عنصر المكان

553 55 41
                                    

المكان هو سلطان المكونات السرديّة التي تمثّل أمامه باقي مكونات النص، فتخضع له ولقوانينه ومبادئه ومعاييره التي يحددها طابع النص، فمن تشخيص المكان تأخذ الأحداث واقعيتها؛ لأنه لا يمكن تصوّر أي حدث إلا في مكان ما، وهنا تظهر قدرة الكاتب على تسخير المكان في مسار الحكي، فيماثل الخيالي لما هو واقعي أو العكس.

وتختلف أهمية المكان وقيمته من رواية إلى أخرى، وهو يكتسب هذه الأهمية من كونه أرضية الأحداث وخلفيتها وضابط الصراع بين الأبطال وجزء من كيان المعنى في النص، ويساهم في تبلور العقدة، وهو أحد ملامح الشخصيات ودليل هويتها وانتمائها وخلفيتها الأيديولوچية، وكذلك فإنه يتبوأ منزلة مُعتبرة في النص وحضوره مرهون بحسن استثمار الكاتب له؛ لذا لا يجب أن يخلو أي عمل روائي من عنصر المكان؛ فهو أداة المبدع في رسم تحفته الأدبية التي تجذب القارئ إليها فيحاكيها بضميره ومخيلته وعاطفته، فشهرة هذه اللوحة الفنية مرتبطة بمدى تلقين مُبدعها.

لعب المكان في الرواية دورًا فعالًا؛ باعتباره المحرّك الأساسي لبنية أحداثه وتسلسل أزمنته واختلاف موقفه؛ فهو الذي يؤسس الحكي؛ لأن الحدث في حاجة إلى مكان بقدر حاجته إلى فاعل وإلى زمن، والمكان هو الذي يُضفي على التخيل مظهر الحقيقة.

فالمكان الروائي لا يؤسَّس بمفرده إلا إذا تفاعل إيجابيًا مع المكونات الروائية من شخصيات وتقنيات وأساليب فنية، من شأنها أن تتعاون جميعها مع المكان الخاص في الرواية؛ فتغدو كائنًا حيًا واحدًا، كما أنه  يفرض طقوسه وخصوصيته على الفرد الذي يوجد فيه؛ فهو ملزم وخاضع لتلك القواعد التي تحكمه وتفرض كينونتها على الإنسان.

لذلك فإنه على الكاتب انتقاؤه بما يتناسب مع القصة، فلا يمكننا الكتابة عن  قضية في الشرق الأوسط تحدث في كوريا مثلًا. هذا من ناحية المنطقية، ولا يمكننا أيضًا أن نذهب ببطلنا في رحلة بالسيارة في مدينة البُندقية، ولا يمكننا أن نجعل درجة الحرارة تصل إلى أربعين درجةً في بلد مثل كندا مثلًا.

وللكاتب سبلٌ شتى في تشييد الفضاء أو المكان الروائيّ، منها: الوصف، استخدام الصورة الفنية، وتوظيف الرموز، ولكل منها دوره الفعال في النص الروائي، فالكاتب حين يلجأ إلى الوصف، يبذل قُصارى جهده للبرهنة على قدرته؛ بأن يجعلنا نرى الأشياء أكثر وضوحًا، ذلك أن الوصف هو: ذِكر الأشياء في مظهرها الحسيّ الموجودة عليه في العالم الخارجي.

والمكان هو المحيط الذي تجري عليه الأحداث أو تدور فيه، ويرتبط جدًا بالزمان إذ لا فصل معقول بينهما، فإذا ذكرتَ الصباح فلا بد أن تذكر أين طلع، وعلى أي مِصرٍ سطع، وفي أي أفق لمع! وإذا أوردت الشتاء فليس لك أن تجعله مُعَلَّقَ بالبرد والماء، لا يقرس حضرًا ولا يصيب صحراء، إذ يتوجب عليك التحديد بمسقِط البَرَدِ ومَوضِعِ الجليد.

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|Where stories live. Discover now