الفصل 17

11.2K 411 7
                                    

تجولت "آيات" فى الفيلا تتأمل كل ركن فيها بأعين دامعة .. تجمع ما يعز عليها فراقه .. وتضعه فى حقيبتها .. تجمعت الحقائب فى الأسفل .. فتحت شرفة غرفة المعيشة ووقفت تنظر الى القمر بأعين دامعة .. هذه هى الليلة الأخيرة التى ترى فيها هذا القمر من بيتها الذى ولدت وعاشت وتربت فيه .. من الغد سيكون هذا البيت ملكاً لغيرها .. سيسكنه اناس آخرون .. ستطأ أقدام غريبة تلك الأرض التى زحفت ومشت عليها أولى خطواتها .. وتلك الشرفة التى سهرت فيها ليالى طويلة .. ستشتاق لهواء هذا البيت .. لجدرانه .. لآثاثه .. لأركانه .....

فرت منها دمعة حزينه .. مسحتها بأصابعها و سؤالاً ملحاً يتردد بداخلها .. أين ستذهبين يا "آيات" .. ليس لديكِ مأوى .. وليس فى حوزتك الا بضعة آلاف من الجنيهات .. ماذا ستفعلين ؟! .. الى من ستلجأين ؟! .. لم يكن لكِ فى هذه الدنيا الا والدك .. لكنه رحل .. رغماً عنه ورغماً عنكِ .. أستستطيعين مواجهة تلك الحياة بمفردك ؟! .. قاطع دخول دادة "حليمة" شرود أفكارها .. ابتسمت لها "حليمة" بحنان قائله :
- أجيبلك تتعشى يا بنتى
هزت "آيات" رأسها نفياً وقالت بأسى :
- ومين له نفس للأكل يا دادة
نظرت الى القمر مرة أخرى .. وشردت فى حالها من جديد وهى تقول :
- المفروض أسيب الفيلا بكرة ومش عارفه أروح فين
.. ثم التفتت الى "حليمة" قائله وهى ترمقها بنظرات حزينة :
- هيعز عليا فراقك أوى يا دادة
ابتسمت "حليمة" بحنان فقالت "آيات" بصوت باكى :
- بجد هتوحشيني أوى .. لو كنت عارفه انا راحيه لفين كنت خدت معايا .. بس أنا حتى مش عارفه هعيش ازاى
عانقتها "حليمة" وأخذت تمسح على شعرها بحنان .. أجهشت "آيات" فى البكاء علها تريح صدرها مما يقاسيه من أحزان .. قالت "حليمة" بطيبة :
- بس أنا باه مش هسيبك يا "آيات"
نظرت اليها "آيات" قالئه وهى تمسح عبراتها :
- مش هينفع يا دادة أخدك معايا . .أنا أصلاً لسه معرفش هعيش فين
ابتسمت "حليمة" وحى تتأملها قائله :
- هتعيشي معايا
نظرت اليها "آيات" بدهشة فأكملت "حليمة" :
- بيتي القديم لسه موجود مبعتوش .. سبحان من خلانى ما أحتجش أبيعه .. وأهو الزمن لف ودار واحتجتله .. وكمان أن محوشه قرشين من مرتبى اللى كنت باخده من والدك الله يرحمه .. هتيجي تعيشي معايا ورزقى ورزقك على الله
اغرورقت عينا "آيات" بالعبرات وهى تنظر اليها .. لم تتمالك نفسها فأجهشت فى البكاء مرة أخرى وهى تقول بتأثر شديد :
- بجد يا دادة مش عارفه أقولك ايه
قالت "حليمة" بأعين دامعة :
- متقويش حاجة .. أبوكى كان راجل طيب .. زرع فى حياته الخير .. وانتى بتحصديه دلوقتى .. عمره ما عامل حد من اللى شغالين عنده بطريقة وحشة .. كان بيعامل الناس بطيبة وعمره ما قصر مع حد ولا عمره أذى حد .. ولما سألته فى مرة عن سر معاملته الحنينة للخدم وللناس اللى شغاله عنده قالى ان النبي صلى اله عليه وسلم قال " إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ - أى خدمكم-، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ" .. كان راجل طيب ويعرف ربنا والناس كانت بتحبه .. ربنا يرحمه هو وأمك 
ابتسمت "آيات" وهى تقول :
- يارب .. يارب ارحمهم
ربتت "حليمة" على كفتها وقالت مبتسمة :
- متشغليش بالك .. لينا رب وهو أرحم بينا من عباده
ثم قالت :
- أما أروح أتمم على الحاجة اللى هناخدها
نظرت "آيات" الى السماء وقد لاحت ابتسام على شفتيها وهى تقول بتأثر :
- الحمد لله .. انت كريم اوى يارب

جواد بلا فارس لـ (منى سلامة)Where stories live. Discover now