر قليلًا لتهدأ فأنا أعلم حبك لعملك وإخلاصك أيها المقدم

ضحك "ريسين" حتى بانت أسنانه من فرط السعادة، فأن يمتلك المرء صديقًا يفهمه هو أمر في غاية الصعوبة ..

توالت الأيام من جديد، وتوالت زيارات "ريسين" لـ "إيڤان" في سياق زمالة العمل، ولكن كلاهما يطّلع على ما يكنه الآخر في قلبه، فقد كانت بعض النظرات كفيلة بإظهار الحقائق، ولكنهما انتظرا ما ستؤول إليه الأمور.

بدأت "إيڤان" تستعيد عافيتها تدريجيًا رغم بطء التقدم، فقد استغرقت وقتًا طويلًا لتستطيع فقط تحريك جسدها بحرية، وكان هو يتابع تقدمها الصحي بفارغ الصبر، لم يمل لحظة من ذلك رغم إنشغاله بمهامه الجديدة التي كُلف بها، كان يغدق عليها بما تحتاج من دعم نفسي، ويرفع من معنوياتها كلما أوشكت على الإنهيار، كان يحول بينها وبين السقوط دائما وقد ساعده على ذلك ثقتها به التي دائمًا ما كان عند حسن ظنها

انقضى وقت طويل، وانقضت معه أيام المرض، وحان وقت خروجها من المشفى لتستكتمل حياتها الطبيعية بعيدًا عن تأثير الأجهزة الطبية
عدلت من هيأتها أمام مرآة غرفتها بعدما حزمت أغراضها القليلة للرحيل، ولكنها فوجئت بأحد يطرق باب الغرفة فهتفت بتلقائية:
- تفضل

فُتح الباب وإذ بـ "ريسين" يقترب منها ليحمل حقيبتها الكبيرة ثم يقول محفزًا:
- هيا بنا

قالت بإستنكار :
- مهلًا هل ستصطحبني؟

هز رأسه سريعًا فتابعت:
- ولكن لا داعي لذلك يمكنني أن أغادر بمفردي

تمتم "ريسين" بخفوت:
- عادت لعنادها من جديد.

لم تكترث له بل مدت يدها لتجذب حقيبتها من يده ولكنه ظل متمسكًا بها وقال:
- لم يلتئم جرحك تمامًا بعد لا داعي لبذل أي مجهود

زمت شفتيها وقالت بإصرار:
- كلا أنا بخير يمكنني حملها بمفردي

جذبت الحقيبة من يده فجأة ولكنها افلتتها عندما آلمها جرحها فأطلقت تآوهات عالية ووضعت كفها على صدرها، مال نحوها قليلًا ليسندها وهو يتمتم مداعبًا إياها:
- ولا داعي للتظاهر بالقوة ايضًا فهذا يضر بالصحة كما ترين

لكزته بخفة قبل أن تسير تاركة إياه خلفها لتتجه إلى الأسفل، تطلعت إلى الساحة التي تمتلئ بالسيارات بحيرة شديدة ثم قالت:
- لقد طلبت من أحد الزملاء إحضار سيارتي إلى هنا فأين هي الآن ؟!

وضع "ريسين" حقيبتها داخل سيارته وقال:
- أتقصدين النقيب "ويلسون" ؟ لقد أخبرته ألا يفعل فسنستقل سيارتي

اغتاظت لقوله فهتفت بحنق:
- ومن سمح لك بذلك ؟

حك جبينه وهو يحدق بها مستدعيًا صبره، فتظاهرها باللامبالاة نحوه يفقده إياه، أشار إليها بسبباته وقال بلهجة آمرة:
- اصعدي إلى السيارة الآن ولنتناقش بهذا الأمر لاحقًا

لم تولِ كلماته أي إهتمام، بل سارت مبتعدة وهي تهتف بعناد:
- كلا سأستقل سيارة أجرة

سارت بضع خطوات وهي تظن بذلك أنها قد انتصرت بعنادها، ولكنها صرخت فجأة عندما شعرت بجسدها يرتفع في الهواء، حركت ساقيها بعنف وصرخت به:
- ماذا تفعل ؟ أبتعد عني .. اتركني

انزلها لتلمس قدماها الأرض، ولكنه لم يتركها إذ هتف بها قائلًا:
- لا تفقديني صوابي يا هذه أخبرتك أن تصعدي إلى السيارة

حاولت الفكاك من بين يديه ولكنها لم تنجح نظرًا لقوته التي تفوق قوتها فلجأت إلى أسلوب خبيث، حيث صاحت طالبة النجدة فارغمت جميع المارة على الإنتباه لصوتها

كمم الأخير فمها بيده وهمس بتعجب:
- شششش ماذا تفعلين أيتها المجنونة؟

= هل هناك خطب ما أيها السيد ؟

قالتها إحدى المارّات فقال "ريسين" بإبتسامة بسيطة بينما يحاول تقييد حركة "إيڤان" المتكررة:
- كلا يا سيدتي إنه خلاف بسيط فقط سأحله الآن

افلتت "إيڤان" فمها من قبضته وقالت:
- لا إنه يحاول أن ...

أحاط فمها بكفه بإحكام وقال بإبتسامة واسعة ليتدارك الأمر:
- كفي عن هذا يا زوجتي العزيزة سيظنون بأن الأمر جدي حقًا

توسعت حدقتاها بدهشة لإدعاءه ثم عادت تضيقهما بتوعد بعد أن وضعها فوق مقعد سيارته ليقيد حركتها بحزام الأمان ويغلق الباب.
صعد فوق مقعد السائق وسحب حزامه الخاص ثم أسرع ينطلق بالسيارة مبتعدًا وهو يرمقها بنظرات خاطفة من حين لآخر

مرت دقائق من الصمت كانت كفيلة بإثارة حنقها فهتفت بغضب:
- والآن بعد أن اختطفتني إلى أين ستأخذني ؟

رمقها بنظرة بدت مريبة كثيرًا فابتلعت لعابها في توجس وقالت:
- أنا اتحدث إليك

قال بهدوء تخلله الغضب:
- إلى مكان مجهول حيث لا طعام، ولا شراب، وأيضا لا كلام

أعقب جملته الأخيرة وهو يضرب فمها عبر أنامله بخفة، هتفت الأخرى بجدية:
- ريـ .. أعني أيها المقدم لا يحق لك فعل هذا، يجب أن تتركني اتحرك بحرية واذهب إلى منزلي فأنا مازلت مصابة

عقب على كلامها دون أن يلتفت إليها:
- فليقتنع عقلكِ الطفولي أولًا بإصابتك وبعدها ستدركين أن ما افعله هو عين الصواب

جزت على أسنانها بضيق اثر نعته لها بالطفلة، فهو الوحيد الذي يستمر بالسخرية منها دونًا عن كل من تعرفهم، ولكن ليس من عادتها أن ترضخ لشئ، هذا ما حتمته عليها طبيعة عملها القاسية
خطرت ببالها فكرة مجنونة عملت على تنفيذها، إذ وضعت كفها على صدرها وتآوهت بخفوت اعقبتها بقولها مخاطبة "ريسين":
- رجاء هلّا أوقفت السيارة قليلًا ؟ إن حركة السيارة تؤلمني ..

القى الأخير عليها نظرة خاطفة فظن أنها تتألم بالفعل؛ لذا اوقف السيارة في حافة الطريق ومد يده إليها ليتفقد جرحها، ولكنه لم يجدها !
إذ فتحت باب السيارة وأخذت تعدو بشئ من السرعة، فغر فاهه على فعلتها المجنونة وأسرع يحل حزام الأمان ليندفع خلفها، وفي غضون ثوانٍ كان يمسك بها ويحيطها بذراعيه
أدار وجهها نحوها وصرخ بغضب:
- "إيڤان" هل أنتِ مجنونة؟ ، اخبريني يا امرأة هل أثر الجرح على عقلك ؟ أم هل تحاولين قتل نفسك قولي لي ؟

توقفت عن الحركة للحظات بعد أن كانت تقاومه وحدقت به بعيناها اللتان اشتعلتا بالحنق ثم قالت:
- بل أنت لماذا تستمر بفعل هذا ؟ هل أنت وصي عليّ ؟ أخبرني هل هناك شئ يربطنا ولم اتذكره بعد؟

لم يعقب على كلماتها، بل لم يفكر بذلك أصلًا، بهتت ملامحه وأبعد ذراعيه عنها وقال بجمود لم تعهده:
- هكذا إذا ؟!، حسنا يا "إيڤان" اذهبي في حال سبيلك ما دمتِ تفضلين ذلك

التفت ليرحل دون أن ينتظر ما ستقول ولكنها هتفت لتوقفه:
- مالذي أفضله يا "ريسين" أخبرني ؟

سار بضع خطوات وقال بذات الجمود:
- تعلمين ما اقصده جيدًا .. أنتِ تتعمدين تجاهلي وإظهار اللامبالاة نحوي

تلمست منكبه العريض فالتفت نحوها، ولكنه ذُهل عندما وجد ملامحها قد انكمشت لتبدو وديعة وشفتاها تتحرك لتقول بهدوء:
- أنا بالفعل اتعمد فعل هذا يا "ريسين"، ولكن ليس لإغاظتك بل لأنكَ فعلت المثل تجاهي، لقد ظننتُ بأن إعترافي لكَ في ذلك اليوم كان كافيًا ولكن يبدو أنه لم يكن كذلك

حدق بها بذهول، أهي تدعي الغباء الآن أم أنها طباع النساء عندما يقعن في الحب ؟ .. إن كان يتجاهلها كما تدعي، فكيف تفسر ما كان يفعله خلال تلك الأيام السابقة، ولكنه قرر أن يلهو معها قليلًا فتظاهر بالنسيان وقال ببلاهة:
- أي إعتراف؟ ماذا تقصدين ؟

حمحمت برفق ثم قالت بخفوت:
- ذلك الإعتراف الذي قلته في ذلك اليوم الذي أصبتُ فيه

قطب حاجبيه وقال:
- هل أعترفتِ لي بشئ آن ذاك ؟

بدا تمثيله مقنعا فقالت بخفوت أكثر من السابق بعدما ظهر خجل بسيط على وجهها:
- احم .. أجل عندما اخبرتك أنني .. أحبك

رفع حاجبيه وتسائل ببلاهة وكأنه قد تفاجأ لتوه:
- ماذا .. أحقًا تفعلين ؟

صمتت قليلًا، فقد استشعرت سخريته منها، وتأكدت من ذلك عندما دخل الأخير في نوبة من الضحك المتواصلة، دفعته بإغتياظ شديد وسارت مبتعدة عنه وهي تتوعده بالكثير

أما هو فكان يحاول اللحاق بها رغم بطء خطاه، ولكنه أخيرًا جذب ساعدها لتقف أمامه مجددًا، ثم تغلب على ضحكه قبل أن يقف بمظهر يوحي بجديته ويقول:
- وأنا كذلك يا عزيزتي

استحالت ملامحها إلى السعادة المطلقة، وبدت كالطفلة في هيأتها، خاصة بعدما نحت وجهها إلى الجانب لتتحاشى النظر إليه، أما هو فقد اطلق قهقهات متتالية أرغمتها على الإبتسام بعفوية
أخذ "ريسين" نفسًا عميقًا ثم قال بهدوء مفاجئ:
- "إيڤان" هل تقبلين الزواج بي ؟

اختفت إبتسامتها وتطلعت إليه بريبة، فلم تتوقع أن يبادرها بهذا السؤال الآن، ولكنها قررت العبث معه لترد له جزءًا مما فعل فرفعت إحدى حاجبيها وقالت:
- كلا

كان يتوقع ردها ذاك كثيرًا، فابتسم على تعقيبها وقال:
- إذا مبارك لنا زواجنا يا عزيزتي ..
*______________________*
جلس فوق مقعد زنزانته وجسده يرتجف بشكل بالغ، هو الذي حكم الناس والمال والقوة تفصله لحظات معدودة عن تنفيذ حكم إعدامه، لحظات قبل أن يتأرجح جسده في حبل المشنقة ليذوق ويلات ما اقترفه من قتل وسلب ونهب وإتجار في كافة الأشياء الممنوعة التي لا يستطيع هو بنفسه إحصائها

رفع "ويليام" بصره نحو باب زنزانته عندما فُتحت ليتقدم نحوه بضعة رجال؛ ليقتادوه حيث مصيره المشئوم، صرخ بكل ما أوتي، وقاوم بكل ما استطاع، بل كاد أن يتوسل عله بذلك يهرب من الموت، ولكن لم يعد ذلك يفيد بشئ

دقائق احصاها قد مرت قبل أن يلتف حبل المشنقة حول عنقه، وفي أقل من دقيقة كان يصارع الموت، وجسده يهتز بعنف، حتى سكن تمامًا لتعود روحه من حيث اتت، ولتُسطر نهايته الشنيعة لتكون عبرة لكل مجرم يتجرأ، ويحلم بإمتلاك ما لم يكن من حقه يومًا ...
*_____________________*
بعد عام كامل

احنى جسده قليلًا ليتفقد أسفل الفراش، ولكنه قطب حاجبيه عندما لم يجد ما يريد، نهض ليتابع البحث في باقي أنحاء المنزل، ولكن استوقفه رنين جرس باب المنزل فاتجه مسرعّا ليفتحه
انفرجت ملامحه بالكامل، وتهللت أساريره ثم قال بترحيب:
- "ماكس" صديقي العزيز مرحبًا بك

هز "ماكس" رأسه وقال:
- كيف حالك يا "ريسين"، لقد اشتقت إليكَ يا رجل

ابتسم "ريسين" واردف بحبور:
- بخير يا صديقي .. وكيف حـ...

بتر جملته عندما شعر بأحد خلفه يتلمس كتفيه فالتفت قائلًا بمرح:
- وأخيرًا أمسكت بكِ

أطلقت "إيڤان" قهقهات مرحة وقالت:
- يجب أن تعترف بأنني بارعة في الإختباء

هز رأسه وقال مداعبًا:
- لستِ كذلك، كنت على وشك الإمساك بكِ لولا أن "ماكس" ..

بتر جملته للمرة الثانية عندما تذكر وجود صديقه فالتفت نحوه ليدعوه إلى الدخول، ولكنه وجده مستغرقًا في نوبة من الضحك

قال "ريسين" بعدما رفع إحدى حاجبيه مستنكرًا:
- ما الأمر يا "ماكس"

استغرق الآخر لحظات قبل أن يفرغ من ضحكه ثم قال:
- لا أصدق أن شخصين ناضجين مثلكما يلهوان بهذا الشكل

رمقه "ريسين" بنظرة مستخفة وقال:
- لا شأن لك بما أفعل أنا وزوجتي

برزت "إيڤان" من خلف جسد "ريسين" وقالت:
- تفضل بالدخول يا "ماكس"

دلفوا جميعًا إلى غرفة الضيوف ليجلسوا سويًا، ولكن "إيڤان" أصرت على تقديم واجب الضيافة فغادرتهم بعد دقائق، استغل "ماكس" الفرصة وقال مخاطبًا صديقه:
- أرى أنكما ما زلتما تمضيان وقتًا رائعًا رغم مرور عام كامل على زواجكما

أومأ بهدوء ثم قال:
- بالطبع، لقد بذلت الكثير من الجهد لأحصل عليها يا صديقي فكيف لا نفعل ؟!

ابتسم وقال بمرح:
- على كلً لقد آن لهذا اللهو أن ينتهي

تابع بجدية قبل أن يترك المجال لصديقه للإستفهام:
- هناك مهمة جديدة .. والسيد "ريوك" يطلبكما شخصيًا بشكل عاجل

برزت أسنانه البيضاء وقال:
- وهذا شئ سعيد آخر

= ما الذي تتحدثان به في غيابي.
هتفت بها "إيڤان" وهي تقدم كؤوس العصير فرد "ريسين" بإبتسامة مشرقة:
- الوطن ينادينا يا عزيزتي

استقامت بوقفتها وسرعان ما ظهر الحماس على وجهها قبل أن تقول:
- إذا فـ لنلبي نداءه يا زوجي العزيز ...

"الحرب خدعة" قانون صريح في عرف المقاتلين يتبعونه ليظفروا بالإنتصار، ولكن أن يصبح الحب خدعة فهو أمر يدعو إلى التساؤل، كانت هذه المناورة التي اتبعها هو، فجازف بفعلها، واعلن غرامها في ساحة الحرب محطمًا كل القواعد، ومتحديًا جم الصعاب، ليتحول إلى بيدق شرس يطيح بمن يرصده في طريقه، قبل أن يصل إلى خط النهاية ليتوج ملكته على عرش قلبه، وهنا قد سن قانونًا جديدًا سطره بين صفحات العشق، ونال إنتصارًا عظيمًا .. وما أجمله من إنتصار ناله بعد تلك المجازفة ...

_تـمـت بحـمـد الـلـه_

بيدق الحب ... للكاتبة بوسي شريفWhere stories live. Discover now