وصية الإمام الكاظم (ع)

30 0 1
                                    

* تخيل نفسك في محل صاحبنا هشام.

[التحف] : وصية الكاظم (ع) لهشام بن الحكم وصفته للعقل : يا هشام !.. إنّ لقمان قال لابنه : تواضع للحق تكن أعقل الناس ، يا بني !.. إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالمٌ كثيرٌ ، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله ، وجسرها الإيمان ، وشراعها التوكل ، وقيّمها العقل ، ودليلها العلم ، وسكّانها الصبر ....

يا هشام !.. لو كان في يدك جوزةٌ وقال الناس : لؤلؤةٌ ، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنّها جوزةٌ ، ولو كان في يدك لؤلؤةٌ وقال الناس : أنّها جوزةٌ ، ما ضرّك وأنت تعلم أنّها لؤلؤةٌ !....

يا هشام !.. مَن سلّط ثلاثاّ على ثلاث ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله : مَن أظلم نور فكره بطول أمله ، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه ، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه ، فكأنّما أعان هواه على هدم عقله ، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه .

يا هشام !.. كيف يزكو عند الله عملك ؟.. وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربّك ، وأطعت هواك على غلبة عقلك .

يا هشام !.. الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل ، فمَن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها ، ورغب فيما عند ربّه ، وكان أنسه في الوحشة ، وصاحبه في الوحدة ، وغناه في العيلة ، ومعزّه في غير عشيرة ....

يا هشام !.. إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك ، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيءٌ من الدنيا يغنيك.

يا هشام !.. إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا ، فكيف الذنوب ؟.. وترك الدنيا من الفضل ، وترك الذنوب من الفرض....

يا هشام !.. لاتمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.

يا هشام !.. كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا....

يا هشام !.. رحم الله مَن استحيا من الله حق الحياء : فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم أنّ الجنّة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات....

يا هشام !.. اصلح أيامك الذي هو أمامك ، فانظر أي يوم هو ؟.. وأعد له الجواب فإنك موقوفٌ ومسؤولٌ ، وخذ موعظتك من الدهر وأهله ، فإنّ الدهر طويلةٌ قصيرةٌ ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك ، واعقل عن الله ، وانظر في تصرف الدهر وأحواله ، فإنّ ما هو آتٍ من الدنيا كما ولّى منها فاعتبر بها .

وقال علي ابن الحسين (ع) : إنّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها بحرها وبرها وسهلها وجبلها ، عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ، ثم قال : أو لا حرٌّ يدع هذه اللماظة ) أي البقية القليلة ( لأهلها ؟.. يعني الدنيا ، فليس لأنفسكم ثمنٌ إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس.

مقتطفات Where stories live. Discover now