الفصل الرابع عشر:

198 13 8
                                    

*مضت عدة ساعاتٍ وكلا "هاري" و "لوكاس" لازالا يجلسان في الحديقة،
وماذا عساهما يفعلان غير هذا؟!
لا سيارة، لا مكان للذهاب إليه، ولا يعرفان ما قد يحدث في أي لحظه، باتا يتصرفان بتلقائيه.. وكأن "هاري" قد عاد إلى حياته الزاهدة وأصطحب هذا الفتى معه.

هاري: آسفٌ على إجبارك أن تصبح متشردًا.
لوكاس: لماذا تعتذر؟!، أنا من عليه الإعتذار؛ فكل هذا يحدث بسببي في الواقع...
  - أعلم، لكنني مازلت آسفًا.
  - على ماذا؟!
  - حقًا لا علم لي، ربما آسفٌ على اللحظات الجميلة التي ضيعتها هباءً، ربما آسفٌ على كل الضحايا الذين أزهقت أرواحهم، قد أكون آسفًا على كل شيءٍ في هذه الحياه.

إنها لحظة الغروب أعزائي، ذلك المنظر الجميل الذي شرد "هاري" عندما أمعن النظر إليه يبدو أنه أعطاه الجرأة والصراحة ليعتذر، بغض النظر عن "لمن؟" او "لماذا؟".

لوكاس: لماذا تعتذر لي اذًا لو لم أكن أنا المقصود بالإعتذار؟!
هاري: أخبرتك بأنني لا أعلم، فقط النظر إلى منظر الغروب الجميل أعطاني دافعًا للإعتذار، أوليس هذا المنظر جميلًا؟
  - تعرف بأنني لا أستطيع رؤيته، صحيح؟
  - اه صحيح أعتذر، أحيانًا أنسى أنك غير قادرٍ على الرؤية؛ فأغلب ردود أفعالك توحي عكس ذلك.
  - ما الذي تتوقعه من شخصٍ وُلد أعمى؟، لقد عشت في هذا العالم لخمسة عشر عامًا في الظلام، التعود هو مصيري في النهاية.
  - هل تتمنى الرؤية "لوكاس"؟
  - ماذا يجب أن أقول؟، أكثر من أي شيء...
  - لماذا رفضت عرض "زاك" اذًا؟
  - لا أعلم، أظنني لم أرتح لهذا الشخص منذ البداية، أو ربما لأنني خائفٌ من رؤية العالم على حقيقته، ربما العيش في الظلام أفضل من مواجهة الحقيقة المرّة.
  - تتحدث وكأنك شخصٌ في الثلاثين من العمر... لا تجعل اليأس يحطمك من الآن يا فتى، مازال أمامك الكثير لتعيشه، مازال أمامك المستقبل.
  - أظن أن مستقبلي واضحٌ من الآن..
  - لا فائدة من الكلام معك.. أخلد إلى النوم، أليس هذا أفضل لك؟، عيناك تبدوان كالدماء...
  - أنهما تؤلمانني في الواقع، لا أعرف السبب...
  - ربما لأنك تحتاج إلى النوم، هل تمانع النوم على الأرض؟
  - ولمَ لا؟، منها وإليها نعود.
  - أخبرتك أنك تتحدث كشخصٍ أكبر من سنك.

أستلقى "لوكاس" على العشب الرطب، وغير معلومٍ إن كان السبب هو نفحة الهواء النقية تلك أم أنه التعب، ولكنه نام سريعًا..
وأستمر "هاري" في التفكير كعادته.. إلى أن غربت الشمس تمامًا، وحل المساء وزُينت السماء بالمصابيح المضيئة التي تسمى النجوم، والتي توزعت في السماء محيطةً بالهلال، منظر السماء وحده كان كافيًا للتفكّر والانغماس في الأفكار، فما بالكم بشخصٍ يحمل على عاتقه هم الدنيا وما فيها؟!...

بعد سلسلة التفكر تلك، أستلقى "هاري" على العشب رغبةً في النوم، كي تتبعها سلسلةٌ أخرى تحت مسمى الأرق، وعدم القدرة على النوم من شدة القلق والتفكير... هذا الموقف وحده جعل "هاري" يحسد "لوكاس" على قدرته السريعة في النوم رغم كل المشاكل المحيطة....
وبعد ساعاتٍ طويلةٍ كلٌ بكى فيها على ليلاهُ، خلد "هاري" إلى النوم، ولا شك في أن أضغاث الأحلام التي راودته طوال الليل منعته من التمتع بنومٍ هانئ، إلى أن فتح عيناه على النور، لقد أوشكت الشمس على الشروق، ولكن السبب الذي أيقظه ليس النور، بل الصوت الذي كان يصدره "لوكاس" والذي يدل على الألم..
في البداية ظن "هاري" أنه مجرد كابوس، ولكن عندما زاد الأمر عن حده عرف أن هناك خطبًا ما، ولم يتردد في أن يتجه إلى "لوكاس" ويوقظه.

عميان البصيرة | "جاري التعديل.."Opowieści tętniące życiem. Odkryj je teraz