الفصل الأول

33K 390 26
                                    

فى الظلام الحالك تسير سيارة على جانب الطريق ببطيء يقودها رجل خاط الزمن عليه خيوطه البيضاء.. رن هاتفه برقم مجهول.. رد عليه وتحدث قليلاً ثم أغلق الخط.. حين سمع صريخ ضعيف وصوت نحيب.. اقترب بسيارته الى مصدر الصوت حتى وجد سيارة صغيرة بوسط الصحراء.. ترجل مسرعاً وذهب اليها ليجد فتاة شابة تحاول فتح الباب وتستغيث بصوت ضعيف بينما بجانبها شاب يضربها ويحاول الاعتداء عليها.. فتح الباب الأمامى للسائق وجذب هذا الشاب للخارج.. ظل يلكمه بلكمات قوية حتى خارت قواه والشاب لا يعى شيئاً مما يحدث فقد كان شبه غائباً عن الوعى من أثر الخمر.. سقط أرضاً مغشيا عليه.. اتجه الرجل للسيارة مرة اخرى واخرج الفتاة.. لم يتبين ملامحها فى بادئ الأمر بسبب شعرها الاشعث الذى يغطى وجهها بأكمله.. كانت فى حالة يرثى لها وجهها ملئ بالكدمات وجسدها كذلك كما أن قدميها تسيل الدماء عليها بغزارة.. علم للتو أنه لم يستطع إنقاذها فقد تم الأمر وانتهى.. وياللصدمة! لقد كانت...؟

أسدلت الشمس ستائرها الذهبية وسطعت فى منتصف السماء.. فى فيلا راقية ولكن بسيطة وبالتحديد فى غرفة هذا الشاب.. استيقظ من نومه على صوت زقزقة العصافير.. تثائب ثم قام ذاهبا لحمامه الخاص الملحق بغرفته.. اخذ حماما بارداً ليستعيد نشاطه.. انتهى ثم خرج لافا منشفة حول خصره.. ذهب لخزانة ملابسه انتقى منها بذلة رمادية وقميص أبيض ارتداهم بدون رابطة العنق.. فهى تقيده وهو يكره القيود وبشدة..وقف أمام المرآة حتى يضبط ملابسه.. هو يوسف الراوى شاب فى الثلاثين من عمره له شعر اسود طويل يصل الى ما قبل كتفه ولحية كثيفة منمقة.. وبشرة بيضاء تميل الى البرونزية بفعل الشمس.. له عيون رمادية حادة كعيون الصقر.. ولكن بها لمحة من الحنان تبعث الراحة فى نفسك عندما تنظر إليها.. له انف دقيق وطويل.. وله بنيان قوى بسبب ممارسته للملاكمة والسباحة وألعاب القوى.. يملك شركته الكبيرة فى تصنيع الحديد والصلب..يكره كونه ضعيفاً لهذا يظهر للجميع انه كالصخرة يتحمل الأمواج العاتيه ولا يهزه شىء.. متواضع جداً يتعامل مع موظفيه كأخ لهم وليس مديرهم.. ورغم هذا لايتهاون أبداً فى عمله.. حازم فى تعاملاته مع الفتيات.. فهو عالماً بأمور دينه وربه.. كتوم جدا لايخبر احد بمشاكله وألمه كما انه يعشق عمله بدرجة غريبة حتى أنه لا يتغيب عنه يوماً واحداً ولا يتأخر عنه حتى فى مرضه.. متحمل للمسؤولية.. انتهى من ارتداء ملابسه ومشط شعره للخلف ثم ارتدى ساعته السوداء الأنيقة وحذاء أسود لامع .. كان يشعر بصداع خفيف لكنه تجاهله كعادته.. خرج من غرفته متجهاً إلى الأسفل.. كانت الفيلا مكونة من طابقين.. الطابق الأول به غرفة الطعام وغرفة المكتب وغرفة للضيوف وطرقة صغيرة بها مطبخ واسع.. والطابق الثانى به أربعة غرف كل منها ملحق بها حمام خاص.. واحدة له واثنتان لأخته وأخيه والرابعة غرفة النوم لوالديه ولكنها مغلقة منذ فترة كبيرة وسنعرف لم.. اتجه لغرفة الطعام فوجد اخيه واخته جالسان يتمازحان.. ألقى تحية الصباح قائلاً بابتسامة " صباح الخير.. عاملين اية؟" بادله الاثنان الابتسامة قائلين " صباح النور.. الحمد لله " قال اخيه بمرح " الا قول لى يا يوسف.. مفيش واحدة وقعت ف غرامك من ريحة البرفان دى " رد يوسف بشبح ابتسامة " لا مفيش يا توم كروز " ابتسم أخيه بغرور قائلا " ميرسى " كان ياسين شاب فى الثالثة والعشرين من عمره يختلف تماماً عن يوسف بكل شيء.. له شعر بنى قصير وعيون خضراء كلون الشجر.. طويل نسبياً ولكن ليس بطول أخيه.. جسمه متوسط.. وسيم الملامح.. غير متحمل للمسؤولية فهو يعتمد على أخيه اعتماداً كاملاً فى كل أمور حياته.. فى سنته الاخيرة من كلية صيدلة.. دعاه يوسف كثيراً ليعمل معه لكنه يرد ب " لما أخلص دراسة " كما أنه دائم المزاح والإبتسام.. " مفيش حضن ولا بوسة ليا يعنى " قالتها فتاة تجلس بجانبهم.. فاحتضنها يوسف وضربها بخفة على رأسها قائلاً بمرح " منورة يا أوزعة " زمت شفتيها بغضب طفولى قائلة بغيظ " اسمى ياسمين على فكرة مش أوزعة " ضحكا عليها بشدة على شكلها الطفولى.. كانت ياسمين الشقيقة لياسين والتوأم له.. تحمل نفس ملامحه.. لها خصلات بندقية طويلة وناعمة تداريها بخمار.. ولها عيون خضراء.. وبشرة بيضاء كالثلج.. من ينظر إليها يظنها طفلة بالثالثة عشر وليس الثالثة والعشرين بسبب ملامحها الطفولية.. قصيرة جداً فهى تكاد تصل الى كتف ياسين.. جسمها نحيف.. طيبة وحنونة جداً كما تحمل الكثير من صفات يوسف ومرحة تماماً كياسين.. بالسنة الأخيرة من كلية الهندسة قسم هندسة ديكور.. قالت بإيجاز " ثوانى وهحضر الفطار " رد يوسف نافياً " انا خارج على طول عشان ورايا شغل كتير " ثم أكمل حديثه لياسين " سيبت لك فلوس فى اوضتك للكتب والحاجة اللى انت عايزها للكلية وفوقيهم مصروفك " ثم اكمل لياسمين " وانتى كمان يا ياسمين سايب لك فلوس عشان تشترى لك هدوم جديدة.. وبطلى تكلمى نفسك قصاد المراية هتتهبلى " أكمل محذراً " تنزلى مع حد من صحابك وتاخدى عم حسن معاكى ومتتأخريش " أومأت له مبتسمة بامتنان فقد كانت بالأمس تحدث نفسها أمام المرآة قائلة " عايزة أنزل اجيب فستان بدل الجيبات دى " ولكن يوسف رآها على ما يبدو.. خرج يوسف متجهاً لعمله بينما قالت ياسمين موجهة حديثها لياسين بحب " ربنا يبارك لنا فيه.. بجد مش عارفة كان ممكن يحصل لنا اية من بعده وقبلها ربنا طبعاً.. مكنتش متوقعة معاملته دى بعد اللى ماما وبابا عملوه فيه " أومأ ياسين موافقا على كلامها.. ثم توجها الى المطبخ لعمل الإفطار سويا..

فى مكان آخر ملاصق لفيلا يوسف.. بالتحديد فى فيلا عبد الله الراوى.. يهبط على الدرج بهدوء واتزان.. مرتديا بذلة بنية وقميص بيج.. ملامحه تنم عن الطيبة والحنان ورغم سنوات عمره التى تخطت الخمسون الا أنها لازالت وسيمة.. هو عم يوسف وياسين وياسمين..اتجه الى غرفة الطعام فوجد عائلته المكونة من زوجته وابنته وابنه.. ألقى التحية عليهم وجلس على الكرسى الرئيسى للمائدة وبالجانب الأيسر تجلس زوجته وبالمقابل يجلس الابن والابنة.. بدأ حديثه قائلاً لولده " خالد انا هروح الشركة الرئيسية الأول وبعدين رايح المصنع بقالى كتير مروحتش هناك وعايز اشوف أحوال العمال.. روح انت لشركة يوسف وساعده.. رغم انى عارف انه مش هيحتاج حاجة.. بس اهو روح هناك " رد خالد مبتسماً " حاضر يا بابا.. هو ما شاء الله لوحده يقدر يدير 3 او 4 شركات مش واحدة بس.. هو اصلاً وحشنى بقالى كتير مشوفتوش.. هعدى عليه انهاردة ان شاء الله " أومأ له عبد الله موافقا.. كان خالد الابن البكر لعبد الله الراوى.. لديه تسع وعشرون عاماً.. له شعر اسود قصير ولحية خفيفة منمقة.. وعيون سوداء كظلام الليل.. وبشرة قمحية.. طويل وعريض المنكبين.. له بنيان قوى كابن عمه يوسف فقد كان يتدرب معه الملاكمة.. صعب الطباع قليلاً.. يحب عمله كثيراً.. شديد التعلق بيوسف ويعتبره مثله الأعلى رغم فارق السن الصغير بينهما.. عيبه الوحيد حبه الشديد للنساء.. فله نزوات كثر.. متخرج من كلية الهندسة ويعمل بشركة والده التى تكون هى الفرع الرئيسى لشركات الراوى لتصنيع الحديد والصلب.. " مش كفاية كلام عن يوسف بقى ولا اية غيروا السيرة دى " قالتها فتاة بغضب متذمرة.. نظر لها عبد الله مهددا " اتكلمى عن ابن عمك كويس يا مريم دة اكبر منك بتسع سنين مش عيل بيلعب معاكى " تأففت بغضب.. كانت مريم شديدة الجمال فلها عيون زرقاء وشعر أسود مسترسل يصل الى ما بعد ظهرها.. وبشرة بيضاء.. ذات طول متوسط.. لها انف دقيق.. تأسر من ينظر إليها بجمالها.. ولكن للأسف الجمال ليس كل شئ فهى قبيحة من الداخل.. شديدة الكره ليوسف لأنها تراه معقدا بلحيته تلك وتحكماته الغريبة بياسمين.. لكن بالطبع هذا من نظرتها هى.. أنانية جدا ومتسلطة ومغرورة .. تعامل الجميع كأنهم تحت أقدامها ورهن إشارة منها.. قالت الزوجة بغرور " هو يطول اصلاً انها تجيب سيرته حتى.. هى أحسن منه بكتير " رد خالد نافياً بحنق " لا مش أحسن منه.. دى مجرد عيلة تافهة وسطحية مش هاممها الا صحابها وخروجاتها والموضة بس " اتجهت له انظار السيدتان بغضب مشتعل.. كانت فريدة هى زوجة عبد الله الراوى.. سيدة من سيدات المجتمع الراقى بالخمسين من عمرها.. تحاول ان تبدو اصغر من عمرها بوضع الكثير من المساحيق على وجهها الى تملأه التجاعيد.. لا تهتم الا بالسفر لبلد الموضة باريس وأصدقائها والجمعيات الخيرية التى تشترك بها فقط لمنظرها امام الناس ليس أكثر متسلطة ومغروة كابنتها تماماً.. قال عبد الله وهو يتجه للخارج بعد ان قام بدون إكمال طعامه " قوم يابنى نشوف مصالحنا وسيبهم مع نميمتهم ف خلق الله " اتجها للخارج سوياً تاركين فتاة يشتعل كبرياؤها وامرأة تغلى من الغضب...

#نوران_الدهشان

" معذبتى " لنوران الدهشانWhere stories live. Discover now