الفصـل الأوّل

ابدأ من البداية
                                    

يسألُ بلهفة عن رفيقة روحه آيلا حتّى يجتمِع ثلاثتُهم
مثلمـا إتّفق وإيّاها قبل ولادتِها بأيّام قليلة.

لڪن يبقَى لِلحظاتِ السّعادة التي لا تُنذر بِقُدومٍ أو
رَحيل، النّصيبَ الأكبر مِنَ الأزمِنة والأَماكِن. شُحـوبُ
وجهِه وَذبُولُ معالِمِه جَعلت جمِيعَ مَن بِتـلكَ
الغُرفـة ينظُر لهُ بِأسى، يرأفُ لِحـالِه التِي
اِنقلبت بِلمحِ البصَر.

ڪانَ ذلِك بعدَ سماعِه أنّ زوجتَهُ قد فارقتِ الحياة
عقِبَ وِلاَدتِهَا القيصَريّة مُباشرةً؛ بِسبَبِ تعرُّضِهَا
لِانسِدادٍ رِئوِيّ أدّى لِإصـابتِهَا بِجَلطَة.

صَوتُ فتَاةٍ غريبٌ هُوَ عن مَسامِعه، اِنتشَلهُ مِن جُبّ
المَاضِي فيَسقُطَ الإطارُ مِن يدِه. ڪانَ صوتَ صغيـرتِه
آري، والتِي مَا إن شَرعت بِالبُڪاء إِنتَفضَ هوَ مِن مَضجَعِه بِرُعبٍ لايَدرِي مَاهُوَ بِفـاعِل.

هَرعَ إلَيها يهُـزّ السّريرَ الخـاصّ بِهـا يُؤرجِحُهُ بِبُطىءٍ
عَلّها تهدَأ وتڪُفّ عنِ البُگاء، لڪِنّها أبَت! بَل تضاعفَ
نحيبُها؛ ماجعلهُ يسحبُ يدَيـهِ يقبِضُ
علَى ڪفّيهِ بِتَوتُّرٍ وَهلع.

«آري، مَلاكِي، لِمَـا تَبڪِينَ، هل تُريدينَ وَالِدتكِ؟!»

نَطقَ بِنبرٍ مُرتجِفٍ وقبضتَاهُ مُعلّقة بِجانِب
صدرِهِ يعتصِرُها، ينتظِرُ ردّة فِعلٍ مِنها بِاعتِقادٍ مِنهُ أنّها ستستجِيبُ لِسؤاِله، لَيسَ وڪأنّها ستفعل!
هذا مَا لا يَستَوعِبُهُ عقلُه البرِيء.

بينمـا مَلامِحُ وجهِه توسّدهـا الخوفُ، وَبعدَ تردُّدٍ دامَ لِدقائِق، إمتَدّت يدَاهُ مِن جدِيد، ولڪن هَذه المرّة لَيس لِسرِيرها، وإنّما لجَسدِها الصغير!

حَملهـا على مهلٍ وڪأنّها فراشةٌ يخشى إنقِطاعَ
جناحَيها، يضُمّهَا لِصدرِه الدّافِئ، يَهزّها بِخِفّـة وَيدُورُ بِها
في الأرجـاء، إِلاّ أنّ البُڪاءَ داهمُه لأنّها لم تهدأ
فأخذَت عَبراتُهُ تَسيلُ ڪالنّهـرِ الجارِف على وجنتَيهِ
التِي اِحمَرّت مِن فَرطِ اِضطِرابِه.

«أرجُوكِ إهدئِي ياعزِيزةَ أبيكِ، أنتِ تُخيفِينَنِي»

وڪما هُوَ معروفٌ عن ذَوي التّأخّر العقليّ، هَاهُوَ ذا
خائفٌ ومُرتَبكٌ مِن صَوتِ بُڪائِها الحـادّ الذي مَافتِأ
يتوَقفّ إلاّ وَقد وصل لأشدّ مراحِل هلَعِـه.

كُلّ ذلكَ ڪان على مرأى مِن تِلكَ العينانِ النّـاعِسة التي تُراقِبُه مِن شُرفةِ المنزِل المُجـاوِر فِي
وقتٍ مُتأخِر مِن اللّيل.

والِـد : لأنّكَ أبٌ عظيـمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن